حسام الغمري يكتب : أوهام السيسي الاثني عشر
27 فبراير,2015
يقول سيجموند فرويد ان
الأحلام وسيلة تلجأ إليها النفس البشرية لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة
خاصة التي يكون اشباعها صعبا في الواقع ، ففي الأحلام يري الفرد دوافعه قد
تحققت في صورة حدث أو موقف .
والمثل
الشعبي القائل ” الجعان يحلم بسوق العيش ” خير تعبير على هذا، ولكن غالباً
ما تكون الرغبات في الحلم مموهة أو مخفية بحيث لا يعي الحالم نفسه معناها ،
ولذلك فأن كثير من الأحلام تبدو خالية من المعنى والمنطق شبيهة بتفكير
المجانين .
ولكننا
معشر المسلمين نؤمن بالرؤيا التي هي من عند الله والتي قال عنها الرسول
صلي الله عليه وسلم انها جزء من 46 جزء هي النبوة ، كما نؤمن أيضا ان
الرؤيا لا تصح فقط للبر التقي ، أو من هو على علم بحقيقة خالقه ، كما كانت
رؤيا الملك في عهد نبي الله يوسف ، كذلك رؤيا صاحبي السجن بدليل ان نبي
الله يوسف قام بدعوتهما الى الدين القيم في معرض تفسيره لرؤياهما كما تصف
الآية الكريمة حيث يقول الله تعالى على لسانه :
وقبل
عام استمع العالم العربي كله الى تسريب للسيسي مع أحد اذنابه الصحافية وهو
يحكي عن رؤياه التي رأي فيها السادات الذي أخبره كما جاء في الرؤيا وفقا
للسيسي انه كان يعلم انه سوف يصبح رئيسا لمصر فرد عليه السيسي بأنه أيضا
يعلم انه سيصبح كذلك .
بعض
المفسرين الذين أميل الى تفسيرهم يعتقدون ان تأويل هذه الرؤيا يوضح مصير
السيسي الذي سيقتل أيضا بواسطة الجيش في ظل غضب إسلامي متزايد تماما كما
حدث للسادات الذي لم يشعل فقط غضب الجيش والتيار الإسلامي في أواخر أيامه ،
بل اشعل أيضا غضب كافة التيارات تماما كما يفعل السيسي اليوم بقتل شيماء
والاولتراس والتغول بجبهته الانتخابية عل البرلمان المقبل .
الغضب
الإسلامي على السيسي معروفة أسبابه ودوافعه الحقيقية والعادلة ، ولكن ما
الذي يمكن ان يدفع الجيش الى التخلص من السيسي وفق تأويل الرؤيا المحتمل ؟
كنت
قد تناقشت مع أحد المعارف ويعمل قائدا لإحدى كتائب الدفاع الجوي قبل سهرة
سونيا في محاولة مني لاستنباط موقف الجيش من الاحداث المنتظرة، والحق أقول
لكم ان جملة واحدة هي التي خرجت بها من حوار طويل مع ذلك القائد العسكري
تتلخص في ان ضباط الجيش المصري يشعرون بضيق شديد حال تأدية التحية العسكرية
لرئيس مدني، و هذه هي الحكاية بكل بساطة.
يموت من يموت ويحترق من يحترق
ولكن لا تؤدى التحية العسكرية لرئيس مدني
بعد
هذا الحوار خمنت ان الأمر يتعلق بنوع الثقافة التي يبثونها إليهم اثناء
دراستهم في الكليات و المعاهد العسكرية والتي بدت لي في النهاية أشبه بعقده
نفسية ذات اهداب، كالديدان التي تصيب الجهاز الهضمي وتبيض في فتحة الشرج
فتسبب رغبة ملحة في الهرش بهدف اخراج هذا البيض من الجسد ليكمل دورته
الحياتية فيصيب ضحية جديدة ، فاذا ما تولى حكم مصر رئيس مدني يضطرون الى
الهرش حتى يخرج من الحكم فيكملون كالديدان دورة حياتهم العسكرية الطبيعية
وفق مفهومهم بالطبع .
لذا
فالسيسي أو مبارك أو السادات الذي قتلوه حين فكر في نقل السلطة للمدني
منصور حسن ، أو حتى المقبور عبد الناصر الذي كان مجرد بوق إذاعي بينما
تركزت السلطات في يد المشير عامر ، ليسوا جميعا سوى اقانيم تؤدى اليها
التحية العسكرية مادام يعمل محافظا على مصالح وامتيازات العسكر ، اما اذا
عرض أي رئيس منهم مصالح هذه المؤسسة للخطر فالانقلاب عليه هو الأمر الحتمي
والمنتظر .
كما
حاول المشير عامر الانقلاب على المقبور عبد الناصر ، وكما قتل السادات
بتآمر واضح من جيشه على يد ضابط مخابرات حربية ، وكما انقلب الجيش على
مبارك الذي كان يمهد الأرض لتوريث ابنه جمال .
اذن
الشيء نفسه متوقع مع السيسي بل أكاد أجزم ان ذلك بات وشيكا بسبب أوهام
السيسي الاثني عشر التي اضرت المؤسسة العسكرية كثيرا في سمعتها وهيبتها
وقريبا في مصالحها الاقتصادية الكبيرة والتي ظهرت للمصريين كدولة موازية
داخل مصر بمزارعها ومستشفياتها وشركاتها وبنوكها ومصانعها وأيضا بعلاقاتها
مع القوى الخارجية كإسرائيل وسعودية الملك عبد الله وخالد التويجري وامارات
محمد بن زايد ، وبالطبع جميعهم يهرول خلف الحليف الأمريكي الذي يمد العسكر
منذ 36 عاما بالمعونات العسكرية والمالية فضلا عن الدورات التأهيلية في
آليات قمعنا وتحطيم ارادتنا
وأول
وهّم عاش فيه السيسي هو إمكانية القفز إلى السلطة بانقلاب ناعم بعد بتنازل
من مرسي بضغط حشود الكنيسة والاعلام المأفون ، فيبدوا كمن انتصر لإرادة
الشعب لأنه يحبه ويريد ان يحنو عليه كما جاء في بيان الكاذب .
وثاني
أوهام السيسي كانت بعد مجزرة الحرس الجمهوري التي ظن ان الاخوان بعدها
سيفهمون رسالته وينسحبون من الميادين فيخلو له وجه مصر ، والمدهش انه حاول
إخفاء هذه المجزرة بان دفع هيكل للتوسط لدى قناة الجزيرة – كما اخبرني مصدر
مطلع داخل القناة – كي لا تقوم بتغطية احداث هذه المأساة ولكن قيادات
الجزيرة رفضوا تلبية هذا المطلب رغم الحاح هيكل الذي كان دائم الظهور على
شاشتها قبل يناير 2011 ، وهذا الرفض هو ما دفع السيسي للثأر من القناة
بإغلاق مكاتبها والقبض على بعض صحافييها ، والتحريض الإعلامي المستمر ضدها .
وثالث
أوهام السيسي كانت في ظنه بأنه بفض رابعة عن طريق احداث صدمة مروعه ناتجة
عن وحشية القتل وبشاعته سيهزم التيار الإسلامي نفسيا وسيتمكن من تركيعه وفق
شروطه ، وهذا هو الهزال الفكري بعينه بدليل اعلان جماعة الاخوان الأخير ان
الثورة خيار استراتيجي .
رابع
أوهام السيسي كانت حين دبر تفجير مديرية أمن المنصورة والصاق التهمة
بالاخوان لاعلان انها جماعة إرهابية ، حيث ظن انه بهذا الإعلان الاخرق
سيبعد عن الجماعة المتعاطفين معها ، ولقد كنت في مصر الحبيبة حينها ولم
يزدني هذا الإعلان التافه الا حبا وتعاطفا مع الاخوان على الرغم من أخطاء
قياداتهم المتكررة وآخرها على سبيل المثال إما اختيار ثروت نافع رئيسا
لبرلمان الثورة ، أو الأسباب التي اغضبته ودفعته الى الابتعاد عنهم بعد هذا
الاختيار .
خامس
هذه الأوهام هو اصدار قانون التظاهر الذي يُغلظ العقوبة للمتظاهرين ويشرعن
قتلهم من قبل وزارة الداخلية الانتقامية، ظن السيسي عبثا ان هذا القانون
سيوقف التظاهرات في الشوارع والميادين ، ولكن الواقع أكد تفاهة أفكاره
وبلاهة خططه
سادس
أوهام السيسي كانت في قيامه بإجراء مسرحية الانتخابات الرئاسية في ظل هذا
التوتر ولو كان في عقله بعض ذكاء لظل يحكم مستترا خلف الطرطور حتى تهدأ كل
العواصف من حوله حتى وان طالت هذه الفترة المؤقتة عامين كاملين قبل ان يثب
ظاهريا على السلطة كما خطط ، ولكنه ظن واهما انه بإجراء هذه المسرحية سيصيب
الثوار باليأس ، ولكن الواقع كشفت حجم شعبيته الزائفة امام اللجان التي
استمرت يوما ثالثا بالمخالفة لكل القيم والأعراف الانتخابية ، ولا حياة لمن
تنادي ، ظلت اللجان خاوية ، فخرج السيسي بعدها بوجه سوده الله واخزاه
ليعلن فوزه بالرئاسة ، وحصل الثوار على دفعه معنوية هائلة وقد تيقنوا انهم
الأغلبية الساحقة .
سابع
أوهام السيسي كانت حين فكر انه بتوليه الرئاسة فعليا سيرضخ الاخوان
وسيقبلون التفاوض معه ، ولكن سرعان ما افتضح هذا الوهم أيضا ورفض الاخوان
وجوده مجددا مما دفعه الى اعتقال د. محمد علي بشر الذي كان ورقة التفاوض
الوحيدة الباقية خارج السجون
ثامن
أوهام السيسي ظنه ان الدعم الخليجي لن يتوقف مادام قد أطاح بالإخوان لصالح
مخاوف بعض حكام الخليج ، ولكن جميعنا يذكر عودته بخفي حنين بعد زيارته
الأخيرة للكويت ، رغم انها تمت في عهد عبد الله آل سعود ، ومع ذلك لم يجني
منها السيسي سوى فضيحة الموبايل المسروق من أحد المسئولين الكويتيين والذي
تم رصده في الجيزة ويُتهم فيه الوفد المرافق للسيسي ، وكانت مصادر خليجيه
قد اكدت قبلها ان الدعم يجب الا يستمر كما كان عليه في بداية الانقلاب وان
السيسي يجب ان يعتمد على نفسه ، كما صرح أحمد الجار الله رئيس تحرير جريدة
السياسة الكويتية ان مال الخليج لن يدفع مجددا الا مقابل أرض سيناء تملكا ،
وهكذا انتهى عهد البطاطين الآتية من الخليج وكذلك ” الحبه والحبه ونصف ”
وفق لغة العسكر المتدنية .
تاسع
أوهام السيسي كانت في رهانه على نتانياهو بالانصياع لكل أوامره من احكام
للحصار على غزة وهدم الانفاق تمهيدا للعملية العسكرية البربرية التي شنتها
إسرائيل الملعونة على احرار غزة لمده 51 يوم ظنوا خلالها انهم سوف يكسرون
شوكة عز الامة وفخرها القسام ، ولكن جاءت الرياح بما يشتهيه الابطال ، وصمد
القساميون وأثخنوا في المحتل الصهيوني وفضحوا الوية نخبته المزعومة جولاني
وجعفاتي ، وسمع العالم كله صراخ وتأوهات الجنود الصهاينة على عتبات غزة
الأبية ، بعدها فكر السيسي في تقديم تنازل جديد لنتانياهو بإزالة رفح من
الوجود ، فاطلق على جيشه اسودا جائعة قالت له بوضوح ” قسما لنثأرن ” ، كما
خاب رهانه على حليفه نتانياهو الذي اضطر الى عقد انتخابات برلمانية مبكره
بسبب نتائج حربه المخزية ، تعمل فيها أمريكا على اسقاطه بعد توتر العلاقة
بين نتانياهو واوباما اثناء العدوان على غزة .
عاشر
أوهام السيسي كانت في الرهان على معسكر خالد التويجري وإظهار العداء مبكرا
لولي العهد سلمان الذي رأينا كيف استطاع تخليص الحكم لنفسه ولفريقه خلال
سويعات في ظل انباء ترددت عن محاولة انقلاب ناعم شارك فيه السيسي الذي مُنع
من حضور جنازة كفيله عبد الله، فأرسل ولي امره السابق المشير طنطاوي
معتذرا و مُبديا ندما كبيرا ، ثم رأينا تغير خطاب السعودية بشأن الاخوان ،
كما اختفت البرامج الداعمة للسيسي من قنوات العربية .
الوهم
الحادي عشر للسيسي كان في ظنه انه يستطيع تسويق فيديو لقيط لأقباط ذبحوا
بطريقة سينمائية من أجل الحصول على دعم أممي يسمح له بغزو ليبيا والاستيلاء
على ثرواتها ، ولكن ظهر جليا كيف يعيش السيسي في أوهام بعيدة المنال بعد
رفض مجلس الامن مناقشة مشروعة في الأساس وقد استبقته الدول الكبرى بإعلان
يعتمد الحل السياسي لازمة ليبيا ، ثم التلميح بأن رجله حفتر بات شخصا غير
مرغوبا فيه ، وأخيرا قرار منظمة العفو الدولية الذي يدين الغارة البائسة
على ليبيا التي أودت بحياة أطفال أبرياء دمهم سيلعن السيسي وزمرته الى يوم
الدين مع باقي الدماء المصرية الذكية التي سفكها السيسي قاتل شعبه
الوهم
الثاني عشر والأخير الذي عاش فيه السيسي هو ظنه ان قادر على اخضاع قطر
بإطلاق كلابه الإعلامية الضالة للنباح خلفها ، دون ان يعلم ان تأثيرهم لا
يتخطى مجاذيبه وهم اردأ من ولد على أرض مصر ، دون ان يدري ان السياسة
القطرية الذكية اختارت الانضمام الى الحلف التركي الذي باتت أمريكا في حاجة
ماسه لدعمه قبل ان تتمكن من شن حرب جديده في المنطقة ، ثم تعملق هذا الحلف
بانضمام سلمان اليه ، وجميعنا تابع زيارة الأمير تميم الى أوباما
والتصريحات التي صدرت في اعقابها والتي ذهب فيها أوباما الى مدى أبعد من
مدى تميم في وصف مدى التطابق في الرؤى حول الأوضاع الساخنة في المنطقة ،
ولا عزاء لأوهام السيسي .
ولست
أدرى تاريخيا هل سقط رجل عبر التاريخ في مستنقع اوهامه الغريبة والمريضة
كما سقط المدعو عبد الفتاح السيسي ، أم انه نموذجا متفردا للفشل وللغباء
السياسي الذي قد يدفع المؤسسة العسكرية الى التخلص منه قبل ان يجذبها بعيدا
معه في أعماق هوته الضالة ، فيكون هذا بالفعل تأويل ما رأي .
وواقعيا .. آن الأوان كي يختفي السيسي من المشهد قبل ان تهلك مصر تماما بأوهام جديدة .
والله تعالى أعلى وأعلم
حسام الغمري