ما الذي يفعله السيسي؟
بقلم : معن البياري
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن
رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".
طريفٌ الكلام الكبير الذي يحاول إعلاميون مصريون، تستضيفهم فضائياتٌ عربية، بيعَه لنا، عن القرار المصري المستقل، وأن عبد الفتاح السيسي يتخذه بناءً على حسابات الأمن القومي المصري. يقول هؤلاء هذا الكلام، مثلاً، بشأن الصلةِ غير الخافية التي يقيمها نظام السيسي مع نظام بشار الأسد، خصوصاً عندما يأتون، في أثنائه، على حرب مصر وسورية معاً في 1973، وهم يشرحون أسباب تصويت القاهرة في مجلس الأمن مع مشروع قرار روسي بشأن حلب وسورية. ويبعثُ على الشفقة على حالهم أنهم كانوا سيثرثرون بكلامهم هذا نفسِه، لو صوّت مندوب السيسي في الهيئة الأممية ضد مشروع القرار الروسي، وكذلك لأن المرجلة التي يزاولها النظام الراهن في القاهرة لا تستحق إجهاد الذهن بالذهاب إلى معارك حرب أكتوبر، ولا بالتخريف المتورّم عن سيادةٍ واستقلالٍ وأمنٍ قومي، فالمسألة لا تتجاوز اعتبارَها اصطفافاً مع ما يمثله الأسد من استبداد، وضد ما تمثله الثورة السورية، خصوصاً أن "الإخوان المسلمين" حاضرون في قوى المعارضة السورية وأجسامها وهيئاتها.
موقعة التصويت على مشروعي قراريْن مختلفيْن في نيويورك، والتي أبدعتها دبلوماسية السيسي في مسلكٍ غير مسبوق، والتجرؤ في غروزني على الوهّابية، وقلة الحماس لإنهاء سلطة الحوثيين في اليمن، وكذا المناوشاتُ الإعلامية والسياسية مع السعودية، واستقبال نوابٍ سيسيين وفداً من "بوليساريو" باحتفاءٍ معلن، والاتصالات مع إيران، وقد كافأت هذه السيسي عليها برهن حضورها منتدىً عن سورية في لوزان باستقدام سامح شكري إليه... هذه الممارسات التي تواترت، أخيراً، لا تعني أن الحاكم العسكري في القاهرة صاحب رؤيةٍ سياسيةٍ، وحساباتٍ محدّدةٍ يبحث فيها عن تحالفاتٍ مغايرة، يعيد فيها تموقعه من موضعٍ إلى آخر. وإنما تعني أنه لا أولوية لدى الرجل، ولا شاغل، سوى الحرب بالوسائل كافة، وبأي كلفةٍ، ضد "الإخوان المسلمين" كيفما تمثلوا، وأينما حضروا. وعندما تخفّف الرياض من حدّة مواقفها بشأن هؤلاء، فإن ذلك يُقابَل بتخفيف جرعة الولع بالسعودية. وإلى شهورٍ قريبة، كان الفائضُ من هذا الولع في الإعلام المصري (هل هو إعلام؟) يجعل جزيرتي تيران وصنافير حقاً يعود إلى صاحبه. وعندما تتدبّر الرياض أمورها، وترى صالحها في علاقاتٍ أوثق مع أنقرة، وتنسيقٍ متواصلٍ مع الدوحة، فذلك لا يعني، في عرف العقل الحاكم في القاهرة، غير أنه انعطافةٌ سعوديةٌ باتجاه "الإخوان"، دلّ عليها أيضاً، بحسبه، تواصلٌ سعودي مع "التجمع اليمني للإصلاح" بشأن الحرب الضارية في اليمن.
المخاطرة التي يمارسها السيسي بشأن العلاقات مع السعودية محسوبةٌ، ومسيطر عليها. وفي وسعه أن يتراجع فيها خطواتٍ إن لزم الأمر. وفي الشأن السوري، لم يقترف الرجل أي مفاجأةٍ، وإنما كشف بشكلٍ أكثر وضوحاً عن خياره المعروف منذ اليوم الأول لوثوبه إلى السلطة. لا يرى الحالة سوى أنها خيارٌ بين الأسد و"الإخوان". والرجاء، هنا، من "زملائنا" المصريين ضيوف الشاشات العربية ألا يُفرطوا في التفلسف السقيم، عندما يجدون في القصة اعتباراً بأمن قومي لبلدهم، فالنكتةُ هذه سمجةٌ، لا يليق أن يتورّط واحدنا في مجادلتها. ولا يُسعف المرءَ أي اجتهادٍ في التحليل بشأن ازورار السيسي عن الرباط، والذي تبدّى في لعبٍ في المحظور، أي في مسألة الصحراء، سوى أنه تعبيرٌ عن عدم استمزاج تجربة الحكم الراهنة في المغرب، عندما يُجاز فيها لإسلاميين أن يُنتخبوا وينجحوا ويترأسوا حكوماتٍ ويصيروا وزراء. ثمّة تجربة أدعى للإعجاب والتقدير، رُمي فيها الإسلاميون المنتخبون إلى السجون والمنافي، أي في الجزائر التي قال رئيسها، عبد العزيز بوتفليقة، إن عبد الفتاح السيسي قائدٌ لا يجود الزمان بمثله كثيراً.
تتوازى "شطارة" السيسي هذه مع فشله الذي يتراكم في الداخل في الملف المعيشي، وفي إحداث أي تقدّم على أي صعيد يخصّ حياة المصريين. أما عن المدى الذي يمكن أن يأخذ البلاد إليه، وهو يزاول ألعابه تلك مع الخارج، فمن المبكّر "التنجيم" بشأنه، غير أن في الوسع أن يلحظ المراقب أيَّ بؤسٍ تقيم فيه مصر، وهي ترفل في إنجازات الفشل الذي لا يتوقف عند حد، تحت جناح رئيسٍ قيل إنه "الضرورة"، ثم لم تتبيّن قدراتُه في غير إرهاق جيوب المصريين، والتمنّن عليهم بأن بلدهم أفضل من العراق وسورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق