الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

مدوح الولي نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق : مضار خفض العلاقات مع تركيا على الاقتصاد

مضار خفض العلاقات مع تركيا على الاقتصاد:
 
ممدوح الولي
نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق:

رحبت بعض الصحف الناطقة باسم الانقلاب العسكري في مصر، بالخطوة التي قامت بها سلطات الانقلاب بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا من مستوى سفير إلى مستوى قائم بالأعمال، ودعمت ترحيبها بتصريحات  لبعض رجال الأعمال المصريين  الذين ذكروا أن تركيا هي المستفيدة في تجارتها مع مصر، وأنها تتخذ من مصبر معبرا لتصدير تجارتها الى الدول الأفريقية والولايات المتحدة والدول العربية.
وطالب هؤلاء وزير التجارة المصري بإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، في ضوء ما ذكروه من تضرر الصناعة المصرية من السلع التركية الواردة الى مصر، في حين دعا آخرون من رجال الأعمال إلى إبعاد السياسة عن الاقتصاد، في ضوء تنامى العلاقات التجارية بين البلدين، ووجود استثمارات تركية في مصر تقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار ، يعمل بها نحو خمسين ألف مصري.
وفى هذا الصدد لابد أولا من تناول التجارة السلعية التركية الخارجية ، والتي بلغ حجمها خلال عام 2012 نحو 390 مليار دولار، ما بين صادرات سلعية بلغت 153 مليار دولار، وواردات سلعية بلغت 237 مليار دولار.

حيث يشير التوزيع النسبي للتجارة التركية الخارجية، إلى تصدر ألمانيا كشريك تجارى بنسبة 9% من إجمالي التجارة التركية، تليها روسيا بنسبة مشابهة ، ثم الصين بنسبة 6% وإيران بنسبة مشابهة، والولايات المتحدة بنسبة 5% تليها إيطاليا بنسبة مشابهة، وفى المركز السابع فرنسا بنسبة 4 % ثم بريطانيا بنسبة مشابهة، تليها الإمارات العربية بنسبة 3 % ثم العراق بالمركز العاشر بنسبة مشابهة.
وهكذا لم ترد دول عربية ضمن الشركاء التجاريين العشر الأوائل لتركيا سوى الإمارات العربية والعراق بالمركزين التاسع والعاشر. وتضمنت قائمة الشركاء العشر التالية دول : إسبانيا بالمركز الحادي عشر تليها هولندا ثم الهند فسويسرا ، فأوكرانيا فكوريا الجنوبية فبلجيكا ثم السعودية بالمركز الثامن عشر، تليها رومانيا وفى المركز العشرين مصر بنسبة 1.3% فقط من إجمالي التجارة الخارجية التركية .
وهكذا لم تضم قائمة العشرين الكبار في التجارة التركية سوى أربع دول عربية هي: الإمارات والعراق والسعودية ومصر ، ليصل نصيب الدول العربية الأربع أقل من 9% من إجمالي التجارة التركية.
بل أن إجمالي التجارة التركية مع كل الدول العربية كان نصيبه النسبي 12 % من التجارة التركية، ببلوغ حجم تلك التجارة التركية العربية 46.7 مليار دولار ، توزعت ما بين 36.2 مليار دولار للصادرات التركية للدول العربية ، و10.5 مليار دولار للواردات التركية من الأقطار العربية، لتحقق تركيا فائضا تجاريا مع العرب بلغ 25.6 مليار دولار .
 حيث حققت تركيا فائضا تجاريا مع كل الدول العربية ، فيما عدا عجزا محدودا مع قطر وحدها، وكان أكبر فائض لتركيا مع العراق بنحو 10.7 مليارات دولار ، ثم مع الامارات بنحو 4.6 مليارات دولار ثم فائض مع مصر بنحو 2.3 مليار دولار ، ثم مع ليبيا بنحو 1.7 مليار دولار ،  ومع السعودية بنحو 1.5 مليار دولار تليها الجزائر بنحو 888 مليون دولار .
ثم الأردن 675 مليون دولار ولبنان 670 مليون ، وتونس 601 مليون والمغرب 585 مليون واليمن 486 مليون ، فسوريا 431 مليون فالسودان 268 مليون دولار ، ومبالغ أقل للفائض التجاري مع سلطنة عمان موريتانيا وفلسطين والبحرين والكويت، بينما كان العجز التجاري مع قطر  209 مليون دولار فقط .
وفيما يخص مصر وحسب البيانات التركية فقد بلغت قيمة الصادرات التركية لها 3 مليارات و679 مليون دولار ، مقابل واردات منها 1 مليار و342 مليون دولار ، ليصل حجم التجارة بين البلدين 5 مليار و21 مليون دولار .
ولم تختلف البيانات التركية عن البيانات الصادرة من جهاز الاحصاء المصري ، الذى أشار إلى بلوغ قيمة الصادرات المصرية لتركيا خلال نفس العام 1 مليار و562 مليون دولار ، مقابل 3 مليار و511 مليون دولار  للواردات المصرية منها ، ليصل إجمالي التجارة بين البلدين 5 مليارات و73 مليون دولار ، تمثل نسبة 5 % من إجمالي التجارة الخارجية المصرية البالغة مائة مليار دولار .
وهكذا كانت تركيا تمثل الشريك التجاري الخامس لمصر ، بعد الصين والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا ، وفى قائمة الصادرات السلعية المصرية جاءت تركيا بالمركز الخامس بنسبة 5.6% من إجمالي الصادرات المصرية ، وذلك بعد ايطاليا والهند والولايات المتحدة والسعودية, أما على قائمة الواردات المصرية فقد جاءت تركيا بالمركز السابع بنسبة 5% ، وذلك بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وأوكرانيا وإيطاليا، وهكذا فإن الوزن النسبي لمصر في تجارة تركيا الخارجية أقل من الوزن النسبي لتركيا في التجارة الخارجية المصرية.
وفيما يخص تحقيق مصر عجزا تجاريا في تجارتها مع تركيا فإن ذلك العجز متكرر مع غالبية شركائها التجاريين، بسبب العجز المزمن بالميزان التجاري المصري وقلة الصادرات المصرية ، حيث كان هناك عجزا تجاريا لمصر مع جميع الشركاء التجاريين الخمس عشرة الأوائل فيما عدا ليبيا فقط .
وهكذا جاء العجز التجاري المصري مع تركيا والبالغ 1.9 مليار دولار حسب البيانات المصرية ، في المرتبة الثمانية لقيمة العجز التجاري مع شركائها التجاريين ، أي بعد: الصين البالغ العجز معها نحو 6 مليارات دولار، تليها ألمانيا بعجز 4.1 مليارات وأوكرانيا 3.9 مليارات ، وروسيا بعجز 3.8 مليارات والولايات المتحدة بعجز 3.7 مليارات، والبرازيل بعجز 2.7 مليار والكويت بعجز 2.5 مليار دولار.
وفيما يخص أثر اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين مصر وتركيا على وجود عجز تجارى لصالح تركيا في تجارتها مع مصر، فإن نفاذ السلع بلا جمارك حسب الاتفاقية يتم على كلا الجانبين، بحيث يتيح لمصر النفاذ بصادراتها الى السوق التركي بلا جمارك.
وإذا كان بعض رجال الأعمال المصريين خاصة من منتجي الملابس الجاهرة والحديد يتضررون من الواردات التركية من السلعتين ويستغلون خفض التمثيل الدبلوماسي للتشهير بالواردات التركية .
 فإن اتفاقية المنطقة الحرة بين مصر وتركيا تتيح في المادة 23 منها ، أنه إذا وجد أحد الطرفين أن الدعم الممنوح يؤثر على التجارة الثنائية ، فيحق لهذا الطرف اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقا لاتفاقيات الجات ومنظمة التجارة العالمية الخاصة بالدعم والاجراءات التعويضية .
كما نصت المادة 193 من الاتفاقية ، أنه اذا وجد احد الطرفين صعوبات جسيمة تتعلق بميزان المدفوعات يجوز للطرف المعنى اتخاذ اجراءات تقييدية .
أما ما يردده بعض رجال الأعمال المصريين من قيادات منتجي الملابس أن الرئيس محمد مرسى هو الذى سهل لتركيا عقد اتفاقية التجارة الحرة معها، فإن التوقيع على تلك الاتفاقية كان في ديسمبر 2005 ودخلت حيز النفاذ في مارس 2007.
كما هناك ست اتفاقيات تجارية أخرى لمصر تمت قبل تولى  الرئيس محمد مرسى، تتيح لأطراف تلك الاتفاقيات دخول بضائعهم لمصر بلا جمارك ، ونفس الاتاحة للبضائع المصرية في الدول أطراف الاتفاقيات ، وهى : اتفاقية الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004 مع دول الاتحاد والتي بلغ عددها حاليا 28 دولة ,
 ومع دول الكوميسا التسعة عشر منذ 1998، ومع اسرائيل في اطار الكويز التي عقدت بنهاية 2004 ، لتسهيل نفاذ السلع المصرية للسوق الأمريكية بشرط وجود مكون إسرائيلي بها، ومع 18 دولة عربية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية منذ عام 2005 ، ومع دول الأردن وتونس والمغرب فى اطار اتفاقية أغادير منذ مارس 2007.
 ومع دولتا الإفتا الأربعة منذ يناير 2007، لكن الصادرات المصرية لم تستطع الإفادة من تلك الاتفاقيات بشكل كبير لرفع قيمة صادراتها، لأسباب تتعلق بكم السلع المتاحة للتصدير وتنافسيتها من حيث السعر والجودة وخدمات ما بعد البيع .
وهكذا كان رأى رجال الأعمال غير المسيسين إبعاد الاقتصاد عن السياسة، حفاظا على الاستثمارات التركية في مصر وفرص العمل التي وفرتها، خاصة مع وجود جمعية لرجال الأعمال الأتراك تضم 693 عضوا من البلدين ، ومجلس الأعمال المصري التركي الذى دعا بعد الثلاثين من يونيو من العام الحالي للفصل بين الملفين السياسي والاقتصادي، وعدم امتداد الخلافات السياسية للعلاقات الاقتصادية .
إلا أن الواقع يشير إلى توقف أعمال اللجان المشتركة بين المستثمرين، والإحجام عن إبرام صفقات جديدة وتوقع توقف البنوك عن التمويل للتجارة بين البلدين ، وفتح اعتمادات مستندية لأى صفقة جديدة في ضوء زيادة معدل المخاطر، وهو ما يشير لتعطل الوعد التركي بزيادة حجم الاستثمارات في مصر إلى خمسة مليارات دولار ، كما عدل الجانب التركي عن التسهيل الائتماني البالغ قيمته مليار دولار والذى كانت تركيا قد خصصته لمصر.
بل أصبح هناك شك في استمرار الوديعة التركية البالغ قيمتها مليار دولار رغم أنها تستحق في عام 2017 ، كذلك سوف تتأثر حركة الطيران والسياحة بين البلدين ، وأيضا السعي لربط بورصتي القاهرة وإسطنبول، والاتفاقات الصحية وغيرها التي تم عقدها مع تركيا مثل التعاون في مجال الطاقة المتجددة وانتاج الكهرباء.
وبما يشير إلى تضرر قطاعات اقتصادية متعددة، نتيجة قرار حكومة الانقلاب بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بشكل متعمد لإهانة الطرف الآخر، دون اكتراث بالآثار الاقتصادية السلبية لذلك القرار المتسرع ، خاصة وأن هناك دولا أفريقية وأوروبية أعلنت رفضها الاعتراف بالانقلاب العسكري ، ولم يتم التعامل معها بالشكل الذى تم مع تركيا، القوة الاقليمية والعسكرية التي  تمثل دعما لمصر بالمنطقة.
*نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق