السبت، 29 أكتوبر 2016

الرئيس والميكروفون بقلم : حسام كنفاني


الرئيس والميكروفون

الرئيس والميكروفون

  بقلم : حسام كنفاني
29 أكتوبر 2016
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، عمل في صحف لبنانية وعربية. 
مدير تحرير "العربي الجديد"
 
يبدو أن هناك حالة عشق غريبة بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والميكروفون. لا يوفر فرصة من دون أن يلتقط هذا الجهاز الذي يبدو أنه تعرف إليه بشكل متأخر، ليجرّب نبرة صوته على الملأ، ويصف ما اتفق من الكلام، والذي في الغالب يكون خارج سياق العقل والمنطق. باتت الحالة هذه مكشوفة، وربما أكثر ما ظهرت في مؤتمر الشباب الذي عقده السيسي شخصياً في شرم الشيخ، وتفرغ ثلاثة أيام لحضور جلساته متأبطاً الميكروفون، ليقطع المتحدثين ويدلي بمداخلاتٍ، عن هذا الموضوع أو ذاك. 
غاب الرئيس المصري عن أزمات البلاد وإدارة الدولة خلال فترة المؤتمر، ليمارس هوايته في الارتجال على الهواء مباشرة، على الرغم من أن إعلاميين ومثقفين كثيرين يدورون في فلكه رجوه علناً أن يتوقف عن هذه الهواية، ويخفّف من الارتجال ويلتزم بالنصوص المكتوبة أمامه، لحفظ بعض ما تبقى من ماء وجه الدولة المصرية وهيبتها، والتي أصبحت مدار سخرية في العالم، بعد كل كلمة يتفوه بها الرئيس.
لكن، يبدو أن كل المحاولات للحيلولة دون عبد الفتاح السيسي والميكروفون باءت بالفشل، فالرجل يبدو أنه يفقد سيطرته على نفسه أمام هذه الآلة، والتي ربما تشكل له عقدة نقصٍ ما، تماماً كما كان الحال بالنسبة إلى " الكبار الذين كانوا يضربونه " (كما قال هو نفسه ) ، إذ سبق له أن تكلم أمام مجموعة من الإعلاميين عام 2014، قائلاً: "وأنا صغير كان فيه ناس كبار بيضربوني، كنت أقولهم: بكرة أكبر وأضربكم".
يبدو أن الحالة نفسها يمكن قياسها على الميكرفون، فمن الواضح أن هناك من كان يحرمه من هذه الآلة التي يحب في صغره، ليعوض عن ذلك في كبره. يمكن النظر بعين الشفقة لهذا الأمر، لكن المشكلة أن هذا التعويض يأتي من منبر رئاسة جمهورية أكبر دولة عربية، وأمام وسائل إعلام محلية وعربية وأجنبية. ومهما حاول الإعلام المحلي تلطيف التصريحات أو الحدّ من انتشارها، إلا أن عصر المعلوماتية الحديث بات غير قابل للضبط، لتروج حكايات الرئيس والميكروفون في العالم.
حكايات مسلية قد تصلح لجلسات بين الأصدقاء، غير أنه بالتأكيد ليس لها مكان في مؤتمراتٍ من المتوقع أن تخطط لمصير البلاد، بغض النظر عن الموقف من مؤتمر الشباب والغاية منه وأحقية المشاركين فيه في أن يمثلوا الشباب المصري، والذي يقبع معظم نشطائه في السجون والمنافي. 

"حكاية الثلاجة" مثال على أن عبد الفتاح السيسي لا يمكن أن يكون مؤهلاً لأن يكون رئيساً. وليس للأمر علاقة بسياساته والموقف منه أو في أنه رأس حربة الثورات المضادة في بلاد الثورات العربية، أو أنه يمثل الطغمة العسكرية الديكتاتورية. 
 
من يسمع حكاياته وهرطقاته لا يمكن أن يتخيل أن هذا الرجل يمثل كل ما سبق، فلا شك في أنه مجرد واجهةٍ لكيان ما لا يرغب في الظهور إلى العلن، على الأقل الآن، وهو اختار هذه الشخصية لسهولة إزاحتها لاحقاً، ربماً بدعوى "عدم الأهلية العقلية".
مثل هذه التهمة من السهل جداً صوغها ضد السيسي، فإضافةً إلى ثلاجته التي عاش عليها عشر سنين بوجود المياه فقط "ومن دون أن يسمع أحد صوته"، هناك مواقف كثيرة تندرج في الإطار نفسه، لعل آخرها، إضافة إلى الثلاجة، كلامه عن دولةٍ عربية صغيرة "كانت في قمة التخلف" وكيف تحولت، قبل أن يستدرك ويطلب عدم إذاعة كلمته كي لا تعرف الدولة، متناسياً أنه يتحدث على الهواء مباشرة. !!
هذا غيض من فيض مواقف الرئيس المصري، والتي لا بد أن يجمعها أحد يوماً ما في كتاب طرائف، من الممكن أن يطلق عليه اسم "الرئيس والميكرفون".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق