الاثنين، 30 مارس 2015

مذبحة جديدة للقضاة بقلم: فهمي هويدي



مذبحة جديدة للقضاة
 
بقلم: فهمي هويدي
 
مذبحة القضاة عادت تطل علينا في عناوين الصحف المصرية بوجه مختلف. فالمصطلح موصول بخبرة اشتباك القضاة مع السلطة، لكنه هذه المرة يلاحق معركة القضاة مع القضاة. فخلال الأيام الأخيرة قرأنا عن إحالة المستشار زكريا عبد العزيز رئيس استئناف القاهرة ورئيس نادي القضاة السابق إلي الصلاحية لتأديبه وعزله. وأمس نشر أن النائب العام تلقي توصية بتحريك الدعوى الجنائية ضده باعتباره أحد المتهمين في اقتحام مقر جهاز أمن الدولة أثناء ثورة يناير عام ٢٠١١. وهذه الخطوة من توابع المذبحة التي وقعت قبل أيام قليلة (في ١٤ مارس)، حين قررت لجنة الصلاحية والتأديب بوزارة العدل عزل أربعين من أفضل وأنزه قضاة مصر من وظائفهم، بعد أن نسب إليهم الاشتغال بالسياسة وتأييد الإخوان، وعقب محاكمة صورية من أغرب ما شهدته ساحات القضاء، حتى عدت سابقة لا مثيل لها في تاريخ القضاء المصري.
لا مبرر للاستباق فيما خص مصير قضية المستشار زكريا عبد العزيز، لكن الصورة ستكون أوضح إذا ما تعرفنا على موقف القضاة الذين تم عزلهم (عدد ٤١ وهناك ٢٥ آخرون تمت تبرئتهم). ذلك أن الملاحظة الأساسية على أولئك القضاة أنهم جميعا كانوا ممن وقعوا على بيان تأييد الثورة الذي صدر في ٣١ يناير عام ٢٠١١. وبعض هؤلاء ممن شاركوا في أحداث ٢٠٠٥ التي قادها القضاة تضامنا مع زملائهم الذين فصلوا جراء اعتراضهم علي تزوير الانتخابات فيما وصف آنذاك بأنه «مذبحة» ومنهم من أعلن اعتصامه لأجل ذلك. أما البعض الآخر فهم ممن تحملوا مسئوليات بحكم اختصاصهم أثناء حكم الدكتور محمد مرسي.
مما له دلالته في هذا الصدد أن حكم العزل انتقى كل قاضٍ كان له دور في التضامن مع المفصولين جراء احتجاجهم علي تزوير الانتخابات، الأمر الذي تفوح منه رائحة الإصرار علي معاقبة الذين قاوموا التزوير قبل الثورة. من هؤلاء ستة من أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة آنذاك هم: وكيل النادي المستشار محمد ناجي دربالة والمتحدث الإعلامي المستشار أحمد محمد صابر، والمستشارون: أسامة ربيع وأمير السيد عوض وضياء حسنين وحمدي وفيق زين العابدين. كما انتقي الحكم ثمانية قضاة ممن شاركوا في اعتصام عام ٢٠٠٥، هم المستشارون: مصطفي أنور أبو زيد ــ إسلام محمد سامي علم الدين ــ محمد عزمي الطنبولي ــ هاني صلاح عبد الواحد ــ محمد أنور متولي ــ عمرو شهير ربيع ــ محمد وفيق زين العابدين ــ محمد أحمد سليمان.
حرص الحكم أيضا على عزل كل من تولى مسئولية أثناء حكم الدكتور مرسى. وهم المستشارون الستة التالية أسماؤهم: محمد ناجي دربالة عضو الجمعية التأسيسية لوضع دستور ٢٠١٢ ــ محمود محيي الدين مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي ــ مصطفى أنور أبو زيد نائب وزير العدل للكسب غير المشروع ــ أحمد سليمان وزير العدل السابق ــ حسن ياسين حسن سليمان النائب العام السابق ــ محمد عزمي الطنبولي أمين عام لجنة الاستفتاء على دستور ٢٠١٢.
الحلقات التي سبقت صدور قرارات العزل لا توحي بالاطمئنان، وتثير عديدا من التساؤلات حول الدوافع التي حركت المحقق ووزير العدل ومجلس التأديب بل ورئاسة نادي القضاة. ذلك أن الشكوى الأصلية ضد أولئك القضاة قدمها النادي، وبعد ساعتين من تقديمها فصل كل القضاة الذين وجه إليهم الاتهام من عضوية النادي. وبعد ٤٨ ساعة تم انتداب قاضي التحقيق معهم.
أما محاكمة ٦٥ قاضيا فقد تمت في خمس جلسات بواقع ٥ ساعات، وخلال المحاكمة رفض القاضي إثبات الطلبات، كما رفض استدعاء ضابط الأمن الوطني الذي يفترض أنه أعد التقرير الذي تم الاستناد إليه في اتهامهم، بدعوي أنه مسافر للخارج، ورغم أن القضاة لم يقدم أي منهم دفاعا أو مذكرة، فإن الحكم صدر استنادا إلي التحريات المطعون عليها بالتزوير. وتم ذلك في غيبة الخصوم وفي جلسة سرية لم يحدد موعد انعقادها.
إلى غير ذلك من الشواهد والقرائن المقلقة التي تبطل الحكم. وهي الملابسات التي دعت المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق إلي القول بأن القضاء أصبح يهدد منظومة العدل في مصر. وهو ذات المعنى الذي عبر عنه المستشار أحمد سليمان الذي كان قد شغل بدوره منصب وزير العدل حين قال إن القضاء بهذه الصورة أصبح غير جدير بالثقة. وهو أمر له أثره السلبي الخطير على المستقبل.
لم يقف الأمر ضد حد العزل، ولكنه تجاوزه إلى التنكيل بنحو ١٨ قاضيا منهم لم يبلغوا مرحلة استحقاق المعاش، فحرموا استحقاقاتهم المالية، كما حرموا من الرعاية الصحية، فضلا عن أنهم منعوا من السفر إلى الخارج. في حين أن هناك شكوكا في قبول تسجيلهم بنقابة المحامين، حين قيل بأن ثمة توجيهات تمنع ذلك.
إن هناك سيل من الأسئلة يطرحها المشهد. بعضها يتعلق بالدوافع التي تتراوح بين الكيد والانتقام وبين حسابات المصالح في انتخابات نادي القضاة. ثمة أسئلة أخرى تتعلق بمصير هؤلاء الذين سدت الأبواب في وجوههم وجري التنكيل بهم إلي حد محاربتهم في أرزاقهم. ثم هناك أسئلة تخص دور السياسة في كل ما جري والموقف من ثورة يناير ٢٠١١، ومصير منظومة العدل في ظل هذه الظروف. لست أملك إجابة عن تلك الأسئلة، لأن غيري هو المكلف بالإجابة، إلا أن ما أعرفه أن أمرا بهذه الخطورة لا ينبغي أن يعالج بالصمت، ولا ينبغي أن يترك لكي تحسمه حسابات الكيد والانتقام والإرهاب المستتر.
* نقلاً عن "الشروق"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق