الخميس، 22 يناير 2015

المعونة سلاح لإفساد الجيش المصرى.. انفراد: قصة منع مصر من تصنيع الطيارة بدون طيار - عبادة أمريكا.. هي الشرك المعاصر

المعونة سلاح لإفساد الجيش المصرى.. انفراد: قصة منع مصر من تصنيع الطيارة بدون طيار - عبادة أمريكا..  هي الشرك المعاصر

  نواصل عرض دراسة مجدي أحمد حسين غير المنشورة وهذه الحلقة بعنوان (لا حول ولا قوة إلا بأمريكا) في إطار نفس الباب (عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا) وتركز هذه الحلقة على اعتماد مصر الكلي على التسليح الأمريكي مما يجعل الأمن القومي المصري في مهب الريح "الشعب"

التسليح : لا حول ولا قوة إلا بأمريكا :
لا حول ولا قوة إلا بأمريكا .. سلمنا أمرنا لأمريكا .. سلمنا لها أهم شيء، سلمنا لها أرواحنا ودماءنا، سلمنا لها أمننا، اعتمادنا أصبح عليها وليس على الله؛ لأن الله أمرنا ألا نهش ونبش في وجوه الذين ظلموا فكيف، ونحن نأخذ منهم السلاح مجانًا، نحن نعصي الله بصورة مباشرة وبنص قرآني صريح جاء فيهِ (إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) 9 الممتحنة / حتى العدوان على أفغانستان واحتلالها عام 2001 لم تكن أمريكا تحت البند الأول (القتال المباشر) ولكنها كانت دومًا تحت البند الثاني (وظاهروا على إخراجكم) منذ ورثت من بريطانيا وفرنسا دعم الكِيان الإسرائيلي خاصة منذ الستينيات من القرن العشرين، (وظاهروا على إخراجكم) تعني المساندة وتقديم الدعم خاصة المادي لمن يخرجون المسلمين من ديارهم (أي إسرائيل)، نحن أمام آيات محكمات لا يختلف في معناها مفسران للقرآن الكريم .
وما يحدث في قضية اعتماد الجيش المصري على التسليح الأمريكي بنسبة 70% يماثل في الحياة الشخصية أن يقوم رب أسرة تتعرض ممتلكاته و زراعاته لهجمات اللصوص أو الجيران المخالفين له والمنازعين له على ملكية الأرض، قيام رب هذه الأسرة بالاتفاق مع عصابة لصوص أو بلطجية أو شركة أمنية سيئة السمعة على أن يتولوا حماية الممتلكات (البيت والمزرعة) وحماية الأسرة، في الحياة العادية نسمي هذا الشخص "مغفل" أو "سفيه" أو "أبله" أو "ديوث" أو "مغلوب على أمره"، خاصة عندما نعلم أن هذه العصابة أو الشركة الأمنية لا تتلقى مقابلاً ماليًّا لعملها، إذن لابد أنها ستحقق مكاسب مادية بطريقة أخرى، فهؤلاء ليسوا قديسين ولا يعملون لوجه الله تعالى، وربما يحصلون على مكاسبهم بالاستيلاء على خيرات المزرعة أو السطو على البنات، بل لا شك أنهم سيستهدفون أن تكون المزرعة كلها بمن عليها ملكًا لهم في واقع الأمر، حتى وإن ظل رب الأسرة وصاحب المزرعة هو المالك القانوني وفقًا لسجلات الشهر العقاري التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي الحياة العادية نسأل : لماذا فعل رب الأسرة ذلك ؟! هل تعرض لابتزاز مسلح (احتمال) هل تعرض لوعود براقة ومكاسب كبرى من هذه العلاقة الآثمة (احتمال) هل سقط في مديونية ووعده زعيم العصابة بتسوية الموضوع ؟! (احتمال ثالث)
كل هذا حدث لنا مع أمريكا، وأنا لا ألوم القوات المسلحة، ولكن ألوم القيادة السياسية صاحبة القرار والتوجه، ومن كان يتصور أن أفاقًا كانت ستفتح لمصر بهذا الأسلوب المنحط فهو خائب أو لا يفهم في السياسة ولا في الدين، لقد ظلت مصر مذلولة في كل المجالات بهذا الكلمة التي أشرنا إليها وقالها عمر سليمان (لابد أن نراعي أن 70% من تسليحنا من أمريكا)، ولكن من الذي صنع هذه الحقيقة، وحولها إلى حقيقة مقدسة أبدية ؟ .. خزي الحكام وغفلتهم وبؤس خياراتهم التي لابد في نهاية المطاف أن تصل بهم إلى الخيانة، وكما قلنا ونكرر فإن أمريكا المتحالفة استراتيجيًّا مع إسرائيل لا يمكن أن تعطينا سلاحًا يوازي، ولا أقول أقوى مما لدى إسرائيل، وهذا منطق بسيط يدركه الصبية ولا يحتاج لعقول استراتيجية أو خبراء عسكريين، وقد نشرنا كثيرًا من الدراسات العسكرية حول سوء حالة تسليح القوات المسلحة، ولذلك فلا أرى أن الأمر يستحق كثيرًا من الجدل، فهي مسألة إرادة وعزم وتصميم وإيمان.
ولكن أشير إلى بعض المعلومات غير المنشورة لتأكيد هذه المعاني، طبعًا لقد انشغل الناس الطيبين في القوات المسلحة وخارجها بأننا ننوع مصادر السلاح والمقصود الـ30% الباقية، وعسكريًّا فإن تسليح 70% من الجيش هو الذي يحسم أمر النصر والهزيمة، وبالتالي فإن التنوع في حدود الـ 30% لن يفيد كثيرًا .. كما أن معظم الـ30% تحت عين أمريكا، فهي صفقات علنية في معظمها مع روسيا والصين وتظهر في العروض والمناورات وكذلك فرنسا وإيطاليا، ولا شك أننا حصلنا على بعض الصواريخ المتوسطة المدى من كوريا الشمالية، ولكن بلدًا بحجم مصر وفي موقف عسير في مواجهة إسرائيل لابد أن يكون التصنيع الحربي الوطني هو الأساس، وأن يكون الاستيراد حلقة وسيطة لا تطول أكثر مما طالت، ولكن القوم لا يبدو أن حرب إسرائيل في مخيلتهم، بل لقد استيقنوا أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأن صداقتنا لأمريكا وإسرائيل أبدية، وهناك بلاد كثيرة في حالة صداقة حقيقية مع الولايات المتحدة، ولكنها تعتمد على صناعتها الحربية الوطنية لتسليح جيشها، كفرنسا وانجلترا والسويد وسويسرا وإيطاليا وغير ذلك كثير .
ونحن قد قطعنا شوطًا معقولاً في التصنيع الحربي ولكنه توقف بصورة أساسية بعد كامب ديفيد وتحول التصنيع الحربي إلى الحلل والأطباق والشوك والملاعق وغيرها  ونحن يمكن أن نصدر جزءًا من الإنتاج الحربي كما تفعل إسرائيل وغيرها من الدول، ويمكن أن نحقق مكاسب اقتصادية، وهذه الأمور لا توجد فيها أسرار عسكرية، فإذا صنعنا دبابة مصرية فستكون معروفة ونسلح بها جيشنا ونصدر بعضها ..إلخ
أمريكا لا تتركنا، فهي لا تعطينا 70% من السلاح مجانًا، ثم تنام لنلعب بذيلنا بل تراقب كل شيء قدر الإمكان وبالأخص في مجال التصنيع، وكما ذكرنا فإن التصنيع لا يمكن أن يحدث سرًا، إلا في بعض التفاصيل، وليس في حقيقة المنتج النهائي.
وأعلم علم اليقين أن مصر لديها عقول فذة ومنتجة في مجال بحوث الفضاء والصواريخ والطيران والأسلحة داخل وخارج مصر، عسكريين ومدنيين، ولكن الضوء الأحمر الأمريكي جاهز للإضاءة عند أي محاولة جادة للتصنيع، أضرب مثلًا واحدًا، فالوطنيون الجادون في القوات المسلحة وما أكثرهم لم يغب عن ذهنهم ضرورة تصنيع الطائرة بدون طيار مثلاً .. بعد أن صنعتها حماس وحزب الله بل وصنعها بعض طلاب مصر في كليات الهندسة !! وجرت مباحثات مع عدة دول وتمت دراسة عدة عروض، وتم الاتفاق مع جنوب أفريقيا، وكان اتفاقًا جيدًا؛ لأنه يتضمن التصنيع في مصر، مع خطة لنقل الخبرة بحيث يمكن لمصر خلال فترة زمنية معينة أن تعتمد على نفسها تمامًا في الإنتاج، ولكن قبل بداية التنفيذ تمت إضاءة الضوء الأحمر من واشنطن وتم إيقاف المشروع وبدون بديل آخر .
وقبل ذلك في عهد أبي غزالة وزير الدفاع الراحل، كان هناك مشروع صناعة صواريخ مشتركة مع العراق ودولة من أمريكا اللاتينية (الأرجنتين) وكان انكشاف هذا المشروع فرصة لمبارك للخلاص من منافسه أبي غزالة بالتفاهم مع الأمريكان  وقد كان .
ومن الأمور التي تعد أقرب إلى الهزل منه إلى الجد، أن أمريكا أقامت لنا على أرض مصر مصنعًا لإنتاج الدبابة الأمريكية الحديثة M1A1 وهذا ليس تصنيعًا بل تجميع وتركيب، ولا يعلمنا كيف نصنع الدبابة، وغالبًا فإن هذا المصنع قد أغلق منذ سنوات وهو بلا جدوى لأن أمريكا تسيطر عليه تمامًا، والإنتاج منه أو الاستيراد من أمريكا سواء .
قبل أن نترك هذه النقطة لابد من التأكيد على عدة بديهيات : أن الاعتماد الكلي على المعونة الأمريكية العسكرية لتغطية معظم تسليحنا يعني الهيمنة الأمريكية الشاملة والكاملة على الجيش المصري، لأن السلاح الحديث ليس بضاعة روتينية تأخذها وتجري، السلاح المجاني الأمريكي يعني أن نكون خاضعين للأمريكان في صيانة هذه الأسلحة، والإمداد بقطع غيارها، وتنظيم دورات التدريب على استخدامها على الأراضي المصرية أو الأمريكية، وتعويض هذه الأسلحة التي ينتهي عمرها الافتراضي أو تتحطم في التدريب أو الحرب، تطوير هذه الأسلحة، وبالتالي يصبح الجيش المصري كالطفل القاصر العاجز عن الاعتماد على نفسه في السلاح، بينما هو منهمك في صناعة المكرونة وأعمال الصرف الصحي ومد الطرق والكباري .
تجارة السلاح وإفساد العسكر
وقد أدت العلاقات العسكرية الدونية مع الولايات المتحدة إلى إفساد الجيش المصري وقد كان هذا هدفًا مطلوبًا، بل إن الولايات المتحدة واليهود يعتبرون أنهم يشترون أمن إسرائيل بثمن بخس وهو 1.3 مليار دولار سنويًّا هو حجم المعونة العسكرية لمصر مقابل ضمان أمن إسرائيل طوال 40 عامًا حتى الآن، إن قيادة الجيش الإسرائيلي تنام كل يوم ملء الجفون طوال 40 سنة من جهة الجبهة المصرية، حتى أنها لم تعد تحشد أي قوات ذات أهمية على الحدود مع مصر، بينما القلق واليقظة طوال الليل على الحدود مع لبنان وغزة،  والمعروف أن أمريكا لا تعطي الجيش المصري هذا المبلغ "كاش" سائلًا، بل يتم تحويل معظم هذا المبلغ لمصانع السلاح الأمريكية لتصنيع ثم توريد المتفق عليه لمصر، وطبعًا يكون ذلك بأسعار مغالى فيها، والجيش المصري لا يستطيع أن يجادل لأن كله ببلاش، ولكن المغالاة في الأسعار تكون لصالح الشركات الأمريكية، وأيضًا تؤدي إلى تقليل كم السلاح المورد لمصر، ويقول خبير مصري إن القيمة الحقيقية للسلاح الأمريكي المورد لا تتجاوز 500 مليون دولار. (يا خسارة بعنا نفسنا بالرخيص قوي) ولكن لا شك هناك بعض الفكة السائلة من المعونة وغيرها للإنفاق على دورات لضباط الجيش المصري، وما يرتبط بها من بدلات وهدايا (شيء لزوم الشيء)، وهذا يتوقف على أهمية الضابط ومدى تعاونه ورتبته وتأثيره، وكما ورد في كتاب أمريكي عقب ثورة 25 يناير فإن المخابرات الأمريكية كانت تسمى مبارك (مستر حقيبة) لأنه كان وهو نائب لرئيس الجمهورية يأتي لواشنطن ويأخذ حقيبة ممتلئة بالدولارات، وهذه حسابات سرية، ولكن هناك تعاملات علنية، فمبارك وأبو غزالة وحسين سالم أسسوا في الثمانينات شركة لنقل السلاح الأمريكي لمصر، فطالما أن المعونة تسلم عينًا لا نقدًا، فلابد من البحث عن سبوبة سائلة لأن مبارك لن يختلس دبابة مثلًا أو طائرة ف – 16 وإذا اختلسها فأين يضعها؟! ومن شروط المعونة أن تقتصر على البضائع الأمريكية وأن تنقل على شركات نقل أمريكية، ومن صفاقة مبارك وحسين سالم وأبي غزالة أنهم أسسوا شركة نقل أمريكية حتى يحصلوا على السبوبة!! ويبدو أن أمريكا كانت تريد قرص ودن مبارك لأي سبب، فتم تحريك قضية رشوة ضد هذه الشركة ونشرت أخبار القضية في الصحف الأمريكية وقام العبد لله (كاتب هذه السطور) بترجمتها ونشرها في صحيفة الشعب في الثمانينات، ولكن ماذا كان رد فعل مبارك؟! عندما التقى بعدها بالأستاذ إبراهيم شكري رئيس حزب العمل، لم ينف مبارك أي معلومة منشورة وقال لشكري : لا داعي يا أستاذ إبراهيم لنشر هذه الأمور فأنت تعرف أن اليهود في أمريكا هم الذين يروجون هذه الأشياء!!
ولكن من يعرف سكة الملايين يريد المزيد بل يريد المليارات، فمكاسب شركة النقل كم ستكون إذا كان إجمالي المعونة نفسها 1.3 مليار دولار، هذه أمور صغيرة. هناك رشاوى لا علاقة لها بأي صفقات كحكاية الحقيبة، والشيك الخليجي بالمليارات الذي تلقاه مبارك بصورة شخصية ونشرت صورته في الصحف بعد الثورة؟ وهناك صفقات سلاح أخرى لا علاقة لها بمصر، وهذه هي عمولات السلاح التي يعترف بها مبارك لمن يزوره في مستشفى المعادي!.
المعروف أن ميزانية الجيش الأمريكي ضخمة وتصل إلى نصف تريليون دولار ولكن ما يهمنا الآن حجم مبيعات السلاح فأمريكا أول مصدر للأسلحة في العالم (حوالي 49% من سوق السلاح) ويتدخل الرؤساء أنفسهم لترويج صفقات السلاح، فهذا مهم جداً لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وتعزيز النفوذ السياسي في ذات الوقت. وقد صرح نائب رئيس جمعية الصناعات الحربية الجوية الأمريكية (جونسون) بتصريح خطير كشف فيه أن السلاح المقدم لبلاد مثل مصر هو مجرد خردة وستخرج قريباً من الخدمة وستتوقف صناعتها أصلاً كطائرات ف14 و15 و16 ودبابات M1 (التي أشرت إليها) ومصفحات برادلي وطوافات الأباتشي. وما يخص السعودية والخليج ( طائرات الأواكس وصواريخ الباتريوت )، فقال جونسون إن هذه الأنظمة من تكنولوجيا السبعينيات وسيتوقف تصنيعها في النصف الثاني من القرن العشرين. (هذه الأنظمة وصلتنا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات أي أنها أصبحت بلا قيمة بعد استلامها بسنوات قليلة). ويواصل جونسون: (الأنظمة الجديدة لن تكون جاهزة لتحل محل القديمة قبل نهاية القرن ولذا فإنه ينبغي ملئ هذا الفراغ طوال عقد التسعينيات بالاتكال على الصادرات مما يسمح بالمحافظة على جودة وسائل الإنتاج وكفاءتها). ويرى جونسون (أن تطور التصدير سيؤدي إلى هبوط أسعار المعدات والتجهيزات وهو أمر مربح للمشتري ولكنه في نفس الوقت يضع بيد الأمريكيين سلطة الاحتكار والتحكم بسوق السلاح إذ تستطيع الولايات المتحدة إذا ما أرادت معاقبة أحد المشترين أو الضغط عليه، إغلاق الحنفية أي وقف الصيانة مما يجعل المعدات والتجهيزات مجرد خردة) (انتهى كلام جونسون) وتحدثنا من قبل عن حكاية الهيمنة والسيطرة وسنعود إليها في واقعة تهريب المتهمين الأمريكيين. ولكن لاحظوا أهم شيء في التصريحات أنه يتحدث عن تشغيل وبيع منتجات المصانع الأمريكية للمشترين البلهاء الذين لا يدركون أفق صناعة التسليح، وطبعًا هذا ينطبق على متلقي المعونة من باب أولى.
هل ابتعدنا عن مصر؟ لا. فهذا إفساد لحالة الجيش المصري أن يحصل على سلاح فقد قيمته، أما على مستوى الفساد الشخصي لقادة الجيش نعود مرة أخرى لحجم المبيعات الأمريكية التي تتجاوز أحيانًا نصف السوق العالمي وتصل إلى 75% من السوق كما حدث عام 1993، وأن حجم المبيعات الأمريكية تجاوزت في أوائل القرن الواحد والعشرين 20 مليار دولار، ولكن هذا يتعلق بالصفقات الرسمية فحسب، فهناك صفقات سرية لا حدود لها لتمويل بعض الدول سرًا أو بعض حركات التمرد بدون العودة للكونجرس كما حدث في نيكاراجوا وأنجولا والعراق وإيران (أثناء الحرب بينهما) ثم للمعارضة السورية حاليًا، توجد شبكة عالمية سرية ومعقدة لتداول السلاح الأمريكي بما يفيد السياسة الأمريكية، وهذه الشبكة تدخل فيها المؤسسة العسكرية المصرية مع كل أسف، فهذا يؤدي إلى تجنيد قوانا لخدمة أهداف التسلح الأمريكية في مختلف دول العالم، ويحصل فيها أفراد من القوات المسلحة على مرتبات وعمولات وعلى رأسهم مبارك، ويشارك ولداه في هذه الشبكة من خارج القوات المسلحة، ولكنه نظام مؤسسي غير مرتبط بشخص مبارك وله شركات في مختلف أنحاء العالم، وربما يكون مستمرًا حتى الآن، ولكنني أقطع – من مصادر موثوقة – أنه كان مستمرًا حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، ولكن لا أجد مبررًا لعدم استمراره طالما أن العلاقات بين الجيشين الأمريكي والمصري على خير ما يرام، وهذه الشبكة لا تتعامل إلا بالسلاح الأمريكي أو بالحصول على موافقة أمريكية لتصدير أي سلاح لأي جهة، وكمثال على ذلك فإن الجانب المصري في هذه الشبكة عمل بقوة لتوريد كل أنواع الأسلحة للعراق في ظل حربه ضد إيران . ولكن عندما غضبت أمريكا على صدام توقفت الحنفية، وتوقفت الشبكة المصرية. كذلك حصل أولاد مبارك على عمولات في صفقة طائرات فرنسية وغيرها. وهذه مجرد أمثلة .
سلاح التحكم والسيطرة :
يتصور البعض أن صفوت الشريف هو مخترع نظام التحكم والسيطرة في المخابرات، حيث يتم تصوير بعض الشخصيات بفيديوهات مشينة للتحكم فيهم وإخضاعهم لسيطرة الجهاز عن طريق ابتزازهم بها. والحقيقة أن هذا السلاح القذر معروف لدى أجهزة مخابرات الغرب وإسرائيل. والموضوع لا يتعلق بالفيديوهات فحسب فقد تكون صور أو تسجيلات صوتية أو شيكات أو أوراق مالية..إلخ، بعض الناس لا تصدق هذا، لأن هذه الأسلحة لا تستخدم إلا نادرًا، فهي أشبه بالقنابل النووية يتم التهديد بها دون استخدامها، وهي بالنسبة للشخص قنبلة نووية فعلاً لأنها تؤدي إلى تدميره معنوياً وقد تدفعه للانتحار أو الاستقالة من منصبه. يكفي أن تتصل بالشخص أو تخبره بأي وسيلة بأنك تملك عليه كذا أو كذا كي يخضع لك في أغلب الأحوال، ونادرًا ما تجد إنسانًا لديه الشجاعة ليقول: (افعلوا ما تريدون) لأن هؤلاء الأشخاص ليسوا أصلًا مجاهدين وقعوا في الخطيئة!! أساليب السيطرة والتحكم تمارس على الرؤساء والملوك وكبار القادة العسكريين وأي شخصيات مهمة أخرى. وقد شاهدنا بعض نماذج: (1) في بداية ما يسمى حرب تحرير الكويت، كان الملك فهد مترددًا في الموافقة على حضور قوات أمريكية إلى أرض المملكة توطئة لاجتياح العراق، وكان يأمل في حل سلمي، ولكن الرئيس بوش الأب اتصل به وقال له إن القوات قد تحركت بحريًّا بالفعل وأن الطلائع ستصله جوًا، فلما لاحظ بعض التردد، وكانت مسألة فاصلة بالنسبة للأمريكان تم استخدام سلاح التحكم والسيطرة فصدرت مجلة التايم وصورة الملك فهد على الغلاف وموضوع الداخل يتحدث عن مغامرات فهد عندما كان شابًا في بيروت، وأنواع النساء التي يحبها والخمور التي يفضلها (بلاك آند هواي). ولم يجد بوش بعدها أي ممانعة أو تردد من الملك فهد!!
(2) أي خلافات مع مبارك كانت تترجم لموضوعات مسيئة له في الصحافة الأمريكية سواء فيما يتعلق بعمولات السلاح أو بزنيس جمال. وعندما ترجمنا مرة موضوع عمولات السلاح تم حبس الزميل عبد الستار أبو حسين الصحفي بجريدة الشعب لمدة عام في محكمة عسكرية، وتم تخفيف الحكم إلى نصف عام بعد ذلك. وسنأتي لما حدث لمبارك ساعة الثورة 2011. وكيف استخدم معه سلاح التحكم والسيطرة!
ولا أدعي أن لدي معرفة تفصيلية بما حدث مع قيادات القوات المسلحة الكبيرة والوسيطة في الولايات المتحدة ولكنها دلائل المنهج والتفكير السليم. ولكن لدي معلومات مؤكدة بدون أسماء. العلاقات بين العسكريين الأمريكيين والمصريين كثيفة للغاية لأهمية مصر الاستراتيجية، واللقاءات التي ينشر عنها هي أقل القليل. فهناك تواصل يومي وأسبوعي على مستويات عدة. بعد ثورة 2011 قال لي أحد الصحفيين المتصلين بالمخابرات، إن الجناح العسكري لنظام مبارك يحكم وبالتالي فإن العلاقات مع أمريكا لم تتغير، واللقاءات بين كبار القيادات العسكرية والمصرية كثيفة للغاية وتحدث في القاهرة وواشنطن، ويمكن أن أبلغك بكشف حساب لها أو بعددها، ورحبت جداً، ومعروف عني أنني أنشر الحقائق بدون تهيب طالما هي للصالح العام ولوجه الله. ولكنه ذهب ولم يعد!! هذه العلاقات تشمل التنسيق السياسي والعسكري بين قيادات الجيشين، ولكنها تشمل أيضاً الدورات والمنح العسكرية والدراسات العسكرية التي يذهب إليها الضابط المصري في أمريكا أو بريطانيا ويبقى 6 شهور أو سنة أو أكثر أو أقل، أي ليست زيارات عابرة وسرية لمدة يومين أو ثلاثة. في هذه الدورات والمنح يطلب الأمريكان المتفوقين وبالتالي يرسل الجيش أنبه العناصر، ولا شك أن المتفوقين يطالبون بهذا "الحق". وهناك يتم فرزهم وتصنيفهم وتجنيد بعضهم، والتجنيد درجات، يبدأ بمجرد محبة أمريكا وأسلوب حياتها والإيمان بصداقتها وإدراك الفوائد الشخصية لذلك. وينتهي إلى العمالة الصريحة. وحالة مبارك نموذج حيث بدأ بالعمالة الصريحة للاتحاد السوفيتي (كما تقول الوثائق الأمريكية) ثم تحول إلى العمالة الصريحة للولايات المتحدة وإسرائيل وقد كتبت في ذلك في مقالات عدة. وقد أكد لي ضباط شرفاء في القوات المسلحة برتب تتراوح بين عقيد وعميد وعندما كانوا في الخدمة، أن من يذهب للولايات المتحدة من الضباط خاصة في الدورات الممتدة يتعرض لمخاطر مباشرة، من خلال استغلال يوم الأجازة (السبت والأحد) بدعوة الضباط لرحلة خلوية برية أو بحرية وفقًا لسيناريوهات تبدو طبيعية المهم أنها تكون وسيلة لاصطياده عبر حسناء وكأس من الخمر، وأن بعض الضباط يصمدون ويرفضون الانسياق لذلك، والبعض لا يستطيع المقاومة!! إذن السلاح الثلاثي هو : الخمر – المال – النساء. مع توثيق ذلك بالصوت والصورة والورق.
يتساءل الناس كثيرًا لماذا لا يقول الحكام لأمريكا لا، وماذا تستطيع أن تفعل أمريكا؟ هذا واحد من الأسلحة، فهؤلاء القادة والحكام لا يخافون يومًا تعترف عليهم فيه أعضاء الجسد (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصلت 20-21 لا يخافون هذا اليوم البعيد ويخافون في العاجلة.. في الدنيا. يخافون أن تكشفهم أمريكا وخطورة ذلك ليس لأن لديهم حساسية إنسانية ولكن لأن هذا سيؤدي إلى طردهم من جنة السلطة سواء في مواقع مدنية أو عسكرية. ونذكر الفضيحة النسائية التي تم نشرها عن أبي غزالة بالتواكب مع إقالته من وزارة الدفاع بينما كان دور أمريكا هو ضبط الضابط عبد القادر وهو يحاول تهريب مادة كربون الكربون من أمريكا لمصر لصناعة الصواريخ. وقد كان تناغمًا واضحًا بين الأجهزة المصرية والأمريكية للخلاص من أبو غزالة القوي لأن أمريكا تحب الشخص الضعيف (مبارك).
إذن الخوف من أمريكا وما تملكه ضد المسئول المدني أو العسكري أهم من الخوف من الله، وبالتالي يتم اتباع أمريكا لا اتباع الله عز وجل، وبهذا المعنى تكون أمريكا هي الرب، أو الشريك في الألوهية.
وأعدوا
قبل أن نطوي هذه الصفحة نؤكد أن الاعتماد على التسليح الأمريكي يؤدي إلى كل هذه الويلات، فقدان الاستقلال والهيبة والكرامة، ومن ثم عصيان الله عز وجل. وإذا كنا نرفض المفاهيم السطحية للإسلام التي تحصره في بعض المظاهر، أو تضفي عليه ما ليس فيه من جمود وتصلب وعدوانية وانغلاق وتطرف، فإن نصوص القرآن والسنة المؤكدة واضحة كفلق الصبح ولا يجوز التفلت منها واستمرار ادعاء أننا مسلمون. كما أنها تحتوي على الحلول الحقيقية لمشكلاتنا. القرآن الكريم يأمرنا بالاعتماد على أنفسنا في التسليح، وإذا كان الرسول (ص) قد أرسل وفداً إلى جرش بالأردن لتعلم كيفية صناعة المجانيق ولكنه لم يستوردها ولم يعتمد على استيرادها بعد ذلك، فكانت أشبه بالحصول على المعرفة التكنولوجية KNCK how بينما ظل تصنيع السلاح على أيدي المسلمين. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال 60 – التصنيع الحربي قامت به مصر في الستينيات ولا يزال لدينا الأنوية والاستعداد والخبرة وبعض التصنيع لا يزال مستمراً. وحدث بشكل أكبر في إيران وباكستان والهند والصين وكوريا الشمالية وتركيا، وهي ليست أعجوبة، ويفيد في التصنيع المدني، ويفيد كما ذكرنا في تحسين ميزان المدفوعات، لا يمكن إقامة دولة إسلامية أو بمرجعية إسلامية أو دولة مستقلة وتعتمد في التسليح على الاستيراد. لأن السلاح سلعة سياسية ويمكن وقفها في أي وقت ولأي سبب يخص المورد. فنحن الآن على وفاق مع روسيا مثلاً ولكن غدًا قد نصطدم.
والعجيب أن العدو الصهيوني يطبق قانون القرآن من زاوية الاعتماد على الذات في التسليح، رغم العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا، فنجد أن الصناعات الإسرائيلية الحربية أهم قطاع صناعي في إسرائيل وفي صادراتها، ( نواصل) 

مجدي حسين يكشف أسرار أنفاق غزة.. وفضيحة تسليم أمريكا السجل المدني الكامل للمصريين!!عبادة أمريكا.. هي الشرك المعاصر حلقة (8)
نواصل نشر حلقة جديدة من دراسة مجدي أحمد حسين غير المنشور ( عبادة أمريكا الشرك الأكبر المعاصر ) وهي دراسة كانت تعد للنشر ولم تكتمل تماماً ، ولكن مع استطالة استمرار الكاتب في السجن ، فقد وافق على نشرها كما هي ، وقال هذه أهم قضية الآن في مصر والوطن العربي ، ولأن حالتي الصحية تتدهور والسجن مفتوح المدة ، أرى أن تنشر هذه الدراسة ، رغم أنني كنت أرغب في مراجعة أخيرة لها ، ولكنني لم أكن لأغير شيئاً في جوهرها ولكن ضبط للمراجع والصياغة وإضافة مزيد من المعلومات .
والحمد لله صحة مجدي حسين تتحسن الآن ولكن الحبس الاحتياطي بدون محاكمة يدخل شهره السابع .
في هذه الحلقة نواصل الفصل بعنوان ِ"عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا " وكان الحديث عن موقف المؤسسة العسكرية ووصل إلى عمر سليمان كشخص محوري في هذه المؤسسة حتى سقوط مبارك . "( الشعب )
دور المخابرات في تعذيب الإسلاميين لصالح أمريكا !!
ما ذكر عن دور عمر سليمان والمؤسسة الأمنية المصرية في تعذيب عشرات المصريين وغير المصريين بتوجيه من المخابرات الأمريكية والاحتفاظ بهم في سجون مصر سراً وبدون محاكمة ، جريمة بشعة وتحتاج إلى تحقيق ، ولكن الأهم أنها جاءت في إطار تعاون استراتيجي مصري – أمريكي . ويدافع مبارك وعمر سليمان وباقي العسكر عن هذا التعاون لأنه في مواجهة الإرهاب ، وأن مصلحة مصر كانت تلتقي مع مصلحة أمريكا لأن الإرهاب الإسلامي يهدد الاثنين . وهذه قضية مزيفة فالإرهاب في مواجهة أمريكا نشأ بسبب عدوانها على العراق وأفغانستان ودعمها لإسرائيل . أما من يقوم بالعنف ضد نظامه الداخلي فعلى النظام أن يحتويه وأن يتعامل معه وربما يضطر للإصطدام العنيف به ، ولكن هذا موضوع داخلي لا علاقة لأمريكا به . كذلك فإذا كان في الحكم أثارة من عقل فكان يجب أن يفكروا في أسباب توجه الإسلاميين لاستخدام العنف ضدهم كالتبعية لأمريكا والاستبداد ومحاربة التيار الإسلامي ، لا أن يتوجهوا للتعاون مع أمريكا ضد أبناء شعبهم .
ليس من الإسلام مثلاً أن تحذر المخابرات المصرية نظيرتها الأمريكية من أعمال قد تقع ضد الولايات المتحدة . ولكن مبارك وسليمان يفتخران بأنهما كانا يفعلان ذلك . ففي صيف 2001 قدمت المخابرات المصرية معلومات للمخابرات الأمريكية عن وجود أيمن الظواهري في مستشفى بصنعاء باليمن ، ولكن الظواهري أفلت من الرقابة الأمريكية . وهذا مجرد مثال واحد ، فالتنسيق المصري الأمريكي ضد الإسلاميين كان أخوياً للغاية ومتيناً ومتشابكاً ، وقد كان شاملاً على مستوى الكرة الأرضية وحيثما توجد عناصر للقاعدة ، كان التنسيق على أشده تجاه أفغانستان وباكستان والسودان . والقاهرة هي التي اقترحت تصفية بن لادن بديلاً عن اعتقاله ومحاكمته . ويؤكد إدوارد واكر سفير أمريكا السابق بالقاهرة أن المخابرات المركزية قامت بتدريب فرقة قوات مصرية متخصصة في مكافحة الإرهاب ( تاريخ المخابرات المصرية – المؤرخ الأمريكي أوين إل سيرس ) وان هذه القوات كانت أقرب إلى فرق الموت مهمتها القتل والتصفية . ويؤكد الكاتب الأمريكي الذي لابد أنه استسقى معلوماته من المخابرات الأمريكية ، أن المخابرات المصرية لعبت دوراً شديد الأهمية في اختراق الجماعات الإرهابية ، حيث أن المخابرات الأمريكية تفتقر إلى ضباط يتمتعون بخبرة التعامل مع ثقافات ولغات المنطقة العربية والإسلامية ، وكانت غالباً ما تلجأ إلى ضباط المخابرات المصرية لسد تلك الثغرة .
ووصفت "جاين ماير" في صحيفة نيويوركر الأمريكية سليمان بأنه رجل المخابرات الأمريكية في مصر !! لتنفيذ برنامج الترحيل القسري وهو برنامج المخابرات الأمريكية لاختطاف الإسلاميين حول العالم وإرسالهم إلى مصر للخضوع لاستجواب وحشي في أغلب الأحيان . فقد رأت المخابرات الأمريكية أنه ليس من المناسب أن تلوث يديها في انتهاكات حقوق الإنسان على أرضها طالما أن هناك دولاً مستعدة للقيام بذلك .
وفي 10 نوفمبر 2006 نشرت " الواشنطن بوست " قصة أبو عمر المصري ، وتقول الصحيفة أن أبو عمر اختطف من شوارع مدينة ميلانو الإيطالية على يد المخابرات الأمريكية والبوليس السري الإيطالي وتم نقله إلى ألمانيا بطائرة نقل عسكرية ومنها إلى مصر في 17 فبراير 2003 ( لاحظ أن ذلك يتواكب مع الغزو الأمريكي للعراق ) واستمر في السجن 14 شهراً وتعرض لتعذيب بالكهرباء لمدة 7 شهور . ويؤكد أبو عمر أن المخابرات المصرية كانت تستقبل إسلاميين غير مصريين أيضاً لتعذيبهم واستنطاقهم بالقوة وكان يقبعون في سجون خاصة تابعة للمخابرات . وهناك مصري آخر مصيره غير معروف حتى الآن وهو طلعت قاسم ( من الجماعة الإسلامية ) وسجل طلعت قاسم لا يوجد فيه شئ ضد مصر ، فقد شارك في الحرب ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان ، ثم حارب في البوسنة والهرسك ضد مجرمي الصرب . اختطف قاسم في كرواتيا على يد الاستخبارات الكرواتية وتم نقله إلى مصر عن طريق البحر ، وقتل طلعت قاسم وهو بين يدي عمر سليمان والمخابرات المصرية ، والحديث يجري عن تسليم عشرات الحالات المماثلة .
نحن هنا أمام حالة صريحة للولاء لأمريكا لا لله ، في أمور تمس حياة البشر وهذا أثمن ما يملكونه وهي جريمة من الدرجة الأولى في الإسلام حتى وإن كان قتل إنسان غير مسلم ، جريمة تستتبع الخلود في النار ولكن عمر سليمان ( والأصح أن نقول جهاز الاستخبارات أو نظام مبارك فهذا موقف غير شخصي ) لم يخف من الله ولكنه التزم باتفاقه الآثم مع أمريكا ومع مبارك . يقول الله عز وجل في سورة الفرقان عن صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (70)) 68-70 . إذا أخذنا المثلين السابقين ، فإن أبو عمر المصري لم يرتكب جريمة تستوجب التعذيب بالكهرباء ، بدليل أنه أطلق سراحه بسبب الضجة الإعلامية في الغرب ولم يحاكم وهو في مصر قبل ثورة 25 يناير 2011 أو بعدها . كذلك فإن قتال طلعت قاسم ضد السوفيت أو الصرب يستأهل نيشاناً لا قتلاً ، وإن كان قد ارتكب جريمة فلماذا لا يحاكم والمحاكم العسكرية متوفرة في مصر ؟!!
كذلك لم نسمع أن سليمان قد أعلن توبته من هذه الجرائم حتى موته ونحسب أنه أخذ جزاء سنمار فنحن نرجح أن أمريكا هي التي قتلته لأنه استنفد دوره ويعلم كثيراً من الأسرار . هذا نموذج حي على العبودية لأمريكا دون الله ، الخضوع لطلبات أمريكا حتى وإن كانت ضد نواهي الله عز وجل . أما الادعاء بأن هؤلاء الإرهابيين خطر على نظام مبارك ، فمن ناحية هذا يستوجب المحاكمة العادلة لا التصفية ، ومن ناحية أخرى يستوجب البرهنة على أن نظام مبارك كان نظاماً شرعياً !!
كارثة السجل المدني : من كوارث عهد مبارك / سليمان هذه الواقعة التي لم نسمع بمثيلها في التاريخ وهي واقعة تسليم مبارك السجل المدني الكامل للشعب المصري للولايات المتحدة . وقد نشرت صحيفة الفجر المخابراتية القصة بالتفصيل ، بعد الثورة بعدة شهور وفي ذلك الزمن كان من مصلحة النظام نشر كل شئ ضد مبارك وأسرته . وقد نشرت الفجر القصة ظناً منها أنها تجلي وتلمع صورة عمر سليمان الوطني . والقصة كالتالي : أن أمريكا طلبت من مبارك تسليم الهارد ديسك الذي يشمل السجل المدني ، أي المعلومات الكاملة عن كل المصريين ، بما في ذلك التصنيفات والتقارير السياسية عن النشطاء ، في إطار التعاون الأمني بين البلدين ، وقد وافق مبارك كعادته بمنتهى السهولة وطلب من عمر سليمان تنفيذ الأمر ، ولكن عمر سليمان لم يستسغ الأمر وأبدى تردده إزاء هذا الطلب غير المسبوق . وفي إطار العلاقات الخاصة بين مبارك وسليمان ، قام مبارك بالالتفاف على سليمان والاتصال مباشرة بحبيب العادلي وزير الداخلية ، المهم باختصار قام حبيب العادلي مستخدماً سلطاته بتنفيذ أوامر مبارك ، وتم تسليم السجل الكامل للمصريين لأمريكا . وأعتقد أن هذه قضية تجسس متكاملة تستأهل إعدام مبارك والعادلي ( غير باقي الجرائم !! ) ولكن الطريف أن يتصور أحد أن هذه القصة تكشف وطنية سليمان ، بالعكس هذه القصة تؤكد أنه شريك في الجريمة ( علم ولم يبلغ ) وأنه تستر عليها ، وأنه تعامل معها كنقطة خلافية واستمر في أداء مهامه ، وكأنه لا يزال يرأس حصن الأمن القومي !!   
العلاقة الخاصة مع مبارك : وهذا ينقلنا إلى معلومات حصرية عرفتها من مصدر موثوق ولكن في وقت متأخر جداً من عهد مبارك وهي حول العلاقات الشخصية الحميمة للغاية بين سليمان ومبارك على عكس ما كان يصور لنا أنصار المخابرات في الإعلام والعمل السياسي . سليمان لم يكن منزعجاً البتة من مواقف مبارك تجاه أمريكا بل كانا منسجمين تماماً ، ولم يكن موقف سليمان في حادث أديس أبابا بإصراره على السفر بسيارة مصفحة وهو ما أنقذ حياة مبارك وسليمان معاً !! لم يكن هذا الموقف وحده بالتحديد الذي عمق العلاقة العاطفية بينهما . بل كان سليمان كما أشرنا إلى آرائه حريصاً جداً على الصداقة مع أمريكا وإسرائيل ، ومبارك لا يريد منه أكثر من ذلك . وكان مبارك يفتح صدره لسليمان ، وكان سليمان يراعي مكانة الرئيس . ورغم أن سوزان وجمال كانا خميرة عكننة لسليمان ، ورغم أنه وكل العسكريين رافضون لحكاية التوريث ، إلا أن هذا الموضوع وعلى خطورته لم يهز العلاقات العميقة بين مبارك وسليمان لأن مبارك كان يضع سليمان في عين الاعتبار دائماً . وفي السنوات الأخيرة لحكم مبارك ، بدأ سليمان يبتعد عن المخابرات رغم رئاسته لها ، وكان يذهب كل يوم تقريباً لقصر الرئاسة وكان له مكتب مجاور لمبارك ، وهما يتشاوران كل يوم خاصة في أمور السياسة العربية والخارجية ، حتى أصبح عمر سليمان وزير الخارجية الحقيقي ، وكان يذهب للمخابرات بالقبة مرة واحدة في الأسبوع . وعندما أصيب مبارك بجلطة خطيرة في المخ تشاور من حول مبارك من عناصر المخابرات وعمر سليمان حول سبل العلاج ولم يكن هناك سوى بلدين قادرين على تفتيت هذه الجلطة إما أمريكا أو ألمانيا وفقاً لتطور الطرق العلاجية في هذين البلدين . ورفض مبارك الذهاب لأمريكا فهو يعرف كيف يتعاملون مع العملاء بعد انتهاء عمرهم الافتراضي ( وهذا ما حدث مع سليمان بعد ذلك ) فكان التوجه لألمانيا مع الادعاء بأنها عملية إنزلاق غضروفي ، وكان رجال المخابرات مع أطباء مصريين يحاصرون الأطباء الألمان في كل تصرفاتهم خوفاً من القيام بأي شئ يؤثر على حياة مبارك . وعندما عاد مبارك من هذه الرحلة كانت معنوياته منخفضة ، وعندما استقبله سليمان في المطار ، قال له مبارك : استعد يا سليمان علشان تمسك البلد أنا لم أعد أقدر . وأقام سليمان مع مبارك في غرفة مجاورة في فترة النقاهة في مصر ، وقد بدأ يفكر بجد فيما قاله مبارك ويطلب من مساعدي مبارك أن يظلوا يعملوا معه إذا تولى الحكم . ولكن عندما تعافى مبارك رجع في كلامه !! ولكن ظلت علاقته قوية مع سليمان ، وظل ممزقاً بينه وبين جمال وكان الحل أن يستمر هو في الحكم حتى يمنع الصدام بين الأسرة والمؤسسة العسكرية . مرة أخرى فيما يتعلق بأمريكا وإسرائيل لم يكن هناك أي خلاف مهم يذكر بين مبارك وسليمان . وكانت أمريكا تنظر بعين العطف للجميع : مبارك – سليمان – جمال !! وكتبت كثير من التحليلات الاستخبارية الأمريكية وحصرت خلافة مبارك في سليمان أو جمال . وكانت الحيرة الأمريكية بينهما واضحة فالإثنان مخلصان لأمريكا ، عيب عمر سليمان أنه عسكري وهم يفضلون أن يكون الرئيس مدنياً ، وعيب جمال المدني أنه إبن الرئيس مما يعطي انطباعاً بالوراثة الملكية غير الجمهورية . وإن كانت أمريكا قبلت بهذا الوضع في أذاربيجان حيث تولى إبن الديكتاتور علييف الحكم بعد وفاته حتى الآن . أمريكا ليست حريصة على الديمقراطية ، ولكن على استقرار النظام التابع .
وقد ظهر هذا الإخلاص الشخصي والمبدئي ( بمعنى الاتفاق في المواقف ) خلال ثورة يناير 2011 وهو الأمر الذي أدى إلى مصرع سليمان السياسي . ومن الأشياء الطريفة التي اكتشفت مؤخراً في مواجهة صورة سليمان الفارس المغوار زعيم الوطنية الخفي ، أننا نكتشف أن أعز أصدقائه ليس مبارك والإسرائيليين فحسب بل أسوأ وزير خارجية في تاريخ مصر ( أبو الغيط ) ،والوكيل السابق لشركة شل ( وهي شركة يهودية أسسها روتشيلد ذات نفسه ) طارق حجي ، وأنه كان على تواصل شديد مع حجي ، ويطلب منه الكتب التي يقرأها ، مع أنه سطحي الثقافة كما يتضح من مقالاته وكتبه . وأكثر من ذلك فإن وكيل شركة شل كان مرجعه في الموضوعات البترولية لذلك من الطبيعي أن يتحمس لتصدير الغاز لإسرائيل !! ( حجي ليبرالي غربي الهوى !! )
وبعد الثورة وفي مرحلة التفكير للترشح للرئاسة كان لعمر سليمان حديث مهم في دلالته حين قال ( لابد من تجميد أي صراعات إقليمية ودولية في الوقت الراهن ، وحماية الحدود الإقليمية ، وعدم استعداء المجتمع الدولي ( يقصد أمريكا والغرب ) ضد مصر والتوقف عن إثارة المشكلات حماية للأمن القومي في هذه الفترة التاريخية الحساسة ) . وهذا كلام مهم جداً لأنه كان ولا يزال رأي النخبة المصرية كلها إلا من رحم ربي . فالعسكر والمدنيون ، الإسلاميون والعلمانيون ، اليمين واليسار الكل مجمع على عدم استفزاز أمريكا ، وكأن أمريكا خارج الصورة ، وكأن أمريكا ليست هي المسئول الأول مع إسرائيل عن حالة التمزق التي تعتمل الأمة . وكأن الخلاص من أزمة مصر الراهنة والمستمرة والمتوطنة منذ عدة سنوات يمكن أن يتم بدون الخلاص من الهيمنة الأمريكية . وكأن مصر يمكن أن تحقق تقدماً وأمريكا تمزق الوطن العربي من حولنا . ومع ذلك فإن المؤسسة العسكرية مسئولة عن انتشار هذه الفكرة المضللة بحكم سيطرتها على الإعلام .
دلالة الموقف من أنفاق غزة :
تعرضت لمسألة موقف عمر سليمان والمؤسسة العسكرية من القضية الفلسطينية ولكن أعود لمسألة الأنفاق من زاوية أخرى . فقد انشغلنا في حزب العمل ( الاستقلال ) خلال فترة ما من عهد مبارك دون باقي القوى السياسية بمسألة الجناح الوطني ، ورغم أننا كنا أكثر القوى السياسية ضراوة ضد نظام مبارك إلا أننا كنا نلاحظ وجود اتجاهات في الحكم ضد الخصخصة ،ضد حالة الهوان التي وصلنا لها مع إسرائيل وأمريكا ، وكان مركز هذه الاتجاهات القوات المسلحة وبشكل خاص المخابرات العامة ، ولكن حتى وإن صح ذلك فقد برهنت الأيام أن هذا الجناح المفترض كان ينضبط في النهاية بأوامر الرئيس ، وبرهنت الأيام أن الرئيس والأجهزة العسكرية تحازي ( بلغة الجيش ) كل يوم أكثر وأكثر مع إسرائيل وأمريكا . وقد كنا نتخذ من الموضوع الفلسطيني مؤشراً لأن المقاومة المسلحة في غزة هي الأمر الأول الذي يزعج إسرائيل ، والعجيب أن الوضع تجاه القضية الفلسطينية أصبح أسوا في عهد السيسي منه في عهد مبارك ، وهذا ينطبق أيضاً على مسألة الحريات السياسية ، وهذا ليس دفاعاً عن مبارك ، ولكن للتأكيد على أن الموقف من الحلف الصهيوني – الأمريكي يسير في منحدر وكل يوم أسوأ من اليوم السابق وأن المؤسسة العسكرية تسير في سكة ( اللي يروح ميرجعش ) وأنها كل يوم تقدم تنازلاً جديداً يؤكد أن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل من الثوابت العقائدية التي لا تمس حتى وإن ( بعنا هدومنا ) !! وأنا أصدق ما قاله عمر سليمان لجهاد الخازن بخصوص أنفاق غزة لأنني شاهد عيان على ذلك . يقول جهاد الخازن ( إن سليمان حاول مساعدة الفلسطينيين من دون استشارة أمريكا وإسرائيل ، وقد أراني مرة خريطة الأنفاق مع غزة واسماء مالكي كل نفق وأسعار التهريب ، وأنه مع الإسرائيليين والأمريكيين يزعم " احنا منعرفش " لوجود المعاهدة والمساعدة الاقتصادية والعسكرية ، كما أن السواتر المعدنية كانت دعاية وخدعة ولم توقف أي نفق معروف وسببها التجاوب المزعوم مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية من دون تنفيذ شئ فعلي على الأرض ) ( انتهى كلام جهاد الخازن ) . لماذا أقول أنني لا أكذب عمر سليمان بل أصدق كلامه ، لأنني استخدمت هذه الأنفاق مرة ، وشاهدت منطقتها في رفح عن قرب ورأيت آليات عملها . وأستطيع أن أتكلم الآن بحرية بعد ( خراب مالطا ) !! فكلامي لن يضر . منطقة الأنفاق صغيرة جداً ومن المستحيل أن تدفق كل هذا الكم من السلع والبضائع بدون أن تكون ملحوظة بالعين المجردة . كميات هائلة من البنزين تضخ في أنابيب صغيرة داخل الأنفاق وغيرها من البضائع تدخل في شاحنات إلى رفح وهي أشبه بالقرية ، وبالتالي أي ملاحظة أمنية بسيطة يمكن أن تكشفها ، بل وصل الأمر إلى حد أنه كان معروفاً أن هذه الحارة مخصصة للوقود ، وتلك للمكرونة والبقالة .. الخ وعندما دخلت المنزل المجاور للنفق سألت الشاب المسئول هل تجدون معوقات من الشرطة ، قال لي : لا بالعكس هم متعاونون معنا !! وفي النفق الضيق كدت أموت اختناقاً لأن عمليات النقل كانت على أشدها .. أكياس أسمنت – وأدوات منزلية ( دماسات فول ) مثلاً وكان الشباب الفلسطيني يقوم بالنقل بصورة يدوية من الوضع زاحفاً ، وكذلك كنت أزحف بدوري . أقصد لقد رأيت بضاعة بريئة حرام أن تنقل بهذا الأسلوب الخطر والمضني .
ما هو تفسيري للسماح بهذه الأنفاق طوال تلك السنين في عهد مبارك ؟ (1) أن غزة كانت تتعرض بين حين وآخر للتضييق من إسرائيل في إدخال السلع والبضائع وكان أهل غزة ينفجرون ويتجهون إلى مصر للحصول على احتياجاتهم وقد حصل هذا مرتين وكان قابلاً للتكرار ، وبالتالي كان من مصلحة مصر عدم الوصول إلى نقطة الغليان والانفجار ، وطالما أن مصر غير قادرة على تصدير البضائع علناً وفوق الأرض ( وهذا لا أوافق عليه ولكن هذه هي عقيدة عدم تحدي أمريكا وإسرائيل ) فلتفعل هذا من تحت الأرض وتزعم أنها لا تعرف . (2) هذا التهريب الذي يهاجمه السخفاء في الإعلام هو في واقع الأمر تصدير لبضائع مصرية لا يوجد لها سوق عربي بديل والمصدر يحقق أرباحاً هائلة ، والمنتج المصري هو المستفيد ، وغزة تحتاج بضائع بقرابة 2 مليار دولار سنوياً . (3) كان الأمن يركز على الأنفاق التي تهرب السلاح حتى يكون التهريب في حدود المعقول ، وعدم السماح بإدخال أسلحة متطورة . وكانت هذه آخر بقايا الرؤية الصحيحة للأمن القومي ، وهي أن غزة شوكة في جنب إسرائيل ولكن هذه الفكرة أخذت في التلاشي والاضمحلال . في عهد السيسي حدثت حملة ضارية وحقيقية ويمكن الحديث عن إعاقة ثم ضرب الأنفاق بنسبة 90% بحجة أننا سنفتح المعبر ثم تعرض المعبر لإغلاقات طويلة . ويقوم الإعلام بدور مروع وخائن لله ورسوله ، بالتركيز على أن هذه الأنفاق هي التي تهدد أمن مصر حتى الصعيد وليس في سيناء وحدها . ولكسب تعاطف الشعب المصري لهدم الأنفاق تم ترويج أن غزة منبع السلاح ومنبع الإرهابيين في سيناء ، مع أن غزة محاصرة وهي التي تحتاج للسلاح . كما أن العقيدة القتالية لحماس والجهاد ضد القيام بأي عمل مسلح خارج فلسطين . كما أن حماس تعرف جيداً أن مصر هي المخرج الوحيد لها للعالم فكيف تستعدي السلطات .. وبأعمال عنف ؟! لا أستطيع أن أقول أن مبارك كان أكثر وطنية من السيسي ، فلم يكن يتبنى خطة لتحويل غزة إلى قلعة مسلحة ضد إسرائيل ، ولكنها هي فعلت ذلك بالأمر الواقع وبالنبش بالأظافر في الحجر ، وبتصنيع الأسلحة بدءاً من القنبلة اليدوية إلى الآر بي جيه إلى الصاروخ . وكان نظام مبارك كما يقول سليمان يضغط دائماً لوقف الصواريخ مهما فعلت إسرائيل !! لم يكن مبارك أكثر وطنية من السيسي ولكن السير في طريق الشيطان لابد أن ينقلك باستمرار إلى موقف أسوأ ، فالسيسي نفسه كان مدير المخابرات الحربية في وقت التعامل " الليبرالي " مع الأنفاق . من الأمور المزعجة حقاً أن علاقات مصر مع إسرائيل كانت دائماً – في عهد كامب ديفيد – أكثر سلاسة من علاقتنا بأمريكا . وكانت إسرائيل هي التي تضغط على الأمريكان لتفهم المواقف المصرية . نحن لم نسمع شكوى واحدة في عهد مبارك من إسرائيل خاصة في النصف الأخير من عهده . وفي عهد السيسي لم نسمع من نظامه أو إعلامه شكوى واحدة ضد إسرائيل بل كل العتاب يكون لأمريكا . وهذه ملاحظة مخيفة تؤكد الاستبعاد النهائي لأي ابتعاد عن إسرائيل حتى وإن أحرقت المسجد الأقصى . ويعلم مبارك والسيسي أن الطريق إلى قلب أمريكا عن طريق إسرائيل ، وهذه معادلة صحيحة لمن يريد الركوع دوماً في المحراب الأمريكي . أقول إن السير مع الشيطان يؤدي دائماً للمواقف الأسوأ ، فأنت قد تبدأ بالزنا ثم السرقة ثم القتل ثم تكرار القتل ( على صعيد الانحراف الشخصي ) وفي السير مع الشيطان الأمريكي – الصهيوني ، تنتهي لبيع الغاز شبه مجاني لإسرائيل وعقد اتفاقية الكويز ، فهذه أمور فعلها مبارك في النصف الثاني من عهده . والتنسيق الأمني مع إسرائيل ازداد مع استمرار الوقت في عهد مبارك ( 1520 زيارة لسليمان لتل أبيب ) إلى الذروة في عهد السيسي وفقاً لما يذكره المسئولون والإعلاميون الصهاينة . ولتبرير ذلك يتم إيهام المصريين أن المعركة مع أشرار غزة ( المقاومون لإسرائيل ) دون تقديم دليل مادي واحد حتى الآن . ولكنها تكئة لحصار غزة وضرب المقاومة بحجة ضرب الإرهاب في سيناء بينما الهدف من الحملة على سيناء تأمين الأمن القومي الإسرائيلي أساساً . وقد كان لإسرائيل كما ذكرنا وعملاء دحلان دور أساسي في افتعال الفتنة بين المجاهدين المصريين وشرطة وجيش مصر . فهذا جيشنا الذي لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ 40 عاماً ، يقاتل المصريين في سيناء في معركة كان يمكن تجنبها إذا تم التعامل مع الوضع بوطنية وحنكة . وقد بدأ الأمر بمذبحة رفح الأولى ، وقالوا أن مرسي يتستر على القتلة ، ولكن بعد عام على إزاحة مرسي لم يكشف أحد الستار عن القتلة . بالمناسبة هذا الحادث هو الفتيل الذي أشعل الوضع في سيناء بأفعال وردود أفعال ، بمذابح ومذابح مضادة . والمرجح أن إسرائيل وراء هذه المذبحة ، وادعى العسكريون أن مرسي منعهم من إذاعة أسماء المتورطين في المذبحة ، وكان مصدراً عسكرياً مسئولاً صرح ( بأن نتائج التحقيق حول هوية المتورطين في الحادث تضم الكثير من المفاجآت ) . والآن بعد عام من الإطاحة بمرسي لماذا لا تعلنون ؟! وكتب مصطفى بكري المتحدث الأساسي بإسم المؤسسة العسكرية في حينها أن طنطاوي طلب مراراً من مرسي إذاعة نتائج التحقيقات ، وأن مرسي رفض . لماذا لا تعلن الآن بعد سنة من رحيل مرسي ؟!
الوضع انتهى إلى أن جيش مصر المسلم يتعاون مع الجيش الإسرائيلي للحفاظ على أمن سيناء ، وأن العدو أصبح هم المسلمون في غزة ؟! وهذه هي الحقيقة الكبرى التي يجري التشويش عليها بالأكاذيب ، حتى وإن ثبت – وهو لم يثبت بعد – أن عناصر متطرفة في غزة تتعاون مع عناصر متطرفة في مصر فإن حماس لا علاقة لها بذلك بل إن كتائب القسام هي كنز استراتيجي في مواجهة الكيان الصهيوني . وطبعاً الراعي الأكبر أمريكا يبارك هذا التعاون المصري – الإسرائيلي . ويهود إسرائيل توصيفهم الشرعي : أهل كتاب كفار ومحاربين .
لا أجد ما أختم به هذا الجزء إلا آيات الله (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين 149 بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) آل عمران 149-150



عمر سليمان زار تل أبيب 1520 مرة.. لماذا؟!!..عبادة أمريكا الشرك المعاصر..حلقة (7)
القوي : عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا
المؤسسة العسكرية
} نواصل عرض دراسة مجدي حسين غير المنشورة والتي كتبت خلال النصف الأول من عام 2014 وهي أصلاً بعنوان < عبادة أمريكا : الشرك المعاصر> ويركز هذا الفصل على مسألة إضفاء صفات الله وأسمائه الحسنى على أمريكا ، وبدأ بصفة القوي وما يرتبط بها القادر – المعز – المذل – العزيز – الجبار – المتكبر – خير الماكرين – ذو انتقام – ذو عقاب أليم – ذو الطول – شديد القوى – شديد المحال – فعال لما يريد – الضار – العلي – القاهر – القدير – القهار – المتين – المقتدر ..الخ
وهو ما أجمله في ( عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا ) وبدأ بمواقف السادات باعتباره نبي هذا الدين الجديد ثم مبارك ثم أبو غزالة ثم أجهزة الاستخبارات وهو ما يسميه المؤسسة العسكرية ونواصل من حيث توقفنا في الحلقة السابقة – < الشعب < {
وعندما نتحدث عن أجهزة الاستخبارات ( أساساً المخابرات العامة – الحربية –أمن الرئاسة في حدود علمنا ) فإننا نتحدث عن عقل المؤسسة العسكرية ، فالمؤسسة العسكرية الرئيسية : الجيش بكل أفرعه القتالية ، متخصص بالأعمال والهموم والفنون القتالية وبعض الأحاديث عن الاستراتيجية العسكرية ، ولكن أعضاء الأجهزة الاستخباراتية يتفرغون ويحصلون أكثر من غيرهم على دورات سياسية وثقافية وفي غياب الحروب أصبحت المخابرات الحربية لديها أوقات متسعة لمنافسة المخابرات العامة في مسألة الدورات السياسية والثقافية
ممثلوا الجهاز الاستخباري العسكري في الإعلام والعمل السياسي وهم كثر ينتقدون أمريكا وإسرائيل ، ولكن في اللقاءات الخاصة المغلقة يكونون أشد انتقاداً وعنفاً ، ولكنهم يعودون في العلن إلى التأكيد على تثبيت كامب ديفيد وأن المطلوب هو مجرد بعض التعديلات في بنودها الخاصة بحجم القوات المصرية في سيناء ، وهذا من أجل مواجهة الإرهاب ، وهذا يفيد أمن مصر وإسرائيل معاً . خاصة مع بداية إطلاق بعض الصواريخ من سيناء على إيلات وحوادث أخرى لإطلاق النار عبر الحدود على جنود إسرائيليين . كذلك في اللقاءات الخاصة والمغلقة يعودون للحديث عن عدم استعجال معاداة أمريكا لأن مصر ستخسر من ذلك. ِ" ولابد من ملاحظة أنني أدمج الحديث عن أمريكا وإسرائيل في موضوع واحد في ظاهرة واحدة ( راجع دراسة أمريكا طاغوت العصر – واليهود يحكمون أمريكا لكاتب هذه  السطور ) " .
وكان ممثلو الاستخبارات في اللقاءات الخاصة مع السياسيين – كما ذكرت آنفاً – يلقون باللائمة على مبارك في مسألة الارتهان بأمريكا وإسرائيل ، بل وصفوا اتفاقية الكويز بأنها خيانة عظمى. ولكن بعد سقوط مبارك وجدنا نفس الأشخاص يتحدثون دفاعاً عن استمرار الكويز، وأيضاً استمرار المعونة، حتى قال أحدهم : إن المعونة الأمريكية حق من حقوق مصر، بل جزء من حقنا !
الرأي الرسمي للمؤسسة العسكرية حتى الآن ( هذه الدراسة كتبت في النصف الأول من عام 2014 – الشعب ) أن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل لا تزال ضرورية وأساسية في إطار نفس ضوابط كامب ديفيد، مع السعي لبعض التعديلات، ولكن المهم أن تدير المؤسسة العسكرية بصورة احتكارية هذه العلاقات. وهذا سر حساسية العسكر من منظمات حقوق الإنسان وأي تمويل أو علاقات أمريكية بعيداً عن عيونها أو سيطرتها .
ويقول ممثلوا الأجهزة الاستخباراتية لا تتعجلوا إن الخلاص من الهيمنة الأمريكية يحتاج وقتاً، ونحن نقول إن الخلاص من التبعية لا يتم بالتدرج بل لابد من قفزات، وهو أشبه بالثورات، ولقد أضعنا فرصة ذهبية في خضم ثورة 2011 بأن أجلنا جميعاً هذا الهجوم. وهذا الكلام ينطبق على الإسلاميين والعلمانيين بنفس القدر، وليس العسكريين فحسب .
قبل ثورة 2011 اقتنعنا بوجود جناح "وطني" في الحكم وأساساً في المؤسسة العسكرية وكانت عواطفنا معه في مواجهة مشروع التوريث، وكنا نرى إذا كان الخيار بين جمال مبارك وعمر سليمان فإن الأخير أفضل بالتأكيد ولكن ثورة 2011 ضربت هذا الوهم نهائياً عندما انكشف عمر سليمان وهو أبرز ممثل للمؤسسة العسكرية وللجهاز الاستخباري عندما انكشف عنه الغطاء، بخروج مبارك من الصورة قبل التنحي في 11 فبراير 2011، بل وتعيينه نائباً للرئيس بكل الصلاحيات، ففي خلال أيام قليلة اتخذ عمر سليمان أسوأ المواقف الممكنة، بما فيها الموقف من أمريكا وإسرائيل وهذا ما يهمنا الآن في هذه الدراسة، وفي نفس الوقت لم يظهر حتى الآن من أي رمز آخر من داخل المؤسسة العسكرية أكثر تحرراً . ظهور بعض العسكريين المتقاعدين يهاجمون أمريكا وأحياناً إسرائيل في الإعلام، مع تناقص عددهم، لا قيمة له، فأمريكا لا يهمها هذا الكلام يهمها الأفعال على الأرض. أمريكا تسمح لعملائها أن يهاجموها بالكلام شريطة أن يلتزموا معها في الفعل، بل تحب أن يظهر هؤلاء أحراراً مستقلين وقد أشار الرئيس الأمريكي نيكسون لهذا المعنى في أحد كتبه ونحن نرى التلاسن بين إسرائيل وأمريكا أحياناً في الإعلام، ونرى ذلك بين أوروبا وأمريكا ولكن المهم ساعة الجد فإن كل ذلك يختفي ويصبحون ( يد واحدة )، وهذا ما يحدث بين النظام المصري وأمريكا طوال 40 سنة. أمريكا أيضاً تغفر الذنوب !!!
وأتوقف عند بعض الخبرات الخاصة : 
•    في حملتنا على يوسف والي وزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء وأمين عام الحزب الحاكم على مدار سنوات كانت الأجهزة الاستخبارية والرقابة الإدراية ( وهي عسكرية ) ترى صحة ما ننشره في الشعب وأن إسرائيل – بالتعاون مع أمريكا – تعمدت دس السموم لنا عبر المواد الزراعية حتى وصل المصابين بالسرطان وحده إلى 12 مليون مع إصابة 800 ألف جدد كل عام ( تصريح لوزير الصحة ) ومع ذلك تم حبسي وصحفيي الشعب لمدة عامين في عهد مبارك وعندما خلصنا من مبارك يتم حبس والي الآن بتهمة تافهة ( أرض البياضية ) ولم يتم فتح ملف هذه المذبحة، وهذا أهم قصاص، حتى لا يستبيح أحد حياة المصريين. ولكن الأنكى من ذلك فإن تلاميذ والي ظلوا يعملون في وزارة الزراعة حتى الآن!! لا توجد حجة الآن عند العسكريين ( حجة مبارك ) بل هم الذين يواصلون جريمة التطبيع الزراعي مع إسرائيل وهي استمرت في عهد مرسي أيضاً. وما يهمني هنا هو الخوف من الصدام السياسي والعسكري مع أمريكا وإسرائيل فنصمت عن قتل الملايين !!
•    ومثل هذا حدث في مواقف أخرى عديدة من أبرزها (إسقاط طائرة البطوطي) وهذه استهدفت قتل عسكريين وكان لابد للعسكريين أن يثوروا لأنفسهم. لم يحدث شئ إلا التلسين الإعلامي، في عهد مبارك وبعده. وقال لي أحد كبار العاملين في المخابرات العامة – في لقاء شخصي عارض أي بدون أي ترتيب – إنه هو الذي حقق بنفسه هذا الحادث في الولايات المتحدة وتأكد من أن الطائرة أسقطت بقرار أمريكي من خلال التلاعب في وقود الطائرة. وهذا مثال آخر على عبادة أمريكا ( خوفاً ) منها. وكما أشرت من قبل فإننا نعبد الله ( خوفاً وطمعاً ) الأعراف 56 . ما الذي يحدث لو أعلنا ذلك وخفضنا مستوى العلاقات وأوقفنا المعونة ..الخ
•    الارتقاء الإعلامي بعملاء أمريكا : في إحدى المرات حذرني مصطفى بكري من مأمون فندي المصري الأمريكي (لا تتصل بفندي لأنه مخابرات أمريكية) وأنا أعلم أنه موظف بمراكز بحوث البنتاجون، وعلاقتي به محدودة، هو الذي سعى إلي خلال إحدى زياراتي للولايات المتحدة وأعتقد أنه زارني مرة واحدة في القاهرة، وكان يروج لفكرة تعاون الإسلاميين مع أمريكا ولكن فوجئت به يهاجم حزب العمل (الاستقلال) بصورة بذيئة باعتبارنا ظلاميين في مقال بالأهرام. وليس هذا هو المهم (سأتعرض في الفصل الأخير لعلاقاتي مع الولايات المتحدة إن شاء الله) المهم بعد تحذير مصطفى بكري وجدت مأمون فندي وقد تحول إلى نجم ولا يزال في الإعلام الرسمي. وبدأ في الأهرام، ويبدو أن الهجوم على حزب العمل كان شرطاً، لأنه كان بدون مناسبة أو مبرر. ثم أصبح نجماً في التليفزيون الرسمي، ثم أصبح كاتباً في مجلات أخرى قومية، ونجماً فضائياً باعتباره خبيراً أمريكياً. أنا غير معترض على التحذير، ولكن معترض على أن الاستخبارات تفتح الطريق عن عمد لعملاء أمريكا في الإعلام المصري، ويبدو أن هذا جزءاً من التفاهمات مع الاستخبارات الأمريكية الذي اتضح أكثر فيما كتب عن عمر سليمان حياً وميتاً. المهم أن هذا ديدن الأجهزة الاستخباراتية تضع أمثالي في السجون وتضع من تثق تماماً أنهم عملاء أمريكان في أهم المواقع الإعلامية. عندما قامت الثورة كنت أنا الوحيد في السجن (بالإضافة للإخوان) بينما كان عملاء أمريكا ملئ السمع والبصر (ساويرس – صبور على سبيل مثال). مثال آخر : أثناء حديث تليفوني مع صلاح الدين سليم أحد الرموز العلنية للمخابرات وكان يتصل بالجميع للحوار السياسي العام، قال لي أن عبد المنعم سعيد عميل أمريكي وأنه حصل على هدية 20 ألف دولار من السفير الأمريكي بمناسبة زواجه ىالثاني، وأنه (أي اللواء صلاح) هو الذي نشر هذا الخبر في صحيفة العربي. المهم أن د. عبد المنعم سعيد رغم كل هذا التأكد، بل بسببه ، استمر رئيساً لمركز دراسات الأهرام ثم الأهرام ثم المصري اليوم وكان له برنامج أسبوعي في التليفزيون الرسمي. إذن لابد أن أكون صديق السفير الأمريكي حتى يكون لي برنامج ثابت في التليفزيون أو رئيس مجلس إدارة صحيفة (الشعب أغلقت). أحد قيادات المخابرات أذهلني عندما تحدث عن آل ساويرس بلهجة عالية وقال: إنهم وطنيون جداً وهذا يؤكد حالة العمالة المزدوجة، وأن الاستخبارات تلعب كثيراً مع عملاء أمريكا وإسرائيل وتحاول أن تتقاسمهم مع إسرائيل وأمريكا، بمعنى أن يكونوا جسوراً للتفاهم والتعاون (كأن الحكاية ناقصة) هذه نظرية شائعة في العمل الاستخباري : مصاحبة العقارب السامة لتكسر سمهم وقد أدت هذه النظرية لحكاية تصدير الغاز برخص التراب لإسرائيل!! وهي نظرية تعكس الإيمان العميق بأن التبعية لأمريكا ستظل مفتوحة لأجل غير مسمى وأن أمريكا هي (قدرنا المتجلي)! وهذا يتضح أكثر في مواقف مصطفى بكري المتقلبة من ساويرس ومن البرادعي وهو يعبر بدقة عن موقف المؤسسة العسكرية : في لحظة أهاجمك وأسبك وفي لحظة أخرى أشيد بك حسب موقف وضرورات المؤسسة. أي أن المشاجرات والتقلبات مع أمريكا ورجالها تكون تحت سقف التبعية لها (لا مفر من الله إلا إليه).

الإسلاميون أخطر من إسرائيل
(الإسلاميون أخطر على الأمن القومي من إسرائيل) مقولة ترددت أكثر من مرة في مقالات كبار كتاب صحيفة الفجر اللصيقة بالمخابرات، وهي مقولة خطيرة من عدة زوايا، فهي تستبعد أمريكا أصلاً من أن تكون أخطر طرف على الأمن القومي المصري وتضعها هكذا في خندق الصديق، ثم تضع التيار الإسلامي كأخطر من إسرائيل، وهذه المعادلات تعني عادة التعاون مع الأقل خطورة ضد الأكثر خطورة وهذ ما يقوله نتنياهو، وهو ما بدأ يحدث فعلاً من تعميق التعاون الاستخباري المصري - الإسرائيلي ضد الإرهاب الإسلامي المصري والفلسطيني. هذه المقولة خطيرة وقد علقت عليها في حين نشرها وقلت إنها تعكس تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، وأن هذا انقلاب حقيقي، فلم يضايق ما كتبته الصحيفة، بل علقت بأن نقلت ما ذكرته كدليل على تأييدي للإخوان !!
وما حدث طوال فترة حكم مرسي وقبلها بعدة شهور يؤكد ويرسخ هذه الفكرة. والتي انتهت بضرب الإخوان مع استمرار الحفاظ بأوثق العلاقات مع إسرائيل وأمريكا. ومع وجود عملاء أمريكا في أبهى وضع وصورة كما كانوا أيام مبارك وأكثر .

مواقف عمر سليمان :
كما أشرت فإن مواقف عمر سليمان خلال أيام الثورة (2011) دمرت فكرة موقفه الوطني المعادي لأمريكا وإسرائيل التي حاول أنصار المخابرات ترويجها في الساحة السياسية، دون أن يبرهن عليها أي موقف أو تصريح، وكنا نقول إن عمل الرجل كمدير للمخابرات يقيده ، ولعله فعلاً يبطن غير ما يظهر. والمعروف أن الأمريكان لا يجاملون ولا يمدحون إلا من يثقون فيه فعلاً، وكانت التقارير المنشورة والصادرة عن جهات قريبة للسلطة الأمريكية تشيد دائماً بعمر سليمان ويقولون عنه إنه أحدى ثمرات التدريبات والشراكة المصرية – الأمريكية حيث خضع لتدريبات في ثمانينات القرن العشرين بمعهد ومركز جون كيندي المتخصص في شئون الحروب في فورت براج بنورث كارولينا. وتقول "مارجورييه كوهين" أستاذة القانون بجامعة "توماس جيفرسون" والرئيس السابق لنقابة المحامين الأمريكية كلاماً في منتهى الدقة والأهمية: (لم يكن دور عمر سليمان لدى الإدارة الأمريكية في البداية يتعدى كونه رجل ربط العلاقات بين مصر وأمريكا بعد أن انتدبه مبارك ليكون وسيطاً بين الإدارتين للتنسيق فيما هو مشترك في الدوائر الأمنية السرية، ولكنه استطاع فيما بعد بمثابرته وإخلاصه وأمانته (الإخلاص والمثابرة والأمانة لمن ؟! لأمريكا ؟! – م.ح) ومن خلال إظهاره الاستعداد الكبير للتعاون غير المحدود مع الدوائر الأمنية الأمريكية أن يترك انطباعاً إيجابياً لديها) هذه السيدة تتعاون مع المخابرات الأمريكية وبالتالي هذا هو رأي المخابرات الأمريكية في عمر سليمان وهو رأي لا يشرف أبداً فهو شريك موثوق فيه لجهوده في مكافحة الجماعات الإسلامية المسلحة ولأنه قناة التواصل الرئيسية بين مبارك والحكومة الأمريكية في شتى الموضوعات وليس في الأمور الاستخبارية فحسب. وسنأتي لعلاقة عمر سليمان بالعميل مبارك. ودور عمر سليمان في الاشراف على التعذيب لصالح المخابرات الأمريكية ثابت في كثير من الدراسات الأمريكية (تأكد هذا بصورة حاسمة في تقرير الكونجرس الذي صدر منذ أيام – الشعب)، وترى الصحيفة الرصينة (وول ستريت جورنال) الأمريكية أن عمر سليمان من خلال علاقاته بأمريكا وإسرائيل والحكومات الغربية كان له دور كبير في استمرار نظام مبارك كل هذه المدة الطويلة .

فلسطين : كان أنصار الأجهزة الاستخبارية في العمل السياسي يقولون أن المخابرات مع القضية الفلسطينية قلباً وقالباً، ولكن الوثائق تنفي هذا تماماً. وأرجو أن يكون واضحاً أنني غير معني بالهجوم على عمر سليمان وقد رحل عن عالمنا، ولكنني مضطر للتعرض له لتأكيد كيف أن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل أصبحت من الثوابت العقائدية لنظام مبارك، وقد كانت المخابرات من أهم أعمدة النظام إن لم تكن العمود الأهم لولا قصة التوريث التي أعطت أهمية زائدة لجهاز أمن الدولة (الشرطة)، كما أن أفكار عمر سليمان لا تزال هي السائدة عند المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات حتى الآن ( مطلع 2014 )
تؤكد وثائق ويكليكس أن عمر سليمان قال لمسئول إسرائيلي بأنه يود منع الإنتخابات التشريعية بالسلطة الفلسطينية عام 2006 حيث كان من المتوقع فوز الإسلاميين لكن سليمان فشل، وفازت حماس .
وفي وثيقة أخرى تعهد أمام وفد أمريكي بمحاصرة حماس، وتدريب قوات فلسطينية تابعة لفتح بدعم أمريكي لمواجهة حماس في غزة. وقد استضافت مصر بالفعل وحتى الآن آلاف من عناصر الأمن الوقائي التابعين لدحلان في العريش وقد لعبوا دوراً تخريبياً في سيناء وساهموا في الوقيعة بين الجهاديين والشرطة والجيش، والمؤكد أن دحلان عميل إسرائيلي. والعجيب أن واشنطن هي التي رفضت مشروع تدريب هذه العناصر، ربما لتفريغهم لأعمال التخريب في سيناء، واقترحت واشنطن أن يكون التدريب في الأردن!! وتعهد سليمان وفقاً لويكليكس باستمرار الضغط على حماس لوقف ضرب الصواريخ ضد إسرائيل. (لقاء مع وفد أمريكي).
أما عن الغزل الإسرائيلي في عمر سليمان فحدث ولا حرج فقد اتضح انه هو الكنز الاستراتيجي أكثر من مبارك. فقال عنه بن اليعازر:(سليمان كان أفضل من خدموا إسرائيل ومن أبرز الشخصيات التي قوضت حركة حماس. وكانت لديه علاقات ممتازة مع كبار المسئولين العسكريين الإسرائيليين . كانت علاقتي مع سليمان وثيقة جداً وعملت على إدخاله في كل موضوع وخاصة في قضية الغاز، فكنت أتحدث معه يومياً (لاحظ حكاية يومياً!) وكان له فضل كبير في تصدير الغاز المصري إلينا)، وأضاف أليعازر حول مآثر سليمان أنه ساهم في نقل 150 ألف سعفة من النخيل إلى إسرائيل التي كانت بحاجة ماسة إليها من أجل الاحتفال بعيد المظال اليهودي. (هل كان هذا أيضاً من ضرورات الأمن القومي المصري؟ ولماذا كل هذه المحبة في أمور دينية؟ وهل يوجد نص في معاهدة السلام على توفير سعف النخيل لليهود؟) وأنه لم يتردد في مقابلة وزير الخارجية أفيجادور ليبرمان (الذي هدد بضرب السد العالي بالقنابل النووية) وكان مؤيداً لعملية السلام مع إسرائيل ومؤيداً للسياسات التي تعارض إيران. انتهى كلام بن اليعازر الذي كان يحصل على مرتب ثابت من مبارك كمستشار!!
ويقول الخبير الإسرائيلي في شئون الشرق الأوسط موردخاي كيدار: (لقد كنا نحن وسليمان حلفاء في مواجهة المتشددين الإسلاميين، ولقد حاربناهم وكذلك فعل سليمان) والطريف أنه يفسر ذلك بأن (سليمان كان يمثل طبقة علمانية صغيرة في المجتمع المصري، كانت ثرية وفاسدة!! ولهذا كان مناهضاً للإسلاميين).
وكان التليفزيون الإسرائيلي يصف سليمان بأنه كان صاحب بيت في إسرائيل. ووصل عمق علاقته بإسرائيل أن نتينياهو – وفقاً لصحيفة ميدل ايست مونيتور البريطانية – عرض عليه وهو نائب لمبارك إرسال أفراد من المخابرات الإسرائيلية لفض مظاهرات التحرير بطرق فنية متخصصة!! ووفقاً لويكليكس فإن عمر سليمان كان مرشح إسرائيل المفضل لخلافة مبارك. وأكد سليمان لجهاد الخازن أنه (عارض إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وقال أنها غير ذات تأثير إطلاقاً (!) وتعطي إسرائيل عذراً للرد) وكأن الفلسطينيون هم الذين يبدأون!! ولقد استخدم عمر سليمان جهاد الخازن الكاتب بصحيفة الحياة لإرسال عدد من الرسائل قبل ترشحه للرئاسة ولكن أخطر ما جاء في سلسلة مقالات جهاد الخازن هذه المعلومة الخطيرة على لسان العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري التي تقول أن عمر سليمان زار تل أبيب 1520 مرة خلال 30 سنة .. نعم ألف وخمسمائة وعشرين أي بمعدل زيارة كل أسبوع على مدار30 سنة هذا بدون حساب مقابلة الإسرائيليين في مصر، بالإضافة للهاتف الأحمر الذي يتخاطب فيه يومياً معهم، وهو تولى المخابرات 18 سنة، إذن بحسبة بسيطة فإن عمر سليمان كان يمضي مع الإسرائيليين وقتاً طويلاً جداً من حياته، وهذا في حد ذاته يخلق حالة من العشرة والمودة بحكم طبيعة الأشياء، لذلك فقد أمرنا القرآن بعدم إبداء المودة للأعداء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) الممتحنة 1. ولا أستطيع إلا أن أتوقف هنا من سرد الوقائع الخاصة بعمر سليمان وأتوقف عند هذه المعلومة المذهلة التي لم ينفها جهاد الخازن رغم أنه متعاطف أصلاً مع عمر سليمان وكان يمكن أن يعود إليه لينفيها. وكما ذكرت فإنني مهتم بحالة عمر سليمان لأنه حكم مصر مع مبارك 18 عاماً، ولكن ليس لهذ السبب فحسب بل أساساً لأن العقلية التي تحكمه هي لا تزال تحكم مصر حتى الآن. وهي حالة مخيفة من الشيزوفرنيا فهم عندما يتحدثون في الغرف المغلقة يكونون أكثر الناس تطرفاً ضد أمريكا وإسرائيل ثم يخرجون للعلن يتحدثون عن الصداقة والسلام. وهم يقولون في الغرف المغلقة إننا غير قادرين الآن على المواجهة ولابد أن نداري أوضاعنا، وهم من كثرة ترداد هذا المعنى يصبح متأصلاً لديهم أنهم أبرياء وليسوا عملاء. يصبح حديثهم في الغرف المغلقة وكأنه نوع من التطهر على طريقة الاعتراف الكنسي. وهذا الدور يتقمصهم فعلاً ويقتنعون به ويقنعون به بعض الناس حولهم. وأنه لا يمكن تحدي أمريكا ولا يمكن العيش بدون رضاها. وهذا يؤدي للاستجابة لمعظم مطالبها، ولاحظوا أننا مع الله نلبي معظم ما يطلبه منا ونظل مقصرين ونسأل الرحمة والمغفرة، وكذلك مع أمريكا التي نسمع كلامها (خوفاً وطمعاً) على الأغلب ولكن الحكام يرفضون تلبية بعض المطالب المتعلقة بتداول السلطة فهم فقط يختلفون مع أمريكا في هذه النقطة، يريدون البقاء الأبدي في الحكم وتلبية مطالب أمريكا الأخرى! مبارك عميل من النوع البسيط، هو عميل أمريكا وإسرائيل وخلاص!! وكان يدرك أنهما أهم ضمانة لاستمراره في الحكم لذلك يطيعهم ولا يطيع الله. ولكن عمر سليمان شخصية مركبة وهي تمثل حالة قيادة المؤسسة العسكرية كلها التي نشأت في رحاب كامب ديفيد. فقد أصبحت علاقات الصداقة مع إسرائيل وأمريكا من الوطنية المصرية، وتسللت هذه الفكرة للعقيدة القتالية. وهذه الصداقة لا تخلو من بعض المشكلات والمشاجرات ولكنها أشبه بخلافات الأزواج ومن النوع الحريص على عدم الطلاق. وقد أختبر هذا الزواج الكاثوليكي 40 عاماً حتى الآن وثبت بصلابة مشهودة رغم كل الأعاصير التي ضربت المنطقة على يد أمريكا وإسرائيل. ورغم ما قاما به من تخريب الواقع المصري ذاته، ولكن عندما تسأل أحدهم أين مصلحة مصر التي تحققت؟ فلا تجد رداً إلا عدم تدمير مصر كما دمرت العراق. إذن كان تدمير العراق أمثولة لإرهاب الآخرين ، وحقق هدفه. إذن ليس عمر سليمان الذي يشغلنا الآن وهو بين يدي ربه ولكن استمرار نفس المنهج الذي حول علاقاتنا مع أمريكا إلى "دين ".
لقد استمر سليمان في زيارة تل أبيب 1520 مرة وما يزال مقتنعاً أنه يخدم مصر وحواريه وأنصاره الذين فرزهم الجهاز للعمل السياسي يسمونه "الفارس"، ونعود لجهاد الخازن وسلسلة مقالاته الخطيرة عن عمر سليمان لأنه يجسد حالة الشيزوفرانيا. فيقول أنه سمع مباشرة من حسني مبارك وعمر سليمان، أنك إذا أغلقت جهاز التسجيل فهو (أي مبارك أو سليمان) يقول: ولاد الكلب اليهود دول، إلا أنه وصل إلى قناعة نهائية بأن مصر لا تستطيع أن تربح حرباً ضد إسرائيل وأن الولايات المتحدة في حال الحرب ستقيم جسرين جويين مع إسرائيل لا جسراً واحداً كما حدث في 1973 وأن الدول العربية لا تريد أن تحارب. (جهاد الخازن)
وهذا الكلام يؤكد ما ذكرته من قبل عن لقاء مبارك وكامل زهيري، وما ذكرته عن أن حجة الجسر الجوي أصبحت حجة أبدية للركوع أمام إسرائيل وأمريكا دون مسوغ من قرآن أو سنة. وإذا كانت تقوى إسرائيل وأمريكا هي عين العقل، فمن الطبيعي أن تعطي لهم سعف النخيل والغاز بل ونعطيهم ما تبقى لنا من شرف وكرامة، وأصبح التمييز بين العمالة والوطنية مستحيلاً، فكيف يكون عمر سليمان وطنياً بينما حسين سالم هو ذراعه اليمين، وعندما تقول إن أصدقاء حسين سالم من الموساد، يقولون: نعم ولكنه أخذ الأذن من عمر سليمان، ويعطي عمر سليمان تسهيلات سياحية لحسين سالم حامل جواز السفر الإسرائيلي في في شرم الشيخ وأسوان ويكلفه بحكاية الغاز الطبيعي لإسرائيل، وأصبحت نظرية الأمن القومي هي الارتماء في أحضان إسرائيل. ولأننا لا نستطيع مواجهتها فلنكسبها لصفنا بالخدمات ولنجعلها معتمدة علينا في الغاز، والطاقة أهم شئ. والآن أصبحت إسرائيل أغنى بلدان المنطقة بالغاز بعد قطر ومنه غاز مسروق من مصر .
ولا أدري كيف لا يُعدم مبارك وسليمان (إذا كان حياً) بينما يتم القبض على جواسيس مصريين لإسرائيل!!!
معنى سياسة إرضاء إسرائيل حتى بثرواتنا القومية، أن تكون استراتيجية مصر هي الضعف والاستمرار في الضعف وفتح الطريق أمام إسرائيل لتستأسد في المنطقة، خاصة ونحن نتحدث بعد 3 عقود من كامب ديفيد. وماذا كانت تريد مصر من إسرائيل عام 2010 حتى تعطيها الغاز مجاناً. هل كانت إسرائيل ستحتل سيناء؟! نعم هذه كلمة تقال كي نبيع شرفنا لإسرائيل. والله إذا لم يكن لدينا القدرة على حماية الأراضي المصرية فنحن نكون غير جديرين بمصر. ومرة أخرى إذا لم يكن هذا هو الشرك بالله، فماذا يكون؟!
ونعود مرة أخرى لمقالات جهاد الخازن حيث ينقل عن عمر سليمان ما نسميه نحن "الدين" الذي يحكم مصر منذ عام 1974 (كيسنجر/ السادات) يقول سليمان: (علاقات مصر الإستراتيجية – لاحظ حكاية الاستراتيجية بمعنى الثوابت العقائدية والتي يكررها مبارك وسليمان وخيرت الشاطر والسيسي – مع الأمريكيين مهمة جداً لاستقرار مصر . إذا ساءت العلاقة ستصبح مصر ألعن من باكستان وأفغانستان وينظر إليها كبلد يصدر الإرهاب ، فستخسر مصر دورها (ما هو هذا الدور المقدس؟!) ويخسر جيشها، والأسلحة الأمريكية تمثل 70% مما لديه (ما فائدة هذا السلاح؟!) ويتم ضرب الاقتصاد، فهناك 500 مصنع ضمن برنامج الكويز لتصدير البضائع إلى أمريكا (بشرط وجود 11% مكون إسرائيلي) انتهى كلام عمر سليمان .

(في الحلقة القادمة : كلام ينشر لأول مرة عن عمر سليمان وأنفاق غزة وقصة إقالة نبيل العربي من وزارة الخارجية – سرقة أمريكا للسجل المدني المصري ومفاجآت أخرى ينشر بعضها لأول مرة


الإسلاميون والعسكر والعلمانيون لم يتفقوا إلا على تقوى أمريكا.. (عبادة أمريكا هي الشرك المعاصر) حلقة 6
كيف اتخذنا أمريكا إلهًا من دون الله ؟
كما ذكرنا فإن العبادة هي مسألة اتباع وطاعة وانقياد، وحكامنا عندما يوضع أمامهم أمر فيه حكم إسلامي واضح، وموقف أمريكي مختلف، يسيرون خلف الموقف الأمريكي!! أي أننا استبدلنا المرجعية الأمريكية بالمرجعية الإسلامية في أمور أساسية وجوهرية في حياتنا، وهي كيف ننظم مجتمعنا، وكيف نصنع السياسات الداخلية والاقتصادية والخارجية والتعليمية والثقافية، وهي أكثر الأمور التي تحدد طبيعة المجتمع، ولكن مع أمريكا حدث شيء أخطر من ذلك، وجعلها أخطر على عقيدتنا من اللات والعزى؛ حيث أصبحنا نضفي عليها صفات الله عز وجل، ونطلق عليها أسماء الله الحسنى.
ويعتمد هذا الجزء من الدراسة على تصريحات ومواقف المسؤولين وسياسات الحكام منذ السادات وحتى الآن، وعلى ما صدر ويصدر من وسائل الإعلام، ولكن المصيبة الأكبر أن الإعلام الذي نجح في تخريب ثورة يناير 2011 قد نجح في ترويج وزرع هذه المفاهيم والمواقف تجاه أمريكا، بل أزعم أن جهاز نشر الشائعات في أجهزة الاستخبارت كان له دور خطير في ذلك؛ بهدف تعزيز ثقة الناس في السياسة الخارجية لمبارك حتى وإن كان فاشلًا في السياسة الداخلية، وكنتَ تسمع هذه المقولة بالنص من الناس في أماكن مختلفة، وعلى مستويات ثقافية متعددة (الحقيقة وإن كان مبارك فاشلًا في السياسة الداخلية إلا أنه رائع في السياسة الخارجية، وقد حمى مصر من بلايا كثيرة بموقفه العاقل مع أمريكا) ولم تكن في تلك الآونة وسائل إعلام تقول هذه المقولة بهذا الوضوح مما يؤكد دور جهاز الشائعات، والمعلوم أن هذا الجهاز لا يروج أخبارًا صحيحةً أو شائعات فحسب ولكنه يخرج آراءً وأفكارًا ومواقف أيضًا، وأكثر ما يثبت حاكمًا ونظامًا سياسيًّا ما هو اقتناع الشعب أو قطاع واسع منه بسياسته، وهذا في الحقيقة السبب الجوهري لاستطالة حكم مبارك 30 عامًا، كما أن الثورة عليه غلبت عليها الأسباب الداخلية؛ بسبب هذه الرؤية الشائعة : أن مشكلة مبارك في السياسة الداخلية، والفساد، والديكتاتورية، والبطالة، والتوريث فحسب، وليس في سياسته الخارجية، وعندما قفزت النخبة على الثورة أكدت هذا التوجه أيضًا، فاليسار مع شعار (عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية) بينما لم يكن للإسلاميين أي شعار !!
لقد كنتُ - ولا زلتُ – أشعر بالفزع والجزع عندما أرى هذه الكتلة الرهيبة من حيث الحجم والتنوع من الشعب على قلب رجل واحد إزاء هذا الموضوع، وهذه هي الخطورة الشيطانية للإعلام : كتلة تقول – ولا تزال رغم ثورة يناير – إننا لسنا قد أمريكا، لا نملك أن نواجه أمريكا، لابد أن نكسب أمريكا إلى صفنا، من يعادي أمريكا يُدمر مثل العراق، ويُحاصر مثل إيران، ويُمزق مثل السودان، (لا قبل لنا اليوم بأمريكا)! كتلة من العسكريين وقادة المؤسسة العسكرية – قادة وعناصر الشرطة – العسكريون المتقاعدون – فئات الشعب المختلفة – الطبقة السياسية لا توحدها إلا هذه الفكرة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (عدا حفنة من اليساريين وعدا حزب الاستقلال وجبهة علماء الأزهر) لم يتفق العلمانيون والإسلاميون إلا في مسألة أمريكا: ضرورة عدم معاداتها والاحتفاظ بعلاقات طيبة معها، وعدم إثارة كل ما يتعلق بكامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وعدم التعرض لكل ذلك إلى أجل غير مسمى، وإذا كان هذا هو موقف الطبقة السياسية في مجموعها فإن ذلك يعود ليؤكد نوعًا من الوفاق أو الإجماع " الوطني "، وهو أمر لا يحظى به في مجتمعنا إلا " الله " عز وجل، فحتى الملحدين يرون عمومًا عدم إثارة موضوع عدم إيمانهم بالله، ويتواضع المسلمون والمسيحيون على أنهم يعبدون الله بشكل عام حتى لا يدخلوا في التفاصيل فيختلفوا، ولكن في هذا الشرك يوجد متمردون ضد أمريكا وهم أقلية تزيد أو تنقص حسب الأحوال، وقد حدثت عدة صحوات شعبية ضد هذه العبودية لأمريكا أبرزها المظاهرات الشعبية العارمة ضدها عام 2003 بمناسبة غزو العراق، ولكن الهزيمة السريعة لنظام صدام قضت عليها، ثم واصل الإعلام "رسالته " الشيطانية على مدار عشر سنوات 2004- 2014؛ لإخراج أمريكا من الصورة تمامًا، والانشغال بالأوضاع الداخلية دون ذكر للدور الأمريكي إلا لمامًا، حتى عند تأسيس حركة كفاية في أواخر 2004 بذلنا جهدًا كبيرًا مع العلمانيين (اليسار والليبراليين والقوميين ) لوضع سطر في وثيقة التأسيس ضد أمريكا.
وأثناء عمل حركة كفاية كان التيار الغالب فيها (الكل عدا حزب الاستقلال) يرى ضرورة التركيز على الأوضاع الداخلية، وعدم التعرض لأمريكا أو إسرائيل، وكان هذا يضطرنا لعمل أنشطة موازية..                                                  
إضفاء صفات الله وأسمائه الحسنى على أمريكا
أمريكا قادرة على كل شيء : أمريكا هي القادر المعز المذل العزيز الجبار المتكبر النافع السميع البصير المتعال الرزاق، خير الماكرين، خير الناصرين، ذو انتقام، ذو عقاب أليم، ذو القوة، ذي الطول، الحسيب، سريع الحساب، سريع العقاب، شديد القوى، شديد المحال، فعال لما يريد، الأعلى، الأعلم، الخبير، الرقيب، الضار، العظيم، العلي، الغني، القاهر، القدير، القريب، القهار، القوي، الكبير، المتين، المحصي، المحيط، المحيي، المقتدر، المهيمن، المولى، النصير، الوالي، الوهاب، يحيي ويميت.
لا توجد مبالغة، بل أحيانًا يستخدم اللفظ ذاته، والصفة ذاتها لوصف أمريكا.
 (1) القوي : وتتزاوج هذه الصفة : القادر، المعز، المذل، القهر، المتين، وصفات أخرى .
ويجب إزالة التباس بديهي ولكنه مهم لمتابعة النقاش، نحن لا نغفل لحظة واحدة القوة المادية التي تملكها أمريكا عسكريًّا واقتصاديًّا، ورغم تراجعها الحضاري فهي لا تزال تملك أكبر قوة عسكرية في العالم، وليست هذه الواقعة الأولى في التاريخ، فقد وجدت الحضارة الرومانية، وأيضًا وجدت قوة المغول التي اجتاحت آسيا، وجزءًا من أوربا، ولكن كانت القوة الأولى في العالم تحفز قوى أخرى لمواجهتها أو لمقاومتها دفاعًا عن الأرض والإقليم، وعمومًا لا توجد قوة للبشر مطلقة، فالقوة المطلقة لله وحده عز وجل، حتى وإن امتلكت أمريكا ترسانة نووية قادرة على تدمير الكرة الأرضية فهي قوة مقيدة، وغير قابلة للاستخدام بعد (هيروشيما ونجازاكي)  ليس لامتلاك آخرين لقوة موازية (روسيا) أو رادعة (كالصين)، ولكن لأن استخدام هذا السلاح سيجعل الأمريكان ملفوظين في كل أنحاء العالم، فإذا ألقيت قنبلة نووية على بلد إسلامي سيعتبر كل مسلم من المليار ونصف المليار أن الأمريكي هدف له، وسيقتله في أي مكان بالسكين أو بالدهس إلخ ..                                       وبالتالي سيكون هناك توازن بين السكين والقنبلة النووية، هذه ليست سخرية، لأن القوة المهيمنة تحتاج دائمًا للنزول على الأرض؛ لجني الثمار والاستيلاء على الثروات، وفتح المجال للاستثمارات، وهذا يتطلب وجود مواطنين أمريكيين في كل مكان، ففي حال وجود كراهية عالية فسيصعب على الأمريكان أن يجوثوا خلال الديار.
إن القول بالانسحاق أمام القوة الأمريكية موقف استاتيكي غبي، لأن الضعيف إذا استسلم للقوي فيعني هذا حالة جمود على الأرض فيصبح القوي قويًّا للأبد والضعيف ضعيفًا للأبد، وهذا لم يحدث في التاريخ، مصداقًا لما جاء في القرآن        (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) - (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لقد استغلت أمريكا " هوجة " الحرب العالمية؛ لتجرب لأول وآخر مرة استخدام القنبلة النووية، ولكنها فعلت ذلك في مدن غير أساسية، وتجنبت ضرب طوكيو، ولو ضربت طوكيو لما استطاعت أن تدخلها؛ لأن الإشعاع النووي يستمر لعشرات السنين، ونحن أمامنا نموذج مصغر في فلسطين المحتلة، فهذه غزة المحاصرة أذلت إسرائيل بالصواريخ، ولم تستطع إسرائيل أن تستخدم القنبلة النووية على غزة لكل الاعتبارات السابقة، بل بدأت إسرائيل تعاني من العمليات الفدائية الفردية في الضفة الغربية دون أن تملك ردًا حاسمًا                                            .  في حوار مع أحد السلفيين بعد ثورة 2011 رفض هذا المنطق، وعندما ذكرتُه بالآية الكريمة (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن) قال إن الله لا يقصد أمريكا بهذه الآية! وكان يرى أنني أفهم في الإسلام، ولكنني لا أفهم في السياسة ! وكان هذا هو التيار الغالب بين الإسلاميين، وسنأتي لذلك.
بل برهنت الأيام أن أمريكا إذا أرادت أن تعتدي فيمكن أن تهزم عسكريًّا، حدث هذا في فيتنام وجنوب شرقي آسيا، وحدث في العراق وأفغانستان، ومع ذلك لا يزال أغلب الناس في مصر على رأيهم من عدم التعرض لأمريكا رغم أنها هي التي تدس أنفها في شئوننا..
أمريكا هي التي روجت فكرة أنها القوي القادر المقتدر المعز المذل العزيز الجبار المتكبر، ذو القوة وذو الطول بفكرتها عن نفسها، ومن اعلامها المؤثر الذي يروج لذلك، عبر الأفلام والمسلسلات والأخبار التي تخفي ما تريد من خلال التحكم في وكالات الأنباء ثم الأفلام الخبرية ثم الإنترنت، وما بين كل ذلك من وسائط أخرى.
الأوربيون ثم الأمريكان (وهم أوربيون مهاجرون) يروجون لفكرة (أننا نحن من اختارنا الله لإنقاذ باقي العالم)، واعتبرت حركة التنوير الفكري في أوروبا في القرن 18 بقية العالم مجرد (لوح فارغ) ليس لديه تاريخ ذو معنى، وأن الرجل الغربي يستطيع أن ينقش عليه مثله العليا، حتى أن هذا المعنى ذكر في ميثاق عصبة الأمم  (التي سبقت الأمم المتحدة )؛ حيث وعد الميثاق "الشعوب التي لا تمتلك القدرة على النهوض بأنفسها" بأن تكون (رفاهية وتنمية تلك الشعوب وديعة مقدسة للحضارة  المقصود الحضارة الغربية)، لهذا (ينبغي وضع تلك الشعوب تحت وصاية الأمم المتقدمة)، (م . ج . بون. عدم تكامل الاقتصاد العالمي – لندن1938).
لم يكن الرئيس بوش الصغير هو أول من استقبل المسيح، وتحدث معه في البيت الأبيض، فالرئيس ترومان كان يبتهل إلى الله ويشكره على قتل 350 ألف مواطن ياباني بالقنبلتين النوويتين (إننا نشكر الله أنها كانت معنا ونصلي له ليرشدنا لاستخدامها في سبيله ولتحقيق أهدافه)!!
 موقع على الإنترنت Eye witness,account.
وتقوم الدولة الأمريكية على فكرة ( القدر المتجلي )، وأن الله قد اختار أمريكا لتحكم العالم، كتب منير العكش تشرح ذلك بالتفصيل.
ولا شك أن بعض النخبة في بلادنا تأثرت بهذه الأقاويل والدراسات والبحوث التي تبعث هذه الأفكار، ويتم التأثير على عموم الناس، وحتى الأطفال بالسينما والتلفزيون والكارتون، وقصص مثل سوبر مان والوطواط ليست بلا هدف، وأفلام الخيال العلمي وبطولات الفضاء، فالبطل دائمًا أمريكي أبيض، وهذه تترسب في عقول الأطفال، ومن المسلسلات الملفتة للنظر ذلك المسلسل الذي يروي قصة إنسانية في كل حلقة للأسطول الأمريكي ولرجال المارينز، وهو مسلسل للكبار والصغار معًا، وحتى الأفلام الأمريكية تعطي انطباعًا لدى المشاهد أن المواطنين الأمريكيين يعيشون جميعًا في رغد العيش، وأن نسائهم جميعًا ملكات جمال!! وهي صورة مزيفة للواقع (مثلًا يعاني 61 % من الأمريكيين البالغين من البدانة، والتي أصبحت أشهر مرض أمريكي !!) (موقع حكومي أمريكي على الانترنت).
ونعود لمسألة " القوة " وإن كنا سنركز الآن على القوة العسكرية فهي غير منفصلة عن الصفة العامة ( أمريكا قادرة على كل شيء).
عقيدة عدم القدرة على تحدي أمريكا                                 
يقول البعض إن الخوف من أمريكا مسألة مشروعة، وهذا كل ما في الأمر، ونحن نقول إننا أيضًا نعبد الله ( خوفًا وطمعًا ) نحن نخاف من الله ونطمع في جوائزه، وأمريكا أيضًا لديها جوائز دنيوية !! ونحن نحمل سلطة كامب ديفيد مسؤولية ترسيخ هذا الإحساس العميق لدى أبناء الشعب، وتوظيف الإعلام لتكريس هذا (الإيمان)     والدلائل على ذلك كثيرة وتملأ المجلدات، ولذلك سأركز على بعض الأمثلة المنتقاة، وبعض الخبرات الشخصية المباشرة لتقديم الجديد للقارئ:
 السادات
يمكن أن نسميه بدون مبالغة بأنه " نبي " هذا الدين " عبادة أمريكا "، وكل المذكرات السياسية للمصريين والأمريكيين والإسرائيليين تجمع على وقائع معينة، وهي أمور أكدها الفريق الشاذلي، وهيكل، وجمال حماد، واتفق معهم كيسنجر، وغيره.
كانت عقيدة السادات أن أمريكا هي الخلاص لمصر، وأن مصر يجب أن تتخلص من الاتحاد السوفيتي، وترتمي في أحضان أمريكا، وأن العقبة في سبيل ذلك هي الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وهذه لابد من تسوية أمرها، قبل حرب أكتوبر كانت الاتصالات العلنية والسرية على أشدها مع الأمريكان، وقال السادات في إحدى خطبه(أنا قلت لوزير خارجية أمريكا : أنا عاوزك تعصرلي إسرائيل!!)
 ولم يسأل نفسه لماذا تقوم أمريكا بعصر إسرائيل حليفتها التاريخية ؟! كان لدى السادات أمل كبير في الحصول على سيناء بدون حرب، وأقام خط قتال سري مع أمريكا حتى بدون معرفة المخابرات المصرية (ولكنها علمت به)، وعندما لم يجد استجابة سار في طريق الحرب بهدف تحريك القضية عن طريق العبور وتحرير جزء من سيناء، وعندما حدث هذا النصر الباهر السريع في العبور والاستيلاء على خط بارليف، أصابت السادات حالة من الهوس في مجال الاتصالات المحمومة مع أمريكا في الأيام الأولى من الحرب ليطلب مقابلة كيسنجر(اليهودي ووزير الخارجية الأمريكي)، ويؤكد له أنه لن يوسع العمليات الحربية، وقد كانت رسالة خطيرة وصلت للإسرائيليين فركزوا على الجولان براحتهم ثم عادوا بكل ثقلهم على الجبهة المصرية، وأحدثوا فيها الثغرة التي أضاعت بهجة النصر، والعجيب أن كيسنجر نفسه كان يستغرب (هو وجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل) من هذا التلهف الساداتي رغم ما حققه من إنجاز عسكري، ورغم أن الحرب لا تزال في أولها.  وتواصلت لهفة السادات في مفاوضات فض الاشتباك، بصورة لم ترح الجمسي، بل وافق السادات على المشروع الإسرائيلي دون أي تعديل، المهم حتى لا نطيل فإن ملخص موقف السادات في كل مفاوضات السلام وكامب ديفيد قام على نقطة واحدة : الارتماء في أحضان أمريكا، وأنه مستعد لأن يخسر أي شيء، ويوقع على أي شيء، إذا ضمن صداقة أمريكا، وكان شرطه الوحيد هو الحصول على سيناء كاملة حتى، وإن كانت منزوعة السلاح كما حدث، والسادات صاحب التصريح السخيف الذي ظل يكرره أن أمريكا تملك 99 % من أوراق اللعبة، ولكن ماذا بقي لنا ولله عز وجل ؟ 1 % ؟! وظل يكرر حجته في القبول بأي شروط، وأنه كان يحارب إسرائيل، ولكنه لا يمكن أن يحارب أمريكا (يقصد الجسر الجوي الذي أقامته أمريكا لإنقاذ الجيش الإسرائيلي)، والحقيقة أن دعم أمريكا لإسرائيل حقيقة معروفة، ونزول بعض الأطقم اليهودية الأمريكية مع الدبابات لم يكن قرارًا بمشاركة واسعة للجيش الأمريكي، كان السادات يقول: هنا قررت أنني لن أحارب أمريكا ويرد المنافقون – بالتأوه والتمتمة – بارك الله في حكمتك، ولا تزال هذه الحجة تقال حتى الآن في الإعلام الرسمي فعندما تقول: (أنا لن أحارب أمريكا) فالمعنى المتولد عنها (إذن لابد أن أخضع لشروطها)، وعندما تقول : (أنا لن أحارب أمريكا) فكأنك ألقمت السامعين حجرًا، وأخرستهم وقلتَ القول الفصل، بينما قبل عقد واحد من الزمان قال قائد شيوعي من أصل بوذي في فيتنام (هوشي منه) عندما غزته القوات الأمريكية إنه قادر على المقاومة، وهزمها بالفعل، والآن فإن فيتنام دولة مستقلة ذات سيادة وهي على وشك الالتحاق بالنمور الآسيوية، بل لقد حاربت الصين بعد أمريكا وهزمتها، فهؤلاء الذين لا رب لهم إلا الوطن عرفوا كيف يحافظوا على كرامتهم وسيادتهم، ونحن الذين نؤمن بالآخرة وبالاستشهاد في سبيل الله، أحنينا رؤوسنا وقلنا مرتدين ثوب الحكمة (لن نحارب أمريكا) و ( هل معقول أن نحارب أمريكا؟!).
من أجل هذا الموقف أصبح السادات نجمًا غربيًّا وإسرائيليًّا يحتل أغلفة المجلات وشاشات التلفاز على مدار سنوات وحتى اغتياله،  وكما يسلم المؤمنون أنفسهم لله، سمح السادات لأشرف مروان أن يطلب في حضرته من كيسنجر في أول لقاء معه أن تتولى المخابرات الأمريكية أمن الرئاسة المصرية، وأن تؤمن مقرات الرئاسة من أي تنصت سوفيتي!! في وقت كانت لا تزال فيه إسرائيل تحتل معظم سيناء بدعم أمريكي .
بل قام السادات بعمل عجيب ومروع عام 1970 بينما كانت سيناء محتلة بمساعدة أمريكا، فحين وفاة عبد الناصر، طلب من السفارة الأمريكية أن ترسل وفدًا طبيًّا للتأكد من أن عبد الناصر مات موتة طبيعية، وليست عملية اغتيال، وقد استجابت أمريكا وأرسلت وفدًا طبيًّا في إطار حضور جنازة عبد الناصر، وكشف على جسد عبد الناصر، وأكد للسادات أنها موتة طبيعية، لماذا وكيف كل هذه الثقة في العدو الذي يحاربنا ؟ لقد كانت محاولة مبكرة منذ اليوم الأول ليقول السادات لأمريكا : أنا أثق فيكم وأعول عليكم !! (الوثائق السرية الأمريكية المفرج عنها – توحيد مجدي)
كتبت آلاف المقالات أو أكثر في مصر تتحدث عن عبقرية السادات – وحتى الآن – من أنه (كنبي لكامب ديفيد) تنبأ بأن المستقبل لأمريكا وأن الاتحاد السوفيتي إلى زوال وهو الأمر الذي حدث بالفعل بعد 12 سنة، وأن السادات إذا لم يسر في ركاب أمريكا لكانت سيناء محتلة حتى الآن (2014) : ولاحظوا منتهى عدم الثقة في النفس، وإننا عاجزون عن تحرير ما تبقى من سيناء، وهذا يعني إذا كنا نريد أن تبقى سيناء معنا فلابد أن نسير في ركاب أمريكا، أي أننا لا نصلح أن نكون مجاهدين كفيتنام أو أفغانستان أو لبنان أو غزة، وأننا اعتزلنا الجهاد بمعركة العبور التي كانت آخر الحروب، مع أن القرآن الكريم ينفي قصة آخر الحروب هذه (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
مبارك
 :أحاديث مبارك لا أول لها ولا آخر حول ضرورة مجاراة أمريكا ومصادقتها (وإقامة علاقات استراتيجية معها )، وهذا ما تحول إلى سياسات راسخة على الأرض على مدار 30 سنة وبأكثر مما كان يحلم السادات، ولاحظ مصطلح (استراتيجية) في تقييم ودراسة العقيدة الجديدة للأمة، أنا من أنصار تعريب المصطلحات الأجنبية، ولكنني احترت في مصطلح  Strategy وحتى لا نخرج عن بحثنا سنأخذ الآن بمعناه العام : وهو الثوابت التي لا تتغير، في مقابل التكتيكات المتغيرة، وهو مصطلح بدأ في المجال العسكري ولكنه أصبح يستخدم في مجال السياسة العامة، إذن هي الأمور المبدئية الثابتة في سياسة الدولة، وسنلاحظ أن كلمة (علاقات استراتيجية مع أمريكا) سيستخدمها عمر سليمان وخيرت الشاطر والسيسي !! وقد كنا نقيم الدنيا ولا نقعدها كلما استخدم مبارك هذا المصطلح، وأذكر أن المستشار طارق البشري كتب مقالاً مطولاً يقرع فيه مبارك على استخدام هذا المصطلح، واعتبرها كارثة وطنية وهو محق ! أما كاتب هذه السطور فقد كتب عشرات المقالات !!
  عندما تولى مبارك الحكم كان يحرص في مقابلاته الخاصة مع السياسيين والمثقفين المصريين أن يهاجم الأمريكان والإسرائيليين، ولكن لا يفعل ذلك في العلن  وأعطى انطباعًا لمن يزوره أنه وطني شديد، وسيأتي خير كثير على يديه، وأذكر أن الأستاذ / كامل زهيري  نقيب الصحفيين قد أسر لي أن مبارك تحدث معه عن الإسرائيليين بشدة في لقاء ثنائي وقال له (لقد كان لدي هنا وجالس على نفس الكرسي الذي تجلس عليه ...... " ابن الق.... " وقلت له نفس الكلام الذي تقوله) ولا أذكر الآن اسم الوزير الإسرائيلي الذي ذكره، ومع الأيام ثبت أن هذا الكلام مجرد (تهجيص في بلاليص) كما نقول في المصطلح الدارج، في مرحلة لاحقة التقى مع المفكر/ عادل حسين أمين عام حزب العمل (الاستقلال حاليًا) وظهر مبارك أكثر اعتدالًا، فبينما ركز عادل حسين معه على ضرورة التخلص من التبعية لأمريكا ووسائل ذلك، أبدى مبارك تفهمًا ولكنه رأى تأجيل ذلك أو تحقيقه ببطء شديد؛ لأن أمريكا قوة عاتية يجب الحرص معها، ونغمة التأجيل هي التي أصبحت سائدة في اللقاءات المماثلة من قبل كل المسئولين وليس مبارك وحده، ومرت 34 سنة ولم نفعل شيئًا!!
    في لقاءاتي الثلاثة على الطائرة الرئاسية مع مبارك لم تتح الفرصة لأي حوار منظم في وجود حشد من رؤساء التحرير، ولم أناقش مع مبارك العلاقات المصرية الأمريكية، ولكن كان واضحًا عداءه الشديد لكل أعداء أمريكا والحديث عنهم بلغة قاسية (صدام حسين – البشير) من قبيل " غبي " .. إلخ، ورأيت ألا فائدة من الحديث معه، وابتعدت عنه،  وأثناء الحوار المفتوح حول هل سيحضر مؤتمر عدم الانحياز في طهران أم لا؟ سمع كل الآراء ورفض أن يتحدث، فهو بالنسبة لأعداء أمريكا في المنطقة بين السب أو الصمت، وكان هذا ربما في أواخر 1998 أو أوائل 1999 .
    المرة الوحيدة التي دعيت فيها للقاء مبارك مع المثقفين والصحفيين في المعرض (باعتباري رئيسًا لتحرير الشعب وهي نفس الصفة التي دعيت فيها لمصاحبة الرئيس في سفرياته 3 مرات فقط) كان مبارك يتحدث ثم يرسل المثقفون أسئلة مكتوبة، المهم في حديث مبارك أنه تعرض لنفس المعنى السقيم، إننا نصادق أمريكا  وهذا هو الموقف العاقل لتجنب البلاد أي متاعب، واستطرد في هذا الحديث بدون معلومات أو تحليل .. ولكن المهم هو حالة الانسجام التي لاحظتها على الحاضرين من كبار المثقفين والصحفيين الذين غلب عليهم التيار العلماني (فربما كنتُ أنا الإسلامي الوحيد) في هذا المقطع بالذات من حديث مبارك الفارغ عمومًا من المعنى، صعقتُ من حالة الانسجام وردود الأفعال الإيجابية، بين الابتسام العريض، ومصمصة الشفاه، والتمتمة والتأوه، وكأن مبارك لمس شغاف قلوبهم، وأصبح كخطيب الجمعة أو قس الكنيسة الذي يلقي الموعظة بينما الحضور في حالة من التجاوب الروحاني العجيب .
    غزل مبارك في أمريكا كثير جدًا لأنه امتد 30 سنة ولكن سنكتفي الآن بهذا المقتطف ذي الطابع العقائدي، كأن مبارك أصبح مسيحيًّا صهيونيًّا عندما قال لريجان الرئيس الأمريكي (لا أعتقد أنه يوجد زعيم أكثر قدرة منك على أن يقوم بدور تاريخي، وأن يحقق رسالة مقدسة في الشرق الأوسط، وقد اختارك القدر لأن تقود هذه الأمة العظيمة في وقت تسنح فيه فرصة ذهبية من أجل السلام)، لاحظ أنه يستخدم عبارات دينية (تاريخي – مقدسة – القدر – الأمة العظيمة) مع رئيس يؤمن بمعركة هرمجدون التي سيهزم فيها اليهود المسلمين !! رئيس يؤمن بالعقائد البروتستانتنية المتطرفة، وسنأتي لكثير من تصريحات مبارك في باب )أمريكا هي الرزاق)!!
أبو غزالة
: يحلو للبعض أن يصور عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع الراحل على أساس أنه ذو خط وطني بخلاف مبارك، والوقائع لا تثبت ذلك، فالمؤسسة العسكرية لها موقف واحد مع كامب ديفيد، قد يكون أبو غزالة أكثر ذكاء، قد يكون يريد تقوية الجيش المصري (مشروع الصواريخ)، ولكنه لم يكن خارجًا عن الإطار، لقد رأت المؤسسة العسكرية أن كامب ديفيد مرحلة مفتوحة والعلاقات العسكرية مع أمريكا مفتوحة، ولم يكن لديها خطة أخرى كما كنا نتوهم في حزب العمل (الاستقلال حاليًا)، ولا يزال هذا هو موقفها الآن .
 .  عن العلاقات العسكرية مع أمريكا رغم علاقتها بإسرائيل يقول أبو غزالة ردًا على صلاح منتصر: (موضوع الاستعمار، أنا أشك في أن يكون هدفًا أمريكيًّا، إن هدفهم أن تكون صديقهم الحميم ولستُ صديقًا للسوفيت)، وفي تصريح آخر يقول أبو غزالة بعدم وجود تعارض أو صدام بين الاستراتيجيتين العربية والأمريكية، فأمريكا تشتري البترول وتعطينا مالًا وتكنولوجيا، كما أن إيماننا بالرسالات السماوية والأديان يجعل أمريكا أقرب إلينا من الشرق .
•    أبوغزالة : (لابد من دعم قوة الانتشار السريع الأمريكية وإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة الخطر السوفيتي)، لم يعد تحرير فلسطين على جدول أعمالنا !!
•    ويروج أبوغزالة للعبودية المصرية لأمريكا فيقول إن الجندي المصري يتكلف 1200 دولار في السنة أي أقل من 1 % من تكاليف الجندي الأمريكي ( 150 ألف دولار) أي أنه جندي رخيص لتحقيق نفس الأهداف الأمريكية .
•    أبوغزالة : نحن مسؤولون عن تأمين نقل البترول للغرب، وهكذا فإن مسؤولية مصر رئيسية وليست ثانوية .
•    على هامش إحدى مناورات النجم الساطع تحدث أبوغزالة عن الجيش الأمريكي بمنتهى الدونية، وقال إن هذه المناورات مفيدة للجندي المصري؛ كي يتأكد أن الجندي الأمريكي السوبر مان إنسان عادي مثلنا !!
أجهزة الاستخبارات
:كنا نظن أن أجهزة الاستخبارات العسكرية مختلفة عن مبارك، كما كانت تروج عن نفسها وأنها تعد العدة للخلاص من الهيمنة الأمريكية، وأن مبارك هو الذي يمنعها، وبعد 3 سنوات من رحيل مبارك ثبت عدم صحة ذلك، بل ثبت ذلك قبل سقوط مبارك بتلك الحرب العجيبة التي أعلنوها على حزب العمل (الاستقلال) وهو الحزب الوحيد الذي يجاهر بالعداء لأمريكا وإسرائيل، تصريحات اللواءات العسكرية المتقاعدة المرتبطة بالاستخبارات ظلت تتحدث تحت مظلة كامب ديفيد، وعندما كان اللواء مراد موافي محافظًا لشمال سيناء قبل أن يتولى جهاز المخابرات العامة أدلى بحديث مخزٍ لصحيفة الشروق قال فيه إن الحرب مع إسرائيل ترجعنا 100 سنة للوراء، وهذا تصريح غير مقبول على كل الأصعدة فهو غير صحيح، كما لا يجوز قول ذلك لأن من شأنه تحطيم الروح المعنوية ونشر روح الركوع والهزيمة أمام إسرائيل بدون داعٍ ، وفي الحوارات التلفزيونية كان اللواء عادل سليمان وأيضًا سفير مصر السابق في إسرائيل (محمد بسيوني) وهو مخابرات عامة يهاجمانني بشدة عندما أصف أمريكا بالعدو، وكان المتحدثون باسم المخابرات العامة أو المؤسسة العسكرية ولا يزالون يتحدثون دائمًا تحت مظلة كامب ديفيد، ويتحدثون عن الخلافات مع أمريكا في إطار الصداقة والعلاقات الاستراتيجية، وثبت مع الأيام أن كامب ديفيد أصبحت المكون الرئيس في العقيدة القتالية للجيش المصري ..
(يتبع)

المصالحة بين العسكر والإسلاميين لتحرير مصر من الهيمنة الأمريكية..حلقة
(5)
ما هو الموقف من الحكام المسلمين التابعين لأمريكا؟
إذا كنا نرى أن أمريكا هي طاغوت العصر، وهي قائدة أئمة الكفر في محاربة الاسلام، لا نقول ذلك للاختلاف مع عقائدها التي تتراوح بين المادية والمسيحية الصهيونية، فأمريكا وغيرها أحرار فيما يعتقدون، ولكننا نقول ذلك لأنها تحارب الاسلام والمسلمين في عقر دار المسلمين. وقد كان التقسيم الفقهي للعالم والمستقي من القرآن والسنة، على مستوى حضاري رفيع إذ أنه قسم العالم إلى دار حرب ودار سلام ودار عهد بينهما، ولم يقل دار كفر ودار إسلام، فعلة الانقسام ليست في الأفكار (الكفر)، علة العداوة والمحاربة ليست في الأفكار (الكفر) ولكن في العدوان. بدليل أن دار العهد تضم الكفار بل كلها كفار، ودار العهد في عصرنا الحالي تشمل (أمريكا اللاتينية – كل دول أفريقيا ذات الأغلبية غير المسلمة- الهند – الصين – روسيا – وكل الدول الأوروبية والآسيوية غير المحاربة).
وحتى عندما نعادي أمريكا فإننا نعادي حكامها ونظامها وجيشها فحسب وليس المواطنين الأمريكيين الذين لا يذهب ثلثاهم للانتخابات، وقد كان من أخطاء القاعدة وبن لادن وداعش أنهم يستبيحون دماء المواطنين الأمريكيين لأنهم انتخبوا هذه الحكومة. كذلك لم يلحظ قادة القاعدة دور الاعلام في غسيل مخ الشعب الأمريكي وهو المجني عليه أولا. وبالتالي فإن أعداء الاسلام والمسلمين قليلون جداً. كذلك هناك قاعدة المستأمنين، حيث يمكن استضافة مواطنين من دار الحرب للسياحة أو التجارة أو الثقافة أو لأي سبب إذا كان يؤمن جانبهم ولا يضرون دار السلام. وهكذا تضيق دائرة العداوة حتى تنحصر في الحكام وأجهزة القمع والجيوش المعتدية، التي لابد أن تكون في حالة حرب وهجوم على أراضي ومواطني دار السلام، أما إذا كانت جيوشاً دفاعية على أرضها فلا حاجة للمسلمين بمهاجمتها. (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)البقرة 190
والشائع عند العلمانيين والحكام العرب الفزع من التكفير لأنه يضع الأساس لمشروعية القتل، وهذا غير صحيح بمنطق الاسلام السليم، فلا يوجد في الاسلام مشروعية للقتل بسبب الخلاف الفكري والعقائدي، فهذا الأمر موكول إلى الله يوم القيامة (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨ المائدة﴾.
ولكننا كمسلمين نزود عن عقيدتنا بالفكر والرأي، ولابد أن نقول لجمهورنا ولعامة الناس مثلا إننا نؤمن بالله الواحد الأحد الذي لا يتجسد في أي شئ أو أي شخص وأن المسيح هو نبي ورسول وليس إلها.
  jesus عندما تشاهد فيلماً أمريكياً يقول الممثل في موقف عصيب:   
يامسيح وتكون الترجمة على الشاشة (يا إلهي)!! لابد أن نوضح خلافنا مع ذلك وإلا ميعنا عقيدتنا ولكن ليس معنى هذا أننا نحارب أمريكا من أجل ذلك ، فأخوتنا المسيحيون المصريون يؤمنون بذلك، وهذا لم يمثل أي مشكلة في وجود علاقات مواطنة ودية بين الجميع، على مدار 14 قرناً وإن الفتنة الطائفية الراهنة لأسباب أخرى وليس لأن المسلمين اكتشفوا أخيراً أن المسيحيين يعبدون المسيح في إطار عقيدة ( الأب – الابن – روح القدس ) . المشكلة مع أمريكا أنها هي التي تدس أنفها في حياتنا الخاصة ، بدءاً من الختان وانتهاء باختيار رئيس الجمهورية!! وأنها ترسل الجيوش لفرض رؤيتها وأنها تتصرف مع بلادنا كمستعمرات تابعة.
إذا كنا نسمي أمريكا ( طاغوت العصر ) فما حكم الحكام المسلمين التابعين لها ؟
لقد انشغلت بهذه القضية أكثر من عقدين من الزمان ، قضية تكفير الحاكم في مصر وغيرها من الدول المماثلة وهي أغلبية الدول العربية والإسلامية، في عام 2000 انتهيت في كتابي ( الجهاد صناعة الأمة ) إلى رأي لا أزال أطمئن إليه حتى الآن وملخصه كالتالي:
 (1)أن تكفير المواطنين ( عامة الناس ) الذين ينطقون بالشهادتين ويؤمنون بأركان الدين ، أمر مستبعد تماماً وغير مطروح للمناقشة . إلا إذا جاهر مواطن بعكس ذلك وأعلن خروجه عن الإسلام وعدم اعترافه بأي ركن من أركان الدين وهذا أمره متروك لله طالما أنه لا يجيش الجيوش ولا يحارب الإسلام كقضية عامة.
 (2)أن تكفير الحكام جائز لأنهم مسئولون عن الأمة ، وهم حراس الدين كما سماهم المواردي ، وفساد الأمة من فسادهم وصلاحها من صلاحهم . ولكن طالما الحاكم يعلن إسلامه فيجب عدم الانشغال بتكفيره، ولكن يبقى السلوك العملي لهذا الحاكم وفق النص القرآني ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فماذا نفعل إزاء هذا النص الصريح ؟!
 (3)التكفير ليس رخصة للقتل ، كما ذكرنا ، والتكفير ليس رخصة للاطاحة بالحاكم، هناك في الشرع جرائم عقوبتها الاعدام، كما أن الإطاحة بالحاكم وفقاً للشرع لا تتطلب الكفر، فلا ولاية لفاسق أو لظالم ، فالظلم يكفي ، وانحطاط الكفاءة يكفي ، والفساد يكفي ، والخيانة والتخابر مع العدو تكفي، ولنترك الإيمان والكفر لله عز وجل يوم القيامة . وبالتالي فقد نصحت الإسلاميين بعدم الانشغال بقضية تكفير الحكام حتى وإن حاربوا لإسقاطهم أو انتهجوا وسائل سلمية لإسقاطهم وقد رجحت الوسائل السلمية في دراسة ( فقه التغيير السياسي في الإسلام عام 1993 ) فيما يتعلق بظروف مصر ، ولكني أكدت أن الشرع لا يمنع بصورة قاطعة استخدام القوة لإزاحة الحاكم الظالم ، إذا كانت الظروف تسمح بذلك وبدون إيقاع البلاد في فتنة أكبر ، أي إذا كانت عملية جراحية سريعة وهذا ما استقر عليه الفقه السني ، ولكن كان تقديري أن هذا الإسلوب لا يصلح لمصر لأسباب شرحتها في الدراسة.
إذن طالما أن التكفير ليس ضرورياً للثورة على الحاكم الظالم فلا داعي لإضاعة الوقت في هذه المباحث ولا داعي للفتن بين المسلمين.
 (4)هذا الرأي لا يهتم بمراعاة مشاعر الحكام الظلمة ، ولكن يهتم بعدم وقوع فتنة بين المسلمين في مسألة غير ضرورية ، فالناس في ميدان التحرير لم تكن على رأي واحد فيما إذا كان مبارك كافراً أم لا ؟ ولم يطرح هذا الموضوع أصلاً ، ولكن كان الجميع على رأي واحد في ضرورة الإطاحة به وهذا هو الأهم وهذا هو الذي يعنينا كشعب . ولكن ماذا عن الآية الكريمة
 (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) هذه الآية يجب أن توجه إلى الحكام لتخويفهم من الله إذا كان ثمة مجال لذلك ، وفي دراستي المذكورة قلت أن هناك عدة احتمالات لعدم تطبيق المرجعية الإسلامية عند هؤلاء الحكام ليس الكفر البين إلا أحدها ولكن الأسباب الأخرى : تتعلق
 (أ) بالجهل وهذا باب واسع لأن الثقافة الإسلامية في المجال السياسي أصبحت متدنية، في مدارسنا ، وحكامنا إما من العسكر أو خريجي الجامعات الأجنبية ومعرفتهم بالإسلام تنحصر في العبادات والشعائر بل إن علماء الدين الرسميين يتحملون مسئولية كبرى في عدم نصح الحكام بل هم يزينون لهم ما يفعلون ، عندما قال مثلاً شيخ الأزهر السابق أن 95 % من الشريعة مطبقة في مصر . وحتى الفقه السياسي لدى الحركة الإسلامية المعارضة ليس ناضجاً بما يكفي ، وهذ الأمر يبرر للحكام الاستمرار في استبعاد المرجعية الإسلامية.
 (ب) الخوف من الضغوط الأمريكية والغربية التي تهدد صراحة بضرورة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ، وقد كان الأمريكان وراء سحب السادات لمشروع تقنين الشريعة الإسلامية من مجلس الشعب بعد أن كان على وشك الانتهاء ، وتمت الإطاحة بالكتور صوفي أبو طالب رئيس المجلس الذي كان يشرف على المشروع وتعيين رئيس جديد أغلق هذا الباب (د. كامل ليله) بتعليمات السادات . وأيضاً كانت أمريكا وراء ضرب الحركة الإسلامية السودانية كمقدمة لإلغاء الشريعة الإسلامية في أواخر عهد نميري وهو ما تسبب في سقوطه.
 (ج) الخوف من شق الصف الوطني نظراً لأن التيار العلماني والمسيحيين ضد تطبيق الشريعة الإسلامية.
ونحن لا نبرر للحكام ولا نوافق على هذه الأسباب ، ولكن نقول أن هذه أسباب أخرى (التفاصيل في كتاب الجهاد صناعة الأمة) ليست من الكفر ، ولكن سيظل الحكام عصاة وليسوا كفاراً ، فالمسلم ملتزم بالشريعة ولكن يتعين عليه أن يطبقها بالتدريج وبالفهم العميق لها وليس له حق التأجيل . وبالمناسبة لقد وقع الإخوان في حكمهم القصير (سنة واحدة) في نفس الخطأ ، خطأ التأجيل ،وهو تأجيل عام ، حيث لم نجد قراراً أو تشريعاً واحداً يمكن أن ينسب إلى المرجعية الإسلامية ، بل نجد التأجيل واضحاً في خطابهم السياسي منذ عدة أعوام.
لكل هذه الأسباب وغيرها لا نرى ضرورة لتكفير الحاكم المسلم الذي قد نرى ضرورة عزله ، فعزله يكون لأسباب عديدة ليس الكفر من بينها ، طالما لم يعلن هذا صراحة.
ونحن نرى اتباع المنهج القرآني الذي يذكر المؤمنين ويخوفهم ويحذرهم ولا نحكم على أحد فلسنا جهة اختصاص أو إدعاء ، بل نسأل الله السلامة . ولكننا نعبر عن رؤيتنا ، فلطالما قال القرآن للرسول عليه الصلاة والسلام : (اتقي الله) (ولا تكون ظهيراً للكافرين) (ولا تكونن من المشركين) و (ولا تطع الكافرين والمنافقين).
وعليه فإن الحاكم الذي يصر – كما أصر مبارك لمدة 30 سنة – على التبعية للأمريكان في مختلف الأمور الجوهرية : السياسة - الاقتصادية – السياسة العربية والخارجية – التشريع – التعليم – الثقافة – الدفاع والأمن القومي ، فإن الواجب هو السعي للإطاحة به دون الانشغال بمسألة التكفير، ولكن يظل أن الأصل في السلطة هو الهيمنة الصهيونية الأمريكية ، ومبارك وزمرته كانوا الأداة المنفذة . ولذلك فإن الذي فرغ ثورة يناير من مضمونها هو أنها ركزت على الإطاحة بمبارك وحده ، ثم مجموعة حوله ، ثم المجلس العسكري ثم العسكر عموماً وفي كل هذه المراحل لم يتحدث أحد – إلا نادراً – عن الحاكم الأصلي للبلاد : أمريكا وإسرائيل ، والمرجعية الدستورية للبلاد : كامب ديفيد ومعاهدة السلام . ولكن هذا سيفتح الباب من المدخل الصحيح لتطهير نظام مبارك من الحزب الأقوى ، أو الجناح المسلح للنظام ، الجناح المسلح لكامب ديفيد ، وهو المجلس العسكري ، ولكننا سلمنا الحكم له !! وبالتالي تمت تقوية شوكة نظام مبارك وكان الجيش هو الشرطة في تلك اللحظة ، وهو الذي أعاد بناءها ، وهو الذي شكل حكومة شرف وثبت القضاء والإعلام ، وقد كان المجلس العسكري ضد مبارك بسبب التوريث فقط لا غير وهذا سبب انحيازه للشعب بصورة مؤقتة.
إذن إسقاط الحكم الأمريكي – الصهيوني يقتضي إسقاط نظام مبارك بكل أركانه ، لأن أمريكا لا تحتل البلاد بصورة تقليدية ، ومن غير المتصور أن تقوم بذلك بعد هزيمتها الذريعة في أفغانستان والعراق . احتلال مصر احتمال لم يناقش أصلاً في أمريكا وهو غير ممكن وسيؤدي إلى سرعة انتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة ، وهو غير ضروري لأن أمريكا لديها آلاف الأدوات للتحكم في إدراة مصر عن بعد مع استمرار الوجود العسكري المؤثر في 4 قواعد + تسهيلات عسكرية مفتوحة وهيمنة كاملة على مقدرات الجيش.
إن أروع مصالحة أن يجتمع السيسي ومرسي ويعلنان معاً استقلال مصر عن أمريكا ورفض المعونة الأمريكية والسلاح الأمريكي وروشتة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . الحقيقة أعني مصالحة بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي لتحرير مصر من الاستعمار الصهيوني – الأمريكي وساعتها لن يهمنا من يحكم مصر ؟!
وإذا أصرت السلطة الحالية ( 30 يونيو ) حالياً على التبعية لأمريكا واستمرار الالتزام بكامب ديفيد ، فنحن ملتزمون بمعارضتها حتى وإن فنينا عن بكرة أبينا مع التزامنا طبعاً بالمعارضة السلمية، تقرباً لله وحسبة للوطن.
(يتبع)   


عبادة أمريكا هي الشرك المعاصر.. موالاة أمريكا تخرج من الملة..حلقة(4)
ذكرنا في الحلقة الماضية 10 أشكال وأنواع من الشرك والكفر في إطار عرضنا لمسودة الدراسة التي لم يتمكن كاتبها من مراجعتها مراجعة أخيرة قبل دخوله السجن. واليوم نكمل 4 أنواع أخرى وأخيرة.
(11)عبادة رجال الدين:
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه)التوبة31 وهذه آية معجزة لأنها تصف ما حدث وما يزال يحدث حتى الآن في أوساط اليهود والنصارى، فالأحبار عندهم أهم من الله بل يصححون له أخطاءه، وأقوالهم في التلمود أهم عند اليهود من التوراة. أما النصارى فقد تمزقوا إلى عشرات ومئات بل وآلاف بسبب اتباعهم لرجال الدين، فهم لايعلمون دينهم إلا عبر رجل الدين ويتبعون ما يقول، وإذا انحرف انحرفوا معه، وهذه الآية أشرنا اليها من قبل لأنها تشرح مسألة الاتباع وأنها جوهر العبادة، فلا يقول أحد من اليهود والنصارى أن الجد إله أو الراهب أو الكاهن إله، ولكنهم يتبعون ما يقولون بطاعة كاملة وانقياد تام. وهذا ما نقصده بعبادة أمريكا فلا يقول أحد من أتباع أمريكا أن الرئيس الأمريكي إله، ولكن يتبع أوامره بطاعة كاملة. وقد أدى إتباع رجال الدين أو مدعي النبوة أو مدعي المذاهب المسيحية إلى بلوغ عدد الأديان المنظمة في الولايات المتحدة أكثر من 2150 ديانة!! وفقا لموسوعة الديانات الأمريكية. أما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية فيعتبر البابا ممثل يسوع المسيح على الأرض وخليفة القديس بطرس.
(12)العبودية للشهوات وحب الدنيا:
ومن الآيات التي تشير إلى ذلك (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)مريم 59 + (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ)الحاثية 23 (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)ابراهيم 3
واتباع الشهوات وحب الدنيا من صفات الكافرين عموما، وهذا ليس نوعاً مستقلاً من الكفر ولكن كما ذكرنا فان أشكال الكفر والشرك تتداخل مع بعضها البعض، والقرآن يسلط الضوء على الزوايا المختلفة. فأحد أسباب وأشكال الكفر هو الخضوع التام للشهوات، وعدم الانشغال بالفكر والتفكير في مسألة الايمان والكفر، مسألة وجود إله من عدمه. وهذا ما ورد في الفلسفة الغربية المعاصرة، أن اللذة هي معيار الأمر الصواب وكل ما يحقق لذة للانسان فهو الأمر الحق والصحيح!!(بنتام على سبيل المثال).
وهناك من العلمانيين من يكره فكرة الدين لأنها ستحرمه من الخمور والمخدرات والحرية الجنسية بكل أنواعها وغير ذلك من الملذات، وهم غير منشغلين بأي رؤية فكرية أو فلسفية، هذا في بلادنا. أما في أوروبا فينزعجون بشدة أيضا من الحديث عن الدين في وقت أصبحت فيه على سبيل المثال ( الدعارة قانونية في أمستردام وكوبنهاجن وزواج السحاقيين واللواطيين أصبح قانونياً في هولندا وشرعت بلجيكا حيازة الحشيش وتباع البيرة في ماكينات توزيع الكولا في بروكسل (أي في متناول الصبية والقصر) ويسمح بالتعري على الشواطئ العامة في أوروبا كلها) موقع
Worldpolicy.org  oct 3 2001
(13)عبادة الشمس والقمر:
(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)فصلت 37- وأشار القرآن إلى عبادة ملكة سبأ وقومها للشمس، وأشار القرآن للصائبين 3 مرات وهم كما يقول المفسرون من عبدة الملائكة أو الكواكب وتوجد بقايا لهم في العراق، ونحن نعلم عبادة المصريين القدماء للشمس (أتون) خاصة في عهد أخناتون.
وما ينطبق على الشمس والقمر ينطبق بطبيعة الحال على كل أشكال عبادة كائنات الطبيعة أو ظواهرها والمنتشرة في أفريقيا: أشجار معينة أو البقر أو التمساح..الخ وتوجد عبادة البقر في آسيا وليس مجال هذه الدراسة التوسع في تناول كل أنواع الشرك ولكن مجرد حصرها في القرآن الكريم، وكما ترون فليست هذه الأنواع من الشرك مما يشكل خطراً رئيسياً على المسلمين في هذا العصر . سيظل الخطر الرئيسي الذي يفتن المسلمين عن دينهم هو الطاغوت الأمريكي- الغربي- اليهودي.
(14)موالاة الكفار والمشركين تخخرج من الملة:
هناك عدد من الجرائم تخرج من الملة في حالة اصرار المسلم على ارتكابها، واستمراره في ذلك بإصرار وعلى مدى زمني مستمر، وبدون التفكير في التوبة، بل مع تقديم حجج لنفسه وللغير أنه على صواب، وأبرز هذه الجرائم موالاة الكفار والمشركين، والموالاة تعني الصداقة والمحبة والتناصر والتحالف وهي من الألفاظ الغنية الأبعاد في اللغة العربية، وتشمل أيضا المسئول والمربي والمعلم. ومن الطبيعي أن تكون هذه الجريمة مخرجة من الملة (في حالة الإصرار عليها) لأنه ما معنى أن تكون مسلماً، وأن يكون أصدقاؤك وأحباؤك ومعاونيك ومناصريك وحلفاؤك من أعداء الله*.
ولم يستخدم القرآن الكريم تعبيرات تؤكد الخروج من الملة إلا في هذه الجريمة و3 جرائم أخرى سنأتي إليهم (الربا- التشريع للشذوذ الجنسي- التولي يوم الزحف) وهذه نقطة محورية في دراستنا تؤكد أن التبعية للأمريكان وما يصحبها من صداقة وتحالف وتآلف مسألة عقدية، وغير جائزة تحت لافتة أن هذا عمل سياسي، فلا يوجد أي عمل سياسيأ وأي نوع من النشاط البشري يبرر الخروج على القرآن. والحديث هنا موجه للمؤمنين، وإلا فما معنى إنزال الكتاب وما معنى أن يكون هذا كتاب الله الذي يحدد هوية المؤمن حتى قيام الساعة، فهو كتاب لكل العصور لأنه آخر كتاب سماوي. أما مسألة الاضطرار والضرورة فقد تناولناها من قبل في دراسة (أحكام القرآن الكريم في موالاة الكفار والمشركين) وهي بإجماع الفقهاء والمفسرين مسألة عارضة ومحدودة مكانا وزمانا وتنتهي بانتهاء الموقف العصيب (كالتعذيب مثلا) ولايمكن بحال أن تستمر 40 سنة كما هو حالنا مع أمريكا واسرائيل!! وسنعود لذلك بالتفصيل. ولكن الآن نثبت أهم الآيات في هذا المجال.
-( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)آل عمران 28 – فليس من الله في شيء تعني انقطاع المسلم عن الصلة بالله ودينه، وهذا التعبير لم يرد مع أي جريمة أخرى. وأولياء من مشتقات (ولي) و (الموالاة) وتعني هنا بطانة وأعوان وأنصار.(تفسير حسنين مخلوف).
-( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير)ٍ البقرة 120 – أي إذا اتبعت أهواءهم: بالاعتراف باسرائيل والموافقة على حصار ليبيا وسوريا والعراق وايران والسودان وأفغانستان والصومال وباكستان ومحاصرة غزة، والخضوع للتوجيهات الاقتصادية والتطبيع..الخ، وهذا هو المهم فهم لايسعون ليأخذونا إلى الكنس والكنائس!! إذا فعلنا ذلك فإن الله سيسحب ولايته لنا ومناصرته لنا أي أن الله يعلن أنه برئ مننا- في هذه الحالة- ولسنا أتباعه وعباده وسيتركنا لمصيرنا معهم.. وفعلاً لقد كانت النتيجة من عام 1974 وحتى الآن بالغة البؤس على مصر وكل من اتبعها من بلاد العرب. فالله لم يعد معنا ، وقد حذرنا، ولكننا تجاهلنا باعتبار أن هذه "سياسة" وكأن الله سبحانه وتعالى "لايعلم" (استغفر الله) ولا يدرك السياسة وأبعادها والعلاقة الوثيقة بين توجيهاته  وتعقيدات السياسة العالمية أو كأنه أنزل القرآن للأمور الشخصية وليس لإدارة وتنظيم المجتمع، وان كان اتباع أهواء أمريكا واسرائيل قد تحول إلى سلوك شخصي.
-(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا.)138 – 139 النساء. وهنا تحذير بأسلوب آخر فالقرآن يقول إن الذين يتخذون الكافرون أولياء هم منافقون. وكما ذكرنا فان مصطلح (النفاق) في القرآن يعني إظهار الايمان واستبطان الكفر. وليس كما نفهمه في اللغة الشائعة بالمعنى السياسي والأخلاقي فقط. ولذلك فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار وهذا ما ورد في القرآن عموماً وفي هذه الحالة تحديداً (موالاة الكفار).
في نفس السورة وبعد عدة آيات:
-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)النساء (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)النساء ، ولكن أحدا منهم لم يتب حتى الآن لامبارك ولا السيسي. ونحن لانقصد أشخاص بل نقصد نظام مبارك بكل رجاله وهو مستمر ويحكم حتى الآن، وتنظيم الاخوان المسلمين ، رغم رأينا أن الاخوان أفضل من نظام مبارك ولكن أفضلية في الدرجة وليس في النوع، وهم في هذه النقطة غارقون حتى الآذان في الاثم ولا يراجعون موقفهم ونحن نطالبهم بذلك منذ أكثر من 3 سنوات، دون مجيب. ونحن لانحكم على أحد نحن الفقراء إلى الله الطامعين في رحمته المشفقين من عذابه، ولانتعالى على أحد، ولكننا نمارس واجبنا في ابراز أحكام القرآن ونحن نراها جلية لاتحتمل رأيين، كذلك فاننا جاهزون لأي مناظرة علنية مع الاخوان أمام جمهور المؤمنين.
- سورة المائدة مهمة جدا في هذا الصدد ولكننا نكتفي بالاشارة للآيات .. (51 – 57)( (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57 ونجد فيها التهديد والوعيد في حالة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) ولن تجد هذا الوصف الذي يخرج من الملة إلا في هذه الجريمة.( وسنشير إلى 3 جرائم أخرى).
وتجد فيها تعبيراً يردده الاعلام والناس في مصر في الأعوام الأخيرة بالنص تقريبا (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)!! أي دعونا نسير في ركابهم حتى لايدور علينا الدهر بنوائبه!! وتدور علينا الدوائر، لقد كان السادات ثم مبارك ليسا على حق عندما أدركوا هبوط الاتحاد السوفيتي ورأيا في السير مع أمريكا النجاة أو الصواب والصلاح لمصر، وكأن أمريكا هي سفينة سيدنا نوح، وكأننا لانملك إلا الاختيار بين أفضل الكافرين أو بالأحرى أقوى الكافرين!
ونجد في الآية رقم 54 وصفاً للذين يحالفون الكفار بأنهم مرتدون وهاربون من الجهاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ).)
وهنا نجد القرآن يتصاعد في تهديده ووعيده للمؤمنين إذا أصروا على هذا المسلك، فبعد (ليس من الله في شيء) نجد (ما لك من الله ولي ولا نصير) إلى (منافقين) إلى (دخول النار) إلى (ومن يتولهم منكم فانه منهم) إلى (مرتدين) وهذا تصاعد مقصود ونحن نذكره كما ورد بهذا الترتيب في القرآن الكريم، وقد ذكرت من قبل في دراسة (الاسلام والحكم) انه علينا أن نكتشف الحكمة الالهية في الترتيب الراهن للسور والآيات.
3 جرائم أخرى تخرج من الملة:
ورغم أن هذا يخرج عن موضوع بحثنا ولكن كنوع من الحصر النهائي والشامل لما ورد في القرآن الكريم ولفائدة القراء المؤمنين والباحثين، نذكر أنه بعد موالاة الكفار والمشركين فإن القرآن الكريم اعتبر الاصرار على 3 جرائم أخرى، يؤدي إلى الخروج من الملة، أي الكفر.
(1)تشريع اللواط (الشذوذ الجنسي)، لأن في ذلك تحدي لفطرة الله .. ونقول بدقة "تشريع" وليس مجرد ممارسة فردية آثمة، أي تحويل اتيان الفعل إلى عمل مشروع، والسحاق ينبني عليه بطبيعة الحال بمنهج القياس.( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)الأعراف
(2)الاصرار على جريمة الربا (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة (276) . وهذه الجريمة متصلة بموضوعنا فاليهود والأمريكان يسيطرون على النظام المصرفي الربوي، فكيف نتخلص من هذا الأخطبوط ولا نستسلم له؟ وقد تهرب حكم الاخوان وبرلمان الاسلاميين من هذه المعضلة عن طريقين: (1)القول بحكم الاضطرار والضرورة كأكل الميتة عند الاضطرار.(2)أو اعتبار الفائدة الصغيرة 1 أو 2% ليست ربا!! (تصريح لمرسي) وقد دعوت يومها إلى عدم الدوران حول الحق، وأن نعلن تأجيل النظر في هذا الموضوع نظراً لتعقيداته وتشابكاته العديدة في النظامين المصرفيين المحلي والعالمي، ولأن الشريعة تطبق بالتدريج ولكن الاخوان لم يضعوا أي جدولة لتطبيق الشريعة حتى بالنسبة للزكاة يتم تجاهلها تماماً، ومن سخريات القدر أن نظام 3 يوليو يؤسس بيت للزكاة تحت إشراف شيخ الأزهر وهي لاتبدو ممارسة جادة خاصة بعد ضم وزراء ورجال أعمال لمجلس الادارة وهم لايفقهون شيئاً في الفقه الاسلامي. ولكن كما ذكرت فإنها من سخريات القدر. ان الاسلاميين من كثرة حرصهم على الابتعاد عن أي أمر شائك، تركوا ركنا من أركان الدين، كانوا يهتمون به ويمارسونه وهم في المعارضة!! ونظرا لأهمية الموضوع أرجو أن تتاح لي فرصة إصدار دراسة عن مسألة الربا في تعقيداتها المعاصرة، وكيف لا تكون صعوبة الأمر مبرراً للتفلت من أحكام الله.
(3)التولي يوم الزحف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)الأنفال
* * * * *
اذن حصرنا 14 شكلاً ونوعاً من الشرك، وأكدنا التداخل بين هذه الأشكال وهي في الحقيقة تدور حول جوهر واحد اتخاذ آلهة من دون الله وافساد فكرة التوحيد الصافي، أو إنكار فكرة الألوهية تماماً، وان كان القرآن لم يذكر هذه الأخيرة بصراحة لأنها فكرة شاذة جداً، ويتبناها نفر قليل من البشرية، ومع ذلك هم يصنعون آلهة آخرى: الطبيعة، وقوانينها الديالكتيكية، أو تقديس ماركس أو لينين أو ماوتسي تونج. والحقيقة فإن الملحدين تقريبا جميعا يقولون بفكرة وجود قوة مركزية غامضة تنظم الكون ولكن لاداعي للتفكير في هذا الموضوع!! فالغالب كما أكد القرآن هو فكرة الشرك (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿٦١﴾العنكبوت
عبادة أمريكا، أو إشراكها في ملك الله فضلنا أن نضعه تحت عنوان عبادة الطاغوت وموالاة الكفار والمشركين، وهذا يضعنا على أعتاب شرح أبعاد هذا الدين المعاصر: عبادة أمريكا وإن كنا نرى أنه يحتضر ولكن ليس هذا رأي حكامنا أو نخبتنا أو معظم الاسلاميين مع الأسف (نواصل)
*ملاحظة من معد هذه الدراسة للنشر(الاعتماد على الأمريكان في ضرب داعش كمثال بارز


عبادة أمريكا هي الشرك المعاصر.. حلقة (3)
14 شكل ونوع للكفر والشرك
العبادة هي الاتباع:
سيقولون نحن لانسبح بحمد بوش ولا أوباما ولا نصلي قبل البيت الأبيض ولا نتمتم في صلواتنا بأحاديث لجيفرسون أو جورج واشنطن، وهذا صحيح لا يحدث، ولكن ليست هذه هي العبادة المقصودة، فالعبادة في جوهرها هي مسألة اتباع، فرب مسلم يصوم ويصلي ويحج ويدخل النار لأنه لا يتبع أوامر ونواهي الاسلام ولأن هذه مسألة جوهرية فقد ذكرها القرآن الكريم (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة ﴿٣١﴾، بل هناك حديث شريف حول معنى هذه الآية، فقد سأل الصحابة عن معنى هذه الآية وقالوا كيف يعبدون أحبارهم ورهبانهم؟ قال الرسول (ص): إن اتباعهم لهم هو عبادتهم لهم. وبالتالي فإن التزام دولتنا وقبول الشعب بما يسمى الشرعية الدولية وبإملاءات أمريكا علينا في الاقتصاد (من خلال صندوق النقد والبنك الدولي وغيرهما) والسياسة الخارجية والتشريعات ومناهج التعليم وبما يخالف شرع الله هو الشرك بالله وهذا أخطر أنواع الشرك في الحياة المعاصرة.
أنواع الشرك والكفر:
كثيراً ما يركز خطباء الجمعة والمتحدثون في الأحاديث الدينية في الاعلام فيما يتعلق بالشرك على الأصنام ويركزون على قصص صدر الدعوة، وعبادة قريش للأصنام، حتى يهربوا من الحرج، وحتى لايتعرضوا للأوضاع الراهنة، وقد يشير بعضهم للحكام عرضا وسريعاً ولكن ليعود ويركز على الأصنام.. خاصة اللات والعزى لأن تناول هذه الموضوعات لا يعرض صاحبها لعواقب أمنية!! ولكن القرآن الكريم طرح لنا موضوع الكفر والشرك برحابة واسعة تحتمل عدة أوجه واحتمالات وصيغ وأشكال..
(1)    الكفر الصريح: عدم الايمان بوجود اله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء ﴿١٣٦﴾
(2)    النفاق: واظهار الايمان وإبطان الكفر (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) البقرة ﴿١٤﴾
(3)    عبادة التماثيل والأصنام كما عبد بنوا اسرائيل العجل، وعبادة الأصنام في عهد ابراهيم، وكفار قريش..الخ (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)البقرة 93
(4)    الايمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، والمقصود كتاب الله السماوي سواء أكان التوراة أو الانجيل أو القرآن أو غيرها (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة ﴿٨٥﴾ وقد نزلت في بني اسرائيل ولكن حكمها عام كما هو واضح، وأيضا التفرقة بين الله ورسله(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا) (151) النساء
ويتفرع عما سبق ما فعله أهل الكتاب من إخفاء جزء من كتابهم الذي يؤكد بعثة محمد(ص)( فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) البقرة (89)
(5) استخدام السحر بالتعاون مع شياطين الجن (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) البقرة 102، والتعاون معهم في الشر عموما (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (131)الأنعام
(6) عبادة الأشخاص وهم غالباً الحكام {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّار)(167)البقرة ،
(يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ) (29) يونس،
(وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)هود،
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194)الأعراف
فالأنداد هنا بشرويجري حوار بين التابعين والمتبوعين في النار، فهذه ليست أصناماً وتماثيل. وقد تبعها آية مهمة جداً، وهي أول آية تتبعها في نفس القضية (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}.البقرة وكذلك 257 عن الطاغوت (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ثم الآية 258 (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) تتحدث عن الملك الطاغية الذي يحاور ابراهيم وقد اعتبر نفسه إلها!! صحيح أن مصطلح طاغوت مصطلح قرآني وهو صيغة مبالغة من الطغيان أي تجاوز الحد، وهو يشير إلى عدة احتمالات.. فهو كل ما يعبد من دون الله، ويشير إلى الشيطان، والشيطان عموماً وراء كل مصيبة ولكن إذا أراد القرآن أن يشير إليه مباشرة يذكر (الشيطان) أو (ابليس)، وكذلك ظهرت أخيراً بدعة عبادة الشيطان ولكنها أقلية شديدة. ونرى أن أخطر صور الطاغوت هي الحكام الذين لايحكمون بما أنزل الله، والجماعات الاسلامية تركز على الحكام المحليين (وسنأتي لهم لاحقا) ولكنهم يغفلون أن هؤلاء لايحكمون بإرادتهم بل هم أشبه بالوكلاء أو المحافظين أو الولاة أما "خليفة" المسلمين أو بالأحرى الحاكم الفعلي لهم فهو الرئيس الأمريكي ودار الخلافة في البيت الأبيض. وبالتأكيد لن يختلف أحد من المسلمين معنا في أن البيت الأبيض لايحكم بما أنزل الله، لا التوراة الحقيقية ولا الانجيل ولا القرآن، فلماذا اذن يقبل المسلمون الاحتكام اليه والالتزام بقراره؟! في كل منازعات المسلمين، ومنازعات المسلمين مع غيرهم (اسرائيل) . والطاغوت هنا ليس شخصاً بسيطاً بل نظاماً مركبا ومتكاملا هو النظام الأمريكي. وبالتالي فإن مصطلح (طاغوت) لفظ معجز لأنه يشمل عدة احتمالات وأشكال عبر العصور، ولكن لاشك إن الارتهان للنظم الكبرى المعادية للاسلام هو أخطر هذه الأشكال، وهي ليست منفصلة بل تقود معظم أنظمة حكم المسلمين المحلية لذلك فصلنا عبادة الأشخاص عن الطاغوت. واتخاذ فرعون من نفسه إلهاً مسألة أخذت اهتماماً كبيرا في القرآن الكريم كمثال بارز (أنا ربكم الأعلى) النازعات (لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنَّك من المسجونين) الشعراء 29، فشكل الشرك هنا هو تأليه الحاكم المباشر في مجتمع ما، أي عبادة الفرد ونواصل الحديث عن الطاغوت في نقطة منفصلة.
عبادة الطاغوت:
وقد فصلنا (الطاغوت) عن عبادة الأشخاص والحكام أيضا لأن عبادة الأشخاص قد تكون لأشخاص من غير الحكام، كرجال دين أو فلاسفة أو حكماء كما نرى اليوم عبادة بوذا أو كونفشيوس ولايوجد ما يؤكد عندنا أنهم من الأنبياء وهما لم يكونا من الحكام. وعبادة الشخص واضحة ولا تحتاج لشرح كعبادة فرعون وعبادة كثير من ملوك مصر القديمة وعبادة امبراطور اليابان. ولكن الطاغوت مصطلح عام يصلح للاستخدام مع الظاهرة المركبة. وفي كل الأحوال نؤكد أن مظاهر وأشكال الشرك متداخلة، وأن هذا التصنيف من أجل تحليل وفهم كل ظاهرة على حدة. وإلا فإن كل أشكال الشرك متصلة بالطاغوت وتعريفه المتفق عليه: (كل ما يعبد من دون الله) ولكن كل لفظ يستخدم في الحالة المناسبة له. ونرى أن مصطلح (الطاغوت) متفرد وتوحي معانيه بالشمول وبالتالي فهو ينطبق أكثر ما ينطبق على الحكام والنظم المعادية للاسلام، بينما تجده غير ملائم لوصف  تمثال أو صنم (لا قيمة له) أو لوصف المسيح بن مريم وهو مظلوم لأنه لم يدع الناس لعبادته بل هو برئ تماما من هذه الفرية، إذ يقول لربه: (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) المائدة 117 ولذلك نرى أن الطاغوت هو أبلغ وأدق وصف قرآني لأمريكا.. طاغوت العصر.. وقد ورد لفظ (طاغوت) 8 مرات في القرآن الكريم وكان دائماً يأتي في وضع الشمول كرأس لكل معسكر الكفر في مواجهة معسكر الايمان..
- (مَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا) البقرة 256
- (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة257)
 وهنا لابد أن تلاحظ الربط الفوري في الآية التالية مباشرة وهي عن ملك طاغية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة 258
-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) النساء 51
-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّـغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَـنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـلا بَعِيداً) النساء(60)
-( الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّـغُوتِ فَقَـتِلُوا أَوْلِيَآءَ الشَّيْطَـنِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَـنِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء(76)
-(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) المائدة (60)
ولاحظ الشمول في هذه الآية (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل 36
-( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ) الزمر 17
وفيما عدا آية واحدة تشير إلى اليهود (عن الطاغوت) فإن كل الآيات عامة مجردة لكل زمان ومكان ولكل قوم.
وبالتالي لا نقول أن هذا المصطلح يخص أمريكا وحدها، ولكننا نزعم أنه يخصها في العصر الحالي وحتى سقوطها من على عرش الكرة الأرضية كما سقطت الامبراطوريتان الفارسية والرومانية وغيرهما.
 ولفظ (الطاغوت) مركب، فلا يشير إلى شخص واحد (فرعون) مثلاً، بل إلى نظام متكامل والحقيقة فإن فرعون كان له نظام ومستشارين وأعوان ومؤسسات قمعية: شرطة وجيش وكهنة وسحرة، ولكن النظام متمحور حول عبادة الفرد. أما النظام الأمريكي فهو يعبد ككل، أو يتبع أو تطاع أوامره ككل بكل مؤسساته، ولا توجد عبودية للرئيس الأمريكي لأنه غير مؤبد في الحكم. فالتبعية هنا لأمريكا وللاعلام الأمريكي والكونجرس والمنظمات الدولية التي تديرها أمريكا: الأمم المتحدة – صندوق النقد – البنك الدولي – منظمة التجارة العالمية، النظام المصرفي العالمي.. وما أطلقوا عليه: النظام العالمي الجديد أو العولمة أو الشرعية الدولية، التي أصبحت تتدخل في كافة شئون المسلمين الداخلية من خلال مجلس الأمن وبياناته شبه اليومية، التي تؤيد أو تعارض ما يجري داخل الدول المستضعفة وأكثرها دول اسلامية، ولكنه لا يمكن أن يصدر بياناً عن جرائم عنصرية  في أمريكا أو أوروبا!! وكما قلنا فإن الدين هو: الطاعة والانقياد للمعبود، وبهذا المعنى فإن بلادنا تعبد أمريكا وسنفصل في ذلك بعد الانتهاء من تصنيف أنواع وأشكال الشرك والكفر كما وردت في القرآن الكريم. وأيضا لابد من ملاحظة أن اليهود مكون أساسي في النظام الأمريكي (راجع دراستي: اليهود يحكمون أمريكا).
(8) عبادة الملائكة:
(وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)آل عمران (80) وسنأتي لعبادة الأنبياء، أما في مسألة عبادة الملائكة فهذا  إدعاء من بعض المشركين أو وهم فلا توجد وسيلة للاتصال بالملائكة (على خلاف إمكانية الاتصال بالجن)، كما أن الملائكة لايمكن أن تسمح أو تتورط في مثل هذا الاثم، فعبادة الملائكة إدعاء لفظي والحقيقة فإن هؤلاء المشركين لا يعبدون إلا الجن!! وهذا ما ورد في الآيتين الكريمتين (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَٰؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) (41) سبأ ..وقد أشرنا لذلك في بند رقم 5 الخاص بالسحر.
(9) الخضوع للشيطان وموالاته:
 (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً (117)لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118)وَلأضِلَّنَّهُم ْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) (119)النساء
ونكرر أن أنواع وتجليات الشرك متداخلة مع بعضها البعض فالشيطان كما ذكرنا وراء كل مصيبة ووراء كل أنواع الشرك ووراء وقوع الانسان في مختلف المعاصي والخطايا. ولكن القرآن الكريم يخصص الحديث أحيانا عن هذا الاتباع المباشر للشيطان (وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) (119)النساء
وفي العصرالحديث أصبح عندنا بدعة اسمها (عبادة الشيطان) ويتم في مصر بين حين وآخر ضبط مجموعات من الشباب بتهمة عبادة الشيطان، ولكن الموضوع أكبر من ذلك. فهناك تيار داخل الماسونية العالمية اسمه النورانيون (الألوميناتي) يدعو لعبادة الشيطان صراحة ولهم تنظيرات مكتوبة يقولون فيها بثنائية الآلهة، وأن الرب المتعرف عليه هو أدوناي والشيطان هو الاله الثاني (لوسيفر) وهو منافس له وهو أكثر أهمية، وبعض رؤساء الولايات المتحدة من هذا التيار وثبت حضورهم اجتماعات سرية لعبادة الشيطان (فيديوهات على اليوتيوب) مثل كلينتون.
وعبادة الشيطان والسحر مرتبطان باستخدام الدماء وشرب الدماء ومن ثم القتل. ومن الأمور الملفتة للنظر أن أفلام هوليوود (التي يسيطر عليها اليهود) أصبحت تعطي مساحة أكبر لمسألة حب شرب الدماء في كثير من الأفلام في الأعوام الأخيرة. وهناك أنواع معينة من الموسيقى مرتبطة بعبادة الشيطان، وثبت علمياً ان هناك نوعاً من إدمان انواع معينة من الموسقى كإدمان المخدرات ويطلقق عليه الادمان الرقمي.
 (فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) الأعراف (30)
(10) عبادة الأنبياء :
تحويل النبي إلى إله ثم القول بالتثليث كما فعل النصارى مع الممسيح عيسى بن مريم الذي سموه ابن الله ثم اعتبروه مساويا لله، ثم اضافوا الروح القدس ليكون الله ثلاثة..وكما قال اليهود عن عزيز انه ابن الله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) النساء 171 (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)التوبة (30) .. وليست هذه مشكلتنا مع أمريكا فلتعبد المسيح كما ترى ويحاسبها الله، ولكن مشكلتنا مع أمريكا أنها تعتدي علينا وتفرض ارادتها علينا وعلى أرضنا وتريد أن تخرجنا من ديننا الحق.( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) البقرة 109 –(يتبع)


عبادة أمريكا هي الشرك المعاصر.. حلقة 2
الحملة على أمة الاسلام ليست عسكرية فحسب فلا توجد حملة عسكرية بدون أهداف سياسية. الحملة تستهدف وأد البديل الحضاري الوحيد لحضارة الغرب المادية التي تتشح بوشاح المسيحية- اليهودية.
لاحظوا أن أمريكا تكتسب صداقة شعوب شرق اوروبا بسهولة لأنهم تحت نفس المظلة العقائدية، فيهربون من التبعية لروسيا إلى أمريكا، وإذا نجح النموذج الروسي التنموي فستعود هذه الشعوب إلى أحضان روسيا بدون حرب أو دبابات أو احتلال، حيث تجمعهم المسيحية الأرثوذكسية أو السلافية كثقافة ولغة أو القرب الجغرافي.
ولاشك أن الاستراتيجية الأمريكية قائمة على فكرة الاستيلاء على كل الكرة الأرضية وهي فكرة تجمع بين البروتستانت الانجيليين واليهود، ولكن في إطار هذه الاسترتيجية فإن أمة الاسلام هي العدو والعقبة رقم واحد في هذا السبيل. وقد شرحت أسباب ذلك بالتفصيل في دراسة (أمريكا طاغوت العصر) وأقول باختصار:
(1)لأن المشروع الحضاري الاسلامي هو مشروع عالمي ويطرح بديل متكامل لرؤية الغرب ويستهدف بدوره الكرة الأرضية كلها!! ولكن بالدعوة والحسنى وليس بالغزو والاكراه والأساطيل والصواريخ، كما نرى الآن الاسلام ينتشر في كل أركان الأرض وفي عقر دارالغرب بدون أي خطة مركزية أو تخطيط، بل في ظل حالة من خبل حكام المسلمين أو معظمهم. أما الحضارات الكونفوشيوسية والهندوكية والبوذية واللاتينية فهي مشروعات محلية غير قابلة بحكم تركيبتها للتصدير، بل تتعرض هذه الحضارات لموجات مؤثرة من الفكر الغربي تعيد صياغتها بصورة مقبولة وغير عدائية مع المشروع الغربي، على الأقل في المدى المنظور لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تعين الادارة الأمريكية برنارد لويس اليهودي الصهيوني مستشاراً لوزير الدفاع الأمريكي "البنتاجون"، وأن يبحث الكونجرس الأمريكي دراساته المعادية للاسلام والمسلمين.. ويتردد أنه يقرها سراً، ومن أقواله المنشورة: (إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لايمكن تحضيرهم وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والاسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية. وخلال هذا الاستعمار تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الاسلامية دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الاسلامية الفاسدة.(حديث صحفي  في 20/5/2005) وقد كتب برنارد لويس خطة تقسيم الدول العربية وهي التي يجري تنفيذها الآن على أرض الواقع وسنعود إليها.
(2)السبب الثاني لهذا العداء المميت ضد الاسلام: الموقع الاستراتيجي لما يسمى الشرق الأوسط. والذي يتعين على أي قوة عظمى تريد السيطرة على العالم أن تسيطر عليه  بحكم موقعه المتوسط، وهي المنطقة الممتدة من مصر إلى أفغانستان ومن تركيا إلى اليمن والصومال، و95% من سكان هذه المنطقة مسلمون.
(3)الموقع الاستراتيجي الديني حيث توجد المقدسات الدينية الأساسية في هذه المنطقة : الجزيرة العربية وفلسطين. وبشكل أخص القدس، فهي العاصمة الروحية للامبراطورية العظمى في العالم دائماً. فأمريكا واليهود يقولون أن القدس هي عاصمة الحضارة اليهودية المسيحية، ونحن نقول إنها العاصمة الروحية للمسلمين بعد مكة والمدينة.
(4)جَد في القرن العشرين سبب رابع وهو ظهور أكبر مخزون احتياطي للنفط في هذه المنطقة الاسلامية المتوسطة بالاضافة للثروات الأخرى، وبالتالي أصبحت السيطرة على هذه المنطقة ضرورية للقوة العظمى المهيمنة.
ماذا يجري في مصر؟!
نحن نركز في هذه الورقة على مصر لأنها محور المنطقة، ولأنها بلدنا الذي نعيش فيه ونحبه وسنسأل عنه يوم القيامة وأيضا لأن الأمريكان واليهود قد اخترقوها حتى الأعماق على مدار 40 سنة وهم يدركون أن مصر هي الجائزة الكبرى ومن يحوزها باستقرار ستكون له المنطقة بأسرها. ولكن لن نطيل في هذه النقطة لأننا غطيناها في مقالات عديدة سابقة ونحن نريد أن نتوقف عند النقطة الفقهية الأساسية وهي مسألة "الشرك"، وأن الموقف من أمريكا ليس مسألة سياسية تحتمل وجهات نظر بل هي مسألة ايمانية.
وما ينطبق على مصر ينطبق بطبيعة الحال على سائر الدول العربية والاسلامية التي يقع معظمها في أوضاع مشابهة. ونحن نركز على مصر لسبب إضافي وهو انتشار دين عبادة أمريكا كما سنوضح، بحيث يمكن أن تقول أن دحر هذا "الدين" هو مفتاح إنطلاقها وعودتها سيرتها الأولى إلى حالتها الطبيعية، منارة للعرب والمسلمين، بل ولكل العالمين.. مصر التي تحولت إلى الرجل المريض الشحاذ على يد حكامها من السادات إلى السيسي.
والآن باسم الانفتاح ثم السلام ثم العولمة أصبحت مجرد خادم لأمريكا، موضوعنا الفقهي لايتعلق بمصر دون غيرها، ولكن أهمية مصر تعطي وزنا خطيراً لهذه الرؤية الفقهية.
مصر خضعت تدريجياً منذ 1974 للإرادة الأمريكية- الصهيونية، وأصبحت المرجعية الأمريكية هي الحاكمة لا دستور البلاد ولا الشريعة الاسلامية، أمريكا هي المشرفة على أهم شئ وهو الأمن الخارجي والداخلي (الجيش– الشرطة) والاقتصاد والتشريع والسياسة الخارجية وكان الخلاف الوحيد دائما حول سرمدية الحاكم، فالحاكم يريد أن يبقى في الحكم مدى الحياة ويورثه لأبنائه وأمريكا تخشى من هذا الأسلوب خوفاً على النظام ومن ثم خوفا على مصالحها. ولكن أين هي عبادة أمريكا في كل ذلك ..(يتبع)
ملاحظة:
مصر التي أعشقها وأبكيها في أيامي الأخيرة حزينا أن أرى ثورتها تنكسر والشعب في قبضة اعلام فاجر، وأنا أكتب في الوقت الضائع انتظر السجن في أي لحظة والبلاغات تنهمر على من كل حدب وصوب وأنا حزين أن عجزت أنا وصحبىَ أن نوقف مسلسل الانهيار في ظل حالة من التعتيم الاعلامي الفضائي وقد وصل الأمر إلى حد إغلاق الجريدة المطبوعة. ولم يبق لنا إلا الانترنت حتى إشعار آخر.. وقبل أن أواصل البحث الفقهي لابد أن أرثي لحال مصر وهي في حالة التبعية لأمريكا، مصر التي قال عنها هيروديت:{حكم مصر أمازيس عام 570 قبل الميلاد وكان بها ألف مدينة آهلة بالسكان، وصدرت في عهده قوانين رائعة كذلك القانون الذي يفرض على كل مصري أن يبني سنوياً موارد عيشه كحاكم الولاية، ومن لايفعل ذلك ولم يثبت انه يعيش عيشة مشروعة كان عقابه الموت. وقد نقل صولون الأثيني هذا القانون المصري ووضعه للأثنيين الذين يطبقونه الآن} هذا الكلام كتب بعد 100 سنة من عهد أمازيس، وهو لايدرس في مدارسنا!!
في عهد امازيس كانت قبرص تابعة لمصر وتدفع الجزية، في عهد مرسي والسيسي استولت قبرص على غاز مصر الطبيعي من باطن البحر المتوسط!! وكثيرا ما كانت قبرص في كل العهود تابعة لمصر!!
وحتى عندما استولى البطالمة على مصر تمصروا وحولوا الاسكندرية إلى عاصمة بلاد البحرالأبيض المتوسط الأدبية والعلمية وأنشأ المتحف والمكتبة التي تحولت إلى تجمع للعلماء في الفلك والطبيعة وأطباء وكانوا يتقاضون مرتبات من الخزانة العامة، ولم يكونوا يعلموا طلاباً في البداية، بل توفروا على البحوث والدراسات وإجراء التجارب، ثم بدأت مرحلة إلقاء المحاضرات للطلاب. وتعتبر هذه المكتبة وهذا المعهد والجامعة أول مؤسسة في التاريخ أقامتها دولة للعمل على تقدم الآداب والعلوم. وفي عام 53 م أصبحت مصر مركزاً صناعياً أساسيا حيث اذهرت فيها الصناعات خاصة المنسوجات والأصباغ والورق الذي أصبحت تصنع منه أنواع متعددة تسد حاجة عالم البحر الأبيض كله، بينما واصلت دور المورد الأساسي للقمح لسائر الامبراطورية الرومانية وما كان لروما أن تحكم دون أن تكون مصر معها، وكانت كنيسة الاسكندرية هي أهم كنيسة في العالم بل أول كنيسة لأن روما تأخرت في تبني المسيحية. وعندما زار هادريان امبراطور روما  الاسكندرية عام 130 م كان منبهرا باعتبارها أكثر تقدما من روما فقال: (إنها مدينة غنية تتمتع بالثراء والرخاء ولايوجد بها عاطل عن العمل فالبعض يعمل في صناعة الزجاج وآخرون يعملون في صناعة الورق وكثيرون يعملون إما في صناعات النسيج أو في أي حرفة أو صناعة أخرى: حتى أصحاب العاهات من العجزة والخصيان والعميان كل له عمله حتى من فقدوا أيديهم لا يقضون حياتهم عاطلين)!
هذه مجرد شذرات في مراحل تاريخية غير مطروقة وإلا فإن قيمة ووزن مصر تملأ المجلدات عبر التاريخ.   


عبادة أمريكا هي الشرك المعاصر.. حلقة (1
أي مطالع للقرآن الكريم، سيكتشف ببساطة أن قضية الكفر والإيمان، هي موضوع هذا الكتاب المنزل من عنده - تعالى- ، وكل ما ورد فيه من معان، وقصص، وشرائع، وأحكام، هي تفرعات من هذه القضية الأصلية .
وفي السنوات الأخيرة، شنت القوى العلمانية اللادينية التي تهيمن على البلاد، وفي إطار السيطرة الغربية؛ شنت حملة شعواء على فكرة الكفر والتكفير؛ فأخذ الإسلاميون موقفًا دفاعيًّا، فكفوا عن الحديث عن "الكفر"؛ ليثبتوا أنهم عصريون ومستنيرون!! ونسوا أن إسقاط قضية الكفر من الخطاب؛ سيؤدي بالضرورة إلى إسقاط قضية الإيمان؛ لأن المسألتين متلازمتين، كـ: الليل، والنهار؛ الخير والشر، ... إلخ، فأصبح خطاب التيار الإسلامي مائعًا، سياسيًّا تقليديًّا، لا يفرق بينهم وبين باقي الأحزاب العلمانية؛ وكان هذا هو سبب ظهور تيارات متطرفة، كرد فعل لهذه المهزلة تغالي في مسألة التكفير. في حين أن الموقف الوسط، هو الموقف الإسلامي الصحيح.
 ومن الملاحظات المهمة، أن مصطلح "تكفير" غير موجود في القرآن الكريم.
 الإسلام لا يسعى لتكفير أحد، ولكن الكفار، هم الذين يفصحون عن أنفسهم بالأقوال والأفعال، وكذلك المشركون، وهؤلاء هم الذين يتصدى لهم المسلمون بالمواجهة الفكرية، ثم بالدفاع المسلح إذا اعتدوا على المؤمنين، وهذا ما نعنيه بالموقف الوسط، أن نواجه فكر معسكر الكفر بالفكر، وأن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية دون خوف أو وجل، سواء على المستوى الوطني، أو الإقليمي، أو العالمي.
لقد أهدانا الله -سبحانه وتعالى- المنهج من خلال القرآن الكريم، بل وحذرنا في أكثر من موضع بالقرآن الكريم مما نسميه اليوم (تكفير)، أي الاستسهال في اتهام الناس بالكفر، كما ورد مثلاً في سورة النساء (94): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
أهدانا الله المنهج، وأمرنا أن نعمل عقولنا التي تميزنا عن كثير من المخلوقات، فالقرآن دليل وإرشاد؛ لتستخدمه عقولنا، لا لإلغاء العقول!! ففي كل عصر لابد للمسلمين أن يحددوا أعداءهم، أئمة الكفر، الطاغوت الأكبر الذي يتعين مواجهته.. وهذه مسألة من الوضوح بمكان لا تحتاج لكهنوت، أو لاجتهاد كبار العلماء، وهي مسئولية كل مؤمن لا يمكن أن يتهرب منها، بمعنى أنه إذا زاغ العلماء في عصور الانحطاط؛ فإن الأمة لا تسير وراءهم؛ لأن (الحق أبلج والباطل لجلج).
ونحن لدينا أزمة علماء، فهل نضيع الدين بسبب ذلك؟!، في عهد مبارك في عقده الأخير، لم يوجد إسلاميون يطالبون بإسقاط  حكمه؛ لأنه حكم غير شرعي، إلا نحن وجبهة علماء الأزهر، وأرجو أن نعرف رأي العلماء الأجلاء في هذه الدراسة بعد اطلاعهم عليها.
 لقد ضاع الدين المسيحي؛ عندما أصبح رهينة رجال دين لا يسمحون لأي أحد من الرعية أن يشاركهم في الرأى، بل لقد منعوا طباعة، وتوزيع، وقراءة الإنجيل، وكانت عقوبة العثور على نسخة من الإنجيل في بيت مواطن تصل إلى الإعدام، أو السجن المؤبد. وكان هذا من أسباب نشوء حركة الاحتجاج لمارتن لوثر كينج (البروتستانتية).
وتحديد العدو الأول في الإسلام في عصرنا الراهن، لا يحتاج إلى اجتهاد عويص، أو تفكير عميق؛ ومن لا يريد أن يعلن ذلك، فهو خواف، أو جبان، أو هارب من الميدان. وهذا هو سبب شعبية أسامة بن لادن؛ أنه أعلن الحرب على اليهود والصليبية الأمريكية، وهو ليس بعالم أو مجتهد بالمعايير التقليدية، ولكن هذا الموضوع كعنوان عام، كما ذكرنا لا يحتاج إلى دراسات فقهية خطيرة، ولكننا نحتاج لدراسات فقهية فيما دون ذلك التحديد العام .
وتحديد الطاغوت أو أئمة الكفر في الإسلام، موضوع عالمي أي على مستوى الكرة الأرضية، وليس داخل كل بلد على حدة. فالرسول(صلى الله عليه وسلم) أُرسل للعالمين، وقد أصبح الإسلام طرفًا في المعادلة العالمية منذ الوهلة الأولى بالمواجهات مع الإمبراطورية الرومانية في عهد الرسول، وما تبع ذلك من فتوحات على القوتين العظميين في العالم: الرومانية والفارسية. ولكننا نعبر التاريخ سريعًا إلى الوضع الراهن ومنذ عشرات السنين: من هو العدو الأول للإسلام؟ هل يختلف أحد أن أمريكا هي العدو الأول للإسلام، بالتحالف مع اليهود، الذين يتحكمون في النظام الأمريكي ذاته (وعندما نذكر أمريكا في هذه الدراسة، فبرجاء الذكر أن هذا يعني الحلف اليهودي- الأمريكي)، فأمريكا هي القوة الأولى في العالم، وتستخدم معظم قواتها العسكرية؛ لمحاربة الإسلام بعد أن ورثت النفوذ الفرنسي – البريطاني.
 وإذا كانت دار الإسلام تمتد من المغرب حتى إندونيسيا؛ فإن معظم القوات الأمريكية منتشرة في هذه المنطقة، وهي لا تحارب إلا المسلمين، بعد انسحابها وهزيمتها في أمريكا اللاتينية، ومعظم القارة الآسيوية.
 أمريكا تدعم إسرائيل بأحدث الأسلحة، وهي تضمن الحفاظ على أمنها في إطار التحالف الاستراتيجي، ولكن أمريكا حاولت احتلال العراق بالفعل، واستمرت به عدة سنوات، وهناك احتمال كبير لعودتها مع بوادر أزمة داعش. وأمريكا احتلت أفغانستان، وهي على وشك الانسحاب منها، ولكنها تترك بعض القوات والقواعد هناك. أمريكا تشن غارات جوية على باكستان، واليمن، والصومال تحت شعار ضرب تنظيم القاعدة وطالبان؛ أمريكا قصفت ليبيا؛ بزعم دعم الثورة الليبية، وتسعى للهيمنة على هذا البلد.
أمريكا لها تعاون عسكري مع المغرب، والجزائر، وكان لها قاعدة في تونس أيام زين العابدين بن علي، ولا نعرف مصيرها الآن، أمريكا وإسرائيل كانا وراء انفصال جنوب السودان، وهما وراء محاولة فصل دارفور أيضا، أمريكا لها قواعد عسكرية في أفريقيا وقيادة عسكرية لأفريقيا، ومن ذلك قاعدة في جيبوتي.
 لأمريكا قاعدة خطيرة في المحيط الهندي (دييجوغارسيا)، وهي قريبة من الخليج وباكستان؛ لأمريكا قواعد في كل دول الخليج الستة، ومصر، والأردن، وكان لها تسهيلات عسكرية في عهد علي عبد الله صالح ولاتزال مستمرة.
ولأمريكا قواعد وتسهيلات في بلاد وسط آسيا الإسلامية، مثل: أذربيجان وقرجيزيا؛ أمريكا كانت وراء فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا، وتهدد أمريكا دائما بقصف إيران وسوريا، وهي الآن تهدد بقصف العراق وسوريا؛ لضرب داعش.
 وهكذا فإن أكبر آلة حربية في التاريخ لا تعمل إلا ضد المسلمين؛ أما إسرائيل الحليفة، فهي تواصل عملياتها الإجرامية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة بدعم أمريكي كامل: سياسي، واقتصادي، وعسكري.
هل توجد قوة عالمية أخرى تحارب الإسلام بكل هذه الضراوة وتتدخل في شئون المسلمين على هذا النطاق الواسع؟ البعض يحاول أن يلفت الانتباه إلى روسيا، ولدينا مشكلة مع روسيا في الشيشان، وتحالف النظام الروسي مع النظام السوري ليس ضد الإسلام، ولكن أولا: هذه علاقة قديمة، وفي إطار الصراع الدولي مع أمريكا على النفوذ في المنطقة، كما أن روسيا لا تقاتل بنفسها في سوريا!! بل أن الوضع في سوريا أصبح مأسويًّا، ومن الصعب الحديث عن ثورة إسلامية الآن في سوريا، كما ثبت أن السلاح الروسي يتسرب إلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، (كصواريخ كورنيت)، الوضع في سوريا ناقشناه في مواضع أخرى، وفي كل الأحوال هكذا لا نجد روسيا في حالة حرب مع المسلمين من المغرب حتى إندونيسيا، بل هي مستعدة للتعاون مع أي دولة إسلامية؛ لتحقيق مصالحها.
وبالتالي لا يمكن مقارنة دور روسيا ( وهي بالتأكيد ليست مع الصحوة الإسلامية) بهذه الحملة الأمريكية الشعواء، الصين لدينا مشكلة مع الأقلية الإسلامية، ولكن مع ملاحظة أن هناك تنظيمات مسلحة تسعى للانفصال عن الصين، ومهما يكن، فنحن أمام مشكلة موضعية، ولسنا في حالة حرب شاملة.
 والهند لدينا مشكلة معها في كشمير، ولسنا في حالة حرب شاملة مع الهند.. وهكذا - إذن - العدو الأول، هو أمريكا، ثم أمريكا، ثم أمريكا (ومعها إسرائيل واليهود) وفي ذيلها بعض دول أوروبا التي سلمت قيادها عسكريا لأمريكا، ووفرت على نفسها المجهود الحربي؛ لذلك تشارك مع أمريكا في حروبها بصورة رمزية، ولكن مع الدعم السياسي الكامل.
هذه الدراسة كتبت من حوالي 6 شهور مضت *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق