الخميس، 21 يوليو 2016

عادل الأنصاري : انقلابا مصر وتركيا.. تأثيرات متبادلة لا مقارنات

عادل الأنصاري : انقلابا مصر وتركيا.. تأثيرات متبادلة لا مقارنات


عادل الانصاري
21/07/2016 
- قراءة التأثيرات المتبادلة بين الانقلابين أهم من الوقوف عند حدود المقارنة بينهما.
- الأتراك اعتادوا أن يواجهوا الانقلابات السابقة بالمناورة والصبر.
- الانقلاب الأخير هو المرة الأولى التي تظاهر فيها الأتراك متأثرين بصمود المصريين في الميادين.
- القوات الخاصة التي تصدت للانقلاب الفاشل أسسها أردوغان عقب تداعيات انقلاب مصر.
- جرائم العسكر في مصر واستيلاؤهم على مقدرات البلاد وفشلهم أزعجت الأتراك فخرجوا خوفا من تكرار هذه الجرائم.
- محاولة الانقلاب التركي أحرجت دبلوماسية الانقلاب المصري ووضعتها بين خيارين أحلاهما مر.
- الانقلاب التركي بعث برسالة للشعب المصري بأن المواجهة ممكنة ولا حياة مع اليأس.
- المعارضة التركية وجهت رسالة صامتة للمصريين: قاوموا الانقلاب حتى ولو على خصمكم السياسي أو غريمكم الأيديولوجي.
تحليل يكتبه: عادل الأنصاري
الاتجاه الغالب على المتابعات الإعلامية وربما التحليلات السياسية في مرحلة ما بعد محاولة الانقلاب في تركيا، غلب عليها لدى كثير من المهتمين بالربيع العربي فكرة المقارنة مع الحالة المصرية بكافة تجلياتها وتداعياتها ومكوناتها، حتى أصبحت كل أطراف المعادلة في الحالة المصرية محل مقارنة مع أطراف مثيلتها في تركيا.
وأتصور أن مدخل المقارنة- وإن كان مفيدا في التحليل والوصول إلى نتائج- إلا أن مدخل التأثيرات المتبادلة بين الحالتين انزوى لحساب المقارنات، حتى بات الجميع يتناول الحدث من جانب المقارنات، لا من جانب التأثيرات المتبادلة التي قد يكون أثرها أوقع في التعرف على طبيعة الحدث بتشابكاته وتداخلاته.
ولعلنا في هذه القراءة نقف على التأثيرات المتبادلة بين الحالتين أو الانقلابين المصري والتركي وأثر كل منهما في الآخر، دون أن نهمل أو نغفل- بطبيعة الحال- منهج المقارنة وماله من أثر على تحليل المشتركات بين الحدثين، وبالتالي تعظيم الفائدة في التعامل مع المتغيرات التي تمر بها المنطقة في مرحلة تبدو أنها حاسمة.
أولا: تأثيرات المصري على التركي
وإذا بدأنا بتأثير السابق على اللاحق، فلنا أن نبحث في تأثير الانقلاب المصري وتداعياته على محاولة الانقلاب التي تمت في تركيا عشية يوم 15-7-2016:
- ولعل من أول ما يمكن أن نرصده من تأثيرات للانقلاب المصري على محاولة الانقلاب التركي، هو ذلك الحضور الجماهيري الواسع في المحاولة الانقلابية الأخيرة والمشاركة الشعبية في التفاعل، والتحرك لوقف الانقلاب ومنعه من خلال تحرك مصحوب بقوات الشرطة النظامية ووحدات القوات الخاصة.
فالقراءة التاريخية للانقلابات السابقة في تركيا تكاد لا تجد فيها موضعا لأي حراك شعبي ذي بال:
 ففي انقلاب مايو 1960 والذي قام به مجموعة من الضباط الخارجين عن قيادة الأركان حينئذ، وإن جاءت في سياق اضطرابات سياسية واجتماعية وفي ظل أزمة اقتصادية، إلا أنها لم تسفر عن حراك شعبي، حيث تم الإعلان عن الانقلاب في الإذاعة التركية حينئذ، وتم إجبار 235 قائدًا وأكثر من 3000 ضابط مكلف على التقاعد؛ وتمت حملة اعتقالات واسعة لعدد من القضاة ونواب العموم وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات؛ وتم اعتقال رئيس هيئة الأركان العامة التركية والرئيس ورئيس الوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة.
وانتهت المحاكمات حينها بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس، ووزير الشؤون الخارجية فاتنروستو، ووزير المالية حسن بولاتكان ، وبعد شهر عادت السلطة للمدنيين.
 وفي الانقلاب العسكري الذي وقعت أحداثه في مارس 1971 كان الأمر أقل دموية من سابقه، وفي الوقت نفسه لم يحدث أي حراك جماهيري أو شعبي رافض له، حيث بعثت قيادة الجيش حينها بمذكرة إلى الحكومة تطالبها بالتنحي وتسليم السلطة فقضي الأمر ووقع الانقلاب.
 وحدث الشيء نفسه في انقلاب عام 1997م، حيث قدمت المؤسسة العسكرية أيضا مذكرة في 28 فبراير، تطالب رئيس الوزراء نجم الدين أربكان حينها بالاستقالة وإنهاء حكومته الائتلافية وتسليم السلطة، فسلم أربكان حينها السلطة طواعية دون أي مقاومة، رغم أن عملية الانقلاب أسفرت حينها عن إغلاق المؤسسات الدينية ومدارس الإمام الخطيب وحظر الحجاب في الجامعات، ثم أودع السجن.
وبدأت بعدها رحلة جديدة في تطور المكون الإسلامي السياسي في تركيا مع ظهور تجربة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الذي فاز في الانتخابات عام 2003م.
ومن خلال القراءة العامة لانقلابات تركيا من هذه الزاوية، نجد أن تجربة تركيا التي سبقت انقلاب مصر لم تظهر فيها مواجهات أو حراك شعبي رافض للانقلابات العسكرية، وأن السياسة العامة للتعامل معها كانت في إطار المناورة القانونية وإعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات السياسية من جديد.
وهو ما يؤكد أن للحالة المصرية أثرا في معالجة الأتراك وقيادتهم السياسية وتعاملهم مع الانقلاب الجديد، الذي شهد حضورا جماهيريا وحراكا واسعا لرفض والتصدي للانقلاب منذ اللحظات الأولى للحدث.
ولا شك أن الربيع العربي بصورة عامة وصمود الشعوب المشاركة فيه في الحراك الجماهيري في أكثر من قطر عربي كان له مزيد من الأثر، إلا أن تجليات الحالة التركية كانت مسكونة بشكل كبير بما خلفته الحالة المصرية لديها من تأثير.
وقد ظهر هذا التأثير بصورة واضحة من خلال استطلاع آراء الكثيرين ممن شاركوا في هذا الحراك الشعبي التركي الواسع، حيث أكد قطاع منهم أنهم استحضروا حالة الصمود في الحالة المصرية، والتي تجلت بصورة كبيرة في عدد من المشاهد، كان أبرزها في اعتصام رابعة العدوية وغيرها من ميادين المواجهة الشعبية للانقلاب.
- ولعل ثاني هذه التأثيرات هو مخاوف الشعب التركي من التداعيات السياسية والاقتصادية والتنموية التي ظهرت في الحالة المصرية، خاصة بعد مرور ثلاث سنوات عليها، وما ترتب عليه من تراجع كبير للدور المصري على المستوى السياسي الإقليمي والدولي وتراجع معدلات الاقتصاد والتنمية إلى أبعد حدودها.
كل هذه التداعيات شكلت نوعا من الهاجس لدى الشعب التركي، وكانت بمثابة جرس الإنذار الذي لم يكن يسمح به الشعب التركي خاصة، بعدما تحقق له خلال العشرية الأخيرة من تنمية اقتصادية نقلته نقلة كبيرة.
فيكفي للشعب التركي أن يعلم أن نجاح الانقلاب في مصر ساهم في كارثة انهيار الاحتياطي النقدي في البنك المركزي المصري، ولجوء سلطة الانقلاب إلى سياسة تعويم الجنيه؛ لصرف رواتب موظفي الدولة المقدرة بحوالي 120 مليار جنيه سنويًّا، وأصبحت قيمة الجنيه السوقية في أدنى مستوى لها.
 يكفي أن يدرك الشعب التركي أنه في ظل الانقلاب تم إغلاق آلاف المصانع التي كانت مصدر دخل لملايين الأسر باتوا مشردين دون مصدر رزق.
 يكفي أن يعلم الشعب التركي أن قطاع السياحة في مصر تعرض لكارثة غير مسبوقة نتيجة تردي الأمن وتراجع الاقتصاد ونتيجة اتساع دائرة الاضطرابات، ما كبد القطاع خسائر بقيمة 2.2 مليار جنيه شهريًّا.
 يكفي أن يعلم الشعب التركي أن المشاريع الوهمية التي جاء بها الانقلاب لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي نوع من الاستهلاك الفج الفارغ من أي مضمون، وهكذا كان الحديث عن مشروع قناة السويس والعاصمة الجديدة واستصلاح مليون ونصف مليون فدان، وبناء مليون شقة لمحدودي الدخل.
 يكفي أن يعلم الشعب التركي أن ضعف موقف المنقلب دفعه إلى التسليم في حق مصر التاريخي من المياه وجعله دولة ضعيفة تسعى لإرضاء الإرادة الدولية والإقليمية، مقابل الحصول على اعترف من دولة هنا أو دويلة هناك.
لا شك أن كل هذا مما لا يسمح الشعب التركي لنفسه أن يصل له أو يتكرر عنده تحت مسمى الانقلاب على حكومة ديمقراطية لا يجب إزاحتها أو التخلص منها إلا في سياق ديمقراطي، فما بالنا أن كانت تلك الحكومة تحقق مزيدا من الإنجازات لشعبها أحدثت لها نقلة حضارية كبيرة.
وقد كان لهذا الانزعاج الشديد، وذلك السيناريو الذي دار في رؤوس الشعب التركي، وهو ينطلق عشية الانقلاب ليعيد الأمور إلى نصابها، أثر بالغ في تحريك تلك الجموع خاصة تلك التي كانت حتى وقت قريب حديثة عهد بوضع اقتصادي وتنموي متدني خرجوا منه مع بواكير استقرار الديمقراطية والخلاص من الانقلابات العسكرية.
- أما ثالث التأثيرات للحدث المصري على نظيره التركي فهو الهاجس الشعبي والحكومي من سيطرة العسكر على مفاصل الدولة على حساب المكون المدني، وهو مشهد تم استدعاؤه من خلال التجربة المصرية التي تجلت خلال السنوات الثلاث الماضية وظهرت فيها تجاوزات كارثية لسيطرة العسكر على مفاصل الدولة اقتصاديا وتنمويا وسياسيا.
لقد كان هاجس تسليط الضوء على خطورة استحواذ الجيش في مصر عقب انقلابه على 50% من اقتصاد البلاد وتحكمه في مفاصل الدولة سياسيا وتنمويا واقتصاديا أثرا بالغا على توليد مزيد من المخاوف لدى الأتراك بخطورة الانقلابات خاصة في صورتها الجديدة على مستقبل الشعب وخطورة تكراره.
وقد دعم هذه الهواجس ما حصلت عليه قوات الامن التركية من خطط انقلابية تعتزم تولي 80 شخصية الحكم والتحكم في مفاصل الدولة بما يعني أن الانقلاب لم يكن في هذه المرة انقلابا مؤقتا يعيد الحياة السياسية بعد وقت قصير كما حدث في عدد من الانقلابات السابقة، ولكنه انقلاب يستهدف التحكم في مفاصل الدولة على غرار ما حدث في التجربة المصرية.
- أما رابع هذه التأثيرات التي تركها الانقلاب المصري على الحالة التركية فهو ظهور ما عرف أثناء محاولة الانقلاب التركي بالقوات الخاصة التابعة لجهاز الشرطة والتي يصل قوامها إلى 60 ألف منتسب وقد قامت هذه القوات كحائط صد أمام آلة الانقلاب العسكرية وساهمت في فتح الثغرات التي أغلقها الانقلابيون.
هذه القوات شكلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقط منذ ثلاث سنوات أي بعد تفاعل أحداث الانقلاب في مصر ودراسة الثغرات التي أدت إلى نفاذ الانقلاب المصري وساعدت على سيطرتهم على مقاليد البلاد.
فقد بدا للرئيس أردوغان أن خروج الشعب المصري بكثافة وفاعلية وفداء لم يكن كافيا – على أهميته – للوقوف أمام آلة العسكر، وأن الأمر كان بحاجة إلى قوة تكتسب الشرعية القانونية والقدرة الفاعلة على التعامل السريع مع أي انقلاب يمكن أن يظهر في الأفق.
وبالنظر إلى الواقع الذي أفرزته محاولة الانقلاب التركي نجد أن خروج الشعب الكثيف كان موازيا لخروج القوات الخاصة وقيامها بمهامها المنوطة بها في ضرب أي محاولات للانقلاب على الشرعية أو نقض المسار الديمقراطي، دون أن يكون لأحدهما غناء عن الآخر.
ثانيا: تأثيرات الانقلاب التركي على المصري
وبطبيعة الحال لم تكن التأثيرات من طرف دون طرف ولكنها من المنطقي أن تكون متبادلة فكما أثرت التجربة الانقلابية المصرية في التجربة التركية كان للأخرى أثر عليها بدى في عدد من المظاهر والتجليات منها:
- أول هذه التأثيرات تجلى في حالة الحرج البالغة التي تعرض لها الانقلاب المصري عند عرض قرار الإدانة على مجلس الأمن، فبدى حينها الموقف المصري في أحرج حالاته، فإن أقر الإدانة فهو يدين نفسه وإن أبى فهو يشير إلى نفسه بأصابع الاتهام ويثبت للعالم أنه منقلب بكافة المقاييس.
لقد أضعفت محاولة الانقلاب التركي دبلوماسية الانقلاب المصري ووضعتها في موقف حرج، فاضطرت إلى عرقلة صدور القرار، وهو موقف لا يقل حرجا عن الحرج الذي من الممكن أن يحدث لدبلوماسية الانقلاب المصري حال تمرير مثل هذا القرار.
- وثاني هذه التأثيرات هي الرسالة التي بعثها الشعب التركي للشعب المصري أن إمكانية التغيير ممكنة والدخول في جولة جديدة أمر ممكنوغير مستحيل، فبالرغم من أن الشعب التركي استفاد من زخم الصمود الشعبي المصري إلا أن عملية إفشال الانقلاب التركي بعثت برسالة للشعب المصري بإمكانية المحاولة.
- وثالث هذه التأثيرات هي الرسالة الأخلاقية التي بعثت بها المعارضة التركية للمعارضة المصرية، ومفادها رفض الانقلابات كل الانقلابات مهما كان مبررها أو سببها أو دافعها، وأن على كل تيار سياسي أو معارض أن يؤمن بضرورة الخلاص من حكم العسكر وتدخلاته في الحياة السياسية أو نزوله إلى الحياة المدنية حتى وإن كان هذا الانقلاب على خصمه السياسي أو غريمه الأيديولوجي.
ربما تكون هذه بعض التأثيرات المتبادلة التي تحتمل المزيد أو التي يمكن أن تفرز في المستقبل غيرها من التأثيرات مع تفاعل الأحداث هنا أو هناك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق