هكذا انحازت حركة "عدم الانحياز" للقتلة في مصر
أرشيفية
25/04/2017
هل تنحاز حركة عدم الانحياز إلى شعب مقهور بالانقلاب العسكري في مصر،
أم تبقى أسيرة إيديولوجية تجاوزها الزمن تسعى إلى العودة بالعالم إلى أيام
الحرب الباردة؟ أكثر من ذلك، هل لا تزال ضرورة لحركة عدم الانحياز أم أن
كلّ ما هو مطلوب رفع مزيد من الشعارات الرنانة وإصدار بيانات فارغة من أي
مضمون؟
الجواب بكل بساطة أن الزمن تجاوز الحركة التي لم يعد هناك ما يجمع بين
أعضائها، هل هناك ما يجمع حاليا بين مصر التي يسيطر عليها الانقلاب
العسكري، وإيران التي يسيطر عليها أحلام عمائم الشيعة التي تسعى إلى قيامة
الإمبراطورية الفارسية في الخليج، أو بين إيران ولبنان باستثناء الرغبة لدى
طهران في ممارسة الوصاية على الوطن الصغير وتأكيد أن بيروت ميناء إيراني
على البحر المتوسط؟
هل تنحاز حركة عدم الانحياز إلى الشعب السوري بدل انحيازها إلى آلة
القتل الجهنمية التي تستهدفه؟ هل تنحاز الحركة إلى حرية الشعب المصري وثورة
25 يناير ، بدل أن تكون مرّة أخرى غطاء لعمليات القمع التي ينفّذها السفيه
عبد الفتاح السيسي وآخرها ما ظهر في تسريبات قناة مكملين؟
السيسي منحاز للقتل
كان يفترض أن يكون بين الأعضاء المئة والعشرين الذين تضمهم الحركة من
يمتلك ما يكفي من الشجاعة للقول أن لا علاقة لجمهورية العسكر في مصر بحركة
عدم الانحياز، التي تعني أول ما تعني الانحياز للحق وليس إلى سياسة قمع
واعتقال وقتل وتهجير وإفقار ورعب وأحكام قضائية وحشية يمارسها نظام السيسي
بكلّ وقاحة وصلف، هل يكفي أن تكون دولة من الدول معادية للولايات المتحدة،
أو تتظاهر بذلك، كي تصبح غير منحازة وهل السيسي يعادي ترامب توأمه
الكيمائي؟
تأسست حركة عدم الانحياز في العام 1961 في بلغراد، كان وراء قيام
الحركة جنرالات انقلاب من وزن جمال عبد الناصر، قبل الإعلان عن تأسيس
الحركة وانعقاد المؤتمر الأول في بلغراد، عاصمة ما كان يسمّى يوغوسلافيا،
التي قتل زعمائها المسلمين في البوسنة والهرسك.
تداول الجنرالات الفكرة خلال لقاء انعقد في العام 1955 في باندونغ
(اندونيسيا). كانت لكلّ منهم حساباته الخاصة. لكنّ ما كان يجمع بين الخمسة
إيجاد موقع لمجموعة من الدول خارج التجاذبات القائمة بين القوتين العظميين
أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
في السنة 2017، لم يبق شيء من حركة عدم الانحياز كي تعقد مؤتمرا لها،
قبل كلّ شيء انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفياتي مطلع العام 1992
وقبله انهار جدار برلين، أكثر من ذلك، تولّى الاتحاد السوفياتي منذ اليوم
الأول لقيام حركة عدم الانحياز تحويلها إلى تابع له، بل إلى جزء من
المنظومات التي تدور في فلكه، أصبحت كوبا مثلا عضوا في الحركة، علما أنها
كانت تعتمد على الاتحاد السوفياتي اعتمادا كلّيا، كانت جرما يدور في فلكه.
واستضافت كوبا قمة للحركة في العام 1979، من دون ان يوجد بين
المشاركين من يتساءل: هل نحن بالفعل على مسافة واحدة من موسكو وواشنطن، أم
أننا نضحك على أنفسنا؟
ما حصل عمليا في تلك المرحلة، أن الاتحاد السوفياتي نجح إلى حدّ كبير
في خطف حركة عدم الانحياز، خصوصا بعدما صارت البيانات والقرارات الصادرة عن
اجتماعات الحركة مختصة في مهاجمة السياسة الأمريكية، وهذا ما يحاول نظام
الانقلاب في مصر إنكاره، وكأنّ الارتماء في أحضان ترامب وظيفة في حد ذاتها.
لا شكّ أن في السياسة الأمريكية ايجابيات وسلبيات، لكنّ التاريخ يثبت
أن النموذج الأمريكي هزم النموذج السوفياتي وان مستقبل أي دولة في العالم
مرتبط إلى حدّ كبير بأمرين، الأول إيجاد دولة مؤسسات منتخبة وليست
انقلابية، وبرامج تعليمية متطورة والآخر الانفتاح الاقتصادي في ظلّ ضوابط
معيّنة تؤمن حدا ادني من الحياة الكريمة للفقراء.
ولذلك، لم تحقق أي دولة من الدول الخمس المؤسسة لحركة عدم الانحياز أي
تقدم على أي صعيد كان إلا عندما اعتمدت الديمقراطية المبنية على المؤسسات
وعلى التداول السلمي للسلطة وابتعدت عن طريق الانقلابات العسكرية.
يسقط حكم العسكر
انهار حكم العسكر في مصر جزئياً في ثورة 25 يناير عام 2011 لأنّ
المؤسسة الوحيدة التي بناها ناصر كانت الأجهزة الأمنية، وانهارت
يوغوسلافيا، لأنها قامت على شخص واحد اسمه تيتو، واستعادت غانا حيويتها
عندما صارت دولة ديمقراطية، كذلك الأمر بالنسبة إلى اندونيسيا التي عانت من
حكم سوكارنو ثم من خليفته سوهارتو، وحدها الهند كانت استثناء!
لماذا الاستثناء الهندي؟ الجواب أن الهند كانت ديمقراطية، لا وجود
لاحتكار حزب أو عائلة للسلطة وذلك على الرغم من أهمية عائلة نهرو وخلافة
ابنته انديرا غاندي لوالدها، ثم خلافة ابنها لها، ما ضمن تحسّن الاقتصاد
الهندي وتحول الهند إلى دولة مهمة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة هو
المؤسسات الديمقراطية والانفتاح على العالم من جهة واقتصاد السوق والبرامج
التعليمية المتطورة، من جهة أخرى لم تكن الهند في حاجة إلى حركة عدم
الانحياز كي تتقدّم وتصل إلى ما وصلت إليه.
في السنة 2012، كان هناك حكم منتخب في مصر برئاسة الدكتور محمد مرسي،
لا حاجة تذكر إلى حركة عدم الانحياز التي لم تستطع يوما حلّ أي مشكلة من
المشاكل التي واجهتها الدول الأعضاء فيها ومنها مصر، جلست الحركة، على سبيل
المثال وليس الحصر، تتفرّج على الحرب العراقية- الإيرانية طوال ثماني
سنوات.
اتخذت مواقف لفظية من كيان العدو الصهيوني ولكن هل ساهمت يوما في جعل الاحتلال يتراجع او ينحسر عن اي بقعة ارض عربية؟
في وقت يواجه فيه الشعب السوري البطل آلة القتل التي يستخدمها النظام
والتي تدعمها إيران وجمهورية الانقلاب التي أسسها السيسي في 2013 بشكل
مباشر، هل سيتجرأ مؤتمر عدم الانحياز على اتخاذ موقف مع الحق الذي يرمز
اليه نضال شعب يطالب بكرامته وحريته؟ اذا لم يفعل ذلك، الف سلام وسلام على
عدم الانحياز وكلّ من يشارك في مؤتمراتها او يدعّي الانتماء اليها من قريب
او بعيد.