صفحات مخفيه من تاريخ مصر ...الحلقه الرابعه: وضع مصر وقت الفتح الاسلامي
-----------------------------
تعرضنا في الحلقات السابقه لعده صفحات يتعمد كتاب التاريخ الحكومي المصري تجاهلها. أثبتنا في الحلقه الاولي ان قوات من الشعب المصري و ربما الفلسطيني أنقذت الفرعون العظيم رمسيس الثاني من الهزيمه. و يتجاهل ذلك الكتاب الحكومي لانه مصمم كي يمجد حكم الفرد الواحد. ثم رأينا ان فتره اخناتون كانت فتره ابتكار و حريات حتي انقلب كهنه آمون و الجيش. و يتعمد الكتاب الحكومي إغفال ذلك حتي لا يطالب المصريون بحريات دينيه او سياسيه. ثم وصلنا لفتره انتشار المسيحيه في مصر و هي فتره شهدت صراعات دينيه ضخمه حول طبيعه السيد المسيح و شهدت تطهير عرقي و مذابح ضد اليهود و الوثنيين و كل المعارضين للنظره الرسميه للكنيسه القبطيه. أدي ذلك ان اصبحت تلك الفتره زمن طويل من الاضطراب الداخلي بين اتباع الديانات المختلفة و بين اتباع المذاهب المسيحيه المختلفة و حرق مكتبه الاسكندريه و هجره كل أهل العلم بعدما رأوا ذبح هيباتيا في شوارع الاسكندريه. و بذلك أضحت مصر فريسه سهله لأي تهديد خارجي كما حدث لاحقا (المصدر الاول).
نصل الان لدخول عمرو بن العاص مصر. بطبيعه الحال معروفه قصه دخول ابن العاص لمصر و مخالفته خطاب الخليفه عمر، الخ. و لكن هناك ٣ نقاط هامه غير معلومه للجميع عن الفتح الاسلامي لمصر و سنوردها هنا:
١- انه قبل عقدين فقط من الفتح الاسلامي لمصر دخل الفرس مصر و احتلوها بذات السهوله التي دخل بها العرب المسلمون مصر.
و ان أقباط مصر و الكنيسه وقفت مشاهده للأمر اكثر منها قوه فاعله. الا انه توجد بعض الدلائل التاريخيه ان شخص يدعا بطرس خان الرومان المدافعين عن الاسكندريه (اتباع ذات الديانه مثل الاقباط و ان اختلف المذهب) و سلمها للفرس.
و هذا ينفي كل كلام الكتاب الحكومي عن أواصر المحبه التاريخيه بين عرب الجزيره و مصر و السيده هاجر و السيده ماريا القبطيه (الخ) انها السبب الرئيسي في سقوط مصر السريع في يد العرب. صحيح ان هناك أواصر و علاقات لا شك فيها و لكنها لم تكن السبب الفاعل.
٢- ان الكنيسه المصريه بنت حساباتها مع العرب بناءا علي حسابات ضيقه محدده و أهمها تقليل الضرائب و عوده البابا بنيامين الاول بطريرك الكرازة المرقصيه الذي طرده الرومان من منصبه و التخلص من حكم الرومان البيزنطيين الذين أصروا علي وضع بطريرك من الطائفه الملكانيه المسيحيه كجزء من الصراع الطائفي الحاد بين الاسكندريه و القسطنطينيه و آنطاكيه و روما حول النقاء المسيحي.
اي ان الكنيسه فضلت التعامل مع العرب باعتبارهم غازٍ اخر لن يلبث ان يزول و يحل محله اخر، علي التعامل مع البيزنطيين المسيحين و هم مشكله انيه.
٣- انه في رغبه الكنيسه التخلص من مشكله انيه، فإنها وضعت اسس تحول مصر بشكل كامل لدوله اسلاميه، حيث كما سنري سيتعامل العرب المسلمون مع مصر بشكل يختلف تماماً عن الفرس والرومان و غيرهم. اي انه في رغبه الكنيسه القبطيه التخلص من الخصم المسيحي الحالي فإنها قضت تماماً علي المسيحيه في المشرق كديانه الاغلبيه بل تحولت لدين الاقليه!
هذا شيئ سيتكرر كثيراً في التاريخ المصري و يسمي بالانجليزيه أوفر زيل، و هو انه في معاداه طائفه معينه لانها مختلفه يتم التضحيه بكل أساسيات الاستراتيجيه السليمه فقط في مقابل الخلاص من الخصم الحالي. نري ذلك حاليا في معاداه الاخوان و الإسلاميين بصفه عامه. في الرغبه في القضاء علي الخصم السياسي الداخلي، يتم اضعاف مصر ككل و جعلها عرضه للابتزاز الخارجي. فمثلا عندما يقول د بطرس غالي ان كل شيئ مباح في الحرب علي الإسلاميين (المصدر الثاني) ثم يتم ضرب بدو سيناء بمنتهي العنف لإرضاء اسرائيل و امريكا لأنهما يعرفان ان الوضع الداخلي مزعزع و غير مستقر فهذا اضعاف شديد للدوله (حتي السيد هيكل مؤيد الانقلاب أكد وجود ذلك الابتزاز - المصدر الثالث).
سنتعرض الان لتلك العوامل بالتفصيل:
اولا: غزا الفرس مصر بذات سهوله غزو العرب لها
----------------------------------
في عام ٦١٨ م أرسل كسري القائد الفارسي شاهين لغزو مصر كجزء من الحرب الأخيره بين الروم و الفرس (و هي الأخيره لانها قضت علي الإمبراطوريتين معا و وقعا بعدها فريسه سهله في يد العرب كقوه بازغه).
ذكر الطبري ان الغزو بدأ في ٦١٧ م و لكن المصادر الفارسية واضحه في انه بدأ فعليا في عام ٦١٨ م (المصدر الرابع).
وصل الفرس الي الأسكندريه و دخلوها في يونيو ٦١٩ م بعد مقاومه طفيفه. تذكر المراجع كذلك ان شخص يدعي بطرس خان حاميه الاسكندريه البيزنطية (شركاء الدين) و مكن الفرس (المجوس) من الاستيلاء عليها (المصدر السادس).
معني ذلك ان سقوط العاصمه المصريه الاسكندريه استغرق تقريبا سنه و نصف علي يد الفرس من يوم دخولهم الاراضي المصريه.
دخل عمرو بن العاص مصر في ديسمبر ٦٣٩ و فتح الاسكندرية في سبتمبر ٦٤١ (الطبري - المصدر السادس).
معني ذلك ان جيش المسلمين استغرق سنه و تسعه أشهر! اي أطول قليلا مما استغرقه الفرس و ربما يعود ذلك لقله عدد و عتاد جيش المسلمين مقارنه بجيش شاهين الفارسي (لا توجد احصائيات دقيقه عن عدد الفرس الغزاه و لكن بدأ عمرو بن العاص غزو مصر بحوالي ٤ الاف مقاتل و لكنهم تزايدوا لاحقا بشكل كبير بعد تعزيزات من بدو سيناء و من المدينه المنوره و منهم مثلا الزبير بن العوام العائد من غزوات الشام).
لذلك فان ما يذكره كتاب التاريخ الحكومي المصري ان أهل مصر استقبلوا العرب بالترحاب، في الحقيقه هي كانت خليط من اللامبالاة مشابهه لما اظهروه تجاه الغزو الفارسي و رغبه الكنيسه في رؤيه أعدائها الرومان منهزمين.
(المثير هو ان الفرس لاحقا اضطهدوا مسيحي مصر و حرموا المسيحيه في كافه أنحاء البلاد و فرضوا عيد النيروز مثلا - المصدر الرابع و السابع)
ثانيا: حسابات و تعاملات الكنيسه القبطيه مع العرب
----------------------
بعد ١٠ سنوات من استتباب الفرس في مصر قام الإمبراطور هرقل بتنفيذ عده حملات ناجحه استعاد بها الشام و مصر من أيدي الفرس (و نزلت في ذلك ايه قرآنيه شهيره تنبأت بانتصار الروم قبل حدوثه بسنوات) و لم يلبث الروم ان طردوا بطريرك الكنيسه القبطيه الاب بنيامين الاول و اضطر للتخفي و التنقل في صحراء مصر خوفا من اكتشافه (المصدر الثامن).
(المثير انه تردد لاحقا بين الأوساط المسيحيه و غيرها ان قيادات الاخوان هربوا في الصحراء نحو مطروح ناسين او متناسين ان آباء الكنيسه فعلوا ذلك و ناسين ان الاب بنيامين الاول اصبح قديسا و له عيد مقدس في الكنيسه القبطيه يحتفل به كل عام في يناير!)
كان الرأي العام القبطي مشوش في البدايه. فالبعض تمني زوال البيزنطيين بينما وقف البعض مع أشقائهم في الدين ضد العرب الغازين. اهم دليل علي ذلك هو ان راعي الكنيسه القبطيه الذي تم وضعه ليحل محل بنيامين و حاكم مصر و الذي سماه العرب المقوقس، كان يريد التخلص من البيزنطيين، بينما حاربت ابنته ارمانيوسه مع البيزنطيين (المصدر التاسع). لكن بصفه عامه لم يكن الشعب المصري محاربا فقد كان قد ترك قتال الجيوش منذ فترات طويله و انصرف اما للزراعه او مناوشات الحروب الآهليه ضد الأديان و المذاهب الدينيه الأخري.
في ٢٢ ديسمبر ٦٤٠ خارج بلده طيبه القديمه في صعيد مصر وقع المقوقس اتفاقيه مع عمرو بن العاص تعترف بوقوع مصر تحت ولايه العرب و ان يدفع المصريون جزيه ٢ دينار عن كل فرد في المتوسط (كان هذا رقم كبير و لكنه تقريبا ما كانوا يدفعونه للرومان و لكن الجديد هو عدم فرض ضرائب اخري كما كان الرومان يفعلون - المصدر العاشر).
عرض عمرو بن العاص الاتفاقيه علي الخليفه عمر بن الخطاب. طلب عمر ان يوافق هرقل إمبراطور الرومان بذاته علي الاتفاقيه.
يبدو ان أمير المؤمنين عمر رأي ان اتفاقيه مع المقوقس و الاقباط في مصر مفيده لكنها لا تنهي القتال في حد ذاتها الا اذا أتعرف بها الرومان ذاتهم. و هذا منطقي فقوه القتال الحقيقيه في مصر كانت الرومان و لم يكن للأقباط تاثير قتالي (و لكن بالطبع تاثير مهم ان يصبحوا في صف العرب و ليس ضدهم).
أرسل المقوقس لهرقل طالبا موافقته علي الاتفاقيه. غضب هرقل و رفض و عزل المقوقس و امر الرومان في مصر بالقتال.
اخبر المقوقس عمرو بن العاص بما قاله هرقل الذي بدوره اخبر عمر بن الخطاب. امر عمر عمرو ان يعد العده لضرب الرومان في الاسكندريه قبل ان يتجمعوا.
المثير هنا هو ما قاله المقوقس لعمرو بن العاص. طلب المقوقس ٣ أمور من عمرو (المصدر التاسع و الحادي عشر):
١- الا يخل بالاتفاق مع الاقباط.
٢- انه حتي لو طلب الرومان الصلح فألا يعاهدهم بل يقتلهم و يأسرهم و يشردهم.
٣- ان يدفن عندما يموت في كنيسه القديس يوحنا المعمدان بالإسكندرية.
و ذلك في مقابل ان الاقباط سيساعدون المسلمين.
لاحظ هنا نمو التفكير لدي المقوقس بأنه فعلا يريد التخلص من الرومان بأيه طريقه ممكنه و رأي في العرب القوه القادره علي ذلك. و من الممكن ان المقوقس رأي التطورات في الشام و ان العرب أباحوا الحريات الدينيه مما شجعه علي التعاون مع العرب.
(الغريب انه بالرغم من وضوح الطلب الثاني للمقوقس تدعي الكنيسه القبطيه الان ان عمرو بن العاص حرق الاسكندريه و مكتبتها - المصدر الثاني عشر برغم اننا أثبتنا في الحلقه الماضيه عدم صحه ذلك و أثبته أدوارد جيبون ذاته الذي قال ان من يصدق هذا الادعاء ابله - المصدر الاول)
ثالثا. في رغبه الكنيسه القبطيه العارمه الخلاص من الملكانيين المسيحيين و الرومان تحولت مصر لدوله اسلاميه
---------------------------------
بعد استتباب الامر لعمرو بن العاص أعاد فعلا الاب بنيامين كبطريرك الكنيسه القبطيه كما طلب الاقباط.
و لكن علي عكس الغزاه السابقين تمت أسلمه مصر تقريبا بشكل كامل علي مدي عده قرون. كان الرومان مثلا يسكنون أعالي التلال في مصر منفصلين عن المصريين و بالتالي كان يسهل طردهم. بدأ العرب و المسلمين بذات الأسلوب و لكنه تغير بمرور الوقت. في الحلقه القادمه سنفهم كيف تم التحول الاسلامي في مصر و هل كان بالرضا ام بالعنف؟ و هي فتره لا يتحدث عنها كتاب التاريخ الحكومي المصري مطلقا تاركا العنان للشائعات.
لكن ما يهمنا هنا هو العبر المستفاده:
١- ان الكنيسه القبطيه عاده ما تبني حساباتها علي أوضاع انيه. و هو ما استمر حتي الان. فالخلاص من الرومان هو المشكله الحاليه. إذن لا مانع من الترحيب بالفرس ثم العرب للخلاص من الرومان.
(مع ملاحظه انه وفقا لذاك العصر لم تكن هذه خيانه)
و انه بالرغم ان الفرس انقلبوا ضد المسيحيه بعد فتره تسامح أوليه فالدرس لم تتعلمه الكنيسه مع العرب.
المهم هو الخلاص من الأعداء الرومان لأنهم يختلفون معنا في تفسير طبيعه المسيح و لأنهم يفرضون ضرائب مرهقه (و هو الحال في كل ذلك العصر). ليس مهما تطوير قوه قتالية مستقله مثلا حيث انقضي عهد المصريين بالقتال عندما جري التركيز علي الحروب الآهليه.
نفس الامر الان. فلا مانع من التحالف مع اي من كان (جيش - حكم عسكري - انعدام الحريات) للخلاص من الاخوان!
٢- انه و قد تخلصت الكنيسه من الرومان فإنها انقطعت تماماً عن بقيه العالم المسيحي. و بمساعدتها في سقوط مصر في أيدي العرب فانه الان تم التأكد ان الامبراطورية الرومانيه الشرقيه المسيحيه انتهت فعليا و تم بذر بذره تحول مصر و المنطقه ككل لتصبح دوله اسلاميه.
المصادر:
-------
١- الصفحات المخفيه السابقه: http://jawdablog.org/…/%d8%b5%d9%81%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%…/
٢- حديث د بطرس غالي ان كل شيئ مباح في الحرب علي الإسلاميين: http://youtu.be/b2yQ0BbY4Zs
٣- العالم يبتز الحكم الحالي في مصر لانه يعرف انه مزعزع و معرض و هو شيئ أكده هيكل ذاته - عراب الانقلاب:
http://youtu.be/OXGoXCHIH1Q
٤- برديات الغزو الفارسي لمصر ٦١٨-٦٢١ م: http://www.sasanika.org/…/u…/MiddlePersianPapyrifromthe2.pdf
هذا الموقع يحتوي احد افضل السجلات التاريخيه عن الدوله الساسانيه و يعتبر مصدر مهم لكل دارس لتلك الفتره.
٥- مخطوطات استيلاء الفرس علي مصر و خيانه المدعو بطرس لحاميه الاسكندريه: http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC
(انظر صفحه ١٩٦-٢٣٥).
٦- تاريخ غزو مصر - الطبري: http://www.sunypress.edu/p-365-the-history-of-al-tabari-vol…
الشرح المبسط في ويكيبيديا: http://en.m.wikipedia.org/wiki/Muslim_conquest_of_Egypt
٧- اضطهاد الفرس للمسيحيين في مصر و كل الشرق الأوسط:
http://www.fsmitha.com/h3/islam05.htm
٨- اضطهاد الرومان للآب بنيامين الاول و هروبه في الصحراء:
https://books.google.com/books…
٩- المقريزي: كتاب المواعظ و الاعتبار في ذكر الخطط و الاثار. صفحه ٢٣١.
١٠- الأحوال الاقتصاديه لمصر عند فتح العرب: https://books.google.com/books…
١١- الفاروق. محمد حسين هيكل. عن حياه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
١٢- ادعاء الكنيسه القبطيه ان عمرو بن العاص حرق الاسكندريه: http://www.copticchurch.net/topics/synexarion/benjamen.html
-----------------------------
تعرضنا في الحلقات السابقه لعده صفحات يتعمد كتاب التاريخ الحكومي المصري تجاهلها. أثبتنا في الحلقه الاولي ان قوات من الشعب المصري و ربما الفلسطيني أنقذت الفرعون العظيم رمسيس الثاني من الهزيمه. و يتجاهل ذلك الكتاب الحكومي لانه مصمم كي يمجد حكم الفرد الواحد. ثم رأينا ان فتره اخناتون كانت فتره ابتكار و حريات حتي انقلب كهنه آمون و الجيش. و يتعمد الكتاب الحكومي إغفال ذلك حتي لا يطالب المصريون بحريات دينيه او سياسيه. ثم وصلنا لفتره انتشار المسيحيه في مصر و هي فتره شهدت صراعات دينيه ضخمه حول طبيعه السيد المسيح و شهدت تطهير عرقي و مذابح ضد اليهود و الوثنيين و كل المعارضين للنظره الرسميه للكنيسه القبطيه. أدي ذلك ان اصبحت تلك الفتره زمن طويل من الاضطراب الداخلي بين اتباع الديانات المختلفة و بين اتباع المذاهب المسيحيه المختلفة و حرق مكتبه الاسكندريه و هجره كل أهل العلم بعدما رأوا ذبح هيباتيا في شوارع الاسكندريه. و بذلك أضحت مصر فريسه سهله لأي تهديد خارجي كما حدث لاحقا (المصدر الاول).
نصل الان لدخول عمرو بن العاص مصر. بطبيعه الحال معروفه قصه دخول ابن العاص لمصر و مخالفته خطاب الخليفه عمر، الخ. و لكن هناك ٣ نقاط هامه غير معلومه للجميع عن الفتح الاسلامي لمصر و سنوردها هنا:
١- انه قبل عقدين فقط من الفتح الاسلامي لمصر دخل الفرس مصر و احتلوها بذات السهوله التي دخل بها العرب المسلمون مصر.
و ان أقباط مصر و الكنيسه وقفت مشاهده للأمر اكثر منها قوه فاعله. الا انه توجد بعض الدلائل التاريخيه ان شخص يدعا بطرس خان الرومان المدافعين عن الاسكندريه (اتباع ذات الديانه مثل الاقباط و ان اختلف المذهب) و سلمها للفرس.
و هذا ينفي كل كلام الكتاب الحكومي عن أواصر المحبه التاريخيه بين عرب الجزيره و مصر و السيده هاجر و السيده ماريا القبطيه (الخ) انها السبب الرئيسي في سقوط مصر السريع في يد العرب. صحيح ان هناك أواصر و علاقات لا شك فيها و لكنها لم تكن السبب الفاعل.
٢- ان الكنيسه المصريه بنت حساباتها مع العرب بناءا علي حسابات ضيقه محدده و أهمها تقليل الضرائب و عوده البابا بنيامين الاول بطريرك الكرازة المرقصيه الذي طرده الرومان من منصبه و التخلص من حكم الرومان البيزنطيين الذين أصروا علي وضع بطريرك من الطائفه الملكانيه المسيحيه كجزء من الصراع الطائفي الحاد بين الاسكندريه و القسطنطينيه و آنطاكيه و روما حول النقاء المسيحي.
اي ان الكنيسه فضلت التعامل مع العرب باعتبارهم غازٍ اخر لن يلبث ان يزول و يحل محله اخر، علي التعامل مع البيزنطيين المسيحين و هم مشكله انيه.
٣- انه في رغبه الكنيسه التخلص من مشكله انيه، فإنها وضعت اسس تحول مصر بشكل كامل لدوله اسلاميه، حيث كما سنري سيتعامل العرب المسلمون مع مصر بشكل يختلف تماماً عن الفرس والرومان و غيرهم. اي انه في رغبه الكنيسه القبطيه التخلص من الخصم المسيحي الحالي فإنها قضت تماماً علي المسيحيه في المشرق كديانه الاغلبيه بل تحولت لدين الاقليه!
هذا شيئ سيتكرر كثيراً في التاريخ المصري و يسمي بالانجليزيه أوفر زيل، و هو انه في معاداه طائفه معينه لانها مختلفه يتم التضحيه بكل أساسيات الاستراتيجيه السليمه فقط في مقابل الخلاص من الخصم الحالي. نري ذلك حاليا في معاداه الاخوان و الإسلاميين بصفه عامه. في الرغبه في القضاء علي الخصم السياسي الداخلي، يتم اضعاف مصر ككل و جعلها عرضه للابتزاز الخارجي. فمثلا عندما يقول د بطرس غالي ان كل شيئ مباح في الحرب علي الإسلاميين (المصدر الثاني) ثم يتم ضرب بدو سيناء بمنتهي العنف لإرضاء اسرائيل و امريكا لأنهما يعرفان ان الوضع الداخلي مزعزع و غير مستقر فهذا اضعاف شديد للدوله (حتي السيد هيكل مؤيد الانقلاب أكد وجود ذلك الابتزاز - المصدر الثالث).
سنتعرض الان لتلك العوامل بالتفصيل:
اولا: غزا الفرس مصر بذات سهوله غزو العرب لها
----------------------------------
في عام ٦١٨ م أرسل كسري القائد الفارسي شاهين لغزو مصر كجزء من الحرب الأخيره بين الروم و الفرس (و هي الأخيره لانها قضت علي الإمبراطوريتين معا و وقعا بعدها فريسه سهله في يد العرب كقوه بازغه).
ذكر الطبري ان الغزو بدأ في ٦١٧ م و لكن المصادر الفارسية واضحه في انه بدأ فعليا في عام ٦١٨ م (المصدر الرابع).
وصل الفرس الي الأسكندريه و دخلوها في يونيو ٦١٩ م بعد مقاومه طفيفه. تذكر المراجع كذلك ان شخص يدعي بطرس خان حاميه الاسكندريه البيزنطية (شركاء الدين) و مكن الفرس (المجوس) من الاستيلاء عليها (المصدر السادس).
معني ذلك ان سقوط العاصمه المصريه الاسكندريه استغرق تقريبا سنه و نصف علي يد الفرس من يوم دخولهم الاراضي المصريه.
دخل عمرو بن العاص مصر في ديسمبر ٦٣٩ و فتح الاسكندرية في سبتمبر ٦٤١ (الطبري - المصدر السادس).
معني ذلك ان جيش المسلمين استغرق سنه و تسعه أشهر! اي أطول قليلا مما استغرقه الفرس و ربما يعود ذلك لقله عدد و عتاد جيش المسلمين مقارنه بجيش شاهين الفارسي (لا توجد احصائيات دقيقه عن عدد الفرس الغزاه و لكن بدأ عمرو بن العاص غزو مصر بحوالي ٤ الاف مقاتل و لكنهم تزايدوا لاحقا بشكل كبير بعد تعزيزات من بدو سيناء و من المدينه المنوره و منهم مثلا الزبير بن العوام العائد من غزوات الشام).
لذلك فان ما يذكره كتاب التاريخ الحكومي المصري ان أهل مصر استقبلوا العرب بالترحاب، في الحقيقه هي كانت خليط من اللامبالاة مشابهه لما اظهروه تجاه الغزو الفارسي و رغبه الكنيسه في رؤيه أعدائها الرومان منهزمين.
(المثير هو ان الفرس لاحقا اضطهدوا مسيحي مصر و حرموا المسيحيه في كافه أنحاء البلاد و فرضوا عيد النيروز مثلا - المصدر الرابع و السابع)
ثانيا: حسابات و تعاملات الكنيسه القبطيه مع العرب
----------------------
بعد ١٠ سنوات من استتباب الفرس في مصر قام الإمبراطور هرقل بتنفيذ عده حملات ناجحه استعاد بها الشام و مصر من أيدي الفرس (و نزلت في ذلك ايه قرآنيه شهيره تنبأت بانتصار الروم قبل حدوثه بسنوات) و لم يلبث الروم ان طردوا بطريرك الكنيسه القبطيه الاب بنيامين الاول و اضطر للتخفي و التنقل في صحراء مصر خوفا من اكتشافه (المصدر الثامن).
(المثير انه تردد لاحقا بين الأوساط المسيحيه و غيرها ان قيادات الاخوان هربوا في الصحراء نحو مطروح ناسين او متناسين ان آباء الكنيسه فعلوا ذلك و ناسين ان الاب بنيامين الاول اصبح قديسا و له عيد مقدس في الكنيسه القبطيه يحتفل به كل عام في يناير!)
كان الرأي العام القبطي مشوش في البدايه. فالبعض تمني زوال البيزنطيين بينما وقف البعض مع أشقائهم في الدين ضد العرب الغازين. اهم دليل علي ذلك هو ان راعي الكنيسه القبطيه الذي تم وضعه ليحل محل بنيامين و حاكم مصر و الذي سماه العرب المقوقس، كان يريد التخلص من البيزنطيين، بينما حاربت ابنته ارمانيوسه مع البيزنطيين (المصدر التاسع). لكن بصفه عامه لم يكن الشعب المصري محاربا فقد كان قد ترك قتال الجيوش منذ فترات طويله و انصرف اما للزراعه او مناوشات الحروب الآهليه ضد الأديان و المذاهب الدينيه الأخري.
في ٢٢ ديسمبر ٦٤٠ خارج بلده طيبه القديمه في صعيد مصر وقع المقوقس اتفاقيه مع عمرو بن العاص تعترف بوقوع مصر تحت ولايه العرب و ان يدفع المصريون جزيه ٢ دينار عن كل فرد في المتوسط (كان هذا رقم كبير و لكنه تقريبا ما كانوا يدفعونه للرومان و لكن الجديد هو عدم فرض ضرائب اخري كما كان الرومان يفعلون - المصدر العاشر).
عرض عمرو بن العاص الاتفاقيه علي الخليفه عمر بن الخطاب. طلب عمر ان يوافق هرقل إمبراطور الرومان بذاته علي الاتفاقيه.
يبدو ان أمير المؤمنين عمر رأي ان اتفاقيه مع المقوقس و الاقباط في مصر مفيده لكنها لا تنهي القتال في حد ذاتها الا اذا أتعرف بها الرومان ذاتهم. و هذا منطقي فقوه القتال الحقيقيه في مصر كانت الرومان و لم يكن للأقباط تاثير قتالي (و لكن بالطبع تاثير مهم ان يصبحوا في صف العرب و ليس ضدهم).
أرسل المقوقس لهرقل طالبا موافقته علي الاتفاقيه. غضب هرقل و رفض و عزل المقوقس و امر الرومان في مصر بالقتال.
اخبر المقوقس عمرو بن العاص بما قاله هرقل الذي بدوره اخبر عمر بن الخطاب. امر عمر عمرو ان يعد العده لضرب الرومان في الاسكندريه قبل ان يتجمعوا.
المثير هنا هو ما قاله المقوقس لعمرو بن العاص. طلب المقوقس ٣ أمور من عمرو (المصدر التاسع و الحادي عشر):
١- الا يخل بالاتفاق مع الاقباط.
٢- انه حتي لو طلب الرومان الصلح فألا يعاهدهم بل يقتلهم و يأسرهم و يشردهم.
٣- ان يدفن عندما يموت في كنيسه القديس يوحنا المعمدان بالإسكندرية.
و ذلك في مقابل ان الاقباط سيساعدون المسلمين.
لاحظ هنا نمو التفكير لدي المقوقس بأنه فعلا يريد التخلص من الرومان بأيه طريقه ممكنه و رأي في العرب القوه القادره علي ذلك. و من الممكن ان المقوقس رأي التطورات في الشام و ان العرب أباحوا الحريات الدينيه مما شجعه علي التعاون مع العرب.
(الغريب انه بالرغم من وضوح الطلب الثاني للمقوقس تدعي الكنيسه القبطيه الان ان عمرو بن العاص حرق الاسكندريه و مكتبتها - المصدر الثاني عشر برغم اننا أثبتنا في الحلقه الماضيه عدم صحه ذلك و أثبته أدوارد جيبون ذاته الذي قال ان من يصدق هذا الادعاء ابله - المصدر الاول)
ثالثا. في رغبه الكنيسه القبطيه العارمه الخلاص من الملكانيين المسيحيين و الرومان تحولت مصر لدوله اسلاميه
---------------------------------
بعد استتباب الامر لعمرو بن العاص أعاد فعلا الاب بنيامين كبطريرك الكنيسه القبطيه كما طلب الاقباط.
و لكن علي عكس الغزاه السابقين تمت أسلمه مصر تقريبا بشكل كامل علي مدي عده قرون. كان الرومان مثلا يسكنون أعالي التلال في مصر منفصلين عن المصريين و بالتالي كان يسهل طردهم. بدأ العرب و المسلمين بذات الأسلوب و لكنه تغير بمرور الوقت. في الحلقه القادمه سنفهم كيف تم التحول الاسلامي في مصر و هل كان بالرضا ام بالعنف؟ و هي فتره لا يتحدث عنها كتاب التاريخ الحكومي المصري مطلقا تاركا العنان للشائعات.
لكن ما يهمنا هنا هو العبر المستفاده:
١- ان الكنيسه القبطيه عاده ما تبني حساباتها علي أوضاع انيه. و هو ما استمر حتي الان. فالخلاص من الرومان هو المشكله الحاليه. إذن لا مانع من الترحيب بالفرس ثم العرب للخلاص من الرومان.
(مع ملاحظه انه وفقا لذاك العصر لم تكن هذه خيانه)
و انه بالرغم ان الفرس انقلبوا ضد المسيحيه بعد فتره تسامح أوليه فالدرس لم تتعلمه الكنيسه مع العرب.
المهم هو الخلاص من الأعداء الرومان لأنهم يختلفون معنا في تفسير طبيعه المسيح و لأنهم يفرضون ضرائب مرهقه (و هو الحال في كل ذلك العصر). ليس مهما تطوير قوه قتالية مستقله مثلا حيث انقضي عهد المصريين بالقتال عندما جري التركيز علي الحروب الآهليه.
نفس الامر الان. فلا مانع من التحالف مع اي من كان (جيش - حكم عسكري - انعدام الحريات) للخلاص من الاخوان!
٢- انه و قد تخلصت الكنيسه من الرومان فإنها انقطعت تماماً عن بقيه العالم المسيحي. و بمساعدتها في سقوط مصر في أيدي العرب فانه الان تم التأكد ان الامبراطورية الرومانيه الشرقيه المسيحيه انتهت فعليا و تم بذر بذره تحول مصر و المنطقه ككل لتصبح دوله اسلاميه.
المصادر:
-------
١- الصفحات المخفيه السابقه: http://jawdablog.org/…/%d8%b5%d9%81%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%…/
٢- حديث د بطرس غالي ان كل شيئ مباح في الحرب علي الإسلاميين: http://youtu.be/b2yQ0BbY4Zs
٣- العالم يبتز الحكم الحالي في مصر لانه يعرف انه مزعزع و معرض و هو شيئ أكده هيكل ذاته - عراب الانقلاب:
http://youtu.be/OXGoXCHIH1Q
٤- برديات الغزو الفارسي لمصر ٦١٨-٦٢١ م: http://www.sasanika.org/…/u…/MiddlePersianPapyrifromthe2.pdf
هذا الموقع يحتوي احد افضل السجلات التاريخيه عن الدوله الساسانيه و يعتبر مصدر مهم لكل دارس لتلك الفتره.
٥- مخطوطات استيلاء الفرس علي مصر و خيانه المدعو بطرس لحاميه الاسكندريه: http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC
(انظر صفحه ١٩٦-٢٣٥).
٦- تاريخ غزو مصر - الطبري: http://www.sunypress.edu/p-365-the-history-of-al-tabari-vol…
الشرح المبسط في ويكيبيديا: http://en.m.wikipedia.org/wiki/Muslim_conquest_of_Egypt
٧- اضطهاد الفرس للمسيحيين في مصر و كل الشرق الأوسط:
http://www.fsmitha.com/h3/islam05.htm
٨- اضطهاد الرومان للآب بنيامين الاول و هروبه في الصحراء:
https://books.google.com/books…
٩- المقريزي: كتاب المواعظ و الاعتبار في ذكر الخطط و الاثار. صفحه ٢٣١.
١٠- الأحوال الاقتصاديه لمصر عند فتح العرب: https://books.google.com/books…
١١- الفاروق. محمد حسين هيكل. عن حياه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
١٢- ادعاء الكنيسه القبطيه ان عمرو بن العاص حرق الاسكندريه: http://www.copticchurch.net/topics/synexarion/benjamen.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق