من مذبحة رابعة إلى عصر الظلام!
بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
أويت
إلى سريري في فترة من فترات انقطاع الكهرباء. استمعت إلى الراديو، فوصل
إلى أذني صوت المذيعة الدكر تبالغ في الترحيب بجلاد سفاح ممن قاموا بمذبحة
رابعة العدوية التي لم يحدث مثلها في تاريخ الإنسانية، لم تكتف المذيعة
الدكر بالجلاد السفاح، ولكنها استضافت بالهاتف عددا من رفاقه الجلادين
وكلهم مع المذيعة الدكر يشيدون بالقتل الجماعي والذبح العشوائي، ويزعمون
أنهم أنقذوا مصر من خطر عظيم يمثله المعتصمون في ميدان رابعة، ويشككون في
تقرير منظمة "هيومن رايتس وتش" الدولية لحقوق الإنسان، الذي أدان وزارة
الداخلية وجلاديها في "أكبر عملية قتل للمتظاهرين خلال يوم واحد في التاريخ
الحديث"، وأفاض الجلادون في مزاعمهم عن محاولات الإخوان التي لن تنجح لحرق
مصر وهدمها.
وصلت
الأكاذيب الإعلامية والتغطية على الجريمة باللعب بالمصطلح فاستخدموا فض
رابعة بدلا من مذبحة رابعة أو مجزرة رابعة أو مقتلة رابعة، وطالب إعلامي
مخابراتي من قائد الانقلاب أن يجعل ذكرى المذبحة عيدا قوميا تحتفل به
الدولة كل عام، ويلقي فيه خطابا يهنئ فيه الشعب بقدومه، وزعم خادم البيادة
"أن الاعتصام كان بمثابة دويلة داخل دولة، وبفض هذا الاعتصام الذي كان يقوم
بعمليات قتل وتعذيب (؟؟) استعادت الدولة هيبتها"، وتابع ذراع القتلة: "كان
لا بد أن نحتفل ونحتفي بهذا اليوم لأنه لا يوجد به ما يخجلنا(؟!)". وأوضح
أن الاعتصام كان سيتحول لتنظيمات كبرى مسلحة (؟؟) إن لم تتم عمليات الفض،
مشددا على ضرورة الاحتفال بهذا الحدث وعدم الاكتفاء فقط بالاستعدادات
الأمنية!
إمبراطورية
الكذب الانقلابي لم تعد تخجل من نفسها، لأن القتلة الجبناء لم يستطيعوا
التدخل بين قبائل النوبيين والهلالية في أسوان لأنهم كانوا مسلحين، ولو
كانوا يعتقدون أن عشرات الألوف من المعتصمين يملك كل منهم قطعة حديد وليس
قطعة سلاح ما استطاعوا أن يقتربوا من الميدان.
كان
الجلادون السفاحون متأكدين أن المعتصمين معهم أطفالهم ونساؤهم، وأنهم غير
مسلحين بأي شيء، ولذا تشجعوا ومارسوا رجولتهم البائسة بقتل الآمنين
الأبرياء بالآلاف، وإحراق المسجد والمستشفى الميداني والجرحى وجثث الشهداء،
ثم تجريف قرابة تسعمائة جثة ودفنها في أماكن مجهولة بالصحراء على طريق
القاهرة السويس!
دافيد
هيرست الصحفي البريطاني العالمي ليس مسلما ولا من الإخوان، يوجه حديثه إلى
قادة الانقلاب القتلة: "الآن.. ستطاردكم لعنة رابعة يا حكام مصر، حتما
سيُكشف الستار عن انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت أثناء فض اعتصام رابعة
العدوية"، ويؤكد في مقال له بصحيفة «هافينجتون بوست» الأمريكية، أن حادث
الفض، بداية لعهد جديد من الإرهاب ضد أطياف المعارضة السياسية بأكملها،
سواء أكانت المعارضة العلمانية أو الإسلامية.
ورأي
«هيرست» أن أهمية تقرير « هـ . ر . ووتش» تتلخص في أمور ثلاثة، أولها: أنه
ولأول مرة يتم اتهام قيادات مهمة، وشخصيات بارزة بصفة مباشرة، من منظمة
لها ثقلها كرايتس ووتش. الأمر الثاني، التقرير أغلق الباب حول ادعاء الجهات
الأمنية، أنها استخدمت العنف دفاعا عن النفس، حيث أثبت التقرير أن هذه
ادعاءات جوفاء، وأن المتظاهرين كانوا سلميين تماما، وثالثا: التقرير أثبت
الجرم المستمر الذي تستخدمه السلطات في التعامل مع المعارضة.
وأضاف
هيرست: «لقد حان الوقت لمحاسبة المسئولين عن هذه المجزرة.... وحان الوقت
للكف عن إقامة نصب تذكارية تكريما للجناة، حان الوقت للكف عن مكافأة
المذنب». واختتم هيرست مقاله بقوله: «لقد أثبت تقرير هيومان رايتس ووتش، أن
أشباح ضحايا رابعة ستطارد الحكومة المصرية».
لقد
ذكر روبرت فيسك، كبير مراسلي صحيفة الإندبندنت البريطانية في الشرق
الأوسط، في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة مباشر مصر مساء 14/8/2014: أن
ما حدث في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس الماضي كان بمثابة جرائم ضد
الإنسانية، مؤكدا أنه شاهد "قتلا متعمدا للمتظاهرين بالرصاص الحي".
إن
شهادات الصحفيين الأجانب تأتي قاطعة وصريحة وواضحة، على عكس صحفيينا الذي
يخدمون البيادة وينتظرون عطاياها ويستمتعون بالقرب منها، ويسوغون الجرائم
الدموية الانقلابية ويحللون دم المصريين الأبرياء، ويطالبون بإقامة الأعياد
لإهراق الدماء! أي خسة وأي وضاعة عند نعال البيادة!
هل يمكن أن يحترم العالم أمثال صحفيينا الكذبة الذين لا يخجلون من أكاذيبهم وافتراءاتهم المكشوفة والمفضوحة؟
لقد
كان الكذبة يشعلون الدنيا في عهد الرئيس المسلم محمد مرسي – فك الله أسره –
بسبب انقطاع الكهرباء أحيانا في بعض الأيام، ويسبون ويلعنون ويهددون
ويتوعدون، ولكنهم الآن يسوغون الفشل العظيم للعسكر الانقلابيين في توفير
الكهرباء، وكان المفترض أن يكون الانقلابيون الدمويون أكثر نجاحا من مرسي
ومن معه في توفير الكهرباء وعدم انقطاعها وفقا لادعاءاتهم بأن مرسي يمنح
الكهرباء لقطاع غزة الذي صار مظلما الآن، ولكنهم أخفقوا تماما وتفاقمت
الأزمة، فالمصريون يعيشون حاليا الظلام معظم الليل وانقطاع الكهرباء معظم
النهار!
يقول
خادم من دولة العسكر في عنوان مقال له: "حبال الصبر طويلة والمصريون
مستعدون للعيش في ظلام تام!!". من قال للمذكور إن المصريين فوضوه ليتحدث
باسمهم وليعلن أنهم مستعدون للعيش في الظلام؟ يا خادم البيادة إن المصريين
يرفضون أن تتحدث باسمهم، وأنا واحد منهم أرفض أن أعيش في الظلام.
والعجيب
أن هذا الكاتب وأمثاله يلقون بفشل الانقلاب الدموي في توفير الكهرباء
للشعب على عاتق الإرهاب المجهول الذي يفجر أبراج الكهرباء في بعض
المحافظات، ويتجاهلون أن انقلاب الصدمة والرعب الذي واجه الشعب بقتل الآلاف
في رابعة وأخواتها ويتعامل مع المواطنين بالرصاص الحي؛ يفترض أنه يحمي
مرافق الدولة ويرهب من يقترب منها، فكيف يحدث تفجير للأبراج وهناك عسكر
عرمرم في كل مكان؟ ثم كيف يقنعنا صحفي وصولي آخر بأن انقطاع الكهرباء تخريب
منظم؟ حيث يستشهد الوصولي بجريدة شيوعية أمنية نشرت قائمة بأسماء مسئولين
في وزارة الكهرباء عينهم محمد مرسي في وظائف حساسة، مما يدعم بقوة - كما
يقول التعيس - احتمال التخريب؟ إنه يطالب بعنصرية كريهة وزير الكهرباء أن
يقتدي بما أقدم عليه زميله وزير الخارجية الانقلابي الذي أقدم على حركة
تغيير أقصي فيها عددا من السفراء الذين أشارت تقارير الأمن إلى علاقتهم
بالإخوان!
ومن المضحك أن صحفية (حيزبون) ردحت كثيرا للرئيس مرسي بسبب الكهرباء وغيرها تسوغ انقطاع الكهرباء بأن تقول لنفسها:
- يا بت الحمد لله إن عندك نور وينقطع أحيانا، أمال الناس التي لا تعرف النور أصلا يعملوا إيه؟
متى يتسق كتاب البيادة وخدام دولة العسكر مع أنفسهم ولا يكذبون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق