وائل قنديل
انسف نخبتك القديمة
1 ديسمبر 2014
هناك وجهة نظر، بدأت خافتة على استحياء، والآن، صارت تُسمع بوضوح، تقول إنه لا سبيل لاستعادة قيم ومبادئ وأحلام ثورة يناير، إلا بتجاوز لحظة يناير والخروج من أسرها، والتفكير في صيغ جديدة، لخلق حالة من الإجماع الوطني مرة أخرى، على نحو مغاير.
يرى أصحاب هذا الرأي أن أربع سنوات مرت، شهدت تحوّلات وتبدّلات درامية مثيرة، تجعل من الوقوف عند حالة يناير نوعاً من المشي في المكان، دونما أي تقدم إلى الأمام. وربما تكون لهذا الرأي وجاهته، على اعتبار أن النيران التي اشتعلت في سقيفة بني يناير أتت على كل احتمالات التوحّد والاصطفاف من جديد، وأجْهزت على تلك الروح التي سادت، وأثمرت وأينعت في سياق تاريخي مختلف.
ودونما إفراط في التشاؤم، وتفريط فيما بقي من عناصر تفاؤل، يمكن القول من دون انفصال عن الواقع، إن نخبة يناير قد احترقت، أو استهلكت، أو انتحرت، حين قبلت أن تُساق إلى المشاركة في الثورة المضادة في الثلاثين من يونيو 2013، وتسوق معها قطاعاً من جمهور ربيع مصر في 2011.
وعلى ذلك، فإن الوقت قد جاء لتشرق نخبة جديدة من جيل يناير الشابّ، صعوداً إلى كابينة القيادة، في ظل هذه الانسحابات والترهّلات والتشوّهات التي لحقت بجيل آباء يناير، فأفقدتهم المصداقية والقدرة على الحشد.
لكن، هذا لا يعني أبداً النظر إلى حدث يناير، على اعتبار أنه موجة عبرت، ذلك أن هذه الثورة انحفرت كالوشم في الذاكرة الوطنية، وانتصبت علامة فارقة في التقويم المعتمد لنضال الشعب المصري، ومن ثم يصبح القفز فوقها نوعاً من المخاطرة بالتاريخ، والمستقبل أيضا، كونها تمثل المحتوى الأخلاقي والإطار السياسي لحركة الجماهير، الثائرة الآن، طلبا للديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومن هنا، تأتي لحظة افتضاح هيمنة دولة مبارك العميقة على البلاد، مرة أخرى، بعد حكم قضاء مبارك بتبرئة مبارك وإدانة الثوار، كفرصة نادرة للفرز والتنقيح، وتكوين نخبة جديدة شابة، تقود بوعي مغاير لقيم الأسلاف الذين لم يحافظوا على قدس أقداس هذه الثورة.
وما يدور على الأرض، منذ صعود الثورة المضادة، يؤشر، بوضوح، إلى أن جيلاً جديداً بات جديراً بحمل الشعلة وقيادة النضال من أجل استعادة الأحلام المسلوبة. وما قدمه طلاب الجامعات، عقب الإعلان قضائيا عن هزيمة الثورة، بمثابة درس في الاصطفاف والتجاور والتشارك في المقاومة، على نحو متجاوز لمنطلقات النخب القديمة، بكهولها وشبابها الذي اشتعل شيبا مبكرا جدا بفعل أضواء حارقة.
وجميل أن يطل وجه مبارك من جديد، ساخراً وشامتاً، وهو في منتهى عنفوانه وأناقته، فربما أحيت هذه المشاهد الضمائر التي دخلت في إغفاءة طويلة، نسيت معها وجوه وأسماء الشهداء، فلقد كنا في حاجةٍ، لكى نتذكر الحكاية من أولها، ونعيد الفرز بين أهل الثورة الأصليين وخصومها الذين اختبأوا في هيئة الثوار، ومنهم من انتقل، بمنتهى الخفة، من ظهور بعير موقعة الجمل، إلى منصات المؤتمرات الثورية الحديثة.
وكما قلت سابقاً، هي مناسبة جاءت في وقتها، لتذكّر الثورة الحقيقية، وسط حرائق الثورة المضادة، وأعمدة دخان الثورة الصناعية المزيفة التي افتعلها سواقط القيد في الثورة الأولى، لكى يدفنوا نفاياتهم، ويغسلوا ماضيهم القريب مما علق به من رذاذ الخدمة في بلاط النظام الساقط.
هي فرصة لكي يراجع المصريون وقائع ثورتهم، ويعلموا من هو الشريك والصديق، ومن هو الخصم والعدو، ويميزوا بين سكان الثورة الأصليين والهابطين عليها بمظلات صُنعت في ورش الثورة المضادة من الباعة السرّيحة في مولد التوريث والتمديد.
ملحوظة: لا مانع عندي من أن تضعني على لائحة النسف، لو كنت تعتبرني من تلك النخبة.
1 ديسمبر 2014
هناك وجهة نظر، بدأت خافتة على استحياء، والآن، صارت تُسمع بوضوح، تقول إنه لا سبيل لاستعادة قيم ومبادئ وأحلام ثورة يناير، إلا بتجاوز لحظة يناير والخروج من أسرها، والتفكير في صيغ جديدة، لخلق حالة من الإجماع الوطني مرة أخرى، على نحو مغاير.
يرى أصحاب هذا الرأي أن أربع سنوات مرت، شهدت تحوّلات وتبدّلات درامية مثيرة، تجعل من الوقوف عند حالة يناير نوعاً من المشي في المكان، دونما أي تقدم إلى الأمام. وربما تكون لهذا الرأي وجاهته، على اعتبار أن النيران التي اشتعلت في سقيفة بني يناير أتت على كل احتمالات التوحّد والاصطفاف من جديد، وأجْهزت على تلك الروح التي سادت، وأثمرت وأينعت في سياق تاريخي مختلف.
ودونما إفراط في التشاؤم، وتفريط فيما بقي من عناصر تفاؤل، يمكن القول من دون انفصال عن الواقع، إن نخبة يناير قد احترقت، أو استهلكت، أو انتحرت، حين قبلت أن تُساق إلى المشاركة في الثورة المضادة في الثلاثين من يونيو 2013، وتسوق معها قطاعاً من جمهور ربيع مصر في 2011.
وعلى ذلك، فإن الوقت قد جاء لتشرق نخبة جديدة من جيل يناير الشابّ، صعوداً إلى كابينة القيادة، في ظل هذه الانسحابات والترهّلات والتشوّهات التي لحقت بجيل آباء يناير، فأفقدتهم المصداقية والقدرة على الحشد.
لكن، هذا لا يعني أبداً النظر إلى حدث يناير، على اعتبار أنه موجة عبرت، ذلك أن هذه الثورة انحفرت كالوشم في الذاكرة الوطنية، وانتصبت علامة فارقة في التقويم المعتمد لنضال الشعب المصري، ومن ثم يصبح القفز فوقها نوعاً من المخاطرة بالتاريخ، والمستقبل أيضا، كونها تمثل المحتوى الأخلاقي والإطار السياسي لحركة الجماهير، الثائرة الآن، طلبا للديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومن هنا، تأتي لحظة افتضاح هيمنة دولة مبارك العميقة على البلاد، مرة أخرى، بعد حكم قضاء مبارك بتبرئة مبارك وإدانة الثوار، كفرصة نادرة للفرز والتنقيح، وتكوين نخبة جديدة شابة، تقود بوعي مغاير لقيم الأسلاف الذين لم يحافظوا على قدس أقداس هذه الثورة.
وما يدور على الأرض، منذ صعود الثورة المضادة، يؤشر، بوضوح، إلى أن جيلاً جديداً بات جديراً بحمل الشعلة وقيادة النضال من أجل استعادة الأحلام المسلوبة. وما قدمه طلاب الجامعات، عقب الإعلان قضائيا عن هزيمة الثورة، بمثابة درس في الاصطفاف والتجاور والتشارك في المقاومة، على نحو متجاوز لمنطلقات النخب القديمة، بكهولها وشبابها الذي اشتعل شيبا مبكرا جدا بفعل أضواء حارقة.
وجميل أن يطل وجه مبارك من جديد، ساخراً وشامتاً، وهو في منتهى عنفوانه وأناقته، فربما أحيت هذه المشاهد الضمائر التي دخلت في إغفاءة طويلة، نسيت معها وجوه وأسماء الشهداء، فلقد كنا في حاجةٍ، لكى نتذكر الحكاية من أولها، ونعيد الفرز بين أهل الثورة الأصليين وخصومها الذين اختبأوا في هيئة الثوار، ومنهم من انتقل، بمنتهى الخفة، من ظهور بعير موقعة الجمل، إلى منصات المؤتمرات الثورية الحديثة.
وكما قلت سابقاً، هي مناسبة جاءت في وقتها، لتذكّر الثورة الحقيقية، وسط حرائق الثورة المضادة، وأعمدة دخان الثورة الصناعية المزيفة التي افتعلها سواقط القيد في الثورة الأولى، لكى يدفنوا نفاياتهم، ويغسلوا ماضيهم القريب مما علق به من رذاذ الخدمة في بلاط النظام الساقط.
هي فرصة لكي يراجع المصريون وقائع ثورتهم، ويعلموا من هو الشريك والصديق، ومن هو الخصم والعدو، ويميزوا بين سكان الثورة الأصليين والهابطين عليها بمظلات صُنعت في ورش الثورة المضادة من الباعة السرّيحة في مولد التوريث والتمديد.
ملحوظة: لا مانع عندي من أن تضعني على لائحة النسف، لو كنت تعتبرني من تلك النخبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق