أين يقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
دراسة بقلم: محمد الشبراوي، كاتبٌ صحفيٌ وباحثٌ، محامٍ وناشطٌ سياسيٌ مصري.
عرضنا منها «بعد ثلاث سنوات من المجزرة أين يقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان؟». تبعناه بتقرير: «حقيقة الموقف الغربي من الأحداث في مصر». ونستعرض في هذا الموضوع: إجابةً على سؤال «هل حقوق الإنسان والديمقراطية دعاوى وأدوات ضغط؟» ويتبعها في موضوعٍ أخير ما بقي من الدراسة ورابط تحميلها كاملة.
ثالثا: هل الديمقراطية وحقوق الإنسان دعاوى وأدوات ضغط؟
منذُ الثالثِ من يوليو 2013 وما تلاه من أحداثٍ قمعيةٍ ومجازرَ مروعةٍ لأول مرةٍ في تاريخ مصرَ بلغت ذُروة الدَّموية في رابعةَ والنهضةِ وثمةَ من يؤملون دعم الحكومات الغربية وأميركا (عبر نافذة حقوق الإنسان و الديمقراطية) في ملاحقة النظام العسكري على جرائمه وانتهاكاته في حق المصريين، والدفعِ نحو مسار الديمقراطية والحرية.
وفي سبيل ذلك اتُّخذَتْ خَطَواتٌ عديدةٌ عبر وسائلَ متنوعةٍ أسهمت بلا شكٍ في تعريف شعوب العالم بما وقع من النظام الحاكم في مصر ومثلت أيضًا نوعًا من الحرج للحكومات الغربية أمامَ شعوبِها.
على مدار ثلاث سنواتٍ مضَتْ من السعي لمحاسبة النظام المصري على الجرائم التي ارتُكبت وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة لم ينتج عن القُوى الدوليةِ سوى التصريحاتِ والتوصيات على استحياءٍ دون إجراءاتٍ ملموسةٍ على أرض الواقع.
اتجاهات مختلفة للتغيير:
ورغم أن هذه الخطوات مثلت نوعًا من الضغط على النظام المصري إلا أن فريقًا من الحقوقيين ومعهم سياسيون يرون أنْ ثَمَّة قصورًا من جانب رافضي الانقلاب يتعلق بمسارات ثلاثة هي-التوثيق والمتابعة الجنائية وجماعات الضغط–[i]– وأنَّ تدارك القصور في هذه الجوانب سوف يحقق النتائج المرجوة لمحاكمة المسؤولين أمام المحاكم الجنائية الدولية ويُلزم القُوى الغربيةَ بما يُسهم في إحداث تغييرٍ في الأوضاع ولو على المدى البعيد وينتصرُ على الأقل للدماء التي سالت والحقوق والحريات التي انتُهكَت.
وعلى جانب آخر هناك من يرى أن هذا التوجه لن يأتيَ بثماره مع قُوى النظام العالمي سواءٌ على المدى البعيد أو حتى الأبعدِ. وكذلك يرى آخرون من أنصار النظام في مصرَ أن الغرب يُحرِّض ضد مصر (النظام المصري) بحجة “حقوق الإنسان”.[ii]
وبين أصحاب الرؤى السابقة حول الموقف الغربي من قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية المنتهَكة يقف الواقع وشواهد التاريخ.
ما هي جدوى الخطوات التي اتخذها رافضي الانقلاب؟
مما لا شك فيه أن الخطوات التي جَرَتْ حتى اللحظة مثلت ضغطًا على النظام المصري في الغرب وقد شاهد الجميع آثاره، عبر البث الحي في مناسباتٍ عديدةٍ؛ غيرَ أن الغرب دأب على الإفادة من ذلك فقط لدفع النظام في مصر لتحقيق مصالحه، ومصالح الكيان الصهيوني على حساب الشعب المصري؛ فيستمرُّ النظام في انتهاكاته وعلى جانبٍ آخر يحقق ما يريده الغرب وأميركا عبر مزيدٍ من الانبطاح للإرادة الخارجية، بحيثُ يضمن استمرارَه ولو على حساب المصالح الوطنية والثوابت الاستراتيجية، ووَفقًا لما سبق يتحقق ما أشرنا إليه حول ما يريده الغرب من مصرَ.
أيضًا وعلى جانبٍ آخر فإنه لا تتحققُ مكاسبُ لرافضي الانقلاب تدفع في اتجاه المسار الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان إلا ما يتماشى مع رغبات الغرب، في قضايا تتصادم في الغالب مع هُوِيةِ الشعب المصري وثقافته الإسلامية، وبعيدة عن القضايا الأساسيةِ التي لا تختلف عليها الثقافات والأعراف الإنسانية.
لمحاتٌ من الواقع والتاريخ
من خلال الواقع والتاريخ يُمكنُ التنبؤُ إلى المدى الذي يمكن أن تتحقق فيه التوقعات والتمنيات بنصرة الغرب للديمقراطية أو حقوق الإنسان.
إن الغرب ومَعَه الأممُ المتحدة-التي يهيمن عليها-وسائرُ المنظمات الأخرى على مدار العقود الماضية لم ينتصروا أبدًا لـ “حقوق الإنسان” أو “الديمقراطية” إلا حيثُما تتحقق مصالح الغرب والكيان الصهيوني المُنتهِك الأول لـ “حقوق الإنسان” في فلسطين المحتلة.
فقرار(الفيتو) الذي طالما استخدمته أميركا ضدَّ أيِّ مشروع قرارٍ يدعو الكيان الصهيوني للامتثال لاتفاق جنيف الخاصِّ بحقوق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك منعُ صدور أيّ قراراتٍ من الأمم المتحدة ضدَّ مصالح الدول الخمس صاحبةِ الفيتو على حساب الشعوب المستضعَفة والديمقراطية وحقوق الإنسان، كل ذلك يؤكد على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا مجرد دعاوَى وشعاراتٍ تتستر خلفها القُوى الدَّولية.
أمثلة من الواقع المعاصر
إن الواقع المعاصر يعج بالأمثلة خاصةً إذا تعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبجماعاتٍ وأحزابٍ إسلاميةٍ أو أفرادٍ ينتمون إلى مَرجعيةٍ إسلاميةٍ فإن حقوقَ الإنسان والحريات تُنحرُ نحرًا على مَذبح المصالح وصراعُ الحضاراتِ والأمثلةُ على ذلك لا حصرَ لها في (فلسطين، وسورية والعراق، والبوسنة، والهرسك، وأفغانستان، وأفريقيا الوسطى، وبورما وغيرها).
في مصرَ على سبيل المثال حدَثَ أن منظمات حقوق الإنسان في أميركا وأوروبا وقياداتٍ سياسيةً رفيعةً طالبت بالإفراج عن علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، كذلك هبَّتْ انتفاضةٌ حقوقيةٌ عند احتجاز المخابرات الحربية للصحفي والناشط حسام بهجت حتى أن السكرتيرَ العام للأمم المتحدة (بان كي مون) أعرب عن قلقه تجاهَ ذلك، وهذا وإن كان أمرًا جيدًا ومحمودًا لكنْ أين هي تلك المنظمات وهؤلاء المسؤولون رفيعو المستوى من آلاف القتلى وعشرات الألوف من المعتقلين الذين ينتمون للتيار الإسلامي والأحزاب الإسلامية.
ميزانان للحكم
في عهد مبارك تحرك الغرب وأميركا وسائر منظماتهم للدفاع عن الدكتور سعد الدين إبراهيم-لمَّا صدر بحقه حكمٌ بالسَجنِ من القضاء المصري-حتى أن الرئيس الأميركي وقتَها (جورج بوش الابن) هدد بمنع المعونات الأميركية الإضافية عن مصر حتى بعد أن نُقِضَ الحكمُ وصدر حكمٌ مخففٌ عليه، كما زاره في سِجنه سفراءُ المجموعة الأوربية الخمسةَ عشَرَ بالإضافة إلى سفراء كندا وأميركا وأستراليا وممثلي جمعيات حقوق الإنسان ومحامين-وهذا كلُّه ليس له أثرٌ معَ رئيسٍ منتخبٍ هو (الدكتور محمد مرسي) وكذلك رئيسُ البرلمان المنتخب (الدكتور سعد الكتاتني) و وزراءِ حكومةٍ منتخبةٍ وأعضاءِ مجالسَ نيابيةٍ منتخبينَ من الشعب!؟
غيرَ أن ما سبق ليس بمستغرَبٍ فالغرب وأميركا ومنظمات حقوق الإنسان لم يتحركوا بذات القوة التي تحركوا بها من أجل أفرادٍ تجاهَ موتِ ما يقارب 500 ألفِ شخصٍ في رواندي عام 1994 و أكثر من 200 ألفِ مسلمٍ في حربِ إبادةٍ وحشيةٍ بغطاءٍ دَوليٍّ في البوسنة والهرسك، كذلك الحربُ على العراق فقد تسببت أميركا وحلفاؤها الغربيون في قتل الملايينِ من أهل العراق وكذلك في أفغانستانَ واليومَ يحدث في سوريةَ مجازرُ يوميةٌ في حقِّ مدنيينَ عزَّلٍ و مئاتِ الآلاف من الضحايا وملايينِ المشردينَ وما حدث ويحدث كلَّ يومٍ في فلسطين على أيدي قوات الكيان الصهيوني، كلُّ ذلك ليس ببعيدٍ.
استغلال ملف حقوق الإنسان والديمقراطية
إن حقيقةَ الموقف الغربي من الديمقراطية وحقوق الإنسان وكونَها مجردَ دعاوَى وأدواتِ ضغطٍ أم أنها غيرُ ذلك يعبر عنه بوضوحٍ تقريرٌ للمنظمة الأميركية لحقوق الإنسان نشرته (مجلة لوفوفيل أوبزرفاتور) بتاريخِ 22-3-1993 في عددها الثالثَ عشَرَ إذ ذكرت فيه:
«إن مبدأَ حقوق الإنسان مِظلةٌ جميلةٌ تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم وليس كهدفٍ لإنجاح عملياتِ السلامِ، وكانت مظاهرُ هذا التهاونِ كبيرةً وعديدةً تتجلى في فقدان الصِّدقِ وفي فشل العمليات وعدمِ القدرة على إيجاد الحلول الناجعةِ لحل النزاعِ.» [iii]
إن ملفَّ حقوق الإنسان والديمقراطية لا يتعاملُ معه الغربُ وأميركا متجردينَ للقيم الإنسانية والأخلاق ولكنه أداةٌ للاستغلال حسب مصالحه. يُضافُ إلى ذلك أن الغرب وأميركا ينظرون إلى مصرَ والبلادِ العربية والإسلامية نظرةً دونيةً ويَعُدُّونهم مَفرخًا للإرهابيين و مِن ثَمَّ فحقوقُ الإنسان والديمقراطية بعيدةٌ عن طرق أبوابهم.
ويعبر عن ذلك ريتشارد هاس- ذو الميول الصهيونية-مديرُ التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية في كلمته التي ألقاها أمام مجلسِ العَلاقاتِ الخارجية قبلَ أسبوعٍ تقريبًا من إعلان كولن باول وزيرِ الخارجية الأميركي السابق عن مبادرةِ شراكةٍ بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط فقد قال:
«إن التجارب القاسية علمتنا أن مثل هذه المجتمعات ( العربية والإسلامية ) مصدرُ الإرهابيين والمتطرفين الذين يستهدفون أميركا لتأييدها للنظم الحاكمة في بلادهم.»
لذلك فإن على شعوبِنا المقهورةِ أن تدركَ بأن الديمقراطية الليبرالية الغربية حقٌّ خاصٌّ بالغرب، وأن البلدان الرأسمالية لا تسمح بتمتعِ الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية خوفًا من أنها قد تمنع الشركاتِ الرأسماليةَ من استغلالها، بل قد يقرر شعبٌ ما التحررَ من المستعمرين.
وهنا يؤكد الباحث كازانجيكيل على “أن النظام الرأسمالي يمنع قيام المواطنين في العالم الثالث بخَلق رأسماليتِهم المحلية المستقلة. الأمر الذي منعهم من مكافحة بيروقراطيةِ دولتهم التابعةِ أو سيطرتهم على الحكومة والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية كأيِّ دولةٍ غربيةٍ ذاتِ سيادةٍ… فالدولة المحلية تكوَّنت لحماية الإنتاج الرأسمالي للشركات عابرةِ الأوطان التي تموِّل الدولة العميلة لهذا الغرض. [iv]
لكنْ يبدو أن الغرب راضٍ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفةٍ من المستبدينَ العربِ، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعَونها. في مناطق العالم الأخرى، متوقعٌّ من الحكومات–من حيثُ المبدأِ على الأقل–أن تخدمَ شعوبها، لكن الغرب ينظر إلى أباطرة ومستبدي العالم العربي وكأنهم ضمانة “الاستقرار”، حتى لا ينزاح الغطاء عن صندوق المطالب الشعبية. العالم يروج لحقوق الإنسان كقاعدةٍ عامةٍ، لكنَّ العالمَ العربي هو الاستثناءُ في نظر العالم.[v]
المصادر
[[i]]أحمد مفرح –ناشط حقوقي (تقييم للعمل الحقوقي بعد ثلاث أعوام على جرائم النظام العسكري) الصفحة الشخصية فيس بوك بتاريخ 5/8/2016
[[ii]]اليوم السابع (الغرب يحرض ضد مصر بحجة ” حقوق الالانسان”24/4/2016-http://m.youm7.com/…/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1…/2689071
[[iii]] (مجلة لوفوفيل أوبزرفاتور) العدد الثالث عشر بتاريخ 22-3-1993
[[iv]] البروفيسور العراقي -كمال مجيد – الديمقراطية للغرب وليست لنا-صحيفة رأي اليوم بتاريخ 16/12/2016
[[v]] كينيث روس المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووشت، (حان وقت التخلي عن الطغاة والتمسك بحقوق الإنسان: رد الفعل الدولي على الربيع العربي).
المصدر أمة بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق