الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

ضريبة الدم والمال:

ضريبة الدم والمال:
الرجل الذى يعيش لنفسه فقط، لا ينتفع به وطن، ولا تعتز به عقيدة ولا ينتصر به دين. 




كتاب : تأملات في الدين والحياة – تأليف : الإمام محمد الغزالي
الحلقة [ 3 ] سياسية الحرية والكفاح (2)
• ضريبة الدم والمال:
الرجل الذى يعيش لنفسه فقط، لا ينتفع به وطن، ولا تعتز به عقيدة ولا ينتصر به دين. ولا قيمة لإنسان يكرس حياته لإشباع شهواته وقضاء لباناته فإذا فرغ منها لم يهتم لشىء ولم يبال بعدها بمفقود أو موجود!
مثل هذا المخلوق لا يساوى فى ميزان الإسلام شيئا. ولا يستحق فى الدنيا نصرا ولا فى الآخرة آجرا.
لا قيمة للإنسان إلا إذا آمن بربه ودينه. ولا قيمة لهذا الإيمان إلا إذا أرخص الإنسان فى سبيله النفس والمال.


وقد بين لنا القرآن الكريم أن الرجل! قد يحب أن يعيش آمنا فى سربه، وادعاً بين ذويه وأهله، سعيدا فى تجارته، أو مطمئنا فى وظيفته، مستقرا فى بيته ومستريحا بين أولاده وزوجته.
بيد أنه إذا دعا الداعى إلى الحرب وقرعت الآذان صيحات الجهاد فيجب أن ينسى الإنسان هذا كله. وأن يذهل عنه فلا يفكر إلا فى نصرة ربه وحماية دينه وإنقاذ آله ووطنه... وإلا فإن الإسلام منه برىء:
(قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين).
والأمة التى تستثقل أعباء الكفاح وتتضايق من مطالب الجهاد إنما تحفر لنفسها قبرها وتكتب على بنيها ذلا لا ينتهى آخر الدهر!
وما ساد المسلمون إلا يوم أن قهروا نوازع الخوف، وقتلوا بواعث القعود، وعرفتهم ميادين الموت أبطالا يردون الغمرات ويركبون الصعاب.


وما طمع الطامعون فيهم إلا يوم أن أخلدوا إلى الأرض، وأحبوا معيشة السلم، وكرهوا أن يدفعوا ضرائب الدم والمال. وهى ضرائب لابد منها لحماية الحق وصيانة الشرف، ولا بد منها لمنع الحرب وتأييد السلام، إن كرهنا الحرب وأحببنا السلام...
إن كثيراً من المسلمين يحبون أن يعيشوا معيشة الراحة والهدوء والاستكانة برغم ما يهدد بلادهم من أخطار، وما يكتنف مستقبلهم من ظلمات، وحسبهم من الدنيا أن يبحثوا عن الطعام والكسوة، فإذا وجدوا من ذلك ما يسد المعدة ويوارى السوأة فقد وجدوا أصول الحياة، واستغنوا عن فضولها!
وتلك لعمرى أحقر حياة وأذلها، وما يليق ذلك بأمة كريمة على نفسها، بله أمة كريمة على الله أورثها كتابه وكلفها أن تعمل به وأن تدعو الناس إليه!
ألم يسمع هؤلاء أنباء الحروب العظيمة التى دارت رحاها فى الغرب؟ ألم يروا ضروب البسالة وألوان التضحية التى كان يبذلها كل فريق؟
ألم يروا كيف أن جنودا تنتحر ولا تستسلم للأسر، وأن فرقا من الفدائيين كانت تقف حياتها على المهمات القاتلة، فهم يدفعون أرواحهم ثمنا لها، فى غير وجل أو تردد. فأى حياة ترجوها الشعوب الخوارة والكسول إلى جانب هؤلاء؟
وأى نصر يطلبه أهل الحق إذا أغلوا حياتهم على حين يرخص أهل الباطل أنفسهم فى سبيل ما يطلبون؟
وإذا ضننا على القه بضريبة الدم والمال، فما طمعنا فى نصرته أو أملنا فى جنته، وهو القائل: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون).
إن الإسلام دين فداء ودين استشهاد. عرفه كذلك أسلافنا الأمجاد فأحرقوا أعصابهم وعظامهم فى سبيل الله، لا يبالون بالموت!
كيف وهو الذى يطلبون، وفيه يرغبون؟ فكان هذا الشعور الغامر هو الدعامة المكينة التى بنوا عليها تاريخهم، وسجلوا فيه صحائف خلودهم، فعاش من عاش سعيدا، ومات من مات شهيدا.
أما الرجل الذى ينصرف إلى الدنيا ويترك دينه ينهزم فى كل ميدان فلن ينال خير الدنيا ولن يذوق حلاوة الإيمان، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " لن يُؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين " . .


• بالنفس والنفيس:
عن شداد بن الهاد: أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فآمن به ثم قال له: أهاجر معك؟- وكان من الأعراب البدو- فأوصى به النبى كل صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه وضمه إلى جنده…
فكانت غزاة انتصر فيها المسلمون وغنم النبى فيها شيئا، فقسمه على من معه وأرسل إلى الأعرابى نصيبه! فلما وصل إلى الأعرابى قال: ما هذا؟ قال: حظك من الغنيمة قسمته لك!
قال: ما على هذا اتبعتك! ولكن اتبعتك على أن أرمى بسهم إلى ههنا- وأشار إلى حلقه بيده- فأموت، فأدخل الجنة.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إن تصدق الله يصدقك. ثم نهضوا فى قتال العدو..
وما لبثوا إلا قليلا حتى جىء بالأعرابي محمولا وقد أصابه سهم فى حلقه حيث أشار بيده!! قال النبى صلى الله عليه وسلم : أهو هو؟؟ قالوا: نعم.
قال: صدق الله، فصدقه! ثم كفن فى جبة النبى صلى الله عليه وسلم: ثم قدمه فصلى عليه. فكان مما ظهر من صلاته على الأعرابي القتيل: "اللهم: هذا عبدك خرج فهاجر فى سبيلك. فقتل شهيدا. وأنا على ذلك شهيد " !!. .
----------

 #محمد_الغزالى #تأملات_في_الدين_والحياة
Image may contain: 1 person , text

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق