الجمعة، 1 يوليو 2016

وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم بقلم: عامر شماخ


وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم


بقلم: عامر شماخ

فى محيط إحدى العائلات كنت شاهدًا على خلاف سياسى بين أبنائها؛ فريق يؤيد الشرعية ويرى نفسه الأحق بالاتباع والمؤازرة، وفريق ثان يؤيد الإجراءات الدموية، ويشايع الانتهاكات التى طالت الأنفس والأموال والأعراض.

لم أكن أتخيل قبل هذه الواقعة أن (الدماء تصير ماء) وأن الأشقاء يمكن أن يكونوا أعداء، حتى صادفت هذا النمط من البشر الذى أفسد العلاقة الإنسانية، وضحى بقرابته الأولى من أجل لعاعة من لعاعات الدنيا، ولكم وقفت أمام واقعة حصار النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحابته فى شعب أبى طالب، غير مصدق ما جرى للمؤمنين من جحود على أيدى أقرب الناس إليهم، وبينهم نبى الله الخاتم.. فلما رأيت الأخ يحرّض على أخيه، ويقسو على بناته إلا أن يقلن ربنا الله، أدركت أن تلك أقدار الله التى كتبها على الصالحين من عباده، ممن يواجهون أقوامهم بما هم عليه من فسق وضلال.

لما سألت أحدهم: لم تفعل هذا بأخيك؟، وكان قد أصر -ببلطجته- على أن يترك أخوه منزل العائلة، قال: كى لا يمسسنا سوء، قلت: وهل ترى أن ما يفعله خطأ؟ قال: نعم هو على خطأ.. قلت فأى إخوتك فى صدقه وأمانته ورقته؟ قال: لا أحد، غير أنى لا أطيقه، ولن أسمح بوجوده بيننا.

جادلت (الرجل) كثيرًا، وسقت إليه الأدلة على سوء ما يفعل، وأن الأيام دول، وأنه سيندم على ما صنع، غير أنى تخيلته بهيمة عجماء لا تفقه ولا تعقل، فهذا أخوه الذى يعد مفخرة العائلة يطرده من بيته، ويكثر الشائعات حوله، ويعترض طريق بناته، ويسلط عليهن أبناءه لمضايقتهن، غير واع إلى عاقبة هذا الجرم الذى حرمته السماء، وتعارف أهل الأرض على فحشة ودناءة فاعله.

قلت: سبحان الله!! ومن أصدق من الله قيلا: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} [النمل: 81]، فمثل هؤلاء أعمى الله بصيرتهم، وطمس على قلوبهم، فلا يرون الحق حقًا، بل يرونه باطلاً، وبالعكس يرون الباطل حقًا، فهم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم، ويقطعون الأرحام التى أمر الله أن توصل، ومن عقاب الله لهم كذلك أن أغلق قلوبهم عن الحق فهى لا تستقبل إلا الضلال، فإذا كلمته عن الله اشمأز قلبه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، وانفلت من عقاله كالإبل الشارد لا يلوى على شىء، ولا يميز بين حسن وقبيح.

والحقيقة أننى استفدت كثيرًا من مشاهد هذا الخلاف، خصوصًا أننى كنت حكمًا بين الفريقين فى فترة ما، بعدما تأزمت الأمور وآلت مآلات غير محمودة بين أبناء العائلة الواحدة، وقد رصدت الآتى: الفريق الأول معه الحق، من ثم فهو أقوى حجة، وأثبت قدمًا، وأملك للسانه، فلا تسمع منه قبحًا ولا سبًّا، وهو أحرص من الطرف الآخر على العلاقة العائلية وصلات الرحم، قليل الجدل، يميل إلى السلم ويجنح إلى المصالحة، وينبه -دائمًا- الطرف الآخر إلى قدسية العلاقة التى بينهم.

أما الطرف الآخر فهو مثل الذين يؤيدهم، لا يملك حجة، ولا يعرف منطقًا، يستخدم لغة العنف والتهديد، غير حريص على علاقته بالطرف الآخر، ينظر دائمًا إلى مصالحه الشخصية، وفيه حمق ورعونة، لا يتردد فى إيذاء خصمه ولو كان أقرب الناس إليه، تنقصه المروءة والوفاء.

ولعل من مزايا الانقلاب أن رأينا بأم أعيننا نماذج عديدة من النفاق والمنافقين، الذين يبيعون آخرتهم بعرض زائل من الدنيا، ويخونون المؤمنين، ويوالون المجرمين، ويضحون بالدين، ويقذفون المحصنات، ويشعلون العداوات، ويقولون على الله غير الحق، أولئك أتباع عبد الله بن أبي، الذى خاصم ففجر، وخاض فى عرض النبي وأهله، وأشعل الحرب بين المهاجرين والأنصار، لكن الله أطفأها كما أطفأ نيران اليهود، ولسوف يطفئ نيران المعاصرين الذين لم يدعوا سبيلا يسلكه المؤمنون إلا ملئوه شوكًا وأوعروه وأطلقوا فيه كلابهم تنهش من يمر من عباد الله المتقين.

وإذا كان المجرمون قد غرتهم أنفسهم، فبدوا أقوياء مقتدرين -على غير الحقيقة- فإن ربك لبلمرصاد، وإن قدره نافذ -لا محالة- فيمن آذى أهله وأولياءه، وعذاب الدنيا واقع واقع، وقد رأينا -والله- آيات الله وجبروته فى بعض هؤلاء، فلم يموتوا إلا وقد اقتص الله منهم قصاصًا عادلاً يكافئ ما فعلوه بالصالحين.. فالحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق