الاثنين، 8 فبراير 2016

مصر خارج نطاق الزمن بقلم : مصطفى محمود شاهين

مصر خارج نطاق الزمن

  بقلم : مصطفى محمود شاهين
الإثنين، 08 فبراير 2016 
مصر خارج نطاق الزمن
أوردت مجلة "الإيكونمست" في عددها الأخير أن محافظ البنك المركزي الياباني فرض سعر فائدة سلبي بنسبة (0.1-%) أي أن سعر الفائدة أقل من الصفر على ودائع البنوك المحلية لدى البنك المركزي الياباني، وهذه هي أول مرة في تاريخ اليابان، وقد أخذت الخطوة نفسها كل من الدنمارك والسويد وسويسرا حيث تقوم البنوك المركزية في هذه البلاد بالحصول على فوائد من البنوك التجارية، حتى يجبر هذه البنوك على إقراض أو تشغيل الأموال من أجل توفير فرص العمل المناسبة للمواطنين وزيادة الناتج  القومي لهذه الدول.
وقد كشفت "الإيكونمست" أن ربع الناتج القومي العالمي يأتي من قبل دول أسعار الفائدة فيها سالبة، وبطبيعة الحال فإن أسعار البنوك المركزية هي أسعار الأساس خاصة للقروض قصيرة الأجل والتعاملات داخل أسواق المال، وقد لوحظ أن أسعار فائدة الإقراض قد هوت بشدة في أوروبا حتى تقاوم الكساد وارتفاع الأسعار في آن واحد.

وبوساطة إصرار البنوك المركزية على تغريم البنوك التجارية على فوائضها غير المستغلة سيدفع المواطنين على طلب أموالهم إما لاستثمارها بأنفسهم أو الاحتفاظ بها نقدا “كاش”، أما أوروبا فرغم تخفيض أسعار الفائدة خلال العام الماضي، إلا أن النظام المصرفي مازال محتفظا بودائعه لدى البنك المركزي، رغم أن أسعار الفائدة بالسالب في أوروبا بلغت 3-% أعلى من اليابان ولذلك فقد علق رئيس البنك المركزي الياباني بأنه لن يمل من تغريم البنوك فوائد في حالة الاحتفاظ بالودائع دون استثمار.

وبدأت البنوك في أوروبا بالتفكير في تغريم المواطنين المودعين فوائد، لكنها بدأت الآن بتغريم الشركات الكبرى فعليا التي لم تجد مناصا من ذلك، حيث إنه لم يعد لديها استثمار هذه الأموال في السندات الحكومية التي أصبحت عوائدها أيضا مقاربة للصفر.

وقد صرح مدير بنك "جوليوس بير" Julius Baer أنه إذا استمرت أسعار الفائدة في أوروبا باللون الأحمر، فإنه لا مفر من تغريم المودعين فوائد على إيداعاتهم وليس العكس. هذا يعكس أولا فهم الحكومات لأزمة الكساد وعدم القدرة على خلق فرص عمل والحد من أزمة البطالة.

ومن الجدير بالإشارة إلى أن خفض أسعار الفائدة  تتفق مع صحيح الإسلام من الهبوط والصعود لمعدل العائد رغم خلافاتنا الجوهرية بين النظام الربوي والنظام الإسلامي.

أقول هذا الكلام لأنك تصاب بالدهشة من نمط تعامل الحكومات العسكرية في مصر مع المشكلات الاقتصادية لا أعلم على الإطلاق أي مبرر اقتصادي من رفع أسعار الفائدة في البنوك المصرية لتناهز 12.5% في بلد يفيض فيها حجم الودائع عن 2 تريليون جنيه داخل البنوك المصرية، المبرر الوحيد الذي يسوقونه للناس هو جذب الودائع إلى الجهاز المصرفي ورفع سعر الفائدة على الجنيه حتى يحول المصريون إيداعاتهم إلى الجنية بدلا من الدولار.

لكن من المعلوم أنه إذا كان الاقتصاد يعاني من كساد وتدهور في معدل التشغيل، أي عجز الاقتصاد عن توفير فرص عمل مناسبة لقطاع كبير من المصريين، فإن السياسات الملائمة هي التي تحد من أزمة الكساد، وزيادة الاستثمار ينبغي أن تصب في تحفيز الاقتصاد بتقليل سعر الفائدة وفتح الفرص أمام الناس للإنتاج، والاقتصاديون متفقون على أن سعر الفائدة من أحد العوائق أمام الاستثمار والإنتاج والتوظيف والدخل القومي. وفي هذه الحالة فإن انهيار النمو وارتفاع الأسعار في آن واحد stagflation وهو ما يعرف بالركود التضخمي، هو ما يعجل بانهيار الحكومة أجلا أم عاجلا، فلماذا لا تسعى حكومة الانقلاب إلى زيادة الإنتاج والتوظيف وعمل كل ما يناسب لتحقيق هذا الهدف؟ إن الأحداث التي مرت الأسبوع الماضي تؤكد على غيبوبة حكومة الانقلاب وعجزها عن استيعاب الواقع وحلحلة أي مشكلة تتعرض لها.

فخذ على سبيل المثال حالة التيه والغيبوبة التي يعيشها قادة الانقلاب، عن طريق رفع التعريفات الجمركية حتى يتسنى التقليل من فجوة الواردات المصرية والحد من الواردات المصرية، لكن هل رفع التعريفات الجمركية ستحد من الواردات أم سترفع الأسعار على المواطنين في جميع السلع والخدمات؟ ما يعني هنا أن حكام مصر لا يضعون لهذه الآثار الاقتصادية أي اعتبار، فهم في كوكب آخر منعزلون عن العالم، فهل يدركون أن السياسات التي يتبعونها ستؤدي حتما إلى سقوط  الاقتصاد؟ فمصر تعيش خارج إطار الزمن دون أدنى شك، والعجيب أن هناك من يأمل في الخروج قريبا من المأزق وهم واقعون لا محالة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق