هل يتراجع الإخوان؟ أم تتقدم الثورة؟
بقلم الدكتور يحيى حامد : وزير الاستثمار في حكومة د.هشام قنديل
تطالعنا يوميا بعض المواقف والطروحات التي تقترح ابتعاد جماعة الإخون المسلمين عن السياسة، أو حل الجماعة نهائيا، بهدف إتاحة الفرصة للديمقراطية أن تأخذ مجراها في العالم العربي، وخصوصا في الدول التي شهدت ثورات شعبية تسعى لتحقيق الحرية والكرامة.
وينطلق أصحاب هذا الطرح من قاعدة أن الجماعة ارتكبت الكثير من الأخطاء منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، ولذلك فقد أصبحت، حسب أصحاب هذه الآراء، تمثل عدوًا لمعظم التيارات الموجودة في الساحة، وللدولة العميقة على حد سواء، وعائقا أمام أي مشروع للنهوض في مشروع الانتقال الديمقراطي في المنطقة.
والحقيقة أن مطالبة الإخوان بالابتعاد عن الساحة لإتاحة المجال لنجاح المسار الديمقراطي هو مناقض أصلا لمفهوم الديمقراطية، التي تعني بالأساس فتح باب المشاركة للجميع على قدم المساواة، وعدم إقصاء أي طرف لحساب أطراف أخرى، والاستفادة من جهود كافة الشرائح السياسية والاجتماعية لخدمة الصالح العام للشعب.
وإضافة لذلك، فإن الإخوان عرضوا أنفسهم على الشعب المصري في خمسة استحقاقات انتخابية منذ ثورة يناير، وحصلوا على ثقة أغلبية الشعب في هذه الاستحقاقات الخمسة، التي كان آخرها في ديسيمبر 2012، حينما صوت نحو ثلثي الناخبين بـ"نعم" في استفتاء الدستور، الذي تعامل معه الجميع في ذلك الوقت على أنه استفتاء على شعبية الرئيس مرسي وشرعيته. فإذا كان المطالبون بتنحي الإخوان من العمل السياسي يريدون فعلا دعم الديمقراطية، فكيف يريدون إقصاء الطرف الذي حصل على ثقة الشعب في جميع المواسم الانتخابية السابقة؟!
ولعلي لا أفشي سرا إذ أعلن أن هناك بعض المبادرات التي تطرح من بعض الأطراف وتقوم على إنهاء الاعتقالات السياسية، وإخراج الإخوان من السجون بشرط اعترافهم بالنظام القائم وتمثيل سياسي شكلي داخل إطار النظام القائم.
وبكل وضوح أقول إن موقف الإخوان من هذه المبادرات هو الرفض، ليس لهدف الحصول على الأغلبية، وإنما لأن الجماعة تفهم أن الثورات العربية جاءت للانقلاب الجذري على آليات الماضي، وأنظمة الماضي، وبرلمانات الماضي التي استخدمتها الطبقات الحاكمة لإضفاء صورة غير حقيقية عن وجود ديمقراطية في البلاد.
الثورة هي في جزء منها ثورة على الطبقية، ونعني بها الثورة على طبقة المستفيدين من الحكم، من قضاة وقيادات عسكرية ومدنية، وأجهزة سيادية ورجال أعمال، وهي الطبقة التي تمثل 2 بالمئة من الشعب المصري، وتتحكم بأغلب الثروات في البلاد.
وحينما نفهم الثورة على أنها صراع طبقي، فإن ذلك يدفعنا للإيمان بأن نجاحها لا يمكن أن يتم باستبعاد أي طرف من الشعب المصري، فكيف يطالب البعض باستبعاد الإخوان، وهم الذين ما توانوا يوما عن الاشتباك السياسي مع طبقة المفسدين ولا عن النضال ضد سلب إرادة الشعب وتضحياتهم وغيرهم من المصريين في سبيل ذلك لا يغفلها أحد؟
وفي إطار النقاش حول دور الإخوان في مرحلة الانتقال الديمقراطي، يتحدث البعض عن النموذج التونسي باعتباره النموذج الأنسب والأفضل مقارنة بما جرى في مصر، ويرى هؤلاء أن الفارق الأساسي بين البلدين هو في أداء الإخوان، حيث قدمت حركة النهضة نموذجا إيجابيا قدم التوافق والتنازلات على المغالبة، فيما أدى إصرار الإخوان على ممارسة الحكم، ما أدى إلى انقلاب المؤسسة العسكرية على الرئيس المنتخب وما جره هذا الانقلاب من انسداد سياسي.
وبرأيي، فإن النموذج التونسي اختلف جذريا بعد الانقلاب الذي حدث بمصر فأصبح يمثل أسوأ ما يمكن أن يتم في مرحلة الثورات الشعبية، لأنه أدى في النهاية إلى إعادة الدولة العميقة والمؤسسات المتجذرة في الحكم، والطبقة المستفيدة منه إلى السلطة، بطريقة تظهر أنها ديمقراطية، مع أن حقيقة ما جرى هو أن تحالف الدولة العميقة والإعلام وطبقة المستفيدين منع الترويكا الحاكمة من تقديم أي إنجاز حقيقي، وأفقدها بعضا من قاعدتها الشعبية، ودفعها للتخلي عن حقها وواجبها في التغيير واستكمال الثورة، فلا أدت الحكومة واجباتها،ولا حققت الثورة أهدافها.
وعند المقارنة بين النموذجين التونسي والمصري، فإننا نلاحظ أيضا أن المؤسسة العسكرية في مصر هي أكثر انغماسا في العمل السياسي والاقتصادي من نظيرتها في تونس، إذ إن الدولة المصرية أنشئت لتخدم قيادة الجيش، فقامت الثورة لتغيير هذا الوضع الشاذ، وإعادة الأمور إلى نصابها، ليصبح الجيش في خدمة الدولة وخدمة الشعب، وهو ما أدى إلى الانقلاب العسكري؛ لأن الجيش يريد استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
وبغض النظر عن الموقف من أداء الرئيس مرسي أثناء السنة التي حكم فيها، وسواء اعتبره البعض مخطئا، أو يراه آخرون بأنه حاول ما استطاع الإنجاز رغم عداء الدولة العميقة والقضاء والإعلام له، فإن أي منصف لا يمكن إلا أن يحترم موقفه من الانقلاب في النهاية، حيث إنه أصر على الدفاع عن الشرعية ولو كان دمه ثمنا لها، لأنه يدرك أن البديل هو التسليم بعودة الطبقة الحاكمة، وهي الطبقة التي جربها المصريون والتوانسة والعرب جميعا، ولم يجدوا في حكمها سوى الخراب والفساد والظلم وامتهان الكرامة.
وفي خضم هذه المعركة الثورية السياسية بين الشعب وطبقة الحكم والفساد، فإن من الغباء السياسي الطلب من الفصيل الأكبر أن يتخلى عن دوره في هذا الصراع، مع أنه هو الأقدر على الوقوف في خندق الشعب حتى تحقيق الثورة لأهدافها المشروعة.
لقد أصبحت الثورة المصرية بعد سنوات من التجارب والصراعات واعية بدورها وطبيعة معركتها، ولهذا قررت أن تعمل بكل جهد إلى تثوير كافة فئات الشعب للحصول على حقوقها، والتخلص من الاستعمار الداخلي والخارجي، فكيف يخرج علينا اليوم من يطالب فصيلا كبيرا مثل جماعة الإخوان أن يتراجع عن الثورة، مع أن المطلوب هو أن تتقدم كل فئات الشعب للثورة أمام الإخوان وإلى جانبهم، لا أن يتراجع الإخوان!
إن الثورة المصرية تطرح نفسها قائدًا ومجددا للموجة الثانية من الثورات العربية، وإن جماعة الإخوان كونها جزءًا أصيلًا فيها، تسعى إلى تثوير الشعب المصري، للقيام بدروه في معركة التغيير، ضد الطبقات الحاكمة، ومع استمرار ثقة الناس بالجماعة- حسب استطلاعات الرأي - فإنها لا يمكن أن تتخلى عن دورها، وستبقى في صفوف النضال لتغيير مضمون وبنية الدولة العميقة في مصر، وهو ما سيغير شكل المنطقة برمتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق