وائل قنديل : "العنتلة" ليست حلاً ثورياً
31 ديسمبر 2014
للمرة الألف: نقاء الغاية يستدعي نظافة الوسيلة، ولا يمكن لقضية محترمة أن تنتصر بأسلحة غير نظيفة، حتى لو كان الخصم موغلاً في استخدام أحط الوسائل، وأقذر الأسلحة وأفتكها.
قلت من قبل إن مؤسسة الانقلاب والثورات المضادة تتمنى أن يقع معارضوها في فخ الاستسلام لمنطق الرد على بذاءة الفعل الانقلابي، برد فعل مشابه، بحيث ينحو بعضهم لمواجهة الإسفاف بإسفاف، والشائعة بشائعة مضادة، وذلك كله فيما يعتبره بعضهم حرباً نفسية، يجوز فيها استخدام الأدوات ذاتها التي تلجأ إليها سلطة متوحشة.
وكما نبهت في مقال سابق، فإن السلطة الموغلة في بذاءة الفعل ورداءة الأداء، تسعى إلى حرف مسار المعركة، من مقاومة جريمة سياسيةٍ وحضاريةٍ في حق مصر وثورتها، إلى مطاردة درامية أو سباق مثير في مضمار النكتة والقفشة و"الإيفيه"، وهذا من شأنه أن يبتذل المعركة على نحو يتيح للقتلة وسافكي الدماء أن يظهروا في وضع الضحية المشتوم الذي يتعرض للسخرية والاستهزاء.
وأكرر أن خطورة هذا الأمر أنه يوجد مجالاً لمن انقلبوا على كل قيمة أخلاقية، وعلى كل مبدأ حضاري، وعلى كل نزعة إنسانية، أن يتحدثوا عن الأخلاق والتعايش والقيم الدينية، وذلك كله مرده أن بعضاً من منافحي الانقلاب قد ابتلعوا الطعم، وهبطوا إلى أرضية الملعب الذي يجيد الانقلابيون الأداء فوقه.
وبوضوح أكثر، يمكن القول إن معارضي الانقلاب كلما سجلوا هدفاً في مرمى السلطة، يقعون في أخطاء استراتيجية قاتلة، تجعلهم يسجلون هدفين، وربما ثلاثة، في مرماهم، بنيران صديقة، أو غير صديقة أحياناً.
لقد أحدث الكشف عن التسريبات الخاصة بهيمنة السلطة العسكرية على كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية زلزالاً في مصر، ووضع الناس أمام كارثة سياسية تصل إلى مستوى الفضيحة، ما أسهم في خدش القشرة الصلبة التي تبقي الوعي الجمعي بمنأى عن التفكير والإحساس بحجم المأساة التي حشروا فيها البلاد، غير أنه بدا وكأن مناهضي الانقلاب قد استكثروا على أنفسهم هذا الإنجاز، فقرروا أن يهيلوا عليه تراباً من تسريبات أخرى، تتجاوز السياسي إلى الأخلاقي، وتترك الموضوع الأساسي، وتستغرق في فضائح شخصية، لا تسيء لأبطالها فقط، لكنها، قبل ذلك، تسيء للقضية وتبتذل المعركة.
ولعلك لاحظت، على مدار الأشهر الماضية، أنه كلما كانت مؤسسة الانقلاب تواجه مأزقاً سياسياً، تنفجر بالوعات الفضائح الأخلاقية فوراً، من خلال اختراع حكايات ساقطة في قاع الإسفاف عن "عنتيل" هنا، وآخر هناك، يتم فرضها موضوعاً رئيساً على وسائل الإعلام والاتصال، في إطار ما أسميته عملية إذابة الوعي الجمعي في غاز سيانيد الفضائح الأخلاقية، والحواديت الأمنية الركيكة، والسيناريوهات الخبيثة، التي تهدف إلى إحراق أية محاولة لإعادة إنتاج معادلة 25 يناير، التي أنتجت أنبل وأقوى تفاعل حضاري واجتماعي بين المصريين.
وقد تكرر ذلك غير مرة، آخرها، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث نشطت العقلية الشريرة في إغراق الفضاء الإلكتروني بحكاية الانتفاضة الحصرية للشباب المسلم، وفي الوقت ذاته، فرضت فضيحة "العنتيل الملتحي" وروّجتها على أوسع نطاق، كنص موحّد على وسائل إعلام الانقلاب.
إن أسوأ ما نتج عن الحفاوة المجنونة بتسريبات تتعلق بفضائح أخلاقية لمناصري السلطة، أنها، من حيث أرادت أم لم ترد، صرفت الانتباه عن الفضيحة السياسية الأكبر المتمثلة في الكشف عن تسجيلات تتعلق بتحكم أهل الحكم العسكري في قيادة القضاة والسياسيين، والأنكى من ذلك أنها أوجدت شقاً جديداً في الكتلة المعارضة للانقلاب، والباحثة عن حالة اصطفاف وتوحد مع اقتراب ذكرى ثورة يناير، إذ انقسم الجمع إلى مؤيد لاستخدام هذا النوع من الأسلحة غير الأخلاقية، ومعارض للانزلاق إلى هذا المستنقع.
31 ديسمبر 2014
للمرة الألف: نقاء الغاية يستدعي نظافة الوسيلة، ولا يمكن لقضية محترمة أن تنتصر بأسلحة غير نظيفة، حتى لو كان الخصم موغلاً في استخدام أحط الوسائل، وأقذر الأسلحة وأفتكها.
قلت من قبل إن مؤسسة الانقلاب والثورات المضادة تتمنى أن يقع معارضوها في فخ الاستسلام لمنطق الرد على بذاءة الفعل الانقلابي، برد فعل مشابه، بحيث ينحو بعضهم لمواجهة الإسفاف بإسفاف، والشائعة بشائعة مضادة، وذلك كله فيما يعتبره بعضهم حرباً نفسية، يجوز فيها استخدام الأدوات ذاتها التي تلجأ إليها سلطة متوحشة.
وكما نبهت في مقال سابق، فإن السلطة الموغلة في بذاءة الفعل ورداءة الأداء، تسعى إلى حرف مسار المعركة، من مقاومة جريمة سياسيةٍ وحضاريةٍ في حق مصر وثورتها، إلى مطاردة درامية أو سباق مثير في مضمار النكتة والقفشة و"الإيفيه"، وهذا من شأنه أن يبتذل المعركة على نحو يتيح للقتلة وسافكي الدماء أن يظهروا في وضع الضحية المشتوم الذي يتعرض للسخرية والاستهزاء.
وأكرر أن خطورة هذا الأمر أنه يوجد مجالاً لمن انقلبوا على كل قيمة أخلاقية، وعلى كل مبدأ حضاري، وعلى كل نزعة إنسانية، أن يتحدثوا عن الأخلاق والتعايش والقيم الدينية، وذلك كله مرده أن بعضاً من منافحي الانقلاب قد ابتلعوا الطعم، وهبطوا إلى أرضية الملعب الذي يجيد الانقلابيون الأداء فوقه.
وبوضوح أكثر، يمكن القول إن معارضي الانقلاب كلما سجلوا هدفاً في مرمى السلطة، يقعون في أخطاء استراتيجية قاتلة، تجعلهم يسجلون هدفين، وربما ثلاثة، في مرماهم، بنيران صديقة، أو غير صديقة أحياناً.
لقد أحدث الكشف عن التسريبات الخاصة بهيمنة السلطة العسكرية على كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية زلزالاً في مصر، ووضع الناس أمام كارثة سياسية تصل إلى مستوى الفضيحة، ما أسهم في خدش القشرة الصلبة التي تبقي الوعي الجمعي بمنأى عن التفكير والإحساس بحجم المأساة التي حشروا فيها البلاد، غير أنه بدا وكأن مناهضي الانقلاب قد استكثروا على أنفسهم هذا الإنجاز، فقرروا أن يهيلوا عليه تراباً من تسريبات أخرى، تتجاوز السياسي إلى الأخلاقي، وتترك الموضوع الأساسي، وتستغرق في فضائح شخصية، لا تسيء لأبطالها فقط، لكنها، قبل ذلك، تسيء للقضية وتبتذل المعركة.
ولعلك لاحظت، على مدار الأشهر الماضية، أنه كلما كانت مؤسسة الانقلاب تواجه مأزقاً سياسياً، تنفجر بالوعات الفضائح الأخلاقية فوراً، من خلال اختراع حكايات ساقطة في قاع الإسفاف عن "عنتيل" هنا، وآخر هناك، يتم فرضها موضوعاً رئيساً على وسائل الإعلام والاتصال، في إطار ما أسميته عملية إذابة الوعي الجمعي في غاز سيانيد الفضائح الأخلاقية، والحواديت الأمنية الركيكة، والسيناريوهات الخبيثة، التي تهدف إلى إحراق أية محاولة لإعادة إنتاج معادلة 25 يناير، التي أنتجت أنبل وأقوى تفاعل حضاري واجتماعي بين المصريين.
وقد تكرر ذلك غير مرة، آخرها، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث نشطت العقلية الشريرة في إغراق الفضاء الإلكتروني بحكاية الانتفاضة الحصرية للشباب المسلم، وفي الوقت ذاته، فرضت فضيحة "العنتيل الملتحي" وروّجتها على أوسع نطاق، كنص موحّد على وسائل إعلام الانقلاب.
إن أسوأ ما نتج عن الحفاوة المجنونة بتسريبات تتعلق بفضائح أخلاقية لمناصري السلطة، أنها، من حيث أرادت أم لم ترد، صرفت الانتباه عن الفضيحة السياسية الأكبر المتمثلة في الكشف عن تسجيلات تتعلق بتحكم أهل الحكم العسكري في قيادة القضاة والسياسيين، والأنكى من ذلك أنها أوجدت شقاً جديداً في الكتلة المعارضة للانقلاب، والباحثة عن حالة اصطفاف وتوحد مع اقتراب ذكرى ثورة يناير، إذ انقسم الجمع إلى مؤيد لاستخدام هذا النوع من الأسلحة غير الأخلاقية، ومعارض للانزلاق إلى هذا المستنقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق