الأحد، 24 نوفمبر 2013

رفيق حبيب يكتب : " حرق مصر ... مذابح الإبادة الجماعية "


رفيق حبيب يكتب : " حرق مصر ... مذابح الإبادة الجماعية "


   
 
 قال الباحث السياسي د.رفيق حبيب أن مصر دخلت بعد يوم 14 أغسطس 2013 الدامي، في مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر. حيث شهدت مصر، للمرة الأولى في تاريخها المعاصر، مذابح إبادة جماعية، تستهدف إبادة تيار سياسي، هو التيار الإسلامي، رغم أنه تيار الأغلبية المجتمعية. وهي أيضا، سابقة تاريخية، لأنها أول حرب إبادة بيد مصرية، تستهدف الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع المصري. وهي أيضا أول مذابح في التاريخ المعاصر لمصريين، تتورط فيها القوات المسلحة المصرية. مما يجعل مذابح فض الاعتصام، هي واقعيا، شرخ في جدار الوطنية المصرية، للقوات المسلحة المصرية، التي مثلت الغطاء العسكري، لتلك المذابح البشعة.
بهذه الحقيقة استهل د.رفيق حبيب الكاتب والمفكر دراسة حديثة له عنوانها "حرق مصر...مذابح الإبادة الجماعية"، وفيما يلي عرض لأهم ما تناولته من قضايا.
 
حرب أهلية وإبادة سياسية بالوكالة
الانقلاب العسكري، فتح صفحة غير مسبوقة في التاريخ المصري، حيث صنع حالة من الحرب الأهلية، بتقسيم المجتمع سياسيا وطائفيا، لينزلق المجتمع في صراع أهلي وسياسي دموي، بعد أن أشعلت حرب كراهية غير مسبوقة في التاريخ المصري المعاصر، بين التيارات السياسية، لتمهد لحالة من النزاع الأهلي، أصابت المجتمع المصري في مقتل، وحولت حالة الاستقطاب السياسي، إلى نزاع أهلي وسياسي، وإلى حرب إبادة سياسية، لم تعرفها مصر من قبل.
مذابح جماعية
دخلت مصر إلى مرحلة حرب أهلية، ولكنها حرب أهلية بالوكالة، حيث يفترض أن فريقا من المجتمع، قد فوض القوات المسلحة، حتى تقوم نيابة عنه، بإبادة فريق آخر من المجتمع، وتشن بنفسها حربا أهلية بالوكالة، لنصبح أمام حرب أهلية، بين القوات المسلحة وقوات الأمن من جانب، والتيار الإسلامي من الجانب الآخر. حيث تتولى الأجهزة الأمنية، إبادة تيار سياسي، بالنيابة عن قطاع من المجتمع، يفترض أنه يدعم عملية الإبادة السياسية. وتتوالى المذابح الجماعية، ضد جماهير وقوى التيار الإسلامي، مسجلة بذلك، أكثر المشاهد الدموية في التاريخ المصري.عندما تريد فرض حكم عسكري على أي بلد، فلا بد من تفجير النزاعات الأهلية والطائفية، حتى يغرق المجتمع في حالة من العنف والفوضى، تتيح فرض الحكم العسكري عليه.
كسر السلمية
تحت عنوان "كسر السلمية" كشف حبيب أن مذبحة فض الاعتصامات والمذابح التالية لها، استهدفت ضرب عملية الاحتجاج السلمي على الانقلاب العسكري، من خلال ترويع كل من يشارك في أي اعتصام أو مظاهرة، حتى يتم نشر حالة من الخوف، من المشاركة في الاحتجاج السلمي، بكل أشكاله. كما تعمد قادة الانقلاب، ترويع الإعلاميين والصحفيين تغطية الاحتجاجات السلمية، فاستهدفت نيران القتل عددا كبيرا منهم، حتى يتمكن قادة الانقلاب من فرض حالة تعتيم إعلامي على الاحتجاجات السلمية، مما يفقدها القدرة على التأثير، والظهور أمام الرأي العام.
ضرب عملية الاحتجاج المنظم
وقد كانت الاعتصامات في رابعة العدوية وميدان النهضة، تمثل حالة احتجاج منظم ضد الانقلاب العسكري. ولكن قادة الانقلاب، استهدفوا أساسا ضرب الاحتجاج المنظم وإفشاله، ولم يستهدفوا فقط الاحتجاج السلمي. كما استهدف قادة الانقلاب المسيرات والتظاهرات، والتي واجهت عدوانا من تنظيم البلطجية، أو الشرطة النظامية. مما يعني أن قادة الانقلاب استهدفوا أساسا كل أشكال الاحتجاج السلمي، وأيضا كل أشكال الاحتجاج المنظم.
استهدف ضرب الاحتجاج السلمي إلى دفع الجماهير المحتجة على الانقلاب، إلى الاحتجاج غير المنظم، والذي يمكن أن يتحول لشكل من الفوضى أو العنف. كما أن الاحتجاج غير المنظم، يساعد قادة الانقلاب على إخفاء حقيقته، وأيضا تشويه صورته، في حين أن الاحتجاج السلمي المنظم، يمكن أن يظهر صورته للرأي العام، رغم التعتيم الإعلامي المنهجي، ضد حركة مناهضة الانقلاب.
إشعال العنف
وتحت عنوان "إشعال العنف" قال "حبيب" حاول الانقلاب منذ بدايته، إشعال موجات عنف تبرر استمراره، ثم تبرر عسكرة الدولة. لأنه منذ البداية، لجأ إلى السياسات القمعية البوليسية، وهو يعلم أن تلك السياسة، تعطي لجماعات العنف، المبرر العملي، على أن الدولة القائمة، والقوات المسلحة، ترفض أي دور للحركة الإسلامية في أي عملية سياسية ديمقراطية.
تنظيم البلطجية
كما أن قادة الانقلاب، لجأوا إلى استخدام مفرط لتنظيم البلطجية، قبل الانقلاب وبعده، لشن حالة من العنف ضد كل المنتسبين للتيار الإسلامي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل مشاهد القتل والدماء، تقلل رد الفعل السلبي تجاه العنف، وتجعله أمرا عاديا ومتكررا. ومخطط حرق مقرات جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، كان ضمن سيناريو نشر حالة من الكراهية العنيفة،ضد التيار الإسلامي، لنشر الكراهية والعنف، فتصبح حالة العنف المعرفي أو اللفظي أو البدني، حالة منتشرة في مصر.
حرب دموية
كما أن قادة الانقلاب، ومن خلال المذابح المتتالية، أشعلوا حربا دموية ضد تيار سياسي واسع، وهو التيار الإسلامي. ومع نزيف الدم في مذبحة فض الاعتصام، بدأت حركة البلطجية تعود مرة أخرى، لتشعل الغضب الشعبي أو تستغله، وتوسع من مدى الحريق المنتشر، بشكل مخطط له. وهو ما يعيد ممارسات الأمن، في استهداف الكنائس والأقباط، لإشعال نزاع طائفي، يبرر عسكرة الدولة، ويبرر السياسة البوليسية القمعية.
أليس مصريا    
ومن خلال الدعاية السوداء، لإعلام الانقلاب، تم التمهيد لحالة من الاغتراب المجتمعي، تسمح لمصري بقتل مصري آخر، وهو يعتقد أنه ليس مصريا مثله. وبهذا، تم ترسيخ حالة اختلاف مجتمعي عميقة، بين المنتمين لتيارات سياسية مختلفة، بما يمهد لحرب الإبادة السياسية.
وعندما يقتل جندي أو ضابط، مصريا آخر، بزعم أنه خطر على المجتمع، مما يجعله يستبيح دمه، فإن تلك الحالة تمتد إلى عائلته، وتؤثر في كل من حوله، وتشق روابط المجتمع، حتى يصبح وكأنه مجتمع منقسم عرقيا، بين أعراق سياسية، تستحل دماء بعضها البعض. وبهذا، يتفكك المجتمع، وتفصل بين أبنائه جدار من الدماء.
ومذابح فض الاعتصامات والمذابح التالية لها، عمقت شرخا دمويا بين أجهزة الشرطة والجيش، ومعها أيضا القضاء، مع فصيل واسع من المجتمع، يمثل أغلبية يراد طمسها، من خلال التضليل الإعلامي. وحتى إن لم يكن أغلبية، فهو مكون مهم ومركزي من المجتمع المصري.
صراع وجود
تحت عنوان "صراع وجود" رصد "حبيب" أن نشر حالة الكراهية السياسية، وإشعال حرب إبادة سياسية، جعل الصراع يتحول إلى صراع وجود، وليس مجرد صراع سياسي. فقادة الانقلاب يشنون حرب إبادة ضد التيار الإسلامي، بكل مكوناته، وبكل القوى المعبرة عنه، والجماهير المنتمية إليه. مما يعني، أن الاستسلام أمام تلك الحرب، يؤدي عمليا إلى إقصاء دموي للتيار الإسلامي. وبهذا يصبح التيار الإسلامي أمام حرب وجود، فإذا انتصر الانقلاب عليه، أخرج من ساحة العمل السياسي، وحوصر اجتماعيا، وأصبح خارج دائرة الحضور السياسي والاجتماعي في آن واحد.
مكونات الدولة العميقة
ومن الجهة الأخرى، فإن قادة الانقلاب، عندما شنوا حرب إبادة ضد التيار الإسلامي، كانوا يدركون أن فشل تلك الحرب، تؤدي إلى إخراجهم من الساحة، كما تؤدي إلى إخراج القوات المسلحة من العملية السياسية، وتؤدي أيضا إلى هزيمة الدولة العميقة بكل مكوناتها، وخسارة فادحة لكل القوى والكتل السياسية التي شاركت في الانقلاب العسكري. مما يعني، أن كل مكونات الانقلاب العسكري، تشن حرب وجود، وتدرك أن هزيمتها، تخرجها من مجال الفعل والتأثير السياسي.وسلسلة المذابح التي ارتكبت، بما فيها المذبحة الأهم، وهي مذبحة فض الاعتصامات، تجعل قادة الانقلاب يندفعون في معركتهم حتى النهاية، خوفا من فشل الانقلاب، ومحاسبتهم جنائيا. مما يعني أن المعركة بالنسبة لقادة الانقلاب، أصبحت معركة وجود، وهو ما يدفع قادة الانقلاب إلى التمادي في العنف الرسمي، بصورة غير مسبوقة، فليس أمامهم إلا الانتصار أو المحاسبة.
لماذا رفض قائد الانقلاب الحل السياسي؟
وتساءل "حبيب" لماذا رفض قائد الانقلاب الحل السياسي؟ فكل التقارير تؤكد أن قادة الانقلاب رفضوا فعليا كل جهود الوساطة، بل ورفضوا كل الحلول المقترحة. وعمليا، رفض قادة الانقلاب أي حل سياسي للأزمة، وأصروا فقط على ضرورة فض الاعتصامات، وهو ما يكشف عن حقيقة موقف قادة الانقلاب. فقائد الانقلاب، لا يريد أي مخرج سياسي أو حل سياسي للأزمة، بل كان يريد فقط من الوسطاء إقناع أنصار الشرعية، بفض الاعتصامات، ثم بعد ذلك يمكن بدء أي حوار. وهو ما يعني، أنه يريد سحب كل أوراق حركة مناهضة الشرعية، حتى تقبل بما يفرض عليها.
فرض علمنة وعسكرة الدولة
وهو ما يؤكد أن هدف الانقلاب، ليس إعادة إنتاج المرحلة الانتقالية، ولا إعادة بناء عملية التحول الديمقراطي، بل أن هدف الانقلاب، هو إقصاء قوى التيار الإسلامي من العملية السياسية، وفرض علمنة وعسكرة الدولة. وكأن قائد الانقلاب، يريد دفع القوى الإسلامية خارج إطار الفعل والتأثير، حتى يبني نظاما سياسيا مقيدا بشروط علمانية، ومقيدا بدور سياسي للقوات المسلحة، ثم بعد ذلك يمكن لأي قوى أن تشارك في العملية السياسية، لأنها ستكون عملية شكلية لا معنى لها، كما أن القوى الإسلامية إذا شاركت في النظام السياسي الذي يستهدف الانقلاب بناءه، سوف تكون محرومة أصلا من أن تكون معبرة عن المشروع الإسلامي، وتصبح مشاركتها بلا معنى، بعد أن يصبح المشروع والهوية الإسلامية، مقيد بشروط علمانية.
مخطط حرق مصر
وتحت عنوان "مخطط حرق مصر" نبه "حبيب" إلى أنه مع مشاهد حمام الدم الذي سال في ميادين الاعتصام في يوم الأربعاء الدامي، توالت مشاهد عنف وإرهاب السلطة، حيث حرقت جثث الشهداء، بل وحرق الجرحى أحياء، وتم حرق المستشفى الميداني، وجامع رابعة العدوية. ومع توالي مشاهد إرهاب الدولة، خطط قادة الانقلاب لحملة إعلامية، تتهم أنصار الشرعية وحركة مناهضة الانقلاب بالإرهاب، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، في محاولة لتصنيع حالة من الفوضى والعنف، ودفع البلاد إلى حافة الهاوية.
الغضب الشعبي الجارف
وقد أدت عمليات القتل بدم بارد، إلى إثارة حالة من الغضب الشعبي الجارف، يحاول قادة الانقلاب استغلالها، لتفجير حالة من الانفجار الشعبي، وفي نفس الوقت، يتم تحريك جيش البلطجية لإشعال الحرائق، وهو ما يمهد عمليا لمزيد من سفك دماء القوى والجماهير المعارضة للانقلاب، والمعارضة للسياسات البوليسية القمعية. ومع التخطيط لعمليات عنف مدبرة، يتم تبرير السياسات الدموية تجاه معارضي الانقلاب، وهو ما يؤدي إلى تفجير مشاعر الغضب الشعبي، ويفتح الباب أمام انفجار شعبي غاضب، واسع المدى.
 السلمية أقوى سلاح
وبهذا يعتمد الانقلاب على مخطط لتوسيع دائرة العنف، حتى يتمكن من تحويل الاحتجاج السلمي، إلى احتجاج عنيف، فيشن حربا لا هوادة فيها، تحت عنوان الحرب على الإرهاب. فالاحتجاج السلمي المنظم، هو أقوى سلاح في وجه الانقلاب العسكري، لذا يحاول قادة الانقلاب، إجهاض عملية تنظيم الاحتجاج السلمي، حتى يتم إجهاض سلمية الاحتجاج بعد ذلك، ثم إشعال الحرائق والعنف المتعمد، وتوجيه ضربات عنيفة ضد المحتجين، حتى تنزلق حركة مناهضة الانقلاب، في حالة احتجاج غير منظم، يصعب السيطرة عليها، وبالتالي يصعب الحفاظ على سلمية الاحتجاج.
إجهاض سلمية الاحتجاج
ولهذا، يستهدف مخطط الانقلاب، ضرب تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، لأنه التنظيم الأقوى، والقادر على الحفاظ على الاحتجاج السلمي المنظم. فإذا استطاع قادة الانقلاب، شل القدرة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين، أفقدوا الانقلاب عنصر التنظيم، وبعد ذلك يمكن إجهاض سلمية حركة الاحتجاج. وفي كل الأحوال، فإن قدرة جماعة الإخوان المسلمين، على الحفاظ على ترابطها التنظيمي، تساعد على الحفاظ على الاحتجاج السلمي المنظم، وتعرقل مخطط دفع البلاد إلى سيناريو الفوضى والعنف.
بناء نظام عسكري
كما أن قدرة جماعة الإخوان المسلمين، على ضبط أعضائها، تعد مسألة مهمة، لمنع انتشار الغضب العنيف في صفوف الإسلاميين. فإذا لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين، من ضبط حركة جماهير التيار الإسلامي، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى ظهور تجمعات إسلامية عنيفة. كما إن بعض من كان ينتمي لجماعات إسلامية عنيفة أو للأفكار المتطرفة، والذين شاركوا في العملية السلمية، يمكن أن يعودوا مرة أخرى لاستخدام العنف وفكرة التغيير بالقوة، بعد أن تم إجهاض العملية السلمية الديمقراطية، بفعل الانقلاب، وهو ما يتمناه قادة الانقلاب، حتى تصبح الحرب على الإرهاب، ويتم إجهاض التحول الديمقراطي، وبناء نظام عسكري، بذريعة محاربة العنف والإرهاب.
إفشال سيناريو العنف
والمعركة الرئيسة في مواجهة الانقلاب، تتمثل في إفشال سيناريو جر البلاد إلى العنف والفوضى، فإذا سقطت مصر في منزلق العنف والفوضى، تفشل حركة مناهضة الانقلاب السلمية. ولكن جر مصر إلى مرحلة الفوضى والعنف، لن ينجح الانقلاب العسكري، كما يتوقع قادة الانقلاب، ولكنه سوف يدفع البلاد للدخول في مرحلة الدولة الفاشلة، وانتشار الجماعات المسلحة، وتدخل البلاد في حرب استنزاف طويلة، قد يكون المنتصر فيها، هو الجماعات المسلحة، والتي اكتسبت مبررات جديدة، بعد إجهاض عملية التحول الديمقراطي. لذا، فإن قادة الانقلاب، يريدون دفع البلاد عند حافة الهاوية، حتى يثيرون خوف عامة الناس من موجات عنف وفوضى، مما يمكنهم من فرض مخطط الانقلاب، وإقامة دولة عسكرية علمانية.
حالة الفوضى تقلب السحر على الساحر
قادة الانقلاب، يكررون خطأ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي تصورت أنها يمكن أن تدير حالة فوضى، اعتبرتها خلاقة، ومن خلال السيطرة على حالة الفوضى، يمكن بناء نموذج الدولة، المناسب للمصالح الغربية في المنطقة، خاصة الأمريكية. وثبت لعدة مرات، أن من ينشر حالة الفوضى، لن يستطيع التحكم في نتائجها، وأن الفوضى مثل السحر الذي ينقلب على الساحر.
حافة الهاوية
والآن يحاول قادة الانقلاب دفع مصر حتى تبقى عند حافة الهاوية لفترة، ويعتقدون أنهم قادرون على منع انزلاق البلاد إلى الهاوية بالكامل. ويحاول قادة الانقلاب، إجهاض الاحتجاج السلمي المنظم ضد الانقلاب، ثم دفع البلاد إلى قدر من العنف الشعبي التلقائي، وتنفيذ عمليات عنف مخططة ومدبرة، حتى تشيع حالة من الخوف، تؤدي إلى توقف حالة الاحتجاج على الانقلاب، ثم تتم السيطرة أمنيا على البلاد، وعلى الحياة السياسية، بل وعلى مختلف الأنشطة الأهلية، ثم يتم تمرير مخطط الانقلاب، لتصبح القيادة العسكرية، هي الحاكم الفعلي للبلاد.
الانقلاب العسكري ليس بديلا
إذا عدنا إلى المناخ الذي قامت فيه ثورة يناير، سوف ندرك أن المجتمع المصري وصل لمرحلة عدم القدرة على التعايش مع نظام بوليسي قمعي، لذا قامت الثورة. واستمرار النظام السابق، كان سوف يؤدي إلى الدخول في مرحلة العنف والفوضى، فالنظام السابق لم يكن بديلا للفوضى، كما كان يدعي، بل كان يمثل السبب الذي سوف يقود البلاد للفوضى والعنف. فالدولة المستبدة لفاسدة، تصل لمرحلة توحش الاستبداد والفساد، فتتحول إلى دولة فاشلة، وتفقد سيطرتها على البلاد، مما يدخل البلاد في العنف والفوضى. وإذا لم تقم ثورة يناير، لكانت مصر قد دخلت في مرحلة العنف والفوضى.
مرحلة الفشل الكامل
مما يعني، أن الانقلاب العسكري، لن ينجح في إعادة دولة مبارك مرة أخرى، أو دولة يوليو، بل سوف يدخل البلاد في مرحلة العنف والفوضى. فإذا استطاع الانقلاب العسكري، إجهاض الاحتجاج السلمي المنظم، واستطاع أيضا، اجهاض أي احتجاج غير منظم، فإنه بهذا يعيد البلاد للدولة البوليسية القمعية، والتي سوف تتسبب عودتها إلى الدخول في مرحلة العنف والفوضى، وإلى سقوط الدولة إلى مرحلة الفشل الكامل.
مفترق طرق
لهذا، تقف مصر بين مفترق طرق، بين طريق يؤدي إلى عودة العملية السياسية والديمقراطية، وانتصار الثورة، وطريق آخر يؤدي إلى انتشار العنف والفوضى. وليس بين الطريقين، من طريق ثالث. والطريق الأول، أي طريق استعادة الثورة والديمقراطية، رهن بانتصار حركة مناهضة الانقلاب، واستعادة الشرعية الدستورية مرة أخرى، واستكمال مسار بناء الدولة الديمقراطية الحرة، على ما تم بناءه قبل الانقلاب العسكري، أيا كانت التفاصيل والإجراءات والخطوات.أما الطريق الثاني، فيقوم أساسا على نجاح الانقلاب العسكري في إجهاض حركة مناهضة الانقلاب السلمية المنظمة، مما يدفع البلاد إلى الدخول في مرحلة العنف والفوضى، سواءً حدث ذلك بسبب محاولة قادة الانقلاب لإثارة حالة عنف وفوضى، أو بسبب رجوع الدولة البوليسية القمعية، والتي يصعب أن يتحملها المجتمع مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق