د. رفيق حبيب في أحدث دراساته: من أجل السلطة.. عسكرة الدولة والاقتصاد
الدكتور رفيق حبيب -المفكر السياسى والقيادى فى حزب
كتبه : سامية خليل
- المعركة الآن بين ثورة تبنى دولة مدنية وعسكر يحاولون جعل الجيش دولة فوق الدولة
- "مرسى" لم يقدم أى تنازل وجعل السلطة المنتخبة فوق المؤسسة العسكرية للمرة الأولى
- إعلان مرسى تحصين عمل اللجنة التأسيسية للدستور كان أصعب حلقات الصراع مع الجيش
- السبب الأساسى للانقلاب أن مسار العملية الديمقراطية لم يحقق أهداف العسكر
- قادة العسكر اعتبروا إحالة طنطاوى وعنان للتقاعد تعديًا من رئيس مدنى على الجيش
- عسكرة الدولة يهدر فكرة الثورة والحرية ويجعل التحول الديمقراطى شكليًا وبلا معنى
- القوات المسلحة لم تقف مع ثورة يناير ضد النظام الحاكم بل وقفت على الحياد
- الجيش لم يواجه الثورة لأنها تعيد له وضعيته القوية فى السلطة والدولة
- العسكر سمحوا بسقوط رأس النظام لأنه يخلصهم من مخطط توريث الحكم
- العملية الديمقراطية لا تتوافق مع توجهات العسكر لذا انقلبوا على إرادة الشعب
- بعد الانقلاب بدأت عملية إعادة بناء الدولة العسكرية كما يراها قادة الجيش
- أزمة مصر الحقيقية فى رؤية القوات المسلحة بأن الجيش سابق على الدولة ومؤسس لها
- حزب الحرية والعدالة وافق على وضع خصوصية للجيش للحفاظ على كيانه وتماسكه
- الذراع الاقتصادية للجيش توفر له استقلالية عن القرار السياسى وعن السلطة السياسية
- العسكر يعملون بقوة للحفاظ على الطابع القومى القطرى العلمانى للدولة
- قادة العسكر سعوا منذ البداية لتقييد المرجعية الإسلامية حتى يسهل لهم حكم الدولة
- فكرة تحصين الجيش تهدر التحول الديمقراطى لأنها تجعله سلطة رابعة تمتلك القوة
- أيقن قادة الجيش أن جماعة الإخوان وحزبها أهم عائق أمام وضع دستور يحصنهم
- الحرية والعدالة حرص على حماية قواعد العملية الديمقراطية لتكون الإطار الحاكم للدولة
- من رفضوا وثيقة المبادئ فوق دستورية رفضوا الانقلاب ومن وافقوا عليها أيدوا الانقلاب
- التحول إلى الوضع الديمقراطى بشكل كامل يغير وضع الجيش وطبيعة الدولة
أكد الدكتور رفيق حبيب -المفكر السياسى والقيادى فى حزب الحرية والعدالة-
فى أحدث دراساته بعنوان "من أجل السلطة.. عسكرة الدولة والاقتصاد" أنه رغم
أن معارك التغيير والثورة عديدة، إلا أن المعركة بين قيادة القوات المسلحة
والثورة، تمثل أهم وأصعب معركة، فموقف قيادة القوات المسلحة، الذى يهدف
لجعل الجيش دولة فوق الدولة، يحكم ويسيطر ويحدد طبيعة الدولة، والسياسة
العامة لها، يهدر أساسا فكرة الثورة والحرية، ويجعل التحول الديمقراطى،
شكليا وبلا معنى.
وأضاف حبيب أن معركة ما بعد الانقلاب العسكرى، هى نفسها معركة ما بعد
الثورة، فهل يكون الحكم للسلطة المدنية المنتخبة، أم للعسكر؟ وبمعنى آخر،
هل تكون الإرادة الشعبية الحرة، هى مصدر كل السلطات، أم تكون القوة
العسكرية، هى مصدر السلطات.
واستهل المفكر السياسى دراسته بتساؤل وصفه بالسؤال المحورى هل وقفت القوات
المسلحة مع الثورة، من أجل إقامة نظام حكم ديمقراطى؟ والإجابة عنه تشرح
أساس المشكلة بين القوات المسلحة والثورة. والحقيقة أن القوات المسلحة لم
تقف مع الثورة ضد النظام الحاكم، بل وقفت على الحياد بين الثورة والنظام
الحاكم، ثم سمحت بسقوط رأس النظام، لأنها أرادت التخلص من مخطط توريث الحكم
لجمال مبارك، أى أن القوات المسلحة رفضت أن يأتى رئيس مدنى من داخل النظام
الحاكم، الذى تنتمى له.
وأشار إلى أنه عندما قامت ثورة يناير، كانت القوات المسلحة تواجه تهديدا
بتغيير مكانتها، بسبب محاولات نقل السلطة لرئيس مدنى، وبسبب عملية تقوية
وزارة الداخلية فى مواجهة القوات المسلحة، حتى تصبح الداخلية هى القوة
الأمنية المسيطرة على الداخل وعلى العاصمة، دون سيطرة للقوات المسلحة. لذا
فالقوات المسلحة لم تواجه الثورة، حتى تعيد وضعيتها فى السلطة والدولة فى
مصر.
التحول الديمقراطى
وأوضح "حبيب" أن القوات المسلحة لم تكن جزءا من الثورة، ولا جزءا من أهداف
الثورة، ولم تعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة. ولكنها واجهت مشكلة كيفية
اختيار السلطة فى مصر بعد الثورة، واختارت قيادة القوات المسلحة طريق
التحول الديمقراطى، لانتخاب السلطة التنفيذية والتشريعية، لا لتحقيق
الديمقراطية الكاملة، بل لإعادة بناء النظام السابق على الثورة، بشكل
ديمقراطى.
ولفت إلى أنه لم تكن هذه الصورة غائبة منذ وقت مبكر بعد سقوط رأس النظام
المخلوع مبارك، بل كانت تلك المشكلة حاضرة كل الوقت. لذا ركز حزب الحرية
والعدالة، على حماية قواعد العملية السياسية الديمقراطية، حتى تصبح هى
الإطار الحاكم، للصراع السياسى الدائر بين القيادة العسكرية والثورة، فهو
لم يكن صراعا سياسيا بين النخبة العسكرية وقيادة الحزب أو قيادة الإخوان
المسلمين.
وبين "حبيب" أنه لم يكن هناك من بدائل أمام التحول الديمقراطى، إلا أن
يلتزم الجميع بقواعد العملية السياسية، حتى يتم التوصل لحلول أو توافق، أو
الانقلاب على قواعد العملية الديمقراطية، كما حدث فى الانقلاب العسكرى.
والسبب الأساسى وراء الانقلاب العسكرى، أن مسار العملية السياسية لم يحقق
أهداف القيادة العسكرية، كما أنه ثبت أن الديمقراطية لا تتوافق مع توجهات
القيادة العسكرية، لذا انقضت القيادة العسكرية على الديمقراطية، مشيراً إلى
أنه بعد الانقلاب العسكرى، بدأت عملية إعادة بناء الدولة العسكرية، كما
تراها قيادة القوات المسلحة، وحسب تصورها عن دور القوات المسلحة فى الدولة،
فما هى تلك الدولة؟
فوق الدولة
وتحت عنوان "فوق الدولة" قال "حبيب" إنه لدى القوات المسلحة رؤية خاصة
بها، تتبناها القيادة العسكرية، وتنقلها من جيل إلى جيل، حسب العديد من
المؤشرات والمعلومات. وتلك الرؤية تقوم أساسا على تصور، أن الجيش الحديث فى
مصر، وجد قبل الدولة الحديثة، وأن الجيش الوطنى سابق للدولة الوطنية. مما
يعنى أن الجيش تأسس أولا، ثم أسس دولة. وإذا كان الجيش سابق على الدولة،
فهو ليس جزءا منها، بقدر ما هو مؤسس الدولة، والدولة بهذا تابعة له.
وأضاف: "ولأن قيادة القوات المسلحة، ترى أن الجيش هو أصل الدولة، لذا يصبح
من الصعب أن يكون الجيش جزءا من كل؛ ولأنه الأصل، تصبح بقية الدولة بمنزلة
فرع من هذا الأصل. وفى أى نظام ديمقراطى، يكون الجيش جزءا من الدولة، وليس
مؤسسا لها، ولا هو أصل الدولة".
ونبه والقيادى فى حزب الحرية والعدالة، إلى أن تصور قيادة القوات المسلحة،
لا يجعل الجيش دولة داخل الدولة، بل دولة فوق الدولة. لأنه إذا كان الجيش
هو مؤسس الدولة، فهو إذن الراعى الأول والوحيد للدولة، مما يجعله فوق
الدولة، وليس مجرد كيان منعزل داخلها. وهكذا، يصبح الجيش كيانا أعلى من كل
السلطات، لأنه أعلى من الدولة. وتصبح السلطة الفعلية، سلطة مطلقة، لأنها
سلطة الجيش، التى تعلوا فوق كل سلطات النظام السياسى.
وأكمل: لأن الجيش هو مؤسس الدولة، لذا فإن القيادة العسكرية، ترى أن هوية
الدولة نابعة من هوية الجيش الذى أسس الدولة، ولا علاقة لها بهوية المجتمع.
فالمجتمع لم يؤسس الجيش، ولم يؤسس الدولة. ولأن الجيش أسس على النزعة
القومية القطرية العلمانية، وأسس على النموذج الغربى الحديث، لذا فإن الجيش
أسس دولة على النموذج الغربى، وليس لها علاقة بالنموذج الحضارى الذى ينتمى
له المجتمع.
ذراع اقتصادية
وبحسب "حبيب" هنا يمكن أن نفهم ما حدث من تحولات فى القوات المسلحة، بعد
حرب أكتوبر 1973؛ حيث بدأت عملية بناء عناصر استقلال القوات المسلحة،
باعتبارها فوق الدولة. فتم بناء ذراع اقتصادية للقوات المسلحة، يمكنها من
الاستقلال عن الدولة، والاعتماد على ذاتها، فى مواجهة أى تغييرات سياسية
تحدث.
ولفت إلى أنه مع بداية عهد الانفتاح الاقتصادى، بدأت عملية الخصخصة وتقليص
القطاع العام، وهو ما يؤدى إلى تقليص الدور الاقتصادى للدولة. ولكن فى
الوقت نفسه، كانت القوة الاقتصادية للقوات المسلحة تتمدد، داخل القطاع
الاقتصادى كله، بما فيه القطاع الخاص. فأصبح للقوات المسلحة شركات
اقتصادية، تملكها القوات المسلحة، والعديد من الشركات الخاصة التى يملكها
رجال أعمال من العسكريين السابقين. مما جعل الدولة تتقلص، والقوات المسلحة
تتمدد.
وقال "حبيب" إن الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة، يوفر لها قدرا من
الاستقلالية عن القرار السياسى وعن السلطة السياسية، كما يوفر لها ميزة
نسبية عن الدولة؛ حيث تمكنت القوات المسلحة من بناء منظومة اقتصادية
ومالية، تجعل القوات المسلحة فى وضع مالى أفضل بكثير من الدولة نفسها. مما
يجعل الدولة مثقلة بالديون، وفى وضع مالى متراجع، أما القوات المسلحة،
فوضعها المالى يحقق فوائض.
ونبه إلى أن الاختلاف فى الوضع المالى بين القوات المسلحة والدولة، يعنى
أن الدولة إذا انهارت ماليا واقتصاديا، سوف تبقى القوات المسلحة متماسكة،
وقادرة على إعادة بناء الدولة، لتؤسسها من جديد أو تعيد لها العافية مرة
أخرى، فيتأكد أن القوات المسلحة هى التى أسست الدولة، وليس العكس.
كما أن الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة، وما نتج عنها من شبكة علاقات
اقتصادية واسعة، أدى إلى سيطرة الجيش ضمنيا على الاقتصاد، أو قطاعات كبيرة
منه، فأصبحت الذراع الاقتصادية للجيش، إحدى وسائل السيطرة على حركة القطاع
الخاص، والوضع الاقتصادى. مما وفر للقوات المسلحة، عناصر القوة والتأثير
اللازمة، لتجعلها واقعيا، السلطة الفعلية على الأرض، وأصبحت الذراع
الاقتصادية للقوات المسلحة، جزءا من شبكة مصالح الطبقة العسكرية، لقيادات
وأفراد القوات المسلحة، فى الخدمة وبعد الخروج منها.
التنظيم العسكرى
أشار المفكر السياسى، إلى أن الناظر للمؤسسة العسكرية، يلحظ أنها تمثل
تنظيما مهنيا اجتماعيا، يترابط المنتمين له، بشكل تنظيمى اجتماعى، وتترابط
مصالحهم وأوضاعهم. كما أن الانتماء للمؤسسة العسكرية، له أسس عائلية، بسبب
غلبة منظومة الواسطة والمحسوبية. كما أن الانتماء للقوات المسلحة، بالنسبة
للعديد من العائلات والقبائل والقرى، يمثل جزءا من منظومة الوجاهة
الاجتماعية.
وأضاف أن هذا الطابع العائلى والاجتماعى، يؤدى لغلبة الترابط التنظيمى
الاجتماعى، داخل المؤسسة العسكرية. وهو ما يؤدى إلى وجود ترابط اجتماعى،
يتحول إلى رابطة مصالح، ممتدة داخل وخارج المؤسسة، وتتحول تلك الرابطة فى
النهاية، إلى رابطة سلطة، تشكل طبقة حكم.
ولفت إلى أن لدى القيادة العسكرية، رؤية تقوم على تفوق العسكرى على
المدنى، لذا يصبح تفوق الجيش على الدولة، جزءا من تفوق العسكرى على المدنى،
وهو ما يرسخ فكرة الطبقة الحاكمة المميزة، والتى تحتكر السلطة، موضحاً أنه
رغم تقلص عدد الوزراء العسكريين، بعد حرب أكتوبر، إلا أن التوسع فى شغل
المناصب العليا فى الدولة من قبل عسكريين، ظل مستمرا. فأصبح التنظيم المهنى
العسكرى المترابط، يسيطر عمليا على مؤسسات الدولة المختلفة، ويمارس السلطة
والنفوذ. فأصبح العسكرى المتقاعد، هو ذراع الجيش فى السلطة المدنية.
فوق الدستور
كشف "حبيب" أنه منذ ظهور تعبير مبادئ فوق دستورية، فى يوليو 2011، كان
تصور قيادة القوات المسلحة عن النظام السياسى الجديد والتحول الديمقراطى،
قد تحدد. فكان المقصود من المبادئ الفوق دستورية، هو تحصين القوات المسلحة،
فى مواجهة أى سلطة مدنية منتخبة، وتقييد المرجعية الإسلامية، حتى تبقى
الدولة قومية قطرية علمانية، كما هى.
وأوضح أن قادة القوات المسلحة، أردوا الحفاظ على الجيش باعتباره دولة فوق
الدولة، والحفاظ على طبيعة الدولة، المستمدة من الطبيعة التى أسس عليها
الجيش، دون تغيير، فتبقى الدولة ذات طابع قومى قطرى علمانى، ويحكمها
العسكر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وأكد المفكر السياسى أن حزب الحرية والعدالة، والعديد من القوى الإسلامية،
وقفوا ضد فكرة وثيقة المبادئ فوق دستورية، فى حين أن أغلب القوى العلمانية
أيدت الفكرة. والملاحظ، أن كل القوى التى أيدت فكرة وثيقة المبادئ فوق
الدستورية، هى التى أيدت الانقلاب العسكرى بعد ذلك، ومعظم القوى التى رفضت
فكرة الوثيقة، عدا حزب النور، هى التى رفضت الانقلاب العسكرى.
تحصين الجيش
وبين "حبيب" أن فكرة تحصين الجيش تهدر التحول الديمقراطى برمته، لأنها
تجعله سلطة رابعة، وهى سلطة عسكرية، وتجعلها فوق كل السلطات الأخرى، مما
يفرغ الديمقراطية من مضمونها، ويجعل الانتخابات بلا أى تأثير فعلى، لأن
الحاكم الفعلى عسكرى وغير منتخب، أيا كانت القوى السياسية التى تفوز فى
الانتخابات.
وأضاف: كما أن تحصين الجيش، وجعله السلطة الفعلية، وجعله أيضا مصدرا لهوية
الدولة، يجعل الجيش هو الحاكم الوحيد للدولة، ويجعل الدولة مسيطرة على
المجتمع، وينهى بهذا أى معنى لفكرة أن تكون الإرادة الشعبية مصدر كل
السلطات. فوثيقة المبادئ فوق الدستورية، تجعل الإرادة الشعبية بلا أى دور،
وتجعل السلطة مفروضة على الإرادة الشعبية، وليس العكس.
وتابع أنه منذ بداية الحوارات والمفاوضات، حول الدستور الجديد، وحول تقييد
الدستور، والفجوة تتسع بين القوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين وحزب
الحرية والعدالة، فقد تأكد مبكرا لقيادة القوات المسلحة، أن حزب الحرية
والعدالة، لما له من شعبية، يمثل أهم عائق أمام وضع دستور يحصن الجيش،
ويعطى له سلطة سياسية.
إحباط وثيقة السلمى
ويقول "حبيب"، إن المتابع للمعركة الدائرة بين قيادة القوات المسلحة
والأحزاب السياسية، يعرف أن حزب الحرية والعدالة، ممثلا فى رئيسه الدكتور
محمد مرسى، ظل حائط الصد الرئيسى، أمام كل محاولات تقييد دستور الثورة،
لدرجة جعلت قيادة القوات المسلحة، تركز على تكثيف الضغط بمختلف الأشكال،
على قيادة حزب الحرية والعدالة، حتى تمرر مسألة المبادئ فوق الدستورية،
والتى ظهرت بعد ذلك فى وثيقة السلمى، فى نوفمبر 2011؛ حيث قادت جماعة
الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية مظاهرة حاشدة، لإحباط مشروع وثيقة
السلمى.
وأضاف: وقتها تأكد لقيادات الجيش أن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية
والعدالة، يمثلا واقعيا القوة الاجتماعية والسياسية الأساسية، التى تعرقل
مخطط قيادة القوات المسلحة، الهادف لتصميم دستور يحصن الجيش، ويحمى علمانية
الدولة.
البحث عن حل
وأشار المفكر السياسى، إلى أنه من خلال الحوارات المستمرة، دارت عدة
محاولات للتوصل إلى حل، للخلاف بين القوات المسلحة والتحول الديمقراطى.
فالأوضاع التى تريد القوات المسلحة الحفاظ عليها، تمنع التحول الديمقراطى.
لذا كان حزب الحرية والعدالة يرى أن التوصل إلى توافق يؤدى إلى الاستمرار
فى بناء نظام ديمقراطى، ولا يعرقل التحول الديمقراطى، وفى الوقت نفسه ، لا
يسبب أى صدام مع الجيش أو تغيير لا تحتمله بنية القوات المسلحة، هو الحل
المناسب.
ونبه إلى أنه فى كل مراحل التحول الديمقراطى، تمر الجيوش بمرحلة تغيير
صعبة، وتحتاج للتدرج، لأن القوات المسلحة فى النظم المستبدة، تصمم بصورة
تتنافى مع قواعد الديمقراطية، ومن ثم تكون بنيتها غير مناسبة للتحول
الديمقراطى. لذا كان حزب الحرية والعدالة يرى أهمية أن يتم التحول تدريجيا،
ومن خلال أوضاع مؤقتة. أما قيادة القوات المسلحة، وإن مالت أحيانا إلى
القبول بوضع جديد نسبيا، إلا أنها ظلت تخشى من تأثير التحول الديمقراطى،
وتخشى أيضا من التحولات المستقبلية.
وأضاف: فقد توافقت اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، على أن تظل ميزانية
وزارة الدفاع رقما واحدا فى الموازنة العامة للدولة، ولا تعرض تفصيلاتها
على البرلمان، وتوافقت أيضا على أن يكون وزير الدفاع من بين ضباط القوات
المسلحة. والحقيقة أن حزب الحرية والعدالة، تقبل هذا الوضع، حتى لا تقف
عملية التحول الديمقراطى، لأن وقفها يمهد الطريق لقادة القوات المسلحة،
لفرض الدستور الذى يريدونه.
ولفت "حبيب" إلى أنه فى الوقت نفسه، كانت قيادة القوات المسلحة، تعلم أن
حزب الحرية والعدالة، يرى أن الأوضاع الخاصة للجيش مؤقتة، وأنه فى المستقبل
يمكن التحول إلى الوضع الديمقراطى الكامل. لذا ظلت قيادة القوات المسلحة،
تتشكك فى كل ما ينتج عن عملية التحول الديمقراطى، وترى أن النظام
الديمقراطى، سوف يغير وضع الجيش وطبيعة الدولة.
وتابع: كما أن إعطاء وضع خاص للجيش يجعله دولة داخل الدولة مؤقتا، وقيادة
القوات المسلحة تريد أن تجعل الجيش دولة فوق الدولة دائما. ودستور 2012، لم
يجعل الجيش دولة داخل الدولة بالكامل، بل جعل له خصوصية، يمكن تغييرها فى
المستقبل، وهو أقل من أن تقبل به قيادة القوات المسلحة.
الرئيس والعسكر
وقال حبيب إن المسألة بعد انتخاب الدكتور محمد مرسى رئيسا للجمهورية،
تعقدت لأنه لم يقدم أى تنازل فى المبادئ، وقبل التحاور والانتقال التدريجى.
فمنذ البداية، قام الرئيس محمد مرسى بإحالة قيادة القوات المسلحة للتقاعد،
فى الإعلان الدستورى الصادر فى 12 أغسطس 2012، وتعيين الفريق عبد الفتاح
السيسى وزيرا للدفاع، وبهذا أصبحت السلطة المدنية المنتخبة، فوق المؤسسة
العسكرية.
وأضاف أن المعلومات تشير إلى أن هذا القرار، مثل صدمة للمؤسسة العسكرية،
ورغم أن البعض داخل القوات المسلحة، رحب بتغيير القيادات، لأنه يسمح بترقية
الضباط الأصغر سنا، إلا أن تغيير وزير الدفاع من قبل رئيس مدنى، أعتبر
خرقا لما تأسست عليه القوات المسلحة عبر تاريخها. والبعض اعتبر أن ما حدث،
يمثل ضربة لتاريخ القوات المسلحة منذ أحمد عرابى، وفى قول آخر، منذ محمد
على.
وتابع: البعض اعتبر أن اختيار الفريق السيسى، مثل خروجا على قواعد القوات
المسلحة، لأنه لم يراعِ الأقدمية، والقواعد الأخرى المعمول بها فى الجيش.
مما يعنى أن إحالة المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان كانت صدمة،
واختيار الفريق السيسى كان صدمة أيضا. لدرجة أن البعض يقول: إن قيادة
القوات المسلحة كانت تريد فض اعتصامى رابعة والنهضة فى يوم 12 أغسطس وليس
14 أغسطس، لأنه الذكرى السنوية الأولى، لتعدى سلطة مدنية منتخبة على السلطة
العسكرية، للمرة الأولى فى تاريخ الجيش المصرى الحديث.
وأشار "حبيب" إلى أنه عندما قام الرئيس محمد مرسى، بحماية عملية وضع
الدستور، لحماية التحول الديمقراطى، بالإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012،
كانت تلك هى اللحظة الأصعب فى الصراع بين قيادة القوات المسلحة والرئيس،
وأيضا جماعة الإخوان المسلمين. فقد بات واضحا، أن قيادة القوات المسلحة، لن
تتمكن من تمرير الدستور الذى تريده، فى وجود جماعة الإخوان المسلمين.
وأكمل: الإعلان الدستورى، كان يستهدف حماية إجراءات وضع الدستور، حتى نصل
لدستور جديد، ولم تكن تهدف إلى تحصين قرارات الرئيس، رغم أى صياغات أُسىء
فهمها، أو أسيئت صياغتها. فكان الرئيس محمد مرسى، يدرك أن الاستمرار فى
عملية التحول الديمقراطى، دون توقف، والوصول إلى مرحلة بناء كل مؤسسات
الدولة، بعد إقرار الدستور الجديد، هى مسألة مهمة لإتمام عملية التحول
الديمقراطى.
واختتم المفكر السياسى دراسته بالتأكيد على أنه فى كل المراحل، كانت قيادة
القوات المسلحة تريد وقف عملية التحول الديمقراطى، حتى تتمكن من فرض
رؤيتها للدستور الجديد، وعندما لم تتمكن من ذلك، قامت بالانقلاب العسكرى،
ولأن جماعة الإخوان المسلمين، عرقلت مع غيرها، كل محاولات فرض دستور تحصين
العسكر، لذا كان إقصاؤها الدموى هدفا للانقلاب العسكرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق