السبت، 4 أكتوبر 2014

تنظيم التصفيق والهتاف ! بقلم: صادق أمين

 تنظيم التصفيق والهتاف !
بقلم: صادق أمين
إن المهمة الكبرى لحامل القلم والفكر هي الكشف عن وجه الحقيقة، هذا كلام الراحل توفيق الحكيم في مقدمة كتابه "عودة الوعي" والذي أبدى فيه رأيه بعد عشرين سنة في ثورة يوليو 1952.
وما سأنقله لك - عزيزي القارئ - من نفس الكتاب لا لشيء إلا أن تدرك أن العسكر هم العسكر، وما أشبه الليلة بالبارحة؛ وآية ذلك ما قاله توفيق الحكيم: 
(كنت أظن الشعبية تنبع من القلوب أو حتى من صور الأماني والوعود والأوهام والأكاذيب، ولكني ما كنت أظن حتى تلك اللحظة أنها يمكن أن تُصنع وتُؤلف تأليفاً وتوزع لها أوراق هتاف كأنها نوتة موسيقية للغناء.
ومع ذلك - وهنا العجب - كيف استطاع شخص مثلي أن يرى ذلك ويسمعه، وأن لا يتأثر كثيراً بما رأى وسمع، ويظل على شعوره الطيب نحو عبد الناصر.. أهو فقدان الوعي؟! أهي حالة غريبة من التخدير؟!!!! بعد أن جعلتنا أجهزة الدعاية الواسعة بطبلها وزمرها وأناشيدها وأغانيها وأفلامها، نرى أنفسنا دولة صناعية كبرى ورائدة العالم النامي في الإصلاح الزراعي وأقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط، وكان وجه الزعيم المعبود وهو يملأ شاشة التليفزيون ويطل علينا من فوق منصات السرادقات وقاعات الاجتماعات ويحكي لنا الساعات الطوال هذه الحكايات، ويشرح لنا كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟، بلا أحد يناقش أو يراجع أو يصحح أو يعلق؛ فما كنا نملك إلا أن نصدق ثم نلهب الأكف بالتصفيق).
ثم يكمل تحت عنوان " تنظيم التصفيق والهتاف": (غير أن هذا النظام لم يكن يكتفي بالتصفيق العفوي والهتاف المرتجل، بل إن الاعتماد الأساسي عنده على التدبير والتنظيم، وقد رأيت بنفسي ولم أصدق عيني.. قابلت ذات يوم رجلاً من أهل الريف أعرفه وسألته عن سبب وجوده في القاهرة، فقال : إنه متصل بلجنة الاتحاد الاشتراكي في قريته، وأنهم أحضروه هو وزملاء له في القطارات باستمارات سفر أو نحو ذلك للاحتشاد في استقبال الرئيس جمال عبد الناصر عند عودته من الخارج في مناسبة من المناسبات؛ لأن الاستقبال شعبي كما يقال عادةً، وإن إقامتهم وطعامهم على حساب الدولة، وأن عليه هو وزملاؤه أن يهتفوا له طبقاً للشعارات المطبوعة والموزعة عليهم، وأخرج من جيبه - بالفعل - ورقة أطلعني عليها، فدهشت؛ لقد كان مكتوباً عليها بحروف مطبوعة هذه العبارات: هتاف جماعي "ناصر ناصر ناصر".. ثم هتاف فريق "فليحيا ناصر العروبة".. "القائد البطل".. "زعيم الأمة العربية"... إلخ، أشياء من هذا القبيل، وسألت: كيف يهتفون من هذه الورقة؟!، فقال: إن هذه الورقة لا تظهر؛ فهي للحفظ فقط؛ حتى لا ننسى الكلمات، إنه مُعيَّن لكل جماعة منهم أربطة، أول الصف أو في الوسط أو على رأس كل مجموعة يشير إليهم بالبدء، كما يحدث في كورال الموسيقى وكورس المسرحيات).
أرأيتم - أيها السادة - كيف أن العسكر هم العسكر؟ وأترك لعقلك عقد مقارنة بالعسكر الجدد أصحاب عقلية الـ50٪ الذين يملكون سعة في الضمير لا يفوقها إلا سعة رحمة الله، والذين لا يملكون إلا الطعن في جهاد الأحرار ويستعدي الدنيا عليهم وإن كان لهم إنجاز فما هو إلا جرأة على التدليس تلبست أولئك الذين استسلموا للعمى السياسي؛ فانفضح أمرهم بأكثر مما أصابوا.
خلاصة القول: إن وظيفتنا صناعة الأمل في زمن اليأس وحياكة ثوب التفاؤل إذا عَرَتنا رياح الإحباط؛ فتوفيق الحكيم كتب عودة الوعي ونشره بعد 20 سنة، بل إن خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كلاهما آمن بعد 20 سنة، وغير ذلك كثير، فلا يأس في عودة الوعي إلى المغيبين ولكن علينا أن نتعامل مع الظاهرة - كما قال الأستاذ فهمي هويدي - مسترشدين بالحكمة الصينية التي تعتبر أن لكل مشكلة وجهين: أحدهما سلبى ويتمثل في الأزمة، والثاني إيجابي يكمن في العبرة. والاستسلام للأزمة هو الموقف الأضعف، أما استخلاص عبرتها والانطلاق منها نحو التصويب والمراجعة وتحصين الذات لعدم تكرار الأزمة، فذلك هو الموقف الإيجابي الذى يحول الأزمة إلى فرصة. وذلك عين السلوك المقاوم الذى يستدعى عوامل الانتصار من رحم الهزيمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق