الخميس، 17 يوليو 2014

الجرف الصامد والأمير النائم! بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود



 الجرف الصامد والأمير النائم!
بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
يؤمن اليهود الغزاة في فلسطين المحتلة بالقوة ولا شيء غير القوة. القوة للقضاء على من يقفون في طريقهم، والقوة لمنع العدالة من العمل، والقوة لإخافة كل من حولهم من الشعوب والدول، والقوة التي تردهم عن الغواية والضلال! أما المفاوضات والكلمات المعسولة عن السلام فهي لخدمة القوة والتقاط الأنفاس وتحسين الأوضاع القتالية والسياسية.
كان القائد الألماني التاريخي "بيسمارك" يقول: "إن الخطب البليغة لا تجيب على الأسئلة المطروحة، فقط الحديد والدم هما اللذان يجيبان!".
وهناك مقولة شهيرة للإرهابي اليهودي الهالك مناحم بيجن يخاطب بها اليهود دائما وهي: "البسوا الأحذية الثقيلة". يقصد أن يتركوا التجارة والرهونات وينخرطوا في سياق القوة المسلحة.
في العاشر من رمضان (الثامن من يوليو 2014) طوّر اليهود القتلة هجومهم (الجرف الصامد) على أشقائنا في غزة بالقصف الجوي الذي وصل إلى مئات الأطنان من المتفجرات في مئات الطلعات، وردّ عليهم المجاهدون الفلسطينيون في منظمات المقاومة الإسلامية بإطلاق الصواريخ على المغتصبات والبلدات المحتلة في جنوب فلسطين ووسطها حتى وصلت إلى القدس وتل الربيع وحيفا، وسمع الغزاة القتلة صفارات الإنذار وعرفوا الطريق إلى الملاجئ! واستمر حوار القوة غير المتكافئ، ولكنه المكلف للعدو وعناصره!
اعتاد اليهود مذ أخذوا في احتلال فلسطين على الضرب والقتل دون أن يتكلفوا خسائر تذكر، ولكنهم بعد ظهور المقاومة عرفوا أن الأمور ليست سهلة تماما. كانوا في ضربهم وقتلهم للفلسطينيين والعرب يعتمدون على كل الوسائل التي تسحق وتفرض على الضحايا الفرار أو الاستسلام، وحققوا ذلك عن طريق التجسس وشبكات العملاء وصناعة الحكام الموالين الذين يسمحون لهم بإطلاق حناجرهم ضد الصهيونية والاحتلال والغرب، فضلا عن بناء القوة العسكرية الفائقة عددا وعدة.
في حرب 1948 التي انتهت بإعلان كيانهم الغاصب كان عدد القوات العربية التي تضم سبعة جيوش 60 ألفا مسلحين بأسلحة محدودة وذخائر لا تناسب حربا طويلة ؛ بينما كان اليهود الغزاة القتلة يحاربون بأضعاف هذا العدد، كانوا يحاربون بما يقرب من نصف عددهم في فلسطين رجالا ونساء، وكانوا يملكون أسلحة وذخائر تفوق ما تملكه الجيوش العربية مجتمعة.
ولم يكن الأمر مصادفة أن تبدأ الانقلابات العسكرية في دمشق والقاهرة ثم بغداد مع بناء الدولة الصهيونية الغاصبة وترسيخ قوتها، وأن يكون الحكام العساكر الذين تاجروا بتحرير فلسطين هم من أكمل ضياعها وأجهز على حرية الشعوب العربية ودفع العرب إلى خلف دول العالم، وفي الوقت نفسه كانت القوى السياسية الشيوعية واليسارية تقوم بدور خياني خسيس ضد فكرة الجهاد لتحرير فلسطين، ودعم الكيان الصهيوني عن طريق التحالف مع حزب العمال اليهودي الذي كونه القاتل اليهودي دافيد بن جوريون، وإدانة الجيوش العربية التي قاتلت في 1948، ولك أن تتأمل مثلا أن الحزب الشيوعي الأكبر في مصر كان يقوده اليهودي هنري كورييل صديق جمال عبد الناصر المحاصر في الفالوجا 1948، والمهزوم في قطاع غزة والعوجة وعام 1956 وعام 1967! وصاحب العلاقات الحميمة مع رجال الموساد وناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي!
اليهود الغزاة لهم أصدقاء مقربون من الحكام العرب الذين هلكوا والذين بقوا، وكان بعض من رحلوا ينتظرون عطايا اليهود ليحيوا ليالي رمضان في القصور العربية الشهيرة! واليوم لهم أصدقاء يذهبون إليهم سرا ويعودون سرا وإن كانت وسائل الدعاية اليهودية لا تخفي شيئا، وهؤلاء الأصدقاء يقودون العالم العربي إلى مبادرات رخيصة من أجل الاستسلام والانبطاح والدخول تحت الحماية اليهودية باسم السلام، ولكن اليهود القتلة يرفضون ويتمنّعون وأحيانا لا يردون!
الأصدقاء العرب يتعاملون مع شعوبهم بدون مبادرات أو مصالحات، لأنهم يرونهم مجرد عبيد الإحسانات لا حق لهم في الحرية أو التفكير أو المشاركة في صنع مستقبل بلادهم، ولك أن تحصي عدد من يقتلهم هؤلاء الأصدقاء من شعوبهم وعدد الذين يلقونهم في السجون المظلمة، وعدد المطاردين في المنافي والمهاجر، وعدد الجواسيس الذين يتابعون المواطنين في حركاتهم وسكناتهم ويراقبون هواتفهم واتصالاتهم.
إن جيوش الأصدقاء العرمرم لم تحارب اليهود الغزاة إلا مرة واحدة حين قادها في العاشر من رمضان 1993هـ من يعرفون الله ويحترفون قتال أعداء الأمة، عدا ذلك فهذه الجيوش لا تقاتل إلا شعوبها ولا تضرب إلا بنيها، بل إن عبقريتها تتفتق عن إنشاء أنواع قذرة من الأسلحة لم يستخدمها العدو اليهودي الغاصب (تأمل البراميل المتفجرة التي يقصف بها بشار شعبه الأعزل!)، ثم إنها لا تهرع لنجدة شقيق ضد العدو الأجنبي، ولكن لتضرب شقيقا آخر وطائفة أخرى (مسافة السكة)! لا مهادنة مع الشعوب التي يحكمها الأصدقاء ولا مبادرات ولا مصالحة ولا يوجد بينهم من يحنو على شعبه ويترفق به.
انظر إلى سمو الأمير الذي يرسل رسالة مسهبة إلى مؤتمر للعدو من أجل ما يسمى بالسلام نشرتها الصحف العبرية، وأسهبت في ترويجها عبر الإذاعات والتلفزة والمواقع الضوئية. هل هي عملية تشهير بالأمير والعرب الخانعين؟ أم هي نوع من الشماتة والاحتقار للأمة؟
يؤكد الأمير تركي الفيصل في رسالته للمؤتمر أن مبادرة السلام العربيّة ما زالت على الطاولة أكثر من أيّ وقت مضى، وأنه يحلم بزيارة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وجبل الهيكل ومتحف الهولوكوست بالقدس! ثم يستجدي سمو الأمير حلّ الدولتين لشعبين، لأنه هو الحلّ الوحيد الذي يُمكن أنْ يُحقق حلم الشعبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ وهو لب الحلم الذي عرضته الأمم المتحدّة في خطة التقسيم عام 1947، والتي فشل المجتمع الدوليّ في تطبيقها (لماذا لا يقول الأمير إن القوة اليهودية هي التي منعته؟)، ويشير الأمير إلى العديد من عمليات السلام التي لم تنجح في تحقيقها منذ ذلك الحين، على حد تعبيره.
يرى الأمير أن النتيجة كانت تراجيديا إنسانيّة، بالنسبة للفلسطينيين الذين يئنون تحت نير الاحتلال اليهوديّ، الذي يُنكّل بهم، وأيضًا بالنسبة لليهود الذين تزداد عزلتهم الدوليّة أكثر فأكثر بمرور السنوات(كيف تأسى على عزلة اليهود يا سمو الأمير وأنت تتمني أن تجاور تسيبي ليفني على المنصة؟)، ويبين الأمير فوائد السلام لدولة الغزاة القتلة ومنها أنّ جميع الدول العربيّة ستقوم بتطبيع العلاقات، ومع أن سموه يتجاهل أن القوة هي التي تفاوض وتقرر فإنه يقول: لا يوجد شيء اسمه مستحيل! وأنّ مبادرة السلام العربيّة ليست ثابتة، وليست إملاءً، ومن الممكن أنْ تُصاغ بشكل يُناسب جميع الأطراف!
يعني ممكن أن نوافق على ما يعجبكم ونرضى بما لا يعجبنا! صح النوم يا صاحب السمو! المقاومة الإسلامية في فلسطين مع مرارة الحصار وعنائه، وكثرة المتآمرين والمنافقين وخدام اليهود من الحكام العرب وأبواقهم ستمهد بإذن الله لجيل يعرف معنى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" (الأنفال: 60).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق