رفيق حبيب يتساءل: ربيع العراق.. ثورة أم حرب طائفية؟
• مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي بتفكيك المنطقة ثم بناء أنظمة تابعة ثبت أنه غير قابل للنجاح
• تجربة أمريكا في العراق تؤكد أن تفكيك الدولة المستوردة وإعادة بنائها غير ممكنة
• العراق دخل إلى موجة الربيع العربي محملا بأثقال الحرب الأهلية والانقسام الداخلي والتدخلات الخارجية
• بدأت الثورة في العراق سنّية كما وصل له الحال في سوريا، وأصبحت الحرب الأهلية العنوان الأبرز لمواجهة الثورة العراقية
• الانقلاب العسكري جعل مصر مجرد وكيل لمصالح إقليمية ودولية
أعدها للنشر: الحرية والعدالة
أكد
المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أنه لم يعد من الممكن أن تستمر
المنطقة العربية على ما كانت عليه قبل الربيع العربي؛ بل ولم يكن من الممكن
أن تستمر المنطقة العربية على ما كانت عليه قبل الربيع العربي، لأنه يمثل
منظومة وصلت لحد النهاية، وأصبحت غير صالحة للبقاء. منظومة الحكم المستبد
التابع فقدت أدواتها كما فقدت قدرتها على تجديد نفسها، ووصلت لحد النهاية،
مما جعل الربيع العربي ينفجر. ولم يعد من الممكن استعادة منظومة الحكم
المستبد التابعة، لأنها لم تعد تملك القدرة على تحقيق الاستقرار في
المنطقة.
وأضاف
في دراسة حديثة له عنوانها "ربيع العراق.. ثورة أم حرب طائفية" لم يكن
العراق إلا النموذج الأبرز لما آلت له الدولة القومية القطْرية المستوردة
من تراجع حاد في قدرتها على بسط نفوذها، وتحقيق الاستقرار. فبعد العدوان
الأمريكي على العراق تم تفكيك الدولة، من أجل إعادة بناء دولة تابعة جديدة،
وهو ما فشل.
وتجربة
أمريكا في العراق، تؤكد أن محاولة تفكيك الدولة المستوردة وإعادة بنائها
مرة أخرى غير ممكنة، وأن تفكيك الدولة المستوردة، يمثل نهاية لها. فالدولة
المستوردة التابعة لم تعد قابلة للتجديد، سواءً بدون تفكيك الدولة القائمة
أو من خلال تفكيكها.
وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تضمنتها الدراسة:
فشل مشروع الفوضى
ويرى
"حبيب" أنه يبدو أن الغرب يريد من خلال اختراق الربيع العربي، تفكيك الدولة
السورية ثم إعادة بنائها مرة أخرى كدولة قومية قطرية تابعة، وهو نفس ما
جربه الغرب في العراق، ولا يوجد دليل على إمكانية نجاح هذه المحاولة.
• الغرب باختراق الربيع العربي يريد تفكيك الدولة السورية ثم إعادة بنائها وهو نفس ما جربه في العراق ولا يوجد دليل على إمكانية نجاحه |
مشيرا
إلى أن مشروع الفوضى الخلاقة الذي تبنته الإدارة الأمريكية، والذي يقوم على
تفكيك المنطقة من خلال الفوضى ثم إعادة بناء أنظمة حكم تابعة للغرب، ثبت
أنه مشروع غير قابل للنجاح. فمشروع الفوضى هو عملية تفكيك للدولة المستوردة
ينهي حقبة هذه الدولة.
وكشف
"حبيب" أن تحويل الربيع العربي إلى حالة من الفوضى، ثم إعادة بناء الدول
التابعة مرة أخرى، وبصورة أضعف، هو مشروع الغرب الواضح تجاه المنطقة
العربية. ويبدو أن السياسة الغربية تعمل على تفكيك قواعد الدولة، حتى تبقى
دولة ضعيفة، فإذا قامت أي ثورة ضدها لا يجد الشعب الثائر دولة يحكمها.
موضحا
أن تفكيك مناطق حكم الدولة التابعة، يعني أن هناك من يحاول جعل الدول في
حالة هشة، ولها سيطرة ظاهرية فقط إن وجدت واكتملت، مما يعني أن السياسة
الغربية تعمل على إضعاف العديد من الدول في المنطقة، لأمد طويل لمنع الثورة
والتحرر.
نموذج العراق
رصد
"حبيب" أن العراق دخل إلى موجة الربيع العربي من المرحلة التي وصلت لها،
فدخلها محملا بأثقال الحرب الأهلية والانقسام الداخلي والتدخلات الخارجية،
التي وصلت لها العديد من دول الربيع العربي، وكأن العراق يبدأ من حيث ما
وصلت له الثورة السورية. ولم يعد من الممكن إعادة إنتاج ما حدث في العراق
في سوريا، لأن انفجار الأوضاع في العراق أكد أن إعادة بناء الدولة التابعة
على أساس المحاصصة الطائفية ليس حلا، بل يكاد أن يكون نهاية للدولة
المستوردة التابعة.
لافتا
إلى أنه بدأت الثورة في العراق سنية، كما وصل له الحال في سوريا، وأصبحت
الحرب الأهلية هي العنوان الأبرز لمواجهة الثورة العراقية. ولكن العراق
اختلف، فقد تحركت الحرب الأهلية منذ فترة، كما اشتعلت الانتفاضة السنية منذ
فترة، فأصبحت الثورة والحرب الأهلية والفوضى، حالة واحدة مركبة.
وأشار
"حبيب" إلى أنه في العراق، برزت تنظيمات إسلامية متطرفة، كما حدث في سوريا،
وحدث أيضا في مصر وليبيا، فأصبحت حركة التشدد والتطرف تنمو من جديد بسبب
الثورات المضادة، بعد أن بدأت تلك الحركات المتطرفة في التراجع تدريجيا
عندما أنتصر خيار الثورة والديمقراطية.
• الثورة المضادة تستدعي العنف وتغذي التطرف لتشن حربا على الإرهاب بدعم غربي لوأد الربيع العربي |
وتزامن
في العراق كل مفردات حالة الاضطراب، فأصبحت الحرب الأهلية والنزاعات
الداخلية ومعركة التطرف والاعتدال، ومعركة الثورة والاستبداد، تختلط
أوراقها ببعضها البعض. ولم يكن التدخل الخارجي في كل الحالات، إلا السبب في
خلط الأوراق الداخلية، حتى تغرق الثورة في النزاعات الداخلية. محذرا من
أنه لم تعد الحرب على الإرهاب، إلا العنوان الأبرز للثورة المضادة، فالثورة
المضادة تستدعي العنف، وتغذي التطرف العنيف، وتوفر كل العوامل التي تساعد
على انتشار الحركات المسلحة المتطرفة، حتى تشن حربا على الإرهاب بدعم غربي،
لوأد الربيع العربي وحماية منظومة الاستبداد التابعة.
ويرى
"حبيب" أنه إذا كان العنف والتطرف يضر بثورات الربيع العربي، فإن النزاعات
الداخلية والحرب الأهلية تضر بها أيضا، فكل عوامل الاضطراب والفوضى تعرقل
مسار الربيع العربي، وتضع أمامه العراقيل، كما توفر الأسباب والمبررات
للثورات المضادة المدعومة إقليميا ودوليا.
هل هي النهاية؟
أكد
"حبيب" أن النظام السياسي العربي، وكل المنظومة الإقليمية حاولت توظيف
الربيع العربي في الصراع الإقليمي على الزعامة والدور، فبدلا من محاولة
استيعاب الربيع العربي، تحولت ساحات الربيع العربي لحرب إقليمية بالوكالة
بين القوى الإقليمية، خاصة السعودية وإيران. استجابة النظام السياسي العربي
لموجة الربيع العربي تركزت فقط على إجهاضه، ولم تشمل أي محاولة لتحقيق
إصلاحات تستوعب مطالب الربيع العربي بأي درجة من الدرجات، مما أدخل المنطقة
في معارك وحروب بين الثورة والثورة المضادة.
في انتظار الجديد
وقال
"حبيب" تبدو المنطقة العربية في قلب حالة من الاضطراب والفوضى. فالثورات
تنتج قدرا من الفوضى، ولكن الثورات المضادة تشعل حالة الفوضى لإجهاض
الثورة. ومحاولة إجهاض الربيع العربي بالحروب الأهلية ينتج قدرا كبيرا من
الاضطراب والفوضى. وكل أشكال التدخلات الخارجية في دول الربيع العربي أنتجت
حالة من الاضطراب والفوضى، لأنها استغلت الخلافات الداخلية لإشعال حالة من
النزاع الأهلي، حتى تستطيع القوى الإقليمية والدولية التدخل في مسار
الربيع العربي، كما حدث في مصر.
وأشار
إلى أنه إذا كانت حالة الاضطراب السياسي قد عرقلت ثورات الربيع العربي، فإن
تلك الحالة أصبحت تمنع عودة منظومة الاستبداد مرة أخرى. فالاضطراب السياسي
له أثر سلبي على الربيع العربي في المراحل الأولى، ثم يصبح أثره سلبيا على
المنظومة السياسية السابقة على الربيع العربي في نهاية الأمر. فلم يعد
القديم يجدي نفعا، خاصة وأنه غير قابل للتطور ووصل لمرحلة الجمود الكامل،
وأصبحت الطبقة الحاكمة في المنطقة العربية تنتمي للماضي وليس للمستقبل. مما
يعني أن الدولة القديمة لم تعد حلا، وإعادة إنتاجها كما حدث في العراق،
بديل فاشل أيضا.
• تحولت ساحات الربيع العربي لحرب إقليمية بالوكالة بين القوى الإقليمية خاصة السعودية وإيران |
لهذا
تبدو المنطقة العربية، وكأنها في حالة من الاضطراب السياسي العميق، في
انتظار حل جديد أو بديل جديد، أي في انتظار بناء نظام سياسي جديد، وفي
انتظار دولة جديدة، ليست مستوردة ولا تابعة، وليست مستبدة ولا فاسدة.
إعادة التقسيم
ونبه
"حبيب" إلى أن حالة الحرب الأهلية تحمل معها مخاطر تقسيم الدول القائمة إلى
دويلات مذهبية وطائفية وعرقية، فقد يكون البديل المتاح أمام قوى الثورة
المضادة، هو تفكيك الدول القائمة، حتى لا تقوم ثورة، ولا يقوم نظام سياسي
جديد، ولا تبقى حتى الدول القديمة. وتفكيك المفكك هو جزء من سيناريو الفوضى
الذي تستخدمه القوى الاستعمارية، كلما حاولت تجديد هيمنتها على منطقة تظهر
فيها حركة تمرد على التبعية للقوى الاستعمارية الغربية. لذا قد تلجأ القوى
الغربية لتفكيك المفكك، حتى لا ينتصر الربيع العربي.
ونبه
إلى أن هناك مخاطر من تفكيك الدول، فقد تتفكك الدول لتصبح دويلات ميليشيات،
أو دويلات أمراء الحرب، ورغم أن مثل هذا النوع من التفكك يتيح الهيمنة
الخارجية، إلا أنه قد يخرج عن السيطرة، مما يجعل الاضطراب يعم المنطقة،
ويهدد السلم العالمي.
قد يؤدي
التفكك إلى قيام أقاليم تسيطر عليها قوى مسلحة، وقد لا تكون بعضها تحت
السيطرة، مما يجعل الاحتلال الإسرائيلي محاطا بدويلات مسلحة لا يمكن
السيطرة عليها جميعا، وهو ما يهدد بقيام حرب عصابات ضد الاحتلال الإسرائيلي
من أكثر من طرف.
التقسيم من الداخل
لافتا
إلى أنه قد يكون البديل لعملية تقسيم الدول، هو المحافظة على حدود الدولة،
ثم تقسيمها من الداخل، بحيث تصبح دولة طوائف، مقسمة لأقاليم داخلية، تمنع
قيام نظام سياسي متماسك، وتؤدي عمليا لبقاء الدول في حالة ضعف مزمن. إذا
حدث التقسيم لا للدول بل تقسيم مناطقي للدولة الواحدة، سوف يسمح بأن تتحول
المناطق داخل الدولة الواحدة إلى مناطق نفوذ لقوى إقليمية، فتصبح الدولة
الواحدة واقعة تحت تأثير عدد من القوى الإقليمية المتنازعة في وقت واحد.
• قد يكون البديل لعملية تقسيم الدول المحافظة على حدود الدولة ثم تقسيمها من الداخل |
ويعد
تحول الدول إلى فيدرالية طائفية لها أساس مناطقي بحسب "حبيب" يجعل كل طرف
داخل الدولة الواحدة له قوى إقليمية يستند عليها، مما يؤدي إلى نوع من
التوازن المانع لسيطرة طرف على كل السلطة، وتصبح كل دولة ساحة لصراع
إقليمي. وفي الدول التي لا يوجد بها انقسام جغرافي طائفي مثل مصر، يبدو أن
قوى الثورة المضادة تحاول دعم نظام سياسي يحقق الاستقرار، دون أن يكون
نظاما سياسيا قويا. فمصر بعد الانقلاب أكثر تبعية من مصر ما قبل الثورة،
وتبدو مصر وكأن الانقلاب العسكري، قد جعلها مجرد وكيل لمصالح إقليمية
ودولية. إذا كان مخطط قوى الثورة المضادة هو الإبقاء على دول هشة ضعيفة،
تحقق الحد الأدنى من الاستقرار الذي يحمي مصالح الغرب، فإن مخطط قوى الثورة
المضادة، ليس إلا سببا إضافيا لتعميق حالة الاضطراب السياسي.
مسار الخروج
ويرى
"حبيب" أنه رغم كل ما قامت به قوى الثورات المضادة من تدمير لدول الربيع
العربي، إلا أنها واقعيا أصبحت لا تسيطر على الأرض، بعد أن أصبح التفاعل
المحلي على الأرض هو المتحكم في مسار التحولات التي تحدث في مناطق الثورات
والاضطرابات. وتفكيك الدول والسيطرة المركزية أنتج قدرا من الإدارة المحلية
على أساس مناطقي، بشكل لا يتيح أي نوع من السيطرة المركزية، وحتى القوى
الثورية والجماعات والتنظيمات ليس لها سيطرة على مجمل المناطق، بقدر ما
تسيطر على منطقة معينة.
• المنطقة العربية بانتظار دولة جديدة ليست مستوردة ولا تابعة ولا مستبدة ولا فاسدة |
فضربات
العنف والفوضى التي استخدمت ضد الربيع العربي برأيه جعلت التحولات تتحدد في
الشارع ومن خلال التفاعل بين عامة الناس، مما جعل القوة الحقيقية تتمثل في
القوى المحلية والمكونات الاجتماعية والتفاهمات المحلية، وهو ما يجعل
السيطرة المركزية لقوى الثورة المضادة غير متاح. وإشعال الحروب الأهلية
التي تقوم على أساس طائفي، يغذي دور الهوية في الصراعات السياسية
والاجتماعية، مما يبرز دور الهوية محورا للصراع. وكل محاولات التفكيك تعيد
المجتمعات للتقسيم على أساس الهوية الفرعية، حتى تغيب الهوية العامة.
وقال
"حبيب" إن دفع دول الربيع العربي وما حولها لمرحلة الاضطراب، يقوي البنية
التحتية اللامركزية للمجتمعات، والتي تقوي دور المناطق والقوى والرموز
والقيادات المحلية، وتقوي دور الهوية المحلية الضيقة، مما يجعل حركة
المجتمع تتأثر بعوامل قاعدية، دون أي سيطرة مركزية.
مع
تزايد دور الهوية في تفكيك المجتمعات، تعود مسألة الهوية الثقافية
والحضارية للواجهة، لتصبح هي عنوانا لسؤال المستقبل، كما أن الثورة هي
عنوان لسؤال المستقبل. مما يربط بين موجات التحرر والثورة، وموجات التمرد
والرفض، وسؤال الهوية والمستقبل.
الخلاصة
وخلص
"حبيب" إلى أنه داخل حالة الاضطراب العميق، تجري معركة الثورة والثورة
المضادة، وتعتقد قوى الثورة المضادة أن الاضطراب العميق سوف يجهض الثورة
تماما، مما يمكن قوى الثورة المضادة من إعادة بناء دولتها القديمة مرة
أخرى، كما هي. والحقيقة أن الاضطراب العميق الذي تستخدمه قوى الثورة
المضادة ضد الثورة، سلاح ذو حدين، حده الأول يعرقل الثورة، وحده الثاني
يقضي على قاعدة النظم الحاكمة السابقة للربيع العربي، مما يعني أن قوى
الثورة المضادة باستخدامها لسلاح الاضطراب والفوضى، تقضي فعليا على دولتها
القديمة.
ويبدو أن
قوى الثورة المضادة تنجح في عرقلة الثورة، ووقف تقدم الربيع العربي، ولكنها
تنتج حالة من الاضطراب السياسي العميق، الذي لا يمكن للدول القديمة أن
تعالجه، مما يجعل الحل في دولة جديدة، ونظام سياسي جديد، وهو ما يجعل
الثورة هي الحل. ويبدو أن مرحلة الاضطراب السياسي العميق، لن تكون فرصة
لإعادة بناء الدولة المستوردة، ولا تفكيكها لعدة دويلات مستوردة أيضا، بل
ستكون فرصة لبناء قاعدة جديدة لدولة جديدة، دولة الربيع العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق