معانٍ مطلوب من المصريين نسيانها ...
بقلم ممدوح الولي
تسعى
السلطات المصرية من خلال حملتها الإعلامية على النظام التركي، مع فشل
الانقلاب العسكري هناك، إلى إلهاء المصريين وصرفهم عن التفكر فيما حدث
بتركيا واستخلاص الدروس منه، وتغييب عدد من المعاني عن أذهانهم:
أولها: أن العسكر في كل مكان؛ بينهم وبين
الديموقراطية عداء وخصام دائم، ولهذا يفضلون الأحزاب الكرتونية والمجالس
النيابية المصنوعة، والقيادات المدنية المطيعة التي لا تعرف لغة الاعتراض،
مهما كانت غرابة القرارات وسذاجتها وضحالتها ونتائجها السلبية.
ثانيها: أن الأحزاب الجماهيرية تستند إلى
الديموقراطية في وجودها واستمرارها، وليس إلى مساندة مادية ومعنوية
وإعلامية من السلطات الحاكمة، وأن اعتمادها على النظم الحاكمة يعريها أما
الشعب، ويتسبب في ظهور حالة من عدم الثقة فيها، مهما ارتدت من ثياب تدعي
التعبير عن مصالح الجماهير.
ثالثها: أن وسائل الإعلام لا بد أن تكون
مستقلة ومهنية، ولها مرجعية تتابع أداءها، وأن الإعلام المنحاز والمدلّس
والمتواطئ مع السلطات الحاكمة؛ يفقد ثقة الناس، ولهذا يقل شراؤهم لصحافته
المطبوعة ومتابعتهم لبرامجه الفضائية أو مواقعه الالكترونية، ويتجهون إلى
جهات أخرى للحصول على الأخبار.
وفي هذا السياق يأتي استخدام الإعلام
لتشويه صورة أي نموذج يمكن أن يلتف حوله الناس بالخارج والداخل، وفي أي
المواقع، حتى لو كان رئيسا لجهاز رقابي أو حتى رئيس حزب سياسي أو غير ذلك،
لنشر الإحباط بين الناس بأنه لا بديل عن رأس النظام الموجود ورجاله، رغم
إدراكهم بإخفاقاتهم العديدة ووعودهم الزائفة.
ولا بد أن ينسى الناس الدروس المستفادة من
تفوق الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعى على الدبابة وعلى بنادق الجند،
والتقليل من أهمية الحشد الجماهيري في المقاومة للاستبداد، والتخويف من
عواقب مجرد الخروج للتظاهر، كي يظل الخوف من تدخل العسكريين لقمع أي ثورة
هو السائد في النفوس، وترسيخ أن تدخل الجند المسلحين لا يمكن التصدي له ولا
بديل سوى الاستسلام له.
رابعها: أن في مصر ليبراليين لا صلة لهم
بأصول الليبرالية، وأن مصالحهم الخاصة هي المحركة لمواقفهم السياسية، ولا
مانع لديهم من تأييد الانقلابات العسكرية على النظم المدنية المنتخبة،
طالما كان ذلك يُرضي سادتهم بالداخل والخارج، فهم يعزفون اللحن الذي يرغب
فيه من دفع الفاتورة.
خامسا: تشتيت الأذهان عن المقارنة بين
نتائج الحكم المدني الديموقراطي، والحكم العسكري المتسلط في المجالات
المختلفة، خاصة النواحى الاقتصادية وحتى لا يجد الفرد فرصة للمقارنة بين
حجم صادرات تركيا بصادرات مصر، رغم زيادة سكان مصر عن سكان تركيا، كما أن
نصيب الفرد من الناتج القومي الذي يمثل في تركيا ثلاثة أضعافه في مصر، إلى
جانب قيمة احتياطيات النقد الأجنبى وغيرها من المؤشرات الاقتصاية والمالية
ومستوى الإنتاج الصناعى والزراعى وجودة المرافق.
سادسا: الموقف الغربي الرافض لقيام نظام
حكم في أي بلد إسلامي يسعى للتنمية المستقلة لبلاده، بعيدا عن التبعية
للغرب، والحرص على إجهاض أي تجربة تنمية حتى لا تكون نموذجا يسعى الآخرون
لتنفيذه، لتسود روح الإحباط واليأس باعتبارنا، كشعوب إسلامية، غير مؤهلين
للتقدم أو للتنمية المستقلة.
وحتى لا يقارن المواطن المصري مع الموقف
الغربي المساند للانقلاب العسكري الذي استولى على السلطة في مصر، ومدّه
بالسلاح وسكت عن المجازر التي قام وقتْله وسجْنه للإعلاميين والنساء
والأطفال والشيوخ، بينما يندد بالحال في تركيا بسسب قيامها بعقاب من قاموا
بالانقلاب العسكري، رغم معرفته أن نجاح هذا الانقلاب المدعوم من دول الغرب؛
كان سينجم عنه الانتقام بأبشع صوره من قيادات النظام التركي وأنصاره.
سابعا: إغفال الدور الخليجي لمساندة
الانقلابيين الأتراك، حتى لا تتجدد ذكريات مساندة هؤلاء الخليجيين للانقلاب
العسكري في مصر وإمداده بالأموال الوفيرة، في شكل معونات سخية نقدية
وعينية وقروض ميسرة.
ثامنا: إمكانية التصدى للانقلابات
العسكرية سواء من قبل الشرطة أو الجماهير في الميادين، وتلك معان ترفع روح
الأمل في إمكانية دحر الانقلاب الغاشم بعد مرور ثلاث سنوات عليه، حيث يسعى
النظام المصري إلى قتل روح الأمل في نفوس معارضيه، ونشر روح الفرقة بينهم
بالإفراج عن المعتقلين من بعض الفصائل دون الأخرى، واستمرار اعتقال الشباب،
واعتقال المزيد من المواطنين والاستمرار في التصفية الجسدية للمعارضين.
ويظل السؤال: هل نجح النظام المصري في ذلك في ضوء آلته الإعلامية الضخمة؟ أشك في ذلك، والأيام المقبلة هي الحكم والبرهان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق