تامر أبو عرب:
التجربة الدنماركية.. لا تصدقوا عادل إمام
*****يا إلهي.. إنهم لا يمنعون أي شيء.
لا تمنع الدنمارك المعارض ولا المهاجر ولا العنصري ولا المختلف ولا حتى المتطرف ما دام تطرفه لم يتحول إلى عنف.
يسمحون للصحف بنشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويسمحون للإسلاميين بالوقوف أمام اللجان في الانتخابات لرفع لافتات تطالب بمقاطعتها باعتبارها عملًا شركيًا، ويسمحون للإعلام بانتقاد الحكومة ورئيسها بل ويطالبونه بذلك، ويسمحون للأحزاب المعادية للمهاجرين والمساندة لهم بالعمل، ويسمحون للنشطاء بالوقوف في الشوارع لجمع توقيعات تطالب بالإفراج النساء المحبوسات في السلفادور بتهمة الإجهاض
السلطة في الدنمارك وكثير من دول أوروبا وآسيا وأمريكا سلطة أبوية فعلًا، لكنها تؤمن بمسؤولية الأب عن شراء التليفزيون لأبنائه دون أن يحتكر الريموت ويحدد لهم القنوات المسموح لهم بمشاهدتها والقنوات الممنوعة عليهم.
تقوم السلطة هناك بدور الأم أحيانًا، تطهو الطعام نعم لكنها لا تفرض على الأبناء طعام واحد، توفر الطعام الحلال والمذبوح على الشريعة الإسلامية بجانب لحم الخنزير والخمور، دون أن تهتم بأن المسلمين هناك أقلية أو أنهم لا يتبعون الدين الرسمي للدولة.
توصلوا إلي نتيجة مفادها أن منع أي فكرة هو أولي خطوات انتشارها، ومنع أي شخص هو الطريق الأقصر لتحويله إلي بطل، سمحوا بكل شيء وأطلقوا الحريات في كل المجالات وراهنوا على قدرة المجتمع على الفرز، فتعلم الناس أن يحترموا المختلف، وتعلموا أن يحسنوا الاختيار.
***
بعد حوار طويل مع إعلامي متطرف في آرائه ضد المسلمين عموما والعرب على وجه الخصوص، سألناه عن سبب اهتمامه بقضايا الشرق الأوسط إلى هذا الحد، قال: "نهتم بها لأنه سيرسل إلينا غدا لاجئيه".
الدنمارك التي تطلق الحريات ويعيش بها عشرات الجنسيات والأعراق ولا يتجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة ولا تمتلك نفطا ولا معادن ولا ثروات طبيعة، تستقبل لاجئين من دول ظن حكامها أنهم يحمونها بالاستبداد وخنق الحريات وملاحقة المعارضين وشيطنة المختلفين.
احتلت الجيوش السويدية أراض دنماركية في القرن السابع عشر، ثم غزت ألمانيا الدنمارك في الحرب العالمية الثانية، والآن يمكنك أن تتنقل بين كوبنهاجن وستوكهولم وبرلين مستقلا القطار دون أن تشعر أنك في الوقت الذي تشرب فيه فنجان القهوة وتقرأ الصحيفة تتجاوز الحدود بين دول تتحدث بلغات مختلفة وتحكمها أنظمة حكم متباينة ووجرت بينهما حروب قريبة أسقطت آلاف القتلى.
هنا يبذل العرب قصارى جهدهم لإحكام غلق الحدود بين بعضهم البعض، ربما هو تصرف منطقي حاليا باعتبار أن الحدود بين دول أوروبا تنقل علما وثقافة وفرص عمل، وبين دول العرب تنقل المخدرات والأسلحة والإرهاب، لكن الحكام العرب وهم يغلقون الحدود لتجنب الأسلحة والمخدرات والإرهاب يمارسون نفس السياسات التي أدت لظهورها وتوحشها، أزمتنا ليست في أنهم يغلقون الحدود الآن، بل في أنهم يتبعون سياسات لا تنبيء بفتحها مستقبلًا.
يخلط الحكام العرب دوما بين حماية أوطانهم وحماية أنفسهم، وإذا كانوا جادين فعلًا في حماية أوطانهم، فليحموها من أنفسهم.
***
تمتلك الدنمارك عشرات التجارب في التعليم والصحة والزراعة والحوكمة والتنمية المستدامة، لكن عندما قررنا في مصر أن نستورد إحدى تجاربها قررنا البدء بتجربتها الجنسية، وعرضنا فيلما لعادل إمام اسمه التجربة الدنماركية، تأتي فيه فتاة دنماركية لتعلم الشباب في مصر كيفية الاستمتاع بالممارسة الجنسية.
الآن يغير أي أب المحطة التي تعرض هذا الفيلم حتى لا يسمع أولاده الألفاظ الواردة فيه، وأصبح لا يريد أن يسمع اسم هذه الدولة لأن كل معلوماته عنها استقاها من فيلم نصف إباحي ورسم مسيء للرسول الكريم، ويفضل أن يبقى على فقره ومرضه ومعاناته على أن يصبح مثل دولة يحكمها الجنس وإهانة الأديان حتى وإن كانت أفضل من بلده حالا وأكبر دخلا.
هذا ما يفعله حكامنا والقائمون على الثقافة والدين عندنا، يعرضون لك أسوأ ما في هذه المجتمعات حتى ترضى بحالك ولا تطالب بأن تكون مثلها، الدنمارك غنية لكنها تهين الأديان، السويد كذلك لكن بها أعلى معدل انتحار، أمريكا تحكم العالم لكن يمكن أن تنجب فيها دون زواج، بريطانيا دولة عظمى لكنها تسمح بزواج المثليين.
يحتاج هؤلاء من يقسم لهم أنك يمكن أن تكون متقدمًا وغنيًا دون أن تفرط في أخلاقك أو دينك أو إرثك الحضاري والمجتمعي، المسألة ليسك كتلة واحدة ياسادة تقبلها كلها أو ترفضها كلها، خذ منهم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد وقبول الآخر وتقديس قيمة العمل واحترام المواعيد وإشارة المرور وحرمة الحياة الخاصة واترك لهم ما لا ترضاه من أخلاق ومعاملات.
***
إنهم يحكموننا بطريقة قديمة حكمنا بها غيرهم قبل عقود ولم تأت إلا بفقر وأمية وتأخر وداعش وأنصار بيت المقدس، لذلك لا تنتظروا أن تؤدي طريقتهم لنتائج مختلفة بعد عقود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق