العنوان الصحيح للثورة
بقلم: وائل قنديل
يذهب هيثم محمدين إلى المعتقل، فيصعد حمدين وفرقة الإنقاذ إلى خشبة المسرح، أو الملهى، في استقبال جنرال جديد، يطل برأسه، يتذكّرون المعارضة بعد ثلاث سنوات من المؤانسة والموالسة في غرف السلطة، يمارسون نشاطهم القديم في التسلق والتزلج، والقفز.
عندما كان الصامدون في الزنازين والمنافي يقولون لا للانقلاب العسكري، ولا للعدوان على تجربة ديمقراطية وليدة، تتلمس طريقها، كانت نخب الإقطاع الثوري المزيفة تناضل من أجل الاحتفاظ باستمرار "العلاقة" مع جنرالات الثورة المضادة.
تعبت سيارات الترحيلات من مشاوير نقل البنات والشباب والأطفال إلى الزنازين، فيما كان "ماكييرات وباديكيرات الثورة" يلفون حول أسوار سلطة الرئيس العسكري الضرورة، لإنقاذ العلاقة من الفشل، مردّدين "فلنعط أنفسنا فرصة لاختبار المشاعر"، ويمنون النفس بأن تطل عليهم السلطة من شرفتها، وتلقي نظرة أو ابتسامة عابرة.
كانت نوازع الكراهية والإقصاء والاستحواذ على مزايا المقتلة أكبر من أن يمنحوا أنفسهم فرصة يتيمةً لاستعادة احترام مفقود، وكأنهم أدمنوا دور "الماشطين والماشطات" لسياسات الحكم العكر، وكلما نبتت سنبلة للرفض والمقاومة، التفوا حولها مثل "هالوك الحقول" يمتصونها ويخنقونها، حتى الموت.
مهنتهم صارت الابتذال، وحماية كل رديء بتقمص شخصية الأردأ، يضربون السياسة، على طريقة مافيا ضرب السياحة، يتحرّشون بالسائحات، وينصبون على السائحين، فيختارون وجهات أخرى.
وحدهم كان "الاشتراكيون الثوريون" والصادقون من "شباب 6 أبريل" يعافرون من أجل الفرار من هذا المصير، أو المسار، الذي اختاره المستقيلون من الثورة، للعمل في ملاهي النظام الليلية، بعضم يرقص، وآخرون يطبلون ويزمرون، وصنف ثالث اختار لنفسه وظيفة الخدمة على بوابات الملهى، يحرس أو يراقب أو يبيع تذاكر.
حاول "الاشتراكيون الثوريون" و"6 أبريل"، قدر المستطاع، الدفاع عن محاولات تبوير الثورة، والقضاء على الرقعة الخضراء فيها لحساب مقاولي الأبراج والكانتونات، فاختاروا ألا يسيروا مع الذاهبين إلى "علب السلطة" في جوف الليل، أو في وضح النهار، ولم يستجيبوا لغواية سماسرة الزواج الحرام بين الحكم العسكري والثورة، فلم يخرج من بينهم "أجير" يلعب دور المحلل في انتخاباتٍ فاسدة، ولم نسمع أن أحدهم سلم نفسه للأوغاد على مقعد برلماني.
في يوليو/ تموز الماضي، كان "الاشتراكيون الثوريون" هدفاً لنباح السلطة، ومعارضتها الأليفة معاً، حين أصدروا بياناً شديد الوضوح، والاستقامة الثورية، يقول إن الوقوف في منتصف المسافة بين حكم الانقلاب العسكري والمعارضة الثورية التي تنطلق من معسكر الإسلام السياسي، معلناً قطيعته مع الاثنين معاً، وبالدرجة نفسها، تحت مسمياتٍ ساقطة، هو، في حقيقة الأمر، دعم لنظام الحكم العسكري.
قال البيان، بعبارات مهذبة، إن من يسمون أنفسهم "الطريق الثالث"، ويمارسون إقصاء للإسلام السياسي، هم للعسكرة والثورة المضادة أقرب منهم إلى ثورة يناير، وكان طبيعياً أمام هذا الخطاب الناصع أن تنتاب حالة من الذعر قوى وشخصيات، من نجوم ثورة يناير، القاعدين، أو المعتزلين، بعد انتهاء عقود احترافهم في فريق الثورة المضادة التي ولدت انقلاباً عسكرياً، مكتمل الملامح.
كان لابد أن ترى الاشتراكيين الثوريين، بعد ذلك البيان، في مرمى نيران الاتهام بالتأخون، ليس من معسكر الانقلاب فقط، وإنما، أيضاً، من ما يمكن وصفها بمجموعات "الإقطاع الثوري" التي تتقافز حول المائدة، الآن، من جديد، مستخدمةً قرون استشعار محترفة، تخصّصت في اقتناص العلاقات، فيما يُساق "الاشتراكيون الثوريون" وشباب الثورة إلى المعتقلات، مع بداية العد التنازلي للموعد المضروب لعشاق الثورة الحقيقيين، غدا الإثنين، للخروج الكبير ضد النظام.
تقول مفردات اللحظة الراهنة إن مصر تتهيأ لاستكمال ثورةٍ، وجدت من يذودون عنها بأرواحهم ودمائهم، طوال السنوات الثلاث الماضية، بمواجهة سلطة غاشمة، ومعارضة متسلطة أكثر غشماً، ولم يجدوا من يحترم نضالهم ويدعمه، إلا أمثال هيثم محمدين من شباب يقبع في الزنازين الآن، فيما كان الذين يحاولون اعتلاء الحافلة الآن يقفون على أبواب السلطة.
لكل من صمد طوال السنوات الثلاث الماضية: أنتم العنوان الصحيح للثورة، فاخرجوا ليوم غضب كبير، أنتم أساسه ومبعثه، ولا تتركوا الميادين للعائدين من العلاقة المشينة مع جلاديكم وسجانيكم.
===========
* نقلا عن صحيفة "العربي الجديد"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق