خطاب العنصرية والكراهية!
بقلم : أ. د. حلمي محمد القاعود
في التمهيد لانقلاب العسكر بدأت الأذرع الإعلامية
للانقلاب في التلفزة والإذاعة والصحافة تشيطن الإسلام والمسلمين، وتتخذ من
سلوكيات بعض الأشخاص ذريعة لإدانة العقيدة والشريعة معا، ووضع الانتماء إلى
الإسلام في خانة الخيانة العظمى للوطن والشعب، والتأكيد أن المسلمين
يدخرون ولاءهم للخلافة وليس للأوطان.
الإسلام عند الانقلابيين مرادف للدروشة، ولذا يرضون عن
المسلمين الدراويش الذين لا علاقة لهم بالواقع وما يجري فيه، ويرون أن
التدين الشكلي هو المطلوب من المسلم في هذا الزمان، أما المسلم الذي يتناول
قضايا المجتمع ويدعو إلى المشاركة في بنائه واختيار قياداته ومناقشة حكامه
فيما يفعلون، فهو مسلم يعبر عن انحراف وتطرف وإسلام سياسي؛ ووضع للمقدس
مكان المدنس!
بعد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في 3/7/2013م، عبر
الانقلابيون عن عنصريتهم الفاضحة وكراهيتهم الشنيعة للإسلام بشتى الوسائل،
كان في مقدمتها الإعلام والصحافة والأغاني، فقد نسبوا إلى الحركة
الإسلامية التي فازت بالأغلبية العظمى من الأصوات والنواب في الانتخابات كل
نقائص الكون وشيطنوها، وجعلوها بالكذب دموية الفكر والسلوك، وعدوها
بالباطل شعبا آخر غير شعب الانقلاب، لهم إله آخر غير إله الانقلابيين.
انطلق الانقلابيون للتعبير عن عنصريتهم الفجة
وكراهيتهم الآثمة بارتكاب جريمة غير مسبوقة في التاريخ المصري عندما
استخدموا الرصاص الحي والمدفعية والطائرات المروحية في قتل ما يقرب من سبعة
آلاف مسلم في الحرس الجمهوري والمنصة والمنصورة ورابعة العدوية والنهضة
ومسجد الفتح ورمسيس وأكتوبر ودلجا وكرداسة وناهيا وبقية المحافظات، وما زال
الرصاص حتى اليوم يُسقط الشباب الثائر المسالم الذي يخرج في المظاهرات
رفضا للعنصرية والكراهية والدم، هذا عدا الجرحى والمصابين الذين تجاوزت
أعدادهم عشرين ألفا وحولت الإصابات بعضهم إلى حالات إعاقة مستديمة.
ترافق مع ذلك إطلاق مصطلحات الإرهاب والتكفير والذين
لا يعرفون الله على المعارضين للانقلاب، وأخذت بيانات عسكرية تتكلم رسميا
عن قتل تكفيريين والقبض على إرهابيين.
صار وصف التكفيريين سببا مقنعا للقتل، والإرهاب مسوغا قانونيا للاعتقال والرمي وراء الأسوار.
بالطبع لا أحد هناك يحدد من هو التكفيري أو الشخص
الإرهابي. ولا أحد يوضح كيف تعرف طائرات الأباتشي وهي تحلق في الهواء أن
الفقير الذي يسكن مع غنماته في عشة بشمال سيناء أو جنوبها هو تكفيري يجب
قتله وتشييعه إلى الآخرة؟ ولا أحد أيضا يقدم لنا مواصفات الطلاب والطالبات
الذين يقبض عليهم في المدرجات والمظاهرات ويوصفون بالإرهابيين!
الخطاب الإعلامي ينسب كل جريمة إلى الإخوان. كل من
يعارض الانقلاب إخواني ولو لم يكن يعرف من هم الإخوان، تظاهرات العمال تنسب
للإخوان، تعطيل أتوبيسات النقل العام بسبب الإخوان، لو اختلف جار مع جاره
على ركن السيارة فهو إخوان. فشل إدارة حكومية يعزونه للإخوان الذين (زرعوا)
عددا من أنصارهم في الإدارة المذكورة. يجب استئصال الإخوان من وزارة كذا
لأنهم يعطلون العمل. إقصاء آلاف الأئمة والخطباء لأنهم إخوان.. باختصار من
ينسب للإخوان بالحق أو الباطل لا مكان له في دولة الانقلاب العسكري الدموي
الفاشي، فالوطن مكان لشعب الانقلاب وحده، أما الشعب الآخر فلا محل له في
مصر إلا داخل السجون!
لغة الدم راجت في الخطاب الإعلامي بلغة فجة وقحة.
شيوعي حكومي متصهين دعا في مقال له إلى تكوين فرق عسكرية بوليسية لاغتيال
الإخوان أو معارضي الانقلاب وتفاخر أن أباه كان عسكري درك! شبه شيوعي دعا
إلى تصفية أبناء الشوارع والمشردين بالرصاص الحي مثلما فعلت البرازيل
للتخلص من مشكلتهم المزمنة، ولسوء حظه فإن سفير البرازيل احتج بشدة ونفى
هذه الفلسفة الدموية.
صحفي فاشل وسافل كتب في عنوان مقاله يوم 1/7/2014:
«اعدم المسجون.. يخاف السايب» يقصد إعدام معارضي الانقلاب أو الإخوان الذين
صاروا الاسم الكودي لكل من يعارض الحكم العسكري والديكتاتورية ومصادرة
الحريات، ويقول الصحفي الفاشل السافل في مقال بعنوان "إنهم صهاينة الإسلام"
- 22 مايو 2013: "كنت أتصور أن إسرائيل فقط هي «العدو التاريخي» لمصر...
لم أكن أتصور أن هذا «السلام» سيخلق عدواً جديداً.. أشد كرهاً لمصر وأكثر
تجرؤاً على هيبتها من إسرائيل – يقصد الإسلاميين". ثم يهبط الفاشل السافل
إلى درك سحيق ليتقرب إلى الانقلابيين الدمويين في مقال له بتاريخ 19 سبتمبر
2013 ويسوغ الاستبداد والحكم البوليسي العسكري: "مش عايز أي «جزمة قديمة»
يتكلم عن «الداخلية» أو «عودة الدولة البوليسية» أو «قانون الطوارئ».
نريدها «بوليسية» بامتياز. نريدها «فاشية» في بوليسيتها. نريدها شوكة في
ظهر كل دعاة المصالحة وحقوق الإنسان. نريدها «حجة» في مواجهة إرهاب الإخوان
وحلفائهم والآكلين على موائدهم ممن صدّعوا رؤوسنا بأسطوانة «الدم
الحرام»".
ثم يكرر الفاشل السافل دعوته إلى القتل والإبادة في
مقال آخر بتاريخ 18 ديسمبر 2013: "أقسم بالله العظيم.. لو كان القرار بيدي
لأعلنتها «حرب إبادة» ضد هؤلاء القتلة. لو كان القرار بيدي لأمرت بتشكيل
«فرق موت» لملاحقة وتصفية كل من ينتمى إلى هذه الجماعة الخائنة، أو من
يُشتبه في انتمائه إليها، أو من يدافع عنها، أو يتعاطف معها بالقول أو
الكتابة أو حتى بمصمصة الشفاه. لو كان القرار بيدي لفعلت بهم ما فعلته
كنيسة أوروبا بساحرات القرن السابع عشر: الإعدام حرقاً في كل ميادين مصر!".
هذه الدعوات إلى القتل وتحكيم الدم وإرهاب الشعب باسم الدفاع عن الشرطة والمجتمع لا يرضاها قانون ولا دين ولا أخلاق.
تعلم الدنيا كلها أن من يرتكب جريمة يعاقب عليها في
محاكمة عادلة لا تخضع للهوى السياسي أو التوجه الفكري، ولكن الاستبداد
وخدامه يحاولون غسل أدمغة الناس بالباطل، وإقرار مبدأ القوة فوق الحق
والدستور والقانون. وهذا هو جوهر خطاب العنصرية والكراهية الذي يتجاوز
إقصاء معارضي الانقلاب الدموي إلى استئصال الإسلام!
لابد أن تضع قوى الحرية والكرامة والديمقراطية في
حسبانها صياغة قانون يحرم العنصرية والكراهية، ويعاقب من يدعو إليهما أو
يحرض عليهما أو يمارسهما في الواقع الاجتماعي بأشد العقوبات.
إن العدو النازي اليهودي لا يفرق بين اليهود بمثل هذه
البشاعة التي نراها في بلادنا. إنه يسمح لمن يسمون بالمتشددين اليهود
بتكوين أحزابهم وصحفهم، بل يسمح للإخوان المسلمين في الخط الأخضر بالعمل
والحركة وترشيح نواب للكنيست، ولا يعدهم إرهابيين كما فعلت حكومة الدم
والقتل عندنا! لابد أن يرتفع صوت الأحرار في كل مكان ضد العنصرية والكراهية
حتى يكون الوطن جديرا بنا!