الأربعاء، 25 مارس 2015

حرب العطش ضد مصر.. القادم أخطر! بقلم: شعبان عبد الرحمن



 حرب العطش ضد مصر.. القادم أخطر!

بقلم: شعبان عبد الرحمن

أصبح يوم الثالث والعشرين من مارس 2015، من أقسي الأيام التي ستحفر في تاريخ الشعب المصري، ففي ذلك اليوم تم توجيه ضربة قاصمة لحقوق مصر التاريخية في مياه النيل وتلك هي الضربة الأولي ضمن سلسلة من الضربات التي ستتوالي في السنوات المقبلة لتعطيش الشعب المصري، ووقف عمليات التنمية في هذا البلد بغية إسقاطه وتمزيقه – لا قدر الله - ولم تكن هناك فرصة مواتية لتوجيه تلك الضربة أفضل من هذه الأيام الغبراء التي اختطف فيها العسكر ذلك البلد ويفعلون بها وبثرواتها الأفاعيل على قاعدة منظومة بائسة من الفشل تلو الفشل!
 
ولم يعد خافيا أن توقيع السيسي على اتفاقية سد النهضة في الخرطوم قدمت اعترافا رسميا بهذا السد وأسقطت حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، وذلك الحدث ليس وليد أيام، وإنما وليد تخطيط وتدبير تقوم به دول حوض النيل منذ سنوات طويلة بدعم من الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني لحصار مصر مائيا في إطار حرب صهيونية شاملة لشفط مياه دول الجوار العربي.

وقد أدرك السادات أن الصهاينة لن يكفوا عن العبث بأمن مصر وخاصة أمنها المائي، ومع ذلك أقدم على اتفاقية سلام مشئومة معهم ولم يملك يومها سوي القول قبل توقيعه لاتفاقية "كامب ديفيد" مع بيجين: "إن المسألة الوحيدة التي قد تزج بمصر إلى الحرب مرة أخري هي المياه".

وقد التقط الصهاينة بدعم من الأمريكان رغبة دول حوض النيل في استثمار مياهه لصالحههم، ودفع الصهاينة والأمريكان وساعدوا بل وحرضوا تلك الدول على السعي لمشاغبة مصر والعمل علي تقليص حصتها من مياه النهر، في وقت تتزايد فيه حاجتها لمزيد من مياهه تبلغ وفق أقل التقديرات ستة عشر مليار متر مكعب سنويا زيادة على حصتها المقررة.

ومنذ سنوات طويلة يسعى بعض حكومات دول حوض النيل بدعم من واشنطن والكيان الصهيوني إلى إلغاء اتفاقيتي عام 1929 و1959، التي تقضي بحق مصر في 55 مليار ونصف المليار متر مكعب من مياه النيل سنويا، وحق الاعتراض «الفيتو» على إقدام أى من الدول التسع على أية مشاريع مائية يمكن أن تؤثر على حصة مصر.. ورغم تعثر تلك المساعي إلا أن دول حوض النيل لم تكف عن مساعيها وقد قوي من عزيمتها التحريض الغربي والصهيوني الذي تزامن مع إغراءات ووعود بالمساعدات.

وفي الثاني من يناير عام 2004، كشف تقرير ياباني من العاصمة الأوغندية كمبالا أن دول شرق إفريقيا التي تضم داخل حدودها بحيرة فيكتوريا «أكبر بحيرة للمياه العذبة في إفريقيا والمنبع الرئيس لنهر النيل»، تخطط لفرض المزيد من سيطرتها على منابع النيل والحصول على حق بيع المياه إلى مصر، وأن طلباً بذلك تم تقديمه في شكل اقتراح إلى برلمان دول شرق إفريقيا الذي يتكون من أوغندا وتنزانيا وكينيا في يونيو من عام 2003.
وبالتزامن مع السعي لبيع مياه النيل لمصر سعى برلمان دول شرق إفريقيا من جديد لإعادة النظر في اتفاقية عام 1929.

هذا التقرير مر-في حينه- دون أن يتوقف عنده الإعلام المصري وربما لم يتم الالتفات إليه رغم أنه لا يقل في ثقله عن التهديد بموقعة حربية، في إطار الصراع من أجل الحياة التي تمثل قطرة المياه حجر الزاوية فيها.

الخطورة لا تكمن في تحميل الخزينة المصرية بأعباء شراء المياه من أوغندا فقط، وإنما الخطر الأكبر يكمن في أنه في حال نجاح أوغندا في ذلك -بدعم دولي استعماري بالطبع- فإنه لن يكون من حقها فقط بيع قطرات مياه النيل لمصر فقط، وإنما الامتناع عن ذلك أي التحكم بصنبور «الحياة».

وفي 14 مايو 2010 تم التوقيع في عنتيبي بأوغندا على اتفاقية بين أربعة دول من حوض نهر النيل التي يمر النهر بأراضيها (إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا)، في غياب دولتي المصب مصر والسودان، وتقضي تلك الاتفاقية بضمان تقاسم أفضل لمياه النهر، وأعلنت وزيرة المياه الأوغندية –في ذلك الوقت- أن الاتفاقية الجديدة ستضمن «تقاسما أكثر عدالة» لمياه أكبر نهر في أفريقيا، بحسب ما تري هذه الدول، وظل النظام المصري بقيادة مبارك يقابل تلك التحركات الجادة بفتور ولا مبالاة.!

وغني عن البيان هنا ففي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وفي بدايات عهد مبارك الذي حاول تقديم نفسه بصورة أجمل من سابقه اندلعت أزمة مشابهة أكثر عنفاً، فجرتها إثيوبيا في وجه مصر، وحملت نفس المطالب، وثبت أن وراء تفجيرها الأصابع الصهيونية والأمريكية، الضاغطة على مصر لتوصيل مياه النيل للكيان الصهيوني، وقد نجحت مصر في وقف تلك الأزمة.. لكن نظام مبارك انهمك بعد ذلك في فساده وديكتاتوريته وبالتالي تبعيته منشغلا عن سعي دول حوض النيل الدؤوبة لتحقيق ما تريد بدعم "صهيو- غربي".

وفي الأزمة الأخيرة وقفت مصر عارية من أي دعم عربي إقليمي أو دولي.. فقد فشل نظام العسكر (مبارك ومن بعده السيسي) في صياغة استراتيجية مصرية سودانية موحدة للتعامل مع الملف في المفاوضات مع بقية دول الحوض، والإسراع في بدء مشاريع تنمية مياه النيل بين الدولتين وبخاصة مشروع قناة جونجلي.

وقد تسببت المواقف المعادية من نظام مبارك ثم السيسي للسودان في تخلي السودان بأسلوب غير مباشر عن التعاون مع مصر في هذه الملف، والانطلاق وحدها للتركيز على مصالحها في مياه النهر.

مرة أخري بتوقيع السيسي على اتفاقية سد النهضة، تكون مصر قد تلقت الضربة الأولى في جولة مريرة من جولات حرب المياه، التي تدور رحاها قبل عقود في صمت على شواطئ بحيرة فيكتوريا.. والقادم أخطر.

وبعد..
فحرب العطش ضد مصر تجري في إطار حرب المياه الدائرة من الكيان الصهيوني على المياه العربية ولذلك حديث طويل.
---------------------
المصدر- كتاب: حرب العطش ضد مصر – للكاتب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق