«قعر الزبالة»!!
بقلم: عامر شماخ
فى الدول المحترمة هناك ما يعرف بقيم المواطنة، وهى أنظمة وقوانين قديمة حديثة تقوم عليها حضارة ونهضة المجتمعات واحترام آدمية الإنسان، فهذه القيم لضمان كرامة البشر ومساواتهم ورفاهتهم، وما سمعنا -قديمًا وحديثًا- عن حضارة قد ارتفع ذكرها إلا لصيانتها لقيم المواطنة، وعلى رأسها: الحرية، المساواة، المشاركة وما سمعنا عن حضارة أخرى قد انتكست إلا لاعتدائها أو إهمالها لتلك القيم.
وإذا كانت حضارات قديمة، كالإغريقية والرومانية، قد عمّرت طويلاً بفضل تلك القوانين التى أقرت حقوق المواطن المختلفة، بدءًا من كفالة العيش والحرية، وانتهاءً بالعدالة الاجتماعية وعدم التفرقة للون أو لجنس أو لدين.. فإن الإسلام قد اعترف بتلك القوانين، وزاد عليها قوانين وقيمًا أخرى ضمنت حق الإنسان -أى إنسان- من أن يجوع أو يعرى، أو تنتقص حريته، أو يُنال من كرامته أو يُظلم أو يضطهد أو يُمنع من تنقل وسفر.. إلخ وقد كانت دول وممالك الإسلام والمسلمين أولى من الآخرين بتطبيق هذه النظريات، إلا أن الواقع مرير فى أرض الإسلام، ينبئ بجبروت وطغيان الحكام، وبُعدهم التام عن روح وقيم الدين.
وقد كان لدينا أمل فى تغيير هذا الواقع المر الذى ابتليت به بلادنا منذ عقود حتى سف أهلها التراب على يد العسكر العلمانيين الذين يناهضون تلك القيم، ولا يعترفون بشىء من حقوق الإنسان، لكن سرعان ما أجهض هذا الأمل على أيديهم أيضًا بانقلابهم الذى أعادنا إلى مربع الفقر والعوز، والجهل والجريمة، والتبعية المقيتة والعيش فى كنف الأسياد، متطفلين على ما بقى على موائدهم.
من ثم صدق الرئيس الشرعى (محمد مرسى) الذى قال يومًا إن ما رآه الشعب جزء من كل، وإن فلانًا (قائد الانقلاب) سوف يصل إلى (قعر الزبالة)، وقعر الزبالة فى العرف الشعبى هو القذارة المتبقية أسفل الفضلات لا يستفاد منها، بل على صاحبها التخلص منها؛ لرائحتها العفنة؛ ولأضرارهاالجسيمة.
ولا يوجد على وجه الأرض الآن شعب يقبل بأن يُطعم ما فى ذلك (القعر) إلا شعبًا جاهلاً بدينه، ساكتًا عن حقوقه، رضى بالجور، وضاعت نخوته ولم يبق فيه أثر من كرامة الإنسان وفضائله التى ميزه الله بها على كثير مما خلق تفضيلا.
وإذا نظرت إلى أبناء المحروسة الآن وجدت طائفة منهم يتقوتون على صناديق القمامة، وملايين آخرين يسكنون المقابر ويفترشون الطرق فى المبانى الخربة وأسفل الكبارى، وما ينتج عن ذلك من تدمير للخلق، أما البقية الباقية فيعانون شظف العيش، ويفقدون الأمن، وقد ضاقت أنفسهم بما أصبحوا عليه من خصاصة وعوز، كل أولئك التعساء فى مواجهة قلة قد صار المال دولة بينهم، فهم يفتنون به العباد، ويخربون به البلاد، ويجورون ويظلمون، ولا رادع لهم، وليس هناك يدٌ باظشة فى الحق تأخذ على أيديهم أو تحجزهم عن ظلمهم.
إننا لسنا أقل -فى الحضارة والإمكانات- من دول أوروبا، فإذا كانوا قد ورثوا حضارات قديمة هذبت من سلوكهم وميزتهم عن غيرهم، فإنا قد سبقنا العالم كله فى هذا الشأن، وقد كانت حضارة المصريين هى الأرقى والأفضل، ثم لما كان العالم كله، شرقيه وغربيه، يعيش فى ظلام العصور الوسطى التى طغى عليها الجهل والشعوذة، كانت مصر وأخواتها العربيات والمسلمات تنير هذا العالم بحضارة الإسلام التى صارت كاملة شاملة، قد انتزعت الإنسان من عبادة الحجر والوثن فخرجت به إلى النور، ولقنته القدرة على امتلاك الدنيا والقدرة على الأرض وزخارفها من ناحية، ومن ناحية ثانية الاعتزاز بعبادة الله الواحد الأحد، ما ينفى عن الإنسان عبادته لآخر مثله، أو حتى الخضوع له، فالإنسان - أى إنسان- خلق حرًا يوم ولدته أمه، وهو الذى يسمح لنفسه أن يكون عبدًا لواحد مثله، قد يكون أقل منه جسمًا وعقلاً.
الأحرار لا يأكلون «قعر الزبالة» ولا سطحها، ولا يسمحون لمخلوق أن يفكر -مجرد تفكير- فى أن تكون تلك بضاعتهم، أما من يقبل بذلك فهم غير الأسوياء، من المرضى والساديين، الذين يأكلون طين الأرض علاجًا لأزماتهم؛ لأن مؤشرات الضمير ماتت فى نفوسهم؛ ولأن الإنسان السوى -كما خلقه الله- لم يعد له وجود داخلهم.
والشعوب الحرة الأبية، هى من لا تسمح بأن تصل بها الأمور إلى هذا المستوى من السقوط، فهى تأخذ بالمبادرة، وتقف بالمرصاد لكل من يتسلط عليها بالباطل، خصوصًا إذا كان يخون، ويغش، ويكذب، ويقول ما لا يفعل، فإن لم يسارعوا بالأخذ على يديه عمهم الله بعذاب من عنده.. نسأل الله السلامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق