وائل قنديل : ما الفرق بين مرسي والسيسي؟
20 يناير 2015
غضب مني بعض الأصدقاء، حين علقت، أمس، على مرافعة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، أمام المحكمة، بأنه تأخر كثيراً حتى تمكن أوغاد الداخل والخارج من ثورة المصريين، فمزقوها شر ممزق.
بعضهم اعتبر ما كتبت إدانة للدكتور مرسي، وبلغ الشطط بآخرين أن رأوا في ذلك خدمة لمجموعة القراصنة الذين نفذوا عملية سطو مسلح على السلطة، فيما ذهب فريق ثالث إلى أن كلمات الرئيس أمام القاضي أكدت المؤكد، وحسمت المحسوم أن مؤامرة قادها معسكر الانقلاب على الثورة والثوار، وإن كان ذلك لا يعفي الرئيس المنتخب بعد الثورة من المسؤولية.
من بين رسائل وتعليقات كثيرة على ما كتبت، توقفت عند كلمات بتوقيع رانيا مصطفى تقول فيها:
أرجو منكم قراءة الصورة بشكل أكثر إنصافاً، فالرجل لم يصمت، ولم ينتظر ألسنة النار حتى أكلت كل شيء. هل تتخيل أن رجلاً يقف بمفرده، حتى جماعته التي يفترض أن تسانده كانت أحياناً ما تصدر تصريحات تسيء إليه، كما أن مؤيديه ينتقدونه، ومن بينهم من كان خنجراً في ظهره كحزب النور. ومعارضوه كانوا، طوال عام كامل، يتظاهرون ويشوهون ويشكلون مجالس رئاسية بشكل أسبوعي. فضلاً عن مؤسسات كانت تقولها صريحة (خلوا مرسي بتاعكو ينفعكو). ووسط كل ذلك كان واجباً عليه أن يحفظ مقام وظيفته رئيساً لأكبر دولة في المنطقة. هل كان ينتظر أن يخرج، ليقول أنا رئيس لا صلاحيات لي. لا أستطيع أن أصدر أمراً. بل أني حتى لو أصدرته لن ينفذ. هل تعتقد أن شعباً بهذا القدر من الاهتراء كان سينحاز لثورته، لو كان أعلن ما هو مخبوء؟ كان سيفعل كما يفعل، اليوم، نقد ثم نقد ثم هجوم ثم ... لا شيء.. وسؤالي هل نحن لم نكن نعلم؟ هل كنا نحتاج منه أن يتحدث لننحاز للثورة؟ كنا نعلم. ولكننا كالمعتاد نحتاج لشماعة. وسؤال آخر: ماذا كنا سنفعل على أكثر الاحتمالات تفاؤلاً، كنا سنجتمع في ميدان التحرير تحت لواء الثورة، ثم ماذا، ثم يحرقوننا كرابعة، لا أبرر لمرسي، ولكني أضع نفسي مكانه، حينما كان في القصر وحيداً. والآن، هو في سجنه وحيداً أيضاً.
وفي المقابل، كانت هناك ردود أخرى، غاب عنها المنطق والموضوعية، انبنت كلها على أن الدكتور مرسي، بهذه الشهادة المدوية، يكون قد وضع نفسه موضع المتهم بالتستر على مجرمين، وقد فات هؤلاء أن ثلاثة أشهر تفصل بين تعيين وزير الدفاع، ثم صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق.
وتلخيصاً للأمر، ومن باب الموضوعية والإنصاف، ليس معقولاً أن يترك الناس كل شيء، ويتمسكوا بأقوال الرئيس دليل إدانة ضده، وكأنه من العادي أن تحاكم الضحية على خطأ ارتكبه، وتغض الطرف عن الجريمة الكبرى للجناة.
نعم، محمد مرسي أخطأ. لكن، ماذا عن المجرمين العتاة الذين شاركوا في مؤامرة ضد المصريين وثورتهم؟
وإذا كان أسوأ ما فعلته شهادة الرئيس، في هذا التوقيت، أنها وفرت للمهرجين وصغار الباعة الجائلين في مولد معارضة الانقلاب مساحات إضافية من محصول الثرثرة، وسيلة للاختباء من امتحان الذكرى الرابعة للثورة التي تحل بعد أيام قلائل، فإنها تحمل جانباً إيجابياً، أيضاً، بأن ذكّرت المتعايشين مع القبح بأنه "قبح" ساهمت في صناعته أطراف داخلية وخارجية.
وأخيراً، ليس هذا بكاء على اللبن المسكوب، بقدر ما هو نوع من مكاشفة الذات وتبيان الفرق بين سلطة شرعية أخطأت وأخرى دموية أجرمت. كما أنه ليس تسليماً بأمر واقع، تأسس على دماء وأشلاء، وإعلاناً لمقتل حلم جميل، فالذين صنعوا المعجزة، أول مرة، قادرون على اجتراحها مرة أخرى، فسلام على القابضين على جمرة الحلم خلف الأسوار، وفي الميادين.
العربي الجديد
20 يناير 2015
غضب مني بعض الأصدقاء، حين علقت، أمس، على مرافعة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، أمام المحكمة، بأنه تأخر كثيراً حتى تمكن أوغاد الداخل والخارج من ثورة المصريين، فمزقوها شر ممزق.
بعضهم اعتبر ما كتبت إدانة للدكتور مرسي، وبلغ الشطط بآخرين أن رأوا في ذلك خدمة لمجموعة القراصنة الذين نفذوا عملية سطو مسلح على السلطة، فيما ذهب فريق ثالث إلى أن كلمات الرئيس أمام القاضي أكدت المؤكد، وحسمت المحسوم أن مؤامرة قادها معسكر الانقلاب على الثورة والثوار، وإن كان ذلك لا يعفي الرئيس المنتخب بعد الثورة من المسؤولية.
من بين رسائل وتعليقات كثيرة على ما كتبت، توقفت عند كلمات بتوقيع رانيا مصطفى تقول فيها:
أرجو منكم قراءة الصورة بشكل أكثر إنصافاً، فالرجل لم يصمت، ولم ينتظر ألسنة النار حتى أكلت كل شيء. هل تتخيل أن رجلاً يقف بمفرده، حتى جماعته التي يفترض أن تسانده كانت أحياناً ما تصدر تصريحات تسيء إليه، كما أن مؤيديه ينتقدونه، ومن بينهم من كان خنجراً في ظهره كحزب النور. ومعارضوه كانوا، طوال عام كامل، يتظاهرون ويشوهون ويشكلون مجالس رئاسية بشكل أسبوعي. فضلاً عن مؤسسات كانت تقولها صريحة (خلوا مرسي بتاعكو ينفعكو). ووسط كل ذلك كان واجباً عليه أن يحفظ مقام وظيفته رئيساً لأكبر دولة في المنطقة. هل كان ينتظر أن يخرج، ليقول أنا رئيس لا صلاحيات لي. لا أستطيع أن أصدر أمراً. بل أني حتى لو أصدرته لن ينفذ. هل تعتقد أن شعباً بهذا القدر من الاهتراء كان سينحاز لثورته، لو كان أعلن ما هو مخبوء؟ كان سيفعل كما يفعل، اليوم، نقد ثم نقد ثم هجوم ثم ... لا شيء.. وسؤالي هل نحن لم نكن نعلم؟ هل كنا نحتاج منه أن يتحدث لننحاز للثورة؟ كنا نعلم. ولكننا كالمعتاد نحتاج لشماعة. وسؤال آخر: ماذا كنا سنفعل على أكثر الاحتمالات تفاؤلاً، كنا سنجتمع في ميدان التحرير تحت لواء الثورة، ثم ماذا، ثم يحرقوننا كرابعة، لا أبرر لمرسي، ولكني أضع نفسي مكانه، حينما كان في القصر وحيداً. والآن، هو في سجنه وحيداً أيضاً.
وفي المقابل، كانت هناك ردود أخرى، غاب عنها المنطق والموضوعية، انبنت كلها على أن الدكتور مرسي، بهذه الشهادة المدوية، يكون قد وضع نفسه موضع المتهم بالتستر على مجرمين، وقد فات هؤلاء أن ثلاثة أشهر تفصل بين تعيين وزير الدفاع، ثم صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق.
وتلخيصاً للأمر، ومن باب الموضوعية والإنصاف، ليس معقولاً أن يترك الناس كل شيء، ويتمسكوا بأقوال الرئيس دليل إدانة ضده، وكأنه من العادي أن تحاكم الضحية على خطأ ارتكبه، وتغض الطرف عن الجريمة الكبرى للجناة.
نعم، محمد مرسي أخطأ. لكن، ماذا عن المجرمين العتاة الذين شاركوا في مؤامرة ضد المصريين وثورتهم؟
وإذا كان أسوأ ما فعلته شهادة الرئيس، في هذا التوقيت، أنها وفرت للمهرجين وصغار الباعة الجائلين في مولد معارضة الانقلاب مساحات إضافية من محصول الثرثرة، وسيلة للاختباء من امتحان الذكرى الرابعة للثورة التي تحل بعد أيام قلائل، فإنها تحمل جانباً إيجابياً، أيضاً، بأن ذكّرت المتعايشين مع القبح بأنه "قبح" ساهمت في صناعته أطراف داخلية وخارجية.
وأخيراً، ليس هذا بكاء على اللبن المسكوب، بقدر ما هو نوع من مكاشفة الذات وتبيان الفرق بين سلطة شرعية أخطأت وأخرى دموية أجرمت. كما أنه ليس تسليماً بأمر واقع، تأسس على دماء وأشلاء، وإعلاناً لمقتل حلم جميل، فالذين صنعوا المعجزة، أول مرة، قادرون على اجتراحها مرة أخرى، فسلام على القابضين على جمرة الحلم خلف الأسوار، وفي الميادين.
العربي الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق