زمن الجنرال الرديء
بقلم: أحمد القاعود
لا
تصدق أبدا أن السلطة في مصر تلقى بالا لمواطنيها الباحثين عن لقمة في
ليبيا، ولا تعتقد أبدا أن حياة 21 مصريا قتلوا هناك يقضون مضاجع رئيسها أو
حكومتها التي استعادت في يوم وليلة مشهد السادس من أكتوبر عام 73 على شاشات
تلفزتها ووسائل الدعاية التابعة لها، وكأن مصر في حرب تحرير ضد العدو
الصهيوني.
قبل
المذبحة البشعة لمواطنين مصريين أبرياء، تركوا بلدهم للبحث عن لقمة عيش في
ليبيا، قتل هؤلاء بتخلي هذه السلطة عنهم، بعدم توفير العيش الكريم لهم،
ومطاردتها لنظرائهم الباحثين عن عيش وكرامة في حوارى وشوارع مصر، ورفضوا
مغادرتها حتى الآن.
السلطة
الوحشية التي جيشت دعايتها النازية لخلق واقع وهمي وتصوير أن مصر في حالة
حرب مع عدو خارجي، قتلت قبل مذبحة ليبيا أكثر من 40 مواطنا ذهبوا لمشاهدة
مباراة كرة قدم. نفس السلطة التي وصمت قتلى الكرة بالإرهاب، هي التي أدعت
زورا، أنها تدافع عن المصريين في مواجهة الإرهاب في ليبيا.
واللافت
للنظر أن أي من المسؤولين أو المنظرين لنظام 30 يونيو الدموي، لم يعد
يستشعر حرجا مما يطرح ومما يقال، وأصبح المشهد العام الغارق في التردي
والانحطاط منذ الـ30 من يونيو 3013، منتجا لأصناف أخرى من العبث الفكري
والدجل السياسي، والشعوذة التي لم تشهد لها الحضارة البشرية مثيلا.
فمحاولة
السلطة المصرية إصدار قانون يجعل استدعاء الشهود، في القضايا خاضعا لسلطة
القاضي، وليس ركنا أصيلا من عملية العدالة كما هو الحال في أي بقعة على هذا
الكوكب، ليس أحط منه إلا محاولة تبريره من نخبة شاخت، وفقهاء قانون
ترعرعوا في بيئة انتشر فيها الحمل السفاح.
السقوط
المريع لكل ما يتعلق بالإنسانية في مصر، أصبح مفهوما تحت سلطة دموية، لها
مصالح مغايرة لمصالح شعبها، وطموحات تتوقف عند أوامر الأسياد.
الأكثر
ترويعا في هذا المشهد العبثي الكئيب هو اختفاء صوت العقل في مصر، وشيوع
ثقافة التردي، في مشهد فاشي مكارثي، مهين للإنسانية في القرن الواحد
العشرين.
هذه
النخبة التي انصاعت فورا لأوامر الجنرال الغارق في العمالة حتى أخمص
قدميه، والدافع بالبلاد نحو فوضى لا يعلم مداها إلا الله، رأت أن توجيه
ضربة عدوانية ضد الشعب الليبي المسالم، الذي تآمر عليه قطاع الطرق في شبه
الجزيرة، والتحالف العربي ضد الربيع العربي ومن ورائه إسرائيل، عملا أعاد
كرامة مصر، ورفع الروح المعنوية للمصريين!.
هذه
النخبة نفسها صمتت على قتل أكثر من 40 مشجعا، قبل أيام فقط من مذبحة
ليبيا، وشاركت بأصواتها وتحريضها في قتل واستشهاد الآلاف من المطالبين
بالحرية في ميادين رابعة العدوية والنهضة وغيرها، كان آخرهم شهيدين في
بداية أسبوع "الانقلاب يصنع الإرهاب".
وأمام
هذا السقوط والفشل الذريع لسلطة جاءت بزعم إنقاذ البلاد سياسيا واقتصاديا
من حكم جماعة الإخوان المسلمين ومكافحة الغلاء، وإعادة الديموقراطية من
اختطاف جماعة، ومنح فرص متساوية للمصريين، لم يعد أمام الحكم المصري الكثير
لينصب به على مغيبيه الذين اعتقدوا في يوم من الأيام أن ميدان رابعة
العدوية تحته كرة أرضية كاملة، وأن السيسي أسر في أعقاب الانقلاب قائد
الأسطول السادس الأمريكي، وهدد الرئيس باراك أوباما به.
فالفشل
بات حليف الوضع المصري، والمستقبل لم يعد مبشرا بالخير، وفقا لإخفاق متوال
على كافة الأصعدة سياسيا كان أو اجتماعيا أو اقتصاديا، بقدر ما الأمل يظل
معقودا على أولئك الأبطال الصامدين تحت لسعات رصاص الانقلاب وسخونة ناره،
وبرودة طقس في دولة تهب عليها عاصفة سوداء.
لم
يعد أمام نظام السيسي الكثير، فالتعويل والاتكال على كفلاء الخليج، لم يعد
كما كان في عهد الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وبصورة
قطعية الوضع تغير والدعم لن يكون كما سبق، وما التسريبات الأخيرة إلا مؤشر
بسيط على هذا التغير، سبقه عدة مؤشرات أخرى، هي تأخر استقبال قائد الانقلاب
في السعودية للعزاء في وفاة الملك، رغم أنه قطع مشاركته في منتدى دافوس
بسويسرا وعاد لهذا الغرض، ووقف قناة العربية الممولة سعوديا لبرنامج الحدث
المصري، الذي كان منصة لا تختلف عن منصات " العكشنة" المصرية، في الإعلام
الذى يتصدر مشهده توفيق عكاشة، وأخيرا صدور بيان من مجلس التعاون الخليجي
يؤيد قطر ضد تصريحات موتورة لممثل سلطة الانقلاب في الجامعة العربية،
يتهمها فيها بدعم الإرهاب.
ورغم
أن البيان الذي تطايرته وكالات الأخبار في الصباح، تم نفيه في المساء، إلا
أن التغيير واقع بالفعل، لا ينتظر إلا تحركا قويا من السلطة الجديدة في
السعودية، وخير دليل على هذا، الهجوم الإعلامي في مصر على نظام الملك
سلمان، وهو شيء بالضرورة لا يسمح به إلا بأوامر من النظام.
جنرال
الزمن الرديء الذي بات محاصرا من الكافة، وتطويقه صار محسوما، وسقوطه
سيكون مروعا تحت وطأة أقدام شعب ثائر منذ عام وثمانية أشهر، ضد حكم عسكري
فاشي، سقط في الديبلوماسية كما سقط قبلها في السياسة والاقتصاد، وتبخرت
أحلامه، في تصدير فشله الداخلي في حرب على الأراضي الليبية، والمدفوعة من
شيوخ هنا وقادة أجهزة استخبارات هناك، أمام مصالح القوي الغربية، ومسؤولية
بعض العرب المجاورين لليبيا. فالقتل وهو صنيعة قائد الانقلاب ومجال نجاحه
الوحيد، لم يرق لكثير من الفاعلين الدوليين المشغولين بقتال تنظيم الدولة
في سوريا والعراق، فبالنسبة إليهم، إعطاء فرصة لحل سياسي أمام أطراف النزاع
في ليبيا هو السبيل للخروج من أزمة، بدلا من فتح أخري.
مقامرة
الجنرال في اليمن وسعيه لفتح جبهة مع الحوثيين الانقلابيين هناك، بالضرورة
لن تمر مرور الكرام من المملكة السعودية، فعاملهم في مصر الذى كشفت
التسريبات نواياه تجاه الخليج من تقليل شأن ورغبة في النهب العام، لم يعد
مأمونا، فمن خان رئيسه لابد وأن يخون كفيله.
على
كل، الأيام ستوضح بعض هذه التفصيلات، وستكشف ما يدور في عدة قصور وبعض
المعسكرات. لكن نحن الثوار ليس أوضح وأجلى أمامنا من سقوط وفشل مريع لسلطة
وحشية لم تنجح في شيء إلا خطف الأرواح ووأد أحلام الشباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق