وائل قنديل
صلاة الغائب على الجامعة العربية
لم يعد ثمة مبرر واحد معقول لبقاء كيان وهمي اسمه "جامعة الدول العربية" الآن، خصوصاً مع تحول خارطة العرب إلى ملعب مفتوح يمارس فيه الآخرون كل أنواع المسابقات، أو حائط ممتد يضع عليه محترفو "الجرافيتي" شخبطاتهم.
لم يبق بين الدول العربية مركز ولا أطراف، الكل صار على الهامش، اختفى "الفاعل" ودخل الجميع خانة "المفعول به" ومن أسعده الحظ يتجاوز هذه الحالة إلى "المفعول لأجله" بحيث لم تعد هناك قوة يمكن الاستماع لصوتها إن تكلمت، أو الاعتداد بها إن تحركت.
تتمدد رقعة البؤس والعجز وقلة الحيلة العربية من اليمن إلى العراق إلى سورية إلى فلسطين، إذ باتت كل المصائر بيد اللاعبين الخارجيين، حتى في أدق الأمور المحلية الخاصة، على نحو يثير الضحك لدرجة البكاء على أيام كان العرب فيها يبدون استعداداً لمحاربة بعضهم البعض، لانتزاع الحق في استضافة "الجامعة العربية".
في تلك الأيام كانت مصر تعتبر أن وجود مقر الجامعة فيها من مقدسات التاريخ والجغرافيا، وترى في ذهاب منصب الأمين العام لأي مرشح غير مصري علامة زلزال مدمر للعمل العربي المشترك، وخدمة لأعداء الأمة.
كان العرب ولا يزالون يتقاتلون إذن، على الفوز بجثة متحللة، لا حركة فيها ولا بركة، حيث لم يعد هناك وجود أو حضور لتلك التي تسمى "مؤسسة القمة" في أي شأن عربي، بل إن دور "المحلل" الذي كانت تؤديه أحياناً للتغطية على التدخلات العسكرية في المنطقة لم يعد يطلبه أو يتذكره أحد.
والحاصل أن الهوان العربي بلغ حداً لم يعد فيه أعضاء النظام العربي قادرين حتى على مزاولة تلك القبليات والمهارشات الصغيرة الموروثة من زمن الجاهلية، لم تعد عاصمة تغار من أخرى، أو تتطلع لمساحة ما على رقعة الريادة، إذ رضي الكل بأقل الفتات، بعد أن بات كفاف البقاء مغنماً في ذاته.
إن حريقاً يشتعل في خارطة العرب منذ أكثر من عام، ومع ذلك لم "تشم" الجامعة العربية رائحة أدخنته بعد، إما أنها فقدت حاسة الشم، أو أنها رضيت بأن تصبح مجرد سطر مقتضب في كتب التاريخ، مثلها مثل "قطار الشرق السريع" الذي لم يبق منه إلا حكايات يلوكها الكهول، أو بقايا قضبان حديدية متهالكة لا تزال ترقد في أرض عربية هنا أو هناك.
اليمن يتآكل كدولة، ويوشك أن يتحول إلى مجرد مجموعة أصباغ فوق سجادة أصفهانية، وليبيا تحترق وتنتقل من حالة الدولة إلى محض ساحة فسيحة تمرح فيها خيول الثورات المضادة، والعراق وسورية يواجهان المصير ذاته، وجامعة العرب تغط في سبات عميق، فلم نسمع عن دعوة لاجتماع على مستوى وزاري أو اقتراح بانعقاد قمة، أو تفكير في تفعيل أي آلية مما ينبغي أن يضطلع بها ذلك المبنى الفخيم في وسط القاهرة.
احسبْ عدد المرات التي قرأتَ فيها أو سمعتَ اسم "نبيل العربي" أمين عام الجامعة، خلال الشهور الماضية، ستجد أن الرجل لا يذكر، لأنه باختصار يترأس مؤسسة غير موجودة، أو بالأحرى لا حضور لها أو استحضارا في أية مناسبة.
لقد انسحب النظام الرسمي العربي، معتزلاً نزالاته القطرية الضيقة، ومحاوره وتجمعاته الثلاثية والرباعية، مخلياً الساحة لقوى "داعش" و"القاعدة" و"الحوثي" في الداخل، ومكتفياً بالفرجة على مباراة إيرانية تركية تجري على أرضنا وبين جمهورنا.
وفي وضع بهذا التهافت، يصبح بقاء مؤسسة تحمل اسم "جامعة الدول العربية" دليلًا آخر على البذخ والإسراف في الإنفاق على ما هو هزل وعدم، يستحق أن تقام عليه "صلاة الغائب".
صلاة الغائب على الجامعة العربية
لم يعد ثمة مبرر واحد معقول لبقاء كيان وهمي اسمه "جامعة الدول العربية" الآن، خصوصاً مع تحول خارطة العرب إلى ملعب مفتوح يمارس فيه الآخرون كل أنواع المسابقات، أو حائط ممتد يضع عليه محترفو "الجرافيتي" شخبطاتهم.
لم يبق بين الدول العربية مركز ولا أطراف، الكل صار على الهامش، اختفى "الفاعل" ودخل الجميع خانة "المفعول به" ومن أسعده الحظ يتجاوز هذه الحالة إلى "المفعول لأجله" بحيث لم تعد هناك قوة يمكن الاستماع لصوتها إن تكلمت، أو الاعتداد بها إن تحركت.
تتمدد رقعة البؤس والعجز وقلة الحيلة العربية من اليمن إلى العراق إلى سورية إلى فلسطين، إذ باتت كل المصائر بيد اللاعبين الخارجيين، حتى في أدق الأمور المحلية الخاصة، على نحو يثير الضحك لدرجة البكاء على أيام كان العرب فيها يبدون استعداداً لمحاربة بعضهم البعض، لانتزاع الحق في استضافة "الجامعة العربية".
في تلك الأيام كانت مصر تعتبر أن وجود مقر الجامعة فيها من مقدسات التاريخ والجغرافيا، وترى في ذهاب منصب الأمين العام لأي مرشح غير مصري علامة زلزال مدمر للعمل العربي المشترك، وخدمة لأعداء الأمة.
كان العرب ولا يزالون يتقاتلون إذن، على الفوز بجثة متحللة، لا حركة فيها ولا بركة، حيث لم يعد هناك وجود أو حضور لتلك التي تسمى "مؤسسة القمة" في أي شأن عربي، بل إن دور "المحلل" الذي كانت تؤديه أحياناً للتغطية على التدخلات العسكرية في المنطقة لم يعد يطلبه أو يتذكره أحد.
والحاصل أن الهوان العربي بلغ حداً لم يعد فيه أعضاء النظام العربي قادرين حتى على مزاولة تلك القبليات والمهارشات الصغيرة الموروثة من زمن الجاهلية، لم تعد عاصمة تغار من أخرى، أو تتطلع لمساحة ما على رقعة الريادة، إذ رضي الكل بأقل الفتات، بعد أن بات كفاف البقاء مغنماً في ذاته.
إن حريقاً يشتعل في خارطة العرب منذ أكثر من عام، ومع ذلك لم "تشم" الجامعة العربية رائحة أدخنته بعد، إما أنها فقدت حاسة الشم، أو أنها رضيت بأن تصبح مجرد سطر مقتضب في كتب التاريخ، مثلها مثل "قطار الشرق السريع" الذي لم يبق منه إلا حكايات يلوكها الكهول، أو بقايا قضبان حديدية متهالكة لا تزال ترقد في أرض عربية هنا أو هناك.
اليمن يتآكل كدولة، ويوشك أن يتحول إلى مجرد مجموعة أصباغ فوق سجادة أصفهانية، وليبيا تحترق وتنتقل من حالة الدولة إلى محض ساحة فسيحة تمرح فيها خيول الثورات المضادة، والعراق وسورية يواجهان المصير ذاته، وجامعة العرب تغط في سبات عميق، فلم نسمع عن دعوة لاجتماع على مستوى وزاري أو اقتراح بانعقاد قمة، أو تفكير في تفعيل أي آلية مما ينبغي أن يضطلع بها ذلك المبنى الفخيم في وسط القاهرة.
احسبْ عدد المرات التي قرأتَ فيها أو سمعتَ اسم "نبيل العربي" أمين عام الجامعة، خلال الشهور الماضية، ستجد أن الرجل لا يذكر، لأنه باختصار يترأس مؤسسة غير موجودة، أو بالأحرى لا حضور لها أو استحضارا في أية مناسبة.
لقد انسحب النظام الرسمي العربي، معتزلاً نزالاته القطرية الضيقة، ومحاوره وتجمعاته الثلاثية والرباعية، مخلياً الساحة لقوى "داعش" و"القاعدة" و"الحوثي" في الداخل، ومكتفياً بالفرجة على مباراة إيرانية تركية تجري على أرضنا وبين جمهورنا.
وفي وضع بهذا التهافت، يصبح بقاء مؤسسة تحمل اسم "جامعة الدول العربية" دليلًا آخر على البذخ والإسراف في الإنفاق على ما هو هزل وعدم، يستحق أن تقام عليه "صلاة الغائب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق