الخميس، 9 يوليو 2015

فهمي هويدي يكتب: الجنيه في غرفة الإنعاش

حين يستيقظ المصريون ذات صباح فيفاجأون بأن قرارا صدر بتخفيض سعر الجنيه المصري،
وقبل ان تتوازن السوق للتكيف مع الوضع المستجد يعاجلهم البنك المركزي بتخفيض آخر في سعر الجنيه، ولما تمضى أيام ثلاثة على التخفيض الأول.
 ماذا تكون الرسالة الموجهة إلى الرأي العالم في هذه الحالة؟

أتحدث عن التخفيض الذي حدث صبيحة يوم الخميس ٢ يوليو الحالي، وذلك الذي تم يوم الأحد ٥ يوليو، وبمقتضاهما تم تخفيض الجنيه المصري عشرة قروش في كل مرة،
 الأمر الذي أضاف إلى سعر الدولار عشرين قرشا ووصل في البنوك إلى ٧.٨٣ جنيه.

وهو ما أشاع حالة من الترقب والقلق، عبَر عن جانب منه العنوان الرئيسي لصحيفة «الشروق» أمس (٨/٧) الذي نسب إلى مسؤول مصرفي قوله ان:
 سعر الدولار الرسمى يصل إلى ٨ جنيهات قريبا جدا،

 وحين يكون ذلك التوقع خاصا بالسعر الرسمي، فإن الباب يظل مفتوحا لمزيد من الزيادات في السوق الموازية، الأمر الذي يقربنا من الإجابة عن السؤال المتعلق بالتداعيات المترتبة على ذلك، التي يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

< إطلاق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار التي سيكتوي بنارها متوسطو الحال والفقراء (علما بأن الأولين جرى افقارهم).
 وليس صحيحا أن هذه الفئات لن تضار من ارتفاع الأسعار، لأن الأغنياء والقادرين وحدهم الذين لن يتأثروا بالزيادة.
وليس صحيحا أيضا ان الارتفاع سيلحق فقط بالسلع الغذائية التي يتم استيرادها والتي تمثل٦٠٪ من مستلزمات الغذاء، لأنه سيضرب كل شيء من أسعار النقل والمواصلات إلى السلع التي تنتج محليا مرورا بأجر«المكوجي» والسباك والحلاق.

< إن القرار الاقتصادي يعاني من الارتباك وعدم الشفافية.
إذ ليس مفهوما ان يخفض الجنيه في يوم ثم يخفض مرة ثانية بعد ثلاثة أيام، دون أن يفهم الرأي العام لماذا حدث ذلك، على الأقل لكي يبتلع التخفيض ويقتنع بضرورته وجدواه.

< إن كل من يتعامل مع الدولار يجب ان يؤجل قراره حتى تتضح الصورة وتستقر السوق. وسواء كان بائعا أو مشتريا أو مستوردا ومقترضا أو حتى مستثمرا، فعليه أن يجمد نشاطه، الأمر الذي يعني إصابة السوق بالشلل لبعض الوقت.
يشهد بذلك هبوط الأسعار في البورصة، لأن كثيرين سارعوا إلى بيع أسهمهم بسبب عدم الثقة في الخطوات القادمة.

< يفترض أن يؤدي تخفيض سعر الجنيه إلى زيادة الصادرات إلى الخارج، لأن ما حدث يشكل عنصرا جاذبا وظرفا أفضل للمستورد الأجنبي.
لكن ذلك يفترض حدوث زيادة في الإنتاج المحلي تلبي احتياجات المستوردين، وهو ما يحول دون تحقيقه تعثر القدرات الإنتاجية في القطاع الصناعي، الذي يحاول بالكاد تشغيل الألف مصنع المتوقفة عن العمل.

المشكلة الكبرى التي تواجهها مصر الآن تتمثل في شح موارد النقد الأجنبي مع استمرار الطلب عليه، سواء لتوفير احتياجات الاستهلاك المحلي والمستوردين أو لتلبية متطلبات المنتجين.

والنقص في موارد النقد الأجنبي راجع لعوامل عدة أهمها التوقف النسبي للسياحة والتراجع الكبير في تصدير المنتجات المصرية.
بحيث لم يتبق من الموارد المهمة سوى إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج (يفترض ان المساعدات الخليجية مؤقتة أيا كان حجمها).

الاقتصاديون الذين تحدثت إليهم لم يختلفوا على انه في مواجهة هذا الموقف يتعين الأخذ بعدة حلول على رأسها التركيز على زيادة الإنتاج بكل السبل،
 وهو ما قد يتقضى إعادة النظر في الأولويات بحيث يصبح ذلك الهدف هو الهم الأول. الذي تتراجع أمامه مشروعات أخرى في المقدمة منها المشروعات العملاقة التي باتت تحتل عناوين الصحف وتستأثر بالاهتمام خصوصا ان جدواها مثير للغط ومشكوك فيه.

 وإلى جانب زيادة الإنتاج فإن الحد من السلع الكمالية والترفيه يصبح ضرورة أخرى، ثم ان هناك عنصر جذب الاستثمارات الخارجية الذي يتعذر تحقيقه إزاء المبالغات التي يحفل بها الفضاء المصري في تناوله لمسألة الإرهاب.

ذلك ان من يتابع وسائل الإعلام عندنا يتصور ان الإرهاب يضرب كل شارع وان أحدا لم يعد آمنا من شروره. وهي أجواء طاردة للاستثمار فضلا عن انها تقتل السياحة وتغلق باب التعويل عليها.

من الآراء التي سمعتها من خبراء الاقتصاد ان إدارة الملف الاقتصادي تفتقد إلى الإبداع في عملية جذب المستثمرين. وهم يعتبرون ان الأجواء إذا كانت طاردة للسائح الأجنبي، إلا أوضاع الدول العربية المحيطة احتفظت لمصر بدورها كملاذ للوافد العربي.
وفي هذه الحالة فإن العقار في مصر يصبح موردا ينبغى العناية به وتحويله إلى سلعة مهمة ضمن موارد النقد الأجنبى.
وتنشيط هذا القطاع يتطلب اتخاذ بعض الخطوات البسيطة والذكية التي تشجع المواطن العربى في الاستثمار العقارى في مصر. بدءا من إغراءات الإقامة إلى تيسير إجراءات التسجيل والتحويل وغير ذلك.

ما لاحظته فيما سمعت ان خبراء الاقتصاد معزولون عن قنوات القرار والتفكير الاقتصادي، ومنهم من ينتقد غياب الشفافية في هذا القطاع.

وكان تعليقي ان المشكلة أكبر من الاقتصاد وان ثمة ثغرة في إدارة السياسة عموما إذا عولجت فإن ذلك سيكون له صداه في القطاع الاقتصادي.

ولم يكن الهدف من ذلك هو طمأنتهم بقدر ما كان محاولة لإقناعهم بأنهم سوف ينتظرون طويلا لتحقيق مرادهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق