الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

جمال حمدان يصف مصر وحكم العسكر



 
  جمال حمدان يصف مصر وحكم العسكر
...من روائع المفكر المصري الكبير جمال حمدان وهو يصف مصر وحكم العسكر فيها بدقة متناهية ومعبرة عن الواقع .
مقتططفات أخذتها لكم من كتابه "شخصية مصر " كتنويه فقط فإن المفكر جمال حمدان رحمه الله مات سنة 1993 قتيلا في شقته وقد قُيّدت قضيته ضد مجهول .

لا تفوتكم هذه المقتطفات لانها فعلا تعبر عن الواقع الذي تعيشه مصرنا .
أما العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي تقليديا علاقة قهر ومقت ، إكراه وكره ، استبداد وحقد ، بينما العلاقة بين الحكومة والشعب هي الريبة والعداوة المتبادلة بكل التفاهم الصامت ، إن لم تعد الأولي ، فإنها - لسوء الحظ أكثر – عرفت غالبا العصابة ، ولا نقول أحيانا " الحثالة الحاكمة " ، بمعني عصبة مغتصبة تستمد شرعيتها من القوة غير الشرعية .

ومن هنا فلئن كانت مصر الطبيعية حديقة لا غابة ، فقد كانت بشريا غابة لا حديقة ، وإن كانت زراعيا مزرعة لا مرعي ، فقد كانت سياسيا مرعي لا مزرعة للأسف ، بالتالي فكثيرا ما كانت مصر إلي حد بعيد حكومة بلا شعب سياسيا ، وشعبا بلا حكومة اقتصاديا .....فخلال أكثر من 5000 سنة لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة محققة مؤكدة ، مقابل بضع هبات أو ثورات قصيرة متواضعة أو فاشلة غالبا ، مقابل عشرات بل مئات من الانقلابات العسكرية ، يمارسها الجند والعسكر دوريا كأمر يومي تقريبا منذ الفراعنة ، وعبر المملوكية ، وحتي العصر الحديث ومصر المعاصرة ...

...وهكذا وبقدر ما كانت مصر تقليديا ومن البداية إلي النهاية شعبا غير محارب جدا ، أو إلي حد بعيد في الخارج ، كانت مجتمعا مدنيا يحكمه العسكريون كأمر عادي في الداخل ، وبالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب ، ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم ، وفي ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب كثيرا ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي مع الغزاة والأعداء في الخارج ، والحل العسكري مع الشعب في الداخل ، فكانت دولة الطغيان كقاعدة عامة استسلامية أمام الغزاة بوليسية علي الشعب ".
...من هذا وذاك – كيف لا ؟ - جاءت لعنة خضوع الحكم العسكري الاغتصابي الاستسلامي للاستعمار الأجنبي علي المستوي الخارجي ، ولعنة خضوع الشعب السلبي المسالم للحكم البوليسي في الداخل ، وهي جميعا سلسلة متناقضات ساخرة بقدر ما هي قطعة من الاستمرارية المأساوية المحزنة المخجلة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق