حلم الشباب في زمن الاستبداد
عبدالعزيز مجاور
تتغير أحلام الشباب من عصر لعصر، ومن دولة
لأخرى وقد يبدو ذلك منطقياً لتغير مستويات المعيشة والبيئة الثقافية
المحيطة به، والتطور التكنولوجي الحادث، أما في بلادنا العربية فالأحلام
تجسد واقع البلاد ودائماً ما تتمحور حول الذات ففي النموذج البترولي غالباً
ما تكون الأحلام استهلاكية من باب التحسينات بحكمابتعادهم عن حالتي
الضروريات والحاجيات كاقتناء أحدث السيارات أو الهواتف، وفي بلاد الفقر
العربي يظل الحلم هو الحصول على حقوقه الأساسية في المأكل والملبس والسكن
ويظل الشاب يعمل ويجد حتى الموت فلا يستطيع تحقيق حلمه متمنياً للأولاد
والأحفاد تحقيق ذلك الإنجاز، وعندما أطل الربيع العربي أزدهر الحلم ليصل
إلى ما بعد المأكل والمسكن، ولكنه سريعاً ما تحول إلى خريف تجتاحه العواصف
ليعيد بعض الدول إلى مربع ما قبل الصفر، فالحلم يتناسب طردياً مع مساحة
الحريات.
وفي الحالة المصرية تضاءل الحلم في الحياة
الكريمة البسيطة مع انعدم تلك الحريات إثر الانقلاب العسكري، فمنذ أيام
نشرت شبكة "رصد" رسالة من طالب بكلية الهندسة يعبر فيها عن أقصى أحلامه،
والتي لم تكن التخرج من الجامعة وامتلاك شقة أو سيارة أو حتى عملاً يهرب به
من شبح البطالة، ولكن كان منتهى احلامه كما ورد في رسالته وسادة "مخدة"
يسند رأسه عليها بدلاً من الحذاء، كما يتمنى أن ينام فيستطيع أن يمد رجله
دون أن يتعدى على حدود النصف متر المحددة لزميله في الاعتقال والحبس، ولم
تقف أحلام مهندس المستقبل عند ذلك بل كان يطمح أن يستيقظ يوماً بلا إيذاء
بدني ونفسي من العسكر الذين لم ينالوا قسطاً من التعليم ولكنهم حظوا
وامتلكوا نسباً وصهراً يشفع لهم في الالتحاق بالكليات العسكرية، لم يحلم
هذا الشاب بالحرية لأنه يقف بين يدي قاضي يتلو ما يملى عليه من أحكام
بالحبس والإعدام.
وقد يكون التطور الطبيعي لهذا التراجع في
مستوى الأحلام هو الانعدام ذاته مع زيادة القهر، وعندما يختفي الحلم تتساوى
الحياة ونقيضها، ويكون الانتحار هو الحل، وهذا ما يفسر ما حدث من حالات
انتحار بلغت 56 حالة خلال الثلاث شهور الأخيرة وحتى نهاية نوفمبر 2014 ومع
وجود حالة الناشطة السياسية زينب، ومجند الخدمة العسكرية الذي انتحر في
أكتوبر او حالة انتحار الفتاة الهاربة من متحرش فالحالة السياسية المتأزمة
بمصر ليست بعيدة عن المشهد، وحالة القهر والفساد السياسي المتضخم أدى لقتل
أحلام الشباب، وزاد من المعاناة الاقتصادية والفقر.
ومن العجيب أن نموذجاً مثل مصر والذي يمثل
فيه الفقر (وفقاً للبيانات الرسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة
والاحصاء المصري) نسبة 40% من السكان منهم 26% يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة
بطالة 13.4% من القادرين على العمل، نجد أن قائمة أغنياء العالم العربي عام
2014 المنشورة بمجلة "فوربس" تحتوي على 15 أسماً لرجال أعمال مصريين
بثروات بلغ مجموعها 23.7 مليار دولار بزيادة عن ما تمتلكه الدولة المصرية
من احتياطي من النقد الأجنبي والبالغ 15.9 مليار دولار في نهاية تشرين
الثاني/نوفمبر 2014، بل إن سبعة أشخاص فقط ينتمون لأسرتين هما ساويرس
ومنصور يمتلكون 20.4 مليار دولار.
تلك بالطبع هي الأرقام المنشورة لرجال
الأعمال، أما رجال السلطة أمثال عائلة مبارك أوالمجلس العسكري الحاكم
فحساباتهم سرية لا يطلع عليهاأحد وبالطبع فهي خارج البلاد، حتى عندما أنبرى
صاحب الهاشتاج أمام الشعب مدعياً تبرعه بنصف ماله، لم يكتب شيكاً مسحوباً
على بنكاً مصرياً بل ذهب للبنك حاملاً حقيبة من المال لم ولن يتم الكشف عن
مقدارها أو مصدرها.
من حق الشباب في مصر أن تنمو أحلامه فوق
وسادة الرأس ومساحة النوم، من حقه أن يحلم بالعيش كما تعيش الشعوب الحرة،
ومن حق الشعب المصري أن يمتلك إرادته وحريته، وعلى الشباب اليائس أن يوقف
البحث عن الطريقة المثلى للانتحار، فمصر ليست فقيرة الموارد أو الخبرات
والعقول، كما أن استمرار حالة القهر هي درب من المستحيل طالما هناك إرادة
وسعي ومقاومةلكسر القيود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق