سليم عزوز : السيسي.. والحاجة زينب.. وأفلام الثلاثينات!
ينتمي عبد الفتاح السيسي إلى زمن الأفلام "الأبيض والأسود"، ويبدو أنه منذ أن كان طالباً بالمرحلة الإعدادية، لم يشاهد فيلماً، أو عملاً درامياً، ولهذا فان عقله الدرامي توقف نموه عند أفلام الثلاثينات، التي استدعاها خالد الذكر جمال عبد الناصر، وأعاد تجديدها في عهده، مما مكنه من أن يكون زعيماً شعبياً. ولا يخفي على لبيب أن ناصر كان يمتلك مقومات الزعيم الشعبي، علي العكس من السيسي، المتواضع في الكفاءة، وفي القدرات، وفي الموهبة!.
السيسي وجد في مواطنة بسيطة هي الحاجة "زينب" ضالته، ليعيد بناء أسطورته التي تهدمت، بفضل التسريبات، التي أذاعتها قناة "الجزيرة" فأظهرت الرجل ضحلاً وفارغاً، علي عكس ما تم الترويج له، بأنه مرة أعظم قائد عسكري بعد ايزنهاور، بحسب وصف الأديب علاء الأسواني. ومرة هو عبد الناصر بشحمه ولحمه، بحسب من معهم "توكيل" المرحلة الناصرية. ومرة هو معبود النساء، وهو ما أجمع عليه قس وشيخ أزهري معمم وعبد الحليم قنديل. ومرة هو "المسيح الحي" بحسب قول كاتبة كانت مسيحية وأسلمت ولا نعرف وجهتها الآن وهي فريدة الشوباشي. ومرة هو كل هذا!.
هذه الأسطورة تهدمت تماماً الآن، وجاء رفعه الدعم عن المحروقات، وعجزه عن حل أي أزمة من الأزمات التي تعاني منها البلاد، لتنهي الأسطورة ولتصفع الحقيقة الجميع في وجوههم فإذا بهم ليسوا سوي أمام جنرال من مخلفات عصر مبارك، لا توجد لديه إمكانيات سوي في إظهار الخضوع لرؤسائه، وفي قدرته على أن يدخل عليهم الغش والتدليس، فترقي في عهد مبارك، وقربه محمد حسين طنطاوي منه في عهده، وتمت ترقيته رتبتين عسكريتين في عهد مرسي ورتبة سياسية بأن نصبه وزيراً للدفاع.
وقد رأي السيسي أن موضوع الحاجة "زينب" هو رمية بغير رام، فاحتفي بها ليؤكد اهتمامه بالبسطاء من المصريين، من خلال مشهد درامي بائس، تجاوزه الزمن، فلا يعلم السيسي أننا في زمن "التلفزيون الملون" وفي زمن يشاهد فيه المتفرج مباراة لكرة القدم في آخر "بلاد الفرنجة" وكأنه في الملعب!.
عندما سألت عن الحاجة زينب في مسقط رأسها بمنية سمنود، بمدينة المنصورة، جاءني الرد، أنها سيدة مسنة ومن أهل الخير، ولها باع طويل في عمليات التبرع لبناء المساجد وما إلى ذلك، وهي من الجيل الذي يتعامل علي أن "بصلة المحب خروف"، فلا تستصغر من المعروف شيئاً. لكن تبرعاتها السابقة كانت في المصارف التقليدية. ولأن المنصورة تقع في مجال التأثير السياسي للدكتور محمد غنيم فقد علمت بصندوق "تحيا مصر" الذي أنشاه السيسي لقبول التبرعات، وكأن النهوض بالاقتصاد المنهار، يمكن أن يحدث وفق دعاء المتسولين: " حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة". يقولون أن غنيم عمل دعاية للصندوق في سهرات رمضانية.
الدكتور غنيم هو رجل يساري بالأساس، لكنه في مرحلة معينة اعتزل السياسة وتفرغ لمهنته كطبيب متخصص في أمراض الكلى وأسس مركزاً له سمعة عالمية في نفس المدينة " المنصورة"، ويتبع كلية الطب بها، في هذا التخصص، ويبدو انه اهتم بعلاج البسطاء علي نحو جعله صاحب نفوذ في أوساطهم.
ومنذ سنة 2004، بدأت المعارضة الجادة ضد نظام مبارك تتأسس، وكان هناك من طلقوا السياسة فعادوا إليها، وجاء الدكتور محمد البرادعي من الخارج فاصطف الدكتور غنيم بجانبه، معارضاً لنظام المخلوع، لتقوم الثورة، ويتبني قائمة "الثورة مستمرة" في الانتخابات البرلمانية، لتفوز بالمركز الأول في المنصورة، رغم ضعفها في عموم الدوائر المصرية، وهي تضم مجموعة من شباب الثورة.
وفي عهد الدكتور محمد مرسي كان غنيم من النخبة التي دفعها كرهها للإخوان، أن تتخلي عن كل ما تؤمن به من مبادئ وقيم سياسية من اجل إسقاط الجماعة فانحازوا للعسكر ومكنوا عبد الفتاح السيسي من أن يعيد دولة مبارك.
وعندما تم التدشين الإعلامي لصندوق "تحيا مصر"، تحول الدكتور غنيم إلى مبشر به. فقد أكد جهاز الرقابة الإدارية، وهو جهاز رقابي رسمي، أن الصندوق لم يدشن قانوناً إلى الآن.
لقد سمعت الحاجة زينب لدعاية غنيم وأنصاره لهذا الصندوق، فذهبت للبنك وهي المسنة، البسيطة، تقدم لهم قرطها متبرعة به لصالح مصر، وأفهمها الموظفون فيه، أن الحساب لا يقبل التبرعات العينية، فذهبت لتبيعه وتعود للبنك متبرعة بثمنه.
أحد الصحفيين، من المنصورة، ربما يعمل مراسلاً لإحدى الصحف وجد أن عنصر الإثارة متحقق في قصة الحاجة زينب، فكتب قصتها ونشرها، ووجد فيها السيسي ضالته مستنداً علي ثقافته الفنية التي تنتمي لزمن "الأفلام الأبيض والأسود"، فقرر أن يمثل فيلماً معها، ليعيد تأسيس أسطورته، لكن الأمر تحول إلى فعل هابط، والى فيلم هندي في أحسن الأحوال.
للاحتياطات الأمنية قيل للسيدة زينب أنها مدعوة لمشوار "لمسافة السكة"، لكن لم تخبر بالتفاصيل لتجد نفسها وابنها في القصر الرئاسي، والسيسي يرد إليها الإحسان بالإحسان ويقرر سفرها للحج، علي نفقته الشخصية، جزاء وفاقاً، وقام بتقبيل رأسها، ربما ليبدد الدعاية السلبية التي حدثت عندما قام بتقبيل رأس خادم الحرمين الشريفين.
لعدم وجود مؤلف محترف لكتابة السيناريو، فقد تم تلقين الحاجة زينب إجابة عن سؤال عن كيف التقت بالرئيس؟.. والإجابة تأسس لتواضع سيادته.
لقد قالت إنها كانت "ماشية" فقالت "لما أمر علي الرئيس"، الذي شعرت تجاهه بـ "حنان الأم".
المعنى أن الحاجة زينب كانت تسير، وواضح أنها وجدت نفسها بالقرب من القصر الرئاسي، أو من بيت السيسي، فذهبت إليه علي طريقة "خالتي عندكم". وهو مشهد يحدث في الريف المصري حيث البيوت مفتوحة، وما عليك إلا ان تقوم بدفع الباب بهدوء لتسأل: "خالتي عندكم".
ذكرني هذا المشهد، بآخر قديم نسبياً، عندما ضبطت مراسلة قناة الجزيرة جمال مبارك متلبساً بزيارة الأبيض إبان حكم أبيه. عندها حدثت ضجة كبرى في مصر عن الوضع الدستوري للمذكور الذي يجعله يقوم بمثل هذه الزيارات لمقر الحكم في واشنطن. وهل هذه الزيارة غير المعلنة هي لترتيب عملية انتقال الحكم من مبارك لنجله؟!.
ورداً علي ذلك قيل أن جمال كان يقوم بصيانة طائرته الخاصة لدي "التوكيل" الخاص بها والذي تبين انه يقع بجانب البيت الأبيض " الجدار في الجدار". فوجد لديه فراغا فذهب للبيت الأبيض ليسلم علي كونداليزا رايس والتي دخل عليها من باب جانبي، والتي ربما فوجئت به.. " خالتي عندكم"؟!.
الحاجة زينب ليست في سن يسمح لها بالحفظ، فتجاوزت رواية اللقاء غير المرتب وتحدثت علي سجيتها، وليس فيما روت ما يمكن السيسي من صناعة أسطورته أو تأكيد شرعيته وحبه للبسطاء الذين دفعوا فاتورة فشله وانقلابه.
فهذه السيدة هي إحدى ضحايا زمن السيسي، عندما تبيع قرطها لإنقاذ اقتصاد، انهياره ليس قدراً، وهناك مئات الطرق لإنقاذ الاقتصاد المصري قبل الوصول لقرط الحاجة زينب.
بالمناسبة لماذا توقف الحديث كلية ومنذ الانقلاب في 3 يوليو من العام الماضي عن الأموال المصرية التي هربها مبارك وسدنة حكمه للخارج؟!.
ينتمي عبد الفتاح السيسي إلى زمن الأفلام "الأبيض والأسود"، ويبدو أنه منذ أن كان طالباً بالمرحلة الإعدادية، لم يشاهد فيلماً، أو عملاً درامياً، ولهذا فان عقله الدرامي توقف نموه عند أفلام الثلاثينات، التي استدعاها خالد الذكر جمال عبد الناصر، وأعاد تجديدها في عهده، مما مكنه من أن يكون زعيماً شعبياً. ولا يخفي على لبيب أن ناصر كان يمتلك مقومات الزعيم الشعبي، علي العكس من السيسي، المتواضع في الكفاءة، وفي القدرات، وفي الموهبة!.
السيسي وجد في مواطنة بسيطة هي الحاجة "زينب" ضالته، ليعيد بناء أسطورته التي تهدمت، بفضل التسريبات، التي أذاعتها قناة "الجزيرة" فأظهرت الرجل ضحلاً وفارغاً، علي عكس ما تم الترويج له، بأنه مرة أعظم قائد عسكري بعد ايزنهاور، بحسب وصف الأديب علاء الأسواني. ومرة هو عبد الناصر بشحمه ولحمه، بحسب من معهم "توكيل" المرحلة الناصرية. ومرة هو معبود النساء، وهو ما أجمع عليه قس وشيخ أزهري معمم وعبد الحليم قنديل. ومرة هو "المسيح الحي" بحسب قول كاتبة كانت مسيحية وأسلمت ولا نعرف وجهتها الآن وهي فريدة الشوباشي. ومرة هو كل هذا!.
هذه الأسطورة تهدمت تماماً الآن، وجاء رفعه الدعم عن المحروقات، وعجزه عن حل أي أزمة من الأزمات التي تعاني منها البلاد، لتنهي الأسطورة ولتصفع الحقيقة الجميع في وجوههم فإذا بهم ليسوا سوي أمام جنرال من مخلفات عصر مبارك، لا توجد لديه إمكانيات سوي في إظهار الخضوع لرؤسائه، وفي قدرته على أن يدخل عليهم الغش والتدليس، فترقي في عهد مبارك، وقربه محمد حسين طنطاوي منه في عهده، وتمت ترقيته رتبتين عسكريتين في عهد مرسي ورتبة سياسية بأن نصبه وزيراً للدفاع.
وقد رأي السيسي أن موضوع الحاجة "زينب" هو رمية بغير رام، فاحتفي بها ليؤكد اهتمامه بالبسطاء من المصريين، من خلال مشهد درامي بائس، تجاوزه الزمن، فلا يعلم السيسي أننا في زمن "التلفزيون الملون" وفي زمن يشاهد فيه المتفرج مباراة لكرة القدم في آخر "بلاد الفرنجة" وكأنه في الملعب!.
عندما سألت عن الحاجة زينب في مسقط رأسها بمنية سمنود، بمدينة المنصورة، جاءني الرد، أنها سيدة مسنة ومن أهل الخير، ولها باع طويل في عمليات التبرع لبناء المساجد وما إلى ذلك، وهي من الجيل الذي يتعامل علي أن "بصلة المحب خروف"، فلا تستصغر من المعروف شيئاً. لكن تبرعاتها السابقة كانت في المصارف التقليدية. ولأن المنصورة تقع في مجال التأثير السياسي للدكتور محمد غنيم فقد علمت بصندوق "تحيا مصر" الذي أنشاه السيسي لقبول التبرعات، وكأن النهوض بالاقتصاد المنهار، يمكن أن يحدث وفق دعاء المتسولين: " حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة". يقولون أن غنيم عمل دعاية للصندوق في سهرات رمضانية.
الدكتور غنيم هو رجل يساري بالأساس، لكنه في مرحلة معينة اعتزل السياسة وتفرغ لمهنته كطبيب متخصص في أمراض الكلى وأسس مركزاً له سمعة عالمية في نفس المدينة " المنصورة"، ويتبع كلية الطب بها، في هذا التخصص، ويبدو انه اهتم بعلاج البسطاء علي نحو جعله صاحب نفوذ في أوساطهم.
ومنذ سنة 2004، بدأت المعارضة الجادة ضد نظام مبارك تتأسس، وكان هناك من طلقوا السياسة فعادوا إليها، وجاء الدكتور محمد البرادعي من الخارج فاصطف الدكتور غنيم بجانبه، معارضاً لنظام المخلوع، لتقوم الثورة، ويتبني قائمة "الثورة مستمرة" في الانتخابات البرلمانية، لتفوز بالمركز الأول في المنصورة، رغم ضعفها في عموم الدوائر المصرية، وهي تضم مجموعة من شباب الثورة.
وفي عهد الدكتور محمد مرسي كان غنيم من النخبة التي دفعها كرهها للإخوان، أن تتخلي عن كل ما تؤمن به من مبادئ وقيم سياسية من اجل إسقاط الجماعة فانحازوا للعسكر ومكنوا عبد الفتاح السيسي من أن يعيد دولة مبارك.
وعندما تم التدشين الإعلامي لصندوق "تحيا مصر"، تحول الدكتور غنيم إلى مبشر به. فقد أكد جهاز الرقابة الإدارية، وهو جهاز رقابي رسمي، أن الصندوق لم يدشن قانوناً إلى الآن.
لقد سمعت الحاجة زينب لدعاية غنيم وأنصاره لهذا الصندوق، فذهبت للبنك وهي المسنة، البسيطة، تقدم لهم قرطها متبرعة به لصالح مصر، وأفهمها الموظفون فيه، أن الحساب لا يقبل التبرعات العينية، فذهبت لتبيعه وتعود للبنك متبرعة بثمنه.
أحد الصحفيين، من المنصورة، ربما يعمل مراسلاً لإحدى الصحف وجد أن عنصر الإثارة متحقق في قصة الحاجة زينب، فكتب قصتها ونشرها، ووجد فيها السيسي ضالته مستنداً علي ثقافته الفنية التي تنتمي لزمن "الأفلام الأبيض والأسود"، فقرر أن يمثل فيلماً معها، ليعيد تأسيس أسطورته، لكن الأمر تحول إلى فعل هابط، والى فيلم هندي في أحسن الأحوال.
للاحتياطات الأمنية قيل للسيدة زينب أنها مدعوة لمشوار "لمسافة السكة"، لكن لم تخبر بالتفاصيل لتجد نفسها وابنها في القصر الرئاسي، والسيسي يرد إليها الإحسان بالإحسان ويقرر سفرها للحج، علي نفقته الشخصية، جزاء وفاقاً، وقام بتقبيل رأسها، ربما ليبدد الدعاية السلبية التي حدثت عندما قام بتقبيل رأس خادم الحرمين الشريفين.
لعدم وجود مؤلف محترف لكتابة السيناريو، فقد تم تلقين الحاجة زينب إجابة عن سؤال عن كيف التقت بالرئيس؟.. والإجابة تأسس لتواضع سيادته.
لقد قالت إنها كانت "ماشية" فقالت "لما أمر علي الرئيس"، الذي شعرت تجاهه بـ "حنان الأم".
المعنى أن الحاجة زينب كانت تسير، وواضح أنها وجدت نفسها بالقرب من القصر الرئاسي، أو من بيت السيسي، فذهبت إليه علي طريقة "خالتي عندكم". وهو مشهد يحدث في الريف المصري حيث البيوت مفتوحة، وما عليك إلا ان تقوم بدفع الباب بهدوء لتسأل: "خالتي عندكم".
ذكرني هذا المشهد، بآخر قديم نسبياً، عندما ضبطت مراسلة قناة الجزيرة جمال مبارك متلبساً بزيارة الأبيض إبان حكم أبيه. عندها حدثت ضجة كبرى في مصر عن الوضع الدستوري للمذكور الذي يجعله يقوم بمثل هذه الزيارات لمقر الحكم في واشنطن. وهل هذه الزيارة غير المعلنة هي لترتيب عملية انتقال الحكم من مبارك لنجله؟!.
ورداً علي ذلك قيل أن جمال كان يقوم بصيانة طائرته الخاصة لدي "التوكيل" الخاص بها والذي تبين انه يقع بجانب البيت الأبيض " الجدار في الجدار". فوجد لديه فراغا فذهب للبيت الأبيض ليسلم علي كونداليزا رايس والتي دخل عليها من باب جانبي، والتي ربما فوجئت به.. " خالتي عندكم"؟!.
الحاجة زينب ليست في سن يسمح لها بالحفظ، فتجاوزت رواية اللقاء غير المرتب وتحدثت علي سجيتها، وليس فيما روت ما يمكن السيسي من صناعة أسطورته أو تأكيد شرعيته وحبه للبسطاء الذين دفعوا فاتورة فشله وانقلابه.
فهذه السيدة هي إحدى ضحايا زمن السيسي، عندما تبيع قرطها لإنقاذ اقتصاد، انهياره ليس قدراً، وهناك مئات الطرق لإنقاذ الاقتصاد المصري قبل الوصول لقرط الحاجة زينب.
بالمناسبة لماذا توقف الحديث كلية ومنذ الانقلاب في 3 يوليو من العام الماضي عن الأموال المصرية التي هربها مبارك وسدنة حكمه للخارج؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق