ديباجة دستور الانقلاب : صياغة مهلهلة وتنوع مصادر التشريع
جاءت النسخة الأولية
للديباجة العامة لدستور الانقلاب العسكري الذي تعده لجنة الخمسين المعينة
من سلطة الانقلاب العسكري مخالفة للصياغات المعتادة لديباجة الدستور، حيث
كانت في مجملها إنشائية تتحدث عن رصد للمراحل التاريخية التي مرت عليها
مصر، وجاءت أركان جملها بشكل مهلهل في العديد من مضامينها.
وحاول كتبة الصياغة إرضاء حزب النور بذكر
تفسير لكلمة الشريعة الإسلامية بعد حذفها من نصوص مواد الدستور، حيث جاء في
الصياغة، ولكن في المقابل جاء ذكر تنوع المصادر دون كتابة أن مبادئ
الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهو ما يفتح الباب للرجوع
إلى ما قبل دستور 1971، أول ما تم ذكر المادة الثانية للدستور به.
وجاء في نص الديباجة "نحن الآن نكتب
دستورا ينير لنا طريق المستقبل ويتسق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي
شاركنا في كتابتها وصدقنا عليها، ونرى أن تنوع مصادر التشريع يثري حياتنا
ويفتح أمامنا آفاق التقدم".
وفي المقابل قام للمرة الثانية فى أقل
أسبوعين، بالتهديد الانبا بولا ممثل الكنيسة الارثوذكسية بلجنة الانقلاب
لتعديل الدستور بالانسحاب من اللجنة اعتراضا على صياغة ديباجة الدستور.
وقال بولا في تصريحات صحفية، اننا فوجئنا
بحذف جملة "مدنية الدولة من ديباجة الدستور دون الرجوع الينا وهو امر لا
نقبله، كما فوجئنا بوضع تفسير كلمة "مبادئ الشريعة" دون الرجوع الينا ونحن
لا نقبل هذا ايضا، مضيفا أن "ما يحدث كفيل بانسحاب ممثلين للكنائس الثلاث
من الخمسين.
وننشر نص الديباجة الأولى لدستور الانقلاب العسكري الذي أعدته لجنته المسماه بالخمسين، كما هي دون أدنى تغيير.
«مصر-بعبقرية موقعها وتاريخها - رأس
افريقيا المطل على البحر المتوسط، ومصب لأعظم انهارها: النيل والنيل شريان
الحياة لمصر والمصريين.
ومصر -بعبقرية موقعها وتاريخها- قب العالم
العربى، بل قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته ومغترق طرق
مواصلاته البحرية واتصالاته.
هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب.
فى فجر التاريخ، لاح فجر الضمير الانسانى وتجلى فى قلوب اجدادنا العظام، فاتحدت ارادتهم الخيرة.
وأسس اول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة
المصريين على ضفاف النيل، وابدعوا اروع ايات الحضارة وتطلعت قلوبهم الى
السماء، قبل ان تتنزل رسالتها الى الارض.
مصر مهد الدين، وراية مجد الدين، وراية مجد الاديان السماوية، وهى وطن نعيش فيه ويعيش فينا.
فى ارضها شب كليم الله، وتجلى له النور
الالهى وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين، وعلى ارضها احتضن المصريون السيدة
العذراء ووليدها، ثم قدموا الاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح،
وحين بعث خاتم المرسلين للناس كافة ليتمم مكارم الاخلاق، وانفتحت قلوبنا
وعقولنا لنور الاسلام، قدمنا الشهداء فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق
وعلوم الدين فى العالمين.
وفى العصر الحديث، استنارت العقول وبلغت الانسانية رشدها، وتقدمت امم وشعوب على طريق العلم، رافعة رايات الحرية واﻹخاء والمساواة.
وفي العصر الحديث اسس محمد على الدولة
المصرية الحديثة وعمادها جيش وطني انشأه ابراهيم باشا، ودعا ابن الأزهر
الشريف "رفاعة الطهطاوي" أن يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين بنيه
وجاهدنا نحن المصريين للحاق بركب التقدم وقدمنا الشهداء والتضحيات في
العديد من الهبات والمن والانتفاضات والثورات حتى انتصرت الارادة الشعبية
في ثورة 25 يناير - 30 يونيو التي رعت الى العيش بحرية وكرامة انسانية تحت
ظلال العدالة الاجتماعية.
هذه الثورة امتداد لمسيرة نضال وطني كان
من أبرز رموزه احمد عرابي ومحمد عبيد ومصطفى كامل ومحمد فريد وتتويج
لثورتين عظيمتين في تاريخنا الحديث:
ثورة 1919 التي ازاحت الحماية البريطانية
عن كاهل مصر والمصريين، وأرست مبدأ المواطنة والمساواة بين ابناء الجماعة
الوطنية، ووضع خلالها طلعت حرب حجر الاساس للاقتصاد الوطني وسعى الزعيم سعد
زغلول وخليفته مصطفى النحاس على طريق الديمقراطية مؤكدين أن الحق فوق
القوة والأمة فوق الحكومة.
وثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الزعيم
الخالد جمال عبد الناصر ورفاقه الاحرار واحتضنتها الارادة الشعبية فتحقق
حلم الاجيال في الجلاء والاستقلال وانفتحت مصر على امتها العربية وقارتها
الافريقية والعالم الاسلامي وساندت بخطى ثابتة على طريق التنمية والعدالة
الاجتماعية ثورة 25 يناير - 30 يونيو امتداد للمسيرة الثورية الوطنية
المصرية، وتتويج للعروة الوثقى بين الشعب المصري وجيشه الوطني، والتي حققنا
بفضلها الانتصار في معاركنا الكبرى من دحر العدوان الثلاثي عام 1956 الى
هزيمة الهزيمة بنصر اكتوبر المجيد ( بقيادة محمد أنور السادات).
وثورة 25 يناير – 30 يونيو, فريدة بين
الثورات الكبرى فى تاريخ الانسانية بكثافة المشاركة الشعبية التى قدرت
بشعرات الملايين, وبتجاوز الجماهير للنخب والطبقات والايدلوجيات نحو افاق
وطنية وانسانية اكثر رحابة, وبمباركة الازهر الشريف والكنيسة الوطنية لها
كما هى فريدة بسلميتها وبطموحها ان تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا
هذه الثورة اشارة وبشارة, اشارة الى ماض مازال حاضرا وبشارة بمستقبل تتطلع
اليه الانسانية كلها, فالعالم – فى القرن الواحد والعشرين – توشك أن تطوى
الصفحات الأخيرةَ من عصرِ الرشد، الذى مزَّقته صراعات المصالح بين الشرقِ
والغرب، وبين الشمالِ والجنوب، واشتعلت فيه النزاعاتِ والحروب، بين
الطبقاتِ والشعوب.
وزادت المخاطر التي تهدد الوجود الإنساني
وتهدد الحياة على الأرض التي استخلفنا الله عليها، وتأمل الإنسانية اليوم
أن تخرج من عصر الرشد إلى عصر الحكمة لنبني عالما جديدا تسوده الحقيقة
والعدل، وتصان فيه الحريات وحقوق الإنسان، ونحن المصريين نرى في ثورتنا
عودة لاسهامنا في كتابة تاريخ جديد للإنسانية.
نحن نؤمن إننا قادرون أن نستلهم الماضي
وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل، وأن نبني مجتمعا مزدهرا
متلاحما، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد، للفرد والجماعة الوطنية.
نحن قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا، ولنا – ولأجيالنا القادمة – السيادة في وطن سيد.
ونحن الآن نكتب دستورا لدولة الثورة، نغلق
به الباب أمام أي فساد وأي استبداد، ونعالج فيه جراح الماضي من زمن الفلاح
الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة ومصابيها في زماننا،
ونرفع الظلم عن بعض فئات شعبنا، التي عانت طويلا بسبب موقعها الجغرافي أو
خصوصيتها الثقافية، كأهل النوبة والصعيد وسيناء والواحات.
نحن الآن نكتب دستورا يستكمل بناء الدولة
الديمقراطية الحديثة في مصر، وهو دستور يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي
المصدر الرئيسي للتشريع بما يتعين معه على المشرع أن يكون اجتهاده ملتزما
بالقواعد الضابطة لاستنباط الأحكام من أدلتها الشريعة متحريا مناهج
الاستدلال على أحكامها العملية والقواعد الضابطة لفروعها.
نحن الآن نكتب دستورا ينير لنا طريق
المستقبل ويتسق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي شاركنا في كتابتها
وصدقنا عليها، ونرى أن تنوع مصادر التشريع يثري حياتنا ويفتح أمامنا آفاق
التقدم.
نحن نؤمن أن مصر جزء لا يتجزأ من الأمة
العربية ينتمي إلى القارة الافريقية، وتمتد حدودها في القارة الآسيوية،
وتطلع على البحر المتوسط، وأزهرها الشريف منارة للعالم الإسلامي، أرضها
وحدة واحدة لا تقبل الانقسام أو التجزئة أو الانتقاص منها، ووحدتنا الوطنية
مبدأ ثابت من مبادئنا، ونحن نحترم التنوع في إطار الوحدة الوطنية، ونرى
فيه ثراء للهوية المصرية، ونؤمن أن كرامة الوطن من كرامة المواطن، كما نؤمن
أننا مواطنون أحرار في وطن حر، ونحن الآن نكتب دستورا يصون حرياتنا ويحمي
الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية، ويحقق المساواة بيننا في
الحقوق والواجبات دون أي تمييز.
نحن المواطنات والمواطنيين، نحن الشعب المصري، السيد في الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق