الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

سليم عزوز المشروع النهضوي للفريق السيسي!

المشروع النهضوي للفريق السيسي!

سليم عزوز

تذكرت الحكمة الخالدة: "لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد" وأنا أشاهد التسريبات الأخيرة لـ " المهيب الركن الفريق" عبد الفتاح السيسي، عبر " الجزيرة مباشر مصر"، التي جعلت من يوم الجمعة، هو يوم التسريبات العالمي، بشكل أظن معه أن المذكور يتمني أن يستيقظ من نومه فيجد يوم الجمعة وقد غرق في البحر، ليقفز من الخميس إلى السبت مباشرة، بدون أن يتعثر طموحه السياسي بهذا اليوم، وهو من كان حكم الرئيس مرسي قرر منحه رئاسة الحكومة، بعد أن تبدي ولهه بالسلطة، قد شغفها حباً، لكنه اعتذر لأنه كان ينتوي الانقلاب طمعاً في الكرسي الكبير، فإذا به يتقلص طموحه إلى حد الأمنية العزيزة بالاستمرار وزيراً للدفاع، بالتحصين الذي جري لهذا الموقع في مشروع الدستور!.
يوم الجمعة فقط، ليس مقصوراً علي التسريبات الكاشفة عن حقيقة الرجل، ولكنه اليوم الذي يزداد فيه النفير الشعبي ضد الانقلاب، صحيح أن الثورة مستمرة في كل الأيام، لكن يوم الجمعة ومنذ الانقلاب، هو اليوم الذي يكون فيه الثوار أكثر حشداً وأكثر نفيراً، ولعله يؤمن، من قبل قيامه بالانقلاب، بما استقر في وجدان العوام بأن يوم الجمعة فيه " ساعة نحس" علي عكس إيمان الثوار بأنه يوم فيه ساعة إجابة، ربما لأنه اليوم الذي نُحس فيه مبارك، إذ كان اليوم الأول للثورة هو يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011، وصار يوم الجمعة هو يوم المليونيات، بعد ذلك، لذا فقد اختار السيسي يوم الأحد 30 يونيه يوماً للمظاهرات الممهدة للانقلاب، وكان انقلابه بإقالة الرئيس المنتخب يوم الأربعاء 3 يوليو، ثم كانت دعوته لأنصاره لمنحه التفويض إياه في يوم أحد أيضاً!.
هكذا صار يوم الجمعة، أبيض علي كل مظلوم أسود علي كل ظالم، وقد قررت "الجزيرة مباشر مصر" أن يكون يوم الجمعة هو يوم التسريبات، والذي جعلني أتذكر الحكمة الخالدة: "لا تؤجل عمل اليوم.."، إنني في الجمعة قبل الماضية كنت قد قررت التعليق علي تسريباته التي أشاد فيها بمعلمه محمد حسين طنطاوي، الذي ألزمته قوة الدفع الثوري، للدعوة للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكان يطمع أن يستمر في السلطة ليوم يبعثون!.
يوم جر وراءه يوماً، الى أن جاءت جمعة الأمس، وإذا بتسريبات كاشفة عن المشروع النهضوي لـ " المهيب الركن الفريق" عبد الفتاح السيسي، وإذا به يتبدي للناظرين بأنه ليس جمال عبد الناصر، لكنه يوسف بطرس غالي، وزير مالية حسني مبارك، الذي كان في سعيه لسد العجز في الموازنة العامة للدولة، لا يجد أمامه سوي الفقراء يضع يده في جيوبهم، وعندما أعيته الحيلة، لجأ إلى أموال التأمينات الاجتماعية فقام بالسطو عليها، والسيسي الآن بدأ من حيث انتهي يوسف بطرس غالي، فهو يسطو علي أموال المودعين في البنوك، غير عابئ بالكوارث التي تنتظر الاقتصاد الوطني في الغد بسبب ذلك، فهو يحكم مصر باليومية ووفق نظرية: يوم بيوم، لدرجة أنني صرت مشفقاً علي من دعت عليه أمه، في يوم الجمعة وفي ساعة الإجابة بأن ينكد عليه، وأعني به من سيحكم مصر بعد هذه المرحلة الفاسدة، والذي سيجد نفسه أمام كل هذا الخراب الذي أورثه له الانقلاب!.
يبدو لي أن السيسي يخرق السفينة، ليعيبها فلا يطمع فيها أحد، ولكي يعزف الناس في " الكرسي الكبير" ليتركوه له باعتبار أن من "شبكنا يخلصنا"، والرجل ليست لديه سياسة لإنقاذ " السفينة المعيوبة"، هو فقط يحلم بأن يكون رئيساً بعدها يحلها الحلال، وربما يكون مفيداً أن يستمر في سياسته بترجيل الأزمات إلى أقصي مدي ممكن.. وهذا ليس موضوعنا!.
موضوعنا يا قراء، هو تسريبات السيسي الأخيرة، التي تمثل من وجهة نظري الإطار الفلسفي الحاكم لتوجه الرجل الفكري والسياسي، وقد كنت مشغولاً طيلة الفترة الماضية بأن أجد علي النار هدي، وهو الذي قدموه علي أنه عبد الناصر الجديد، الذي جاء علي قدر ليعيد أمجاد عبد الناصر، ولي حلقة مهمة في برنامج " علي مسئوليتي"، علي " الجزيرة مباشر مصر" واجهت فيها الدعاوي "الخزعبلاوية"، التي تجعل من السيسي أسطورة وإنه نهاية صبر الذين كانوا يدعون عبد الناصر إلى العودة.. فقد جاء لهم السيسي، الذي قال عنه عبد الحكيم جمال عبد الناصر إنه الوريث الوحيد لأبيه.. كلام من هذا القبيل قاله عبد الحكيم في السابق عن حمدين صباحي!.
في الحلقة المهمة ( ومن يشهد للعروسة) التي كانت في الأسابيع الأولي للانقلاب فندت فيها المزاعم التي تقول إن السيسي هو عبد الناصر، وحملت عنوان "الاستدعاء القسري لعبد الناصر"، وكتبت في نفس الموضوع كثيراً، وتحدثت عنه في لقاءات متفرقة، ومما قلته إن ناصر انحاز للفقراء في حين أن حلفاء السيسي هم من يمثلون الرأسمالية الطفيلية، وفي الآونة الأخيرة كنت مشغولاً بأمر آخر!.
فالسيسي لم يقل إنه عبد الناصر، هم قالوا عنه ذلك، ولم يقل ما يمثله له الرجل من قيمة، ولم يتبن أفكاره، بل لم يعلن برنامجاً سياسياً أو رؤية فكرية نستطيع من خلالها أن نتعرف علي أبعاد شخصيته، وبعد ذلك كان السؤال الذي أوجهه لهؤلاء المتيمين صبابة: وماذا فيه يجعلكم في حالة الحب العذري؟ّ!.
وجاءت تسريبات الجمعة كاشفة، وواضعة الرجل في إطاره الطبيعي، كأحد مورثات نظام حكم حسني مبارك، الذي ازداد الفقراء في عهده فقراً، وازداد الحواة، ممن أطلق عليهم رجال أعمال ثراء، علي حساب صاحب المحل وهو الدولة المصرية!.
مرسي، الذي قلت فيه أنا شخصياً ما قال مالك في الخمر، كان مشغولاً بالفقراء، لأنه منهم، فانحيازه لهم مبرر فهم طبقته، كما أن انحياز الفريق السيسي لرجال الأعمال الذين يتحالفون معه في انقلابه، مبرر أيضاً.
الرئيس مرسي قرر أن يواجه الذين تهربوا من دفع مستحقات الدولة المصرية وهي بالمليارات، وحصل من نجيب ساويرس في  " خبطة واحدة" علي 7 مليارات جنيه، بينما السيسي مشغول بأنبوبة البوتاجاز التي حل أزمتها وزير التموين في عهد مرسي، في حين تفاقمت الأزمة في العهد التليد وصار الحصول علي أنبوبة أمر كاشف عن أن من حصل عليها محظوظ ويعيش ببركة دعاء الوالدين!.
في التسريبات، كشف السيسي عن مشروعه النهضوي الذي كنا نبحث عنه فلا نعثر له علي جرة، وإذا به ينتمي إلي الرأسمالية المتوحشة، ويؤكد المشروع أن صاحبه لا علاقة له بعبد الناصر من قريب أو من بعيد، وفي الواقع هو لم يقل إنه عبد الناصر لكن المتاجرين بقميص الرئيس الأسبق هم من وصفوه بذلك، فكان أمره صمتاً وقد ادخل بصمته الغش والتدليس علي الرأي العام!.
المشروع النهضوي لـ " المهيب الركن الفريق" عبد الفتاح السيسي الذي يفكر في رفع الدعم عن السلع، وهو ما سيتضرر منه أكثر من 70 مليون مواطن يستفيدون من الدعم المقرر لبطاقات التموين، ويتحدث عن أنه لابد من أن تباع أنبوبة البوتاجاز بسعرها الحقيقي ومن 8 جنيهات الي 66 جنيهاً، ويتحدث عن ضرورة تخفيض الرواتب الي النصف، وهو في حديثه هذا يستهدف أن تحل أزمة العجز في الميزانية العامة للدولة علي حساب هؤلاء الفقراء، ولا حديث عن خفض مرتبات كبار الموظفين في الدولة، وعلي رأسهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. نحن نريد أن نعرف، ومن حقنا أن نعرف، ما يتقاضاه الفريق السيسي في " طلعة كل شهر" كمرتب وبدلات وخلافه!.
ولا حديث عن رد مقدرات الوطن التي سرقها رجال الأعمال في عهد حسني مبارك، وهم من حلفائه في الانقلاب وقد أنفقوا عليه!.
ولا حديث عما بدأه الرئيس محمد مرسي من ضرورة حمل المتهربين من الضرائب من كبار رجال الأعمال من دفع ما عليهم لسد العجز في الموازنة العامة للدولة!.
الفقراء هم الجدار المائل في فكر عبد الفتاح السيسي، عبد الناصر الجديد، ولقد جاء في تسريب سابق ما يؤكد أنه يستكثر علي الناس استخدامهم للهواتف، فقال لو كان الأمر بيدي لفرضت ضرائب علي من يتكلم ومن يستقبل، وكان هذا التسريب كاشف عن منهج الرجل في الحياة، لكن لم يكن الأمر واضحاً علي النحو الذي تكرس في تسريب الجمعة 22 نوفمبر.
فالسيسي في تسريبه هذا بدا كما لو كان الفقراء هم الأعداء في مشروعه علي العكس من عبد الناصر، الذي بني تاريخه بهم، ناصر اقترب منهم والسيسي أوشك أن يبيع لهم الهواء العليل؟!
ويا عزيزي عبد الفتاح السيسي كم ثمن جرعة الأوكسجين التي يمكن أن يحصل عليها فقير، من الهواء الطلق، في عهدكم؟!
*كاتب وصحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق