عندما يصبح العار مقبولاً
بقلم: أحمد القاعود
الحرب
الصهيونية الآن على غزة كشفت عدة متغيرات في أسلوب التعاطي مع القضية
الفلسطينية من قبل العرب. فالقضية التي طالما نشأت عليها أجيال عدة بأنها
قضية الشرق الأوسط والمسلمين، ويجب العمل على حلها لم تعد كذلك.
الخريطة
السياسية العربية منذ ثورات الربيع تغيرت كثيرا، ولم تعد هي تلك الخريطة
التي استقرت عدة عقود، ولم تتغير إلا تغيرات طفيفة. ومع هذه التغيرات كان
يجب أن يتم تغير التعامل مع القضية الفلسطينية وإعادة بناء الأولويات
بالنسبة للأنظمة والشعوب أيضا.
الحرب
الدائرة الأن بلا هوادة وبلا رحمة على قطاع غزة المسالم، كشفت عن تغير
فاضح وللأسوأ من قبل الأنظمة العربية، التي لم تكتف بالسكوت وانما أصبحت
شريكة في العدوان، وداعمة لها حتى ولو لم يكن ذلك بصورة علنية، وتباين هذا
الدعم من نظام لآخر ومن دولة لأخرى.
في
مصر - التي اتخذ رئيسها محمد مرسي موقفا قويا في عدوان 2012، وتمكن من
إجبار الكيان الصهيوني على التهدئة - لم تعجب إسرائيل ولا الولايات المتحدة
ومعها الأنظمة العربية التابعة، وعلى رأسها السعودية والامارات، وهو ما
كان سببا للانقلاب على الرئيس مرسي.
وحتى
وإن كانت هناك أسباب أخرى لدي هذه الأنظمة لإزاحة حكم الإخوان المسلمين،
فإن الموقف المصري تجاه إسرائيل كان سببا رئيسيا لحث هذه الدول على دعم
الانقلاب العسكري على السلطة الثورية المنتخبة.
الانقلاب
العسكري في مصر الذي جاء بدعم إسرائيلي ورعاية أمريكية، عبر عنه الكثير من
قادة إسرائيل في تصريحات عدة بشأن دعم عبد الفتاح السيسي في حكمه، وعدم
السماح مرة أخرى بعودة الإخوان المسلمين للحكم، اتخذ موقفا مخزيا من القضية
الفلسطينية، لم يجرؤ حسني مبارك على اتخاذه.
الانقلاب
الذي جاء على جثث الآلاف من المصريين وعشرات الآلاف من المعتقلين، خاصة
المنتمين للإخوان المسلمين، انحاز منذ مجيئه لإسرائيل ضد الفلسطينيين في
قطاع غزة، وعمل على شيطنة حركة حماس واتهامها اتهامات غير منطقية والتحريض
الإعلامي عليها، وجعل قطاعا واسعا من أنصار 30 يونيو يتغيرون تجاه القضية،
ويفضلون تأييد إسرائيل للقيام بعمليات عسكرية ضد القطاع، اعتقادا منهم ووفق
ما يتم بثه إليهم أن حركة حماس إرهابية وضد مصر، بينما إسرائيل صديقة،
وتساعد نظام 30 يونيو الجديد.
تلي
هذه الحملة الإعلامية الضخمة والمحرضة على القضية الفلسطينية، تدمير
الأنفاق كاملة التي سمحت بتسهيل حياة المواطنين في القطاع، وتشديد الحصار
بشكل غير مسبوق عليه، بالإضافة لتهديد عدد من الأبواق الإعلامية بالقيام
بعملية عسكرية مصرية ضد حركة حماس.
موقف
مصر لم يكن وحيدا، وإنما صاحبه أيضا مواقف خليجية داعمة لسحق المقاومة
الإسلامية الفلسطينية لأنها تنتمي للإخوان المسلمين. على رأس هذه المواقف
الداعمة السعودية والإمارات.
لكن يجب الوقوف أمام عدة نقاط تمثل تغيرا جوهريا في تعامل العرب مع القضية الفلسطينية وهي:
أولا-
تأييد الأنظمة العربية بصورة مباشرة، خاصة مصر والسعودية والإمارات، لشن
الحرب ودعم إسرائيل في ذلك، دون خجل وللمرة الأولى منذ تاريخ الصراع العربي
الإسرائيلي، حتى ولم يكن ذلك بصورة مباشرة أو علنية، لكنه يفهم من بين
السطور، ومن التعاطي الاعلامي مع الحدث.
ثانيا-
غياب أي صوت أو دور عربي تماما، أو عرض أية وساطات لوقف الحرب، وعدم وجود
أي دعم إعلامي أو معنوي باستثناء قطر، التي عرضت مع تركيا الوساطة، وتدعم
قناتها الجزيرة الفلسطينيين.
ثالثا-
تغير خطاب وسائل الإعلام العربية الحكومية أو الخاصة، لمساندة إسرائيل
ودعمها، وتصوير قطاع غزة بأنهم مجموعة من الإرهابيين الذين يهاجمون
المواطنين الإسرائيليين الأبرياء، ويظهر ذلك جليا في خطاب قنوات "العربية"
و"العربية الحدث" السعوديتين، و"سكاي نيوز" الإماراتية، ووسائل إعلام
مصرية، مثل جريدة "الأهرام" التي يدعم مسؤولون فيها صراحة إسرائيل في حربها
على غزة دون محاسبة، لا من إدارة الجريدة أو نقابة الصحفيين، وصحيفتي
"المصري اليوم" و"الوطن" وقنوات "سي بي سي" و"أون تي في"، وهي وسائل دعم
مباشر وقوي لإسرائيل، وأسهمت في تحويل مزاج جزء كبير من أنصار 30 يونيو
لدعم إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين، وتقبل فكرة أن فلسطين دولة إرهابية
وإسرائيل دولة صديقة يجب الدفاع عنها.
رابعا- قوة الإعلام الشيعي المدعوم من إيران في مواجهة الحرب، وفشل الإعلام السني الذي تسيطر عليه الأنظمة ورجال أعمال مقربون منها.
هذا التغيير للأسوأ يوجب صمود الثوار، خاصة في مصر والمقاومة في غزة؛ لأن الكثير ملقى عليهم بشأن القضية الفلسطينية والحفاظ عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق