أحمد القاعود : ديمقراطيات الموز
وتقول كل النتائج أيضا وردود الأفعال عليها إن التيارات غير الإسلامية، التي تنسب نفسها زورا إلى الليبرالية أو العلمانية، سواء يمنية أو يسارية، لا تؤمن لا بالحرية ولا بالديمقراطية، وإنما تستخدمها شعارات جوفاء سرعان ما تتبخر بعد الفشل في الاستحقاقات الانتخابية، أو بعد الوصول إلى الحكم على ظهور دبابات نخب عسكرية عميلة بالضرورة للخارج.
في تركيا تراجع حزب العدالة والتنمية نسبة قليلة، ليفقد أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، ودخل إلى الساحة السياسية على حسابه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ليعلن أن الأكراد قد طووا صفحة التمرد المسلح على الدولة ليبدأوا مرحلة الاندماج في العملية السياسية.
هذا التحول ونجاح الأكراد في دخول البرلمان بقوة برلمانية ليست بالقليلة، ستعود بالضرورة بالنفع على الشعب التركي كله، وتحل السلام بالمجتمع، وتصرف جهود النزاع والحروب وما تبعها من خراب ودمار وتأثير على الاقتصاد، وهو ما يحسب للحزب الحاكم "الإسلامي" الذي اعتبر نفسه مسؤولا عن الشعب، ومن هذا المنطلق عمل على إنهاء الحرب وإشراك الجميع في العملية السياسية.
ورغم كون المعارضة العلمانية التركية لا تقل تطرفا أو كراهية لكل ما هو إسلامي، تماما كنظيرتها في الدول العربية، بما جعلها تفضل تدمير الدولة كاملة نكاية في تصريح قد يطلقه فرد عادي متدين على سبيل المثال، بالإضافة لتصديرها التفاهات على جواهر المشكلات الوطنية، فإن هذه المعارضة تجد نفسها مضطرة للقبول بصناديق الانتخابات، حتى ولو بصورة مصطنعة أمام العالم.
وفى مصر مثلا كانت المعارضة العلمانية رأس الحربة لتصدر مشهد إسقاط الدولة واختطاف الثورة، بعد الفشل الذريع في أن يكون لها صوت واضح شعبيا، رغم دخول عدد كبير من هذه التيارات مجلس الشعب الذى انتخب إبان حكم المجلس العسكري وساهموا في إسقاطه فيما بعد.
وتعج الذاكرة الشخصية والوطنية بعدد لا حصر له من نماذج فجة وقبيحة لطبيعة تلك النخب والتيارات، وكيف ساهمت بصورة علنية وصريحة في سرقة الثورة ووأد أحلام الشعب المصري المتطلع للكرامة والحرية، وكف ممارسات هذه التيارات الإرهاب الحقيقي وحرق المقرات وقتل المواطنين والاعتداء عليهم، وحرق الشباب الملتحي، كما حدث في بورسعيد عندما أحرقوا شابا في محل يمتلكه لأنه ذو لحية، والاعتداء على المنتقبات والملتحين في وضح النهار.
لم تكتف هذه القوى بالتزييف الفج والفاضح لوعي المصريين، وإنما تجرأوا للتدليس على المجتمع الدولي، فأحد شركاء الانقلاب والحاضر في مشهد العار في 3 يوليو، وهو محمد البرادعي، الذي طالما اعتبره قطاع من الشباب أنه الأمل في التغيير، كان أحد أذرع السلطة العسكرية للتسويق للانقلاب على العملية الديمقراطية في الخارج، بزعم أن الحكم في مصر خطر على العالم اذا ما استمر.
في تونس كان المشهد مشابها إلى حد ما، وإن اختلف في التزام المؤسسة العسكرية الابتعاد عن التورط الفاضح في العملية العسكرية، ورغم تدخل قوى خارجية وإنفاقها مبالغ طائلة لإفشال أولى ثورات الربيع العربي، وتدخلها سياسيا وإعلاميا بأموال فاسدة، فإن التيار الإسلامي الذى تراجع من الصدارة ليحل في المركز الثاني رغم كونه الكتلة التصويتية الأكبر والخالصة دون تحالفات مختلفة الرؤى والتوجهات، لم يسرق الحكم أو سلم الوصول إليه كما أشيع وتردد دائما من قبل النخب العلمانية وجماعات المصالح والفساد.
الطريق للديمقراطية في المنطقة العربية طويل ومرهون بمدى قدرة العامل الخارجي على التأثير على تلك النخب والجماعات غير الإسلامية، ومدى تمكن الشعوب من الحفاظ على عمليات سليمة ونزيهة محمية من تدخلات الخارج أو من عصابات الداخل، لذلك فان القلق دائما على أي ديمقراطية عربية ناشئة هو ليس من الإسلاميين، وإنما من التيارات الأخرى التي ترفض الإيمان بالديمقراطية ولا تحترم إرادة الناس، واذا ما وصلت للسلطة، فإنها تقوم بحرق معارضيها بالآلاف في وضح النهار، كما فعلت بمصر وأرادت أن تفعل في تركيا عام 2013، لكنها اصطدمت بحاكم قوى وأد تمردها وإرهابها في مهده، وكما أريد أن يحدث في تونس، لكن الأقدار معنت هذا، أو على الأقل فهو مؤجل فيها حتى إشعار أخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق