السبت، 19 يوليو 2014

مبادرة السيسي لغزة تؤكد "انقلاب" معايير الأمن القومي المصري

مبادرة السيسي لغزة تؤكد "انقلاب" معايير الأمن القومي المصري

السيسي القاتل
19/07/2014 :

بات من الواضح من خلال تتبع تفاصيل مبادرة السيسي لوقف إطلاق النار في غزة أن ما حذرنا منه عقب الانقلاب من تغير أو "انقلاب" معايير الأمن القومي المصري، بحيث انقلبت نظرية الأمن القومي المصرية التاريخية التي تقوم على اعتبار إسرائيل هي العدو الأول، إلى اعتبار الإسلاميين هم العدو الأول سواء داخل أو خارج مصر.
فلم يقتصر الأمر على التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني في سيناء، ولا نشر قوات الجيش خصيصا على الحدود لحماية السياحة الإسرائيلية من استهداف جهاديين لمدينة إيلات بالصواريخ، ولا التنسيق مع العدو ضد المقاومة في غزة ودعم حصار غزة عبر غلق معبر رفح تماما وهدم 90% من الأنفاق التي يستند لها الشعب الفلسطيني في الحصول على حاجاته الأساسية.
ويمكن هنا رصد أبرز عيوب الموقف المصري من العدوان على غزة في النقاط التالية : 1. أنه لا يراعي نظرية الأمن القومي المصرية التي تعتبر إسرائيل عدوا وهناك مخاوف من أن يكون هذا الموقف المعادي للمقاومة والمتحالف ضمنا مع إسرائيل هو تدشين للتغير في عقيدة الأمن القومي المصري من مواجهة العدو الصهيوني إلى مواجهة ما تعتبره السلطة الحالية عدوا داخليا هو التيار الإسلامي ومن ثم تضيف له فروعه الخارجية كحماس.
2. الموقف المصري تحول إلى "بوسطجي" ينقل رسائل التهديد من إسرائيل إلى المقاومة وهذا الأمر أكده قادة المقاومة وصحف إسرائيلية قالت إن المخابرات المصرية نقلت رسالة من إسرائيل لحماس إنها ستمحو ثلث غزة لو لم يقبلوا اتفاق السلام.
3. وزير الخارجية الحالي سامح شكري الذي عمل مديرا لمكتب وزير الشئون الخارجية أحمد أبو الغيط (2004 - 2005) يتعامل مع القضية الفلسطينية وغزة على نفس طريقة وزيره السابق أبو الغيط.. أي تكسير أقدام الفلسطينيين، ولهذا لم نسمع منه هو أو المتحدث باسم الخارجية سوى تصريحات تهدد وتدين حماس لرفضها المبادرة المصرية من عينه : "لو قبولا المبادرة المصرية لأنقذ 40 فلسطينيا و"أن الخلاف مع حماس عقائدي" و"متتشطروش على مصر طول عمرنا جنب شعبكم".
4. مصر تعاملت مع معبر رفح بنفس طريقة مبارك وأسوأ.. تشديد الحصار على غزة في وقت العدوان وأغلقت في يوم العدوان وعندما انتقدها بان كي مون والعالم فتحته يوما واحدا وأدخلت 11 جريحا فقط ومن معهم الجنسية المصرية فقط ثم أغلقته.
5. مصر تعاملت مع العدوان بمنطق مبارك أيضا وهو إرسال مساعدات غذائية وأدوية فقط وكانت فضيحة أن يتم الكشف عن أن الأغذية التي أرسلها الجيش بها سوس وفاسدة وهي إهانة لمصر وجيشها.
عيوب المبادرة المصرية
أما عيوب المبادرة المصرية نفسها فتتلخص فيما يلي:
1-    أنها ساوت بين الأعمال العدائية الصهيونية بالمقاومة وأطلقت على ما تفعله المقاومة نفس العبارة (وقف الأعمال العدائية) ولم تكتف بمطالبة الفلسطينيين بوقف هذه المقاومة جوًا، وبحرًا، وبرًا، بل وطالبتهم بأن يمتنعوا عن المقاومة من (تحت الأرض) بعدما أزعجوا إسرائيل بخطط حفر الإنفاق.
2    - وحتى لو قيل أن عبارة (الأعمال العدائية) التي وردت في وصف ما تقوم به المقاومة هي نفس العبارة التي وردت في مبادرة مصر 2012 خلال حكم الرئيس مرسي، فالسياق والموقف المصري من غزة في الحالتين يختلف / ففي المبادرة الحالية كان التركيز على وقف إطلاق النار فقط وتأجيل المفاوضات لما بعد ذلك ما يفقد المقاومة قوة الزخم التي فاجأت به العدو / بينما مبادرة 2012 ورد بها بوضوح إلزام إسرائيل بأمور محددة لإطلاق سراح أسري وفك الحصار.
3    -مبادرة مصر 2014 قالت أنه لا يجب (استهداف المدنيين) ما يعني أن من حق إسرائيل استهداف المقاومين وقتلهم ومعروف أنه صعب التفريق بين المدنين والمقاومين في غزة / بينما مبادرة 2012 قالت لا يجوز استهداف (أشخاص) أي لا يجوز قتل أي فلسطيني.
4    المبادرة المصرية صيغت – باعتراف التلفزيون الإسرائيلي وجريدة هأرتس بين مسئولين بالخارجية والمخابرات المصرية والإسرائيلية ولم تعرض على المقاومة مطلقا (باستثناء حركة الجهاد) وتم فرضها عليهم فرضا.
5    ردود أفعال إسرائيل على المبادرة المصرية تؤكد أن لهم يد في صياغتها بدليل : قول وزير المالية (يئير لبيد) أن المبادرة المصرية تحرم حركة حماس من أية إنجازات حقيقية على الأرض، وتضمن ألا تقدم تل أبيب أية تنازلات، وقول رئيس "الموساد" السابق داني ياتوم أن السيسي "يرغب برؤية حماس وهي تنزف".
 6- مبادرة 2012 نصت على أن إجراءات فتح المعابر وغيرها يبدأ تنفيذها بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ / أما مبادرة 2014 فربطت فتح المعابر وغيرها بما أسمته (استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض) وهو ما يفتح باب التلاعب من جانب إسرائيل وفرض شروطها لفتح المعابر.
7- المبادرة المصرية صيغت على عجل ويبدو أن أحد الأهداف المسكوت عنها للتعجيل بالمبادرة هو قطع الطريق على جهود تركيا وقطر لاستثمار صمود المقاومة في قطاع غزة على طاولة المفاوضات، وهو ما استغلته إسرائيل لرفع سقف أهدافها بعد المبادرة، فلم يعد المطلوب وقف إطلاق النار فقط بل نزع سلاح قطاع غزة برمته ووقف تصنيع الصواريخ وإعادة القطاع لـ"بيت الطاعة" الإسرائيلي. تغير العقيدة الأمنية المصرية ولا يمكننا أن ننسي هنا أن الانقلابيين قلبوا طاولة الأمن القومي المصري رأسا على عقب وبدلا من أن تكون إسرائيل هي العدو الأول لمصر والعرب، أصبحت المقاومة الفلسطينية التي تسعي لتحرير أراضيها المحتلة هي العدو، وأصبحت إسرائيل تدخل بلاد العرب بحرية ويرفع علمها ولا يعتبرها كثير من العرب "عدوا" !.
وبالمقابل أصبح أهل فلسطين هم العدو.. والإسلاميون - تحت لافتة محاربة الإرهاب - هم العدو، وبات التحالف مع تل أبيب وواشنطن لمحاربة هذا الإرهاب الإسلامي هو عنوان المرحلة، وهو "حول" في الرؤى الإستراتيجية يؤكد أن الانقلاب ليس انقلابا على الديمقراطية فقط ولكنه انقلاب على الثوابت المصرية ونظرية الأمن القومي المصري ويطرح تساؤلات حول تداعيات هذا مستقبلا ؟.
لقد لخص موقع تلفزيون "بلومبرج" Bloomberg الأمريكي القصة كلها وقال إن السيسى قائد الانقلاب فشل في الأهداف التي ادعى الانقلاب بسببها، وهى منع حرب أهلية وإعادة البلد سريعا لطريق الديمقراطية، وتحقيق الاستقرار، وقال بلومبرج تحت عنوان Egypt’s Coming Civil War (مصر مقبلة على حرب أهلية) أن سياسات السيسى الصفرية تقود للعكس، وتدفع مصر لحرب أهلية، وتهدم الاستقرار والاقتصاد، لأنه يعتبر التيار الإسلامي عدو.
أيضا قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني في دراسة عن دور الرئيس السيسي في أزمة غزة الحالية بعد العدوان الصهيوني أن (السيسي غير قادر أو مستعد ولا يصلح للعب دور في حل أزمة الصراع بين غزة وإسرائيل لأنه منحاز لإسرائيل والغرب ويعتبر حماس "ارهابية").
وقال المعهد – وهو أحد مؤسسات جماعة الضغط الصهيونية (إيباك) - في دراسة كتبها "إيريك تريجر" تحت عنوان (مصر السيسي ونزاع غزة) أو Sisi's Egypt and the Gaza Conflict، بتاريخ 14 يوليو الجاري 2014، إن لـ "السيسي دورا في جهود الغرب لاحتواء حماس" حتى في فترات الهدوء قبل الحرب، وهو أمر معلوم وتحدثت عنها صحف أمريكا بعبارة (رجلنا في مصر) وتحدثت عنه صحف تل أبيب بوصف السيسي بأنه "أكثر من مجرد كنز استراتيجي" وأنه صديق إسرائيل المخلص في مصر!!
وقد ذكرت دراسة حديثة لـ"معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" أن : " السيسي كرئيس لمصر سيكون هو الإمكانية الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وحكمه سيكون أفضل لإسرائيل من حكم الإخوان الذين يقفون موقفًا معاديًا من إسرائيل.
وقالت الدراسة - التي أعدها (أفرايم كام) الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، ونشرت في مجلة المعهد "مباط عال"، العدد 557، 2 يونيه 2014 – "إن السيسي يعتبر السلام مع إسرائيل رصيدًا استراتيجيًا لمصر، وهو لا يشكك بأهميته وأعرب صراحة عن احترامه له ". وقالت : "يعتبر السيسي "حماس" تنظيمًا إرهابيًا له علاقة بالإخوان، وأنه سيواصل منع أعمال تهريب السلاح من سيناء إلى قطاع غزة، وسيقوم بالمزيد من التفاهم والتنسيق مع إسرائيل في المجال الأمني، ولهذا سمحت له إسرائيل بوضع قوات مصرية في سيناء تتعدى ما نُصّ عليه في اتفاقية السلام، وكذلك عندما تحركت لدى الإدارة الأمريكية من أجل تقليص الاحتكاكات بينها وبين الزعامة المصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق