الجمعة، 30 يناير 2015

يناير يعود.. والشعب ماذا يريد؟ بقلم: اللواء عادل سليمان



يناير يعود.. والشعب ماذا يريد؟

بقلم: اللواء عادل سليمان

أربع سنوات مرت على الشعب المصري، منذ خرجت طلائعه من الشباب في الخامس والعشرين من يناير 2011، تطالب بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية.

وكانت شرارة سرعان ما سرت في أوصال جماهير واسعة من أبناء الشعب التي التحقت بمواكب الثوار، لتؤكد مطالبها التي هي حق أصيل لها، حجبته عنها سلطة حكم استبدادية، قسراً وقهراً، تلك السلطة والتي بادرت، وعلى الفور، بمواجهة من خرجوا يعلنون مطالبهم، بكلمات مرفوعة على لافتات، واجهتهم بكل وسائل القمع والقتل. وأدرك الثوار أنهم أمام تحدٍّ أكبر مما كانوا يعتقدون. تحدى سلطة ونظام ضارب بجذوره في أعماق الدولة، وتبلورت مطالب الثوار في الميدان في شعار محدد: الشعب يريد.. إسقاط النظام.

وعلى مدى 18 يوماً (25 يناير- 11 فبراير/2011)، والتي سيقف التاريخ أمامها طويلاً، سجلت فيها القوى الحية من الشعب المصري، بكل فئاته وأطيافه، ملحمة من الوحدة والتحدي، والإصرار على فرض الإرادة، انتهت بتخلي رأس النظام عن السلطة، وهو حدث غير مسبوق عبر تاريخ نضال الشعب المصري، وحركته الوطنية الممتدة.

وسيطرت نشوة الشعور بالانتصار لدى الجماهير في الميادين، بل وفى كل أرجاء مصر. ولم يكن هناك مجال في تلك اللحظات الفارقة من تاريخ الأمة، للتوقف أمام الحدث، وإدراك أبعاده، فرأس النظام لم يشأ أن يترك السلطة، ويغادر المشهد، إلا بعد أن يسلم الدولة إلى المؤسسة العسكرية، ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ضاربا بالدستور الذي كان قائماً، أياً كان، عرض الحائط، وكذا المؤسسات المتمثلة في نائب الرئيس، والمجالس النيابية، والمحكمة الدستورية العليا، (مهما كان عليها من تحفظات)، فهي التي كان منوطاً بها تسليم السلطة إلى الشعب عبر الآليات السياسية المتعارف عليها.

ولا شك أن الموقف الإيجابي للقوات المسلحة في التعامل مع الثوار في ميادين مصر، على مدى الثمانية عشر يوماً، والترحيب والقبول الشعبي لوجود أبناء القوات المسلحة بوحداتهم ومدرعاتهم بينهم، كان عاملاً مهماً في القبول المبدئي بتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، كما جاء في البيان الذي تلاه نائب رئيس الجمهورية، في ذلك الوقت، مساء 11 فبراير. وما لبث المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن بادر إلى إصدار إعلان دستوري مختصر في يوم 13 فبراير، لطمأنة الشعب، قرر فيه أنه سيدير شؤون البلاد ستة أشهر، أو إلى حين انتخاب برلمان ورئيس جمهورية، مع تعطيل الدستور ومجلسي الشعب والشورى، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، خصوصاً المواد المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية. وتم ذلك بالفعل، وجرى الاستفتاء يوم 19 مارس.
وأعقب ذلك إصدار إعلان دستوري شامل في 30 مارس، تضمن ما يمكن اعتبارها خريطة طريق لبناء المؤسسات السياسية وانتخاب رئيس الجمهورية وتسليم المجلس العسكري للسلطة.

ومنذ ذلك التاريخ، بدا الأمر وكأن ما جرى في مصر، في 25 يناير وحتى 11 فبراير، زلزالاً عنيفاً، أعقبته توابع، بل وبراكين، عديدة ومتتالية، وتفرقت بالثوار السبل، وجرت في النهر مياه كثيرة، اختلط فيها الماء العذب بالآسن، وأريقت في الميادين والشوارع، بل وفي القرى والبوادي، دماء كثيرة، وسقط ضحايا تجاوزوا الآلاف، نحتسبهم شهداء، وأضعافهم من الجرحى والمصابين، وفئة أخرى مسكوت عنها وهم الغائبون الذين اختفوا في ظروف غامضة، وأقل التقديرات الرسمية تقول إنهم 1200 إنسان مصري، لا يعلم عنهم ذووهم شيئاً وما إذا كانوا أحياء، أو وافتهم المنية، وأيضاً الآلاف من المحبوسين سواء كانوا محكومين أو رهن محاكمة. وأيضاً، لا يمكن أن نغفل إرهاباً أطل بوجهه القبيح، ليضرب في سيناء باحتراف، كما حدث في عمليات رفح الأولى "يوليو 2012" والثانية وما بينهما، ثم عملية كرم القواديس في الشيخ زويد، والعملية البحرية على سواحل دمياط، بالإضافة إلى العمليات الإرهابية العشوائية في الداخل.

أربع سنوات منذ كسر الشعب المصري قيوده في يناير 2011، وبلور مطلبه في جملة واضحة: الشعب يريد إسقاط النظام.
ومر عليه يناير/كانون الثاني 2012، وكان قد انتخب مجلسا للشعب، ولكن سقط مجلس الشعب، وبقي النظام، وجاء يوليو/تموز 2012، وكان قد تم انتخاب رئيس. ولكن، دخلت مصر حالة من الاضطراب ودعاوى جبهات الإنقاذ والتمرد والانفلات الإعلامي والمؤسسي. ومر على الشعب يناير 2013، وهو يعاني من التمزق والانقسام. وجاء يوليو 2013، وسقط الرئيس المنتخب، وبقي النظام. وتم تعيين رئيس مؤقت. ومر يناير 2014، والشعب في انتظار تغيير النظام. وجاء يوليو 2014، وعلى سدة الحكم رئيس، لكن ليس هناك مجال للحديث عن تغيير النظام، لأن الرؤية الجديدة للرئيس أنه ليس هناك ما يسمى "نظاما"، ولكن هناك دولة ورئيس ومؤسسات وشعب، كما أن الدولة ومؤسساتها مشغولة، تماماً، بالحرب على الإرهاب، والتي كان الرئيس قد توقعها مبكراً، عندما طلب من الشعب، في يوليو/تموز 2013، تفويضاً لمحاربة الإرهاب المحتمل، وهو وزير للدفاع! وأيضاً الدولة مشغولة بحالة التصدع الاجتماعي والاقتصادي التي تعاني منها.

وجاء يناير 2015، أربع سنوات مرت منذ تم رفع شعار الشعب يريد تغيير النظام. وبالقطع، لا أحد يستطيع الحديث باسم الشعب، أو القطع بما يريده. لكن، وفى إطار دور الباحث والمثقف المراقب للمشهد، يمكننا القول إن هناك قطاعاً ملموساً من الشعب المصري لا يزال يريد تغيير النظام بالثورة المستمرة. وأيضاً، هناك قطاع كبير من الشعب قد يمثل الأغلبية، لا يشعر بالرضى، ولا يطمئن إلى المستقبل. ويترقب التغيير في إطار سياسي! وهناك، أيضاً، من يشعرون بالرضا والتوافق مع النظام. وكما هو الحال في كل المجتمعات، هناك فئات من الانتهازيين والمنافقين. وللأسف، منهم جماعات من المثقفين والإعلاميين، ممن خانوا مبادئهم، وبعض ممن يعرفون بعلماء السلاطين المُضللين، وغيرهم من تجار الدماء والأزمات، وتلك الفئة عادة لا توضع في الاعتبار في لحظات الحسم، فهي عادة تختفي عن المشهد.

ونحن نودع يناير الرابع، منذ انطلقت أول ثورة شعبية حقيقية في تاريخ الشعب المصري الحديث، والتي لا تزال تتلمس طريقها، وتناضل من أجل تحقيق أهدافها، الواضحة، البسيطة، وهي عيش، حرية، عدالة اجتماعية، نستطيع القول بثقة إن الشعب يريد التغيير.
نقلاً عن "العربي الجديد"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق