"الخمسينية" تنقلب على مدنية الدولة وتسعى لعسكرة دستور الانقلاب
صورة أرشيفية
كتبه : سامية خليل وريتاج شمس الدين
-
التيار الإسلامى رفض المبادئ فوق الدستورية لأنها كانت تعنى عسكرة الدستور
-
محاولة فرض سيطرة العسكر على الدستور تكشف حقيقة الانقلاب الدموى على الشرعية
-
تحصين منصب وزير الدفاع بدعة غير موجودة فى دساتير مصر ولا دساتير العالم
-
بقاء وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين يجعله أقوى وأعلى من رئيس الدولة
-
محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى تمنح العسكر سلطة أعلى من سلطات القضاء المدنى
-
استحداث مادة خاصة بالإرهاب يهدف إلى تقنين مواجهة التيار الرافض للانقلاب
-
الانقلابيون اعتبروا الدستور "كعكة" يجب أن يحصلوا على مصالحهم الفئوية والشخصية منها
-
حق الشخص فى المحاكمة أمام قاضيه الطبيعى دستورى لا يمكن تعطيله لأى سبب
-
يسعون لفرض المجلس العسكرى ليكون الحاكم الفعلى المحصن دستوريًا والأعلى من كل سلطات الدولة
-
تكريس نفوذ العسكر ووصايتهم على الإرادة الشعبية يأتى على حساب أى سلطة منتخبة ويقلص من صلاحياتها
-
خبراء وقانونيون: الانقلابيون مرعوبون من الحراك الثورى ضدهم ويسعون لتحصين أنفسهم خوفًا من الحساب
-
إبراهيم يسرى: مواد القوات المسلحة تهدف لإخضاع الدولة للمؤسسة العسكرية بنص الدستور
-
مجدى حسين: العسكر يحولون الدستور لقانون جنائى لتقنين القمع بنصوص دستورية
-
أحمد مهران: وضع مادة للإرهاب داخل الدستور سابقة خطيرة لم يعرفها العالم كله
-
أحمد خلف: الفارق كبير بين جمعية انتخبت ووضعت دستورًا للشعب ولجنة تفصل دستورًا للعسكر
أكد خبراء سياسيون وقانونيون أن لجنة الخمسين المعينة من قبل سلطة
الانقلاب قامت بوضع من النصوص الدستورية المعدلة والمستحدثة من أجل عسكرة
الدولة وإحكام قبضة المؤسسة العسكرية عليها من خلال نصوص تؤدى لما وصفوه
بدسترة نفوذ المؤسسة العسكرية بحيث تصبح أعلى من سلطات الدولة ولا تخضع
لرقابتها.
وأوضح الخبراء لـ"االحرية والعدالة" أن سلطة الانقلاب العسكرى تحاول دسترة
وضعها الذى استمر عمليا منذ عقود بل تزيد عليه الآن نيل امتيازات ونفوذ
غير مسبوقة لم تشهدها لا الدساتير المصرية ولا دساتير العالم؛ فقد ابتدعت
نص تحصين وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين ووجوب موافقة المجلس العسكرى على
تعيينه وهى سابقة تاريخية وبدعة دستورية تجعل الرئيس مجرد تابع وخاضعا
للمجلس العسكرى كحاكم فعلى.
وأضافوا أن عسكرة الدولة تتمثل فى جعل المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة
بل فوقها وتجعل الشخص العسكرى أعلى من القضاء المدنى وسلطات الدولة، مشيرين
إلى أن التوسع بمادة محاكمة المدنيين عسكريا والتزيد فى الاستثناء فيها،
وبمادة الإرهاب المستهدفة يأتى ضمن مخطط الانقلاب الدموى لدسترة وتقنين
عملية قمع التيار الإسلامى، بما يعكس تسييسا واضحا لنصوص الدستور الناتج عن
لجنة انقلابية باطلة من الأصل وما يسفر عنها باطل أيضا.
جوهر الصراع
تكشف حزمة المواد المعدلة والجديدة التى تضعها لجنة الخمسين الانقلابية
لتشوه بها دستور 2012 المستفتى عليه من الشعب، وعلى رأسها مواد القوات
المسلحة وصلاحيات المؤسسات المنتخبة جوهر الصراع القائم بين ثورة 25 يناير
من جهة والانقلابيين والثورة المضادة من جهة أخرى فجميع محطات هذا الصراع
كان محورها الدستور.
واستهدف المجلس العسكرى دسترة وضع القوات المسلحة بعد الثورة لتقييد أى
مؤسسات مدنية مرتقبة وتقليص صلاحياتها أو تفريغها من مضمونها، الأمر الذى
رفضته بقوة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وعدد من القوى
الإسلامية بداية من رفض مبادئ فوق دستورية مرورا بوثيقة السلمى، والذى ترتب
عليه لاحقا قيام المجلس العسكرى بحل مجلس الشعب المنتخب، ثم إصدار الإعلان
الدستورى المكمل المكبل والذى يجعله فوق الرئيس المنتخب ويمنح المجلس
التحكم بمسار الفترة الانتقالية والأهم فيها الجمعية التأسيسية ومسودة
الدستور؛ حيث أعطى للمجلس حق فرض رؤية عليها والتوافق وإلا له حق تشكيل
أخرى.
وقد فوجئ المجلس العسكرى بقيام الرئيس المدنى المنتخب د. محمد مرسى بإصدار
إعلان دستورى فى 12 أغسطس 2012 ألغى فيه الإعلان المكبل ثم لاحقا أصدر
الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012 لتحصين مسار استكمال الدستور وأعمال
الجمعية التأسيسية التى كانت مستهدفة، وبعد نجاحها فى صياغة دستور مدنى وتم
الاستفتاء عليه، وبعد ستة أشهر وقع الانقلاب العسكرى وشكل لجنة معينة من
رئيس معين تضع التحصينات الدستورية المستهدفة.
وكانت مصادر من داخل لجنة الخمسين الانقلابية قد صرحت أن اللوبى المؤيد
للمؤسسة العسكرية بلجنة الخمسين، والذى يقوده نقيب المحامين سامح عاشور،
رهن تمرير أعمال اللجنة وما يتضمنه من كعكة المصالح للقوى داخلها بتمرير
مواد القوات المسلحة أى كانت خطا أحمر للجميع، وشهدت عملية مقايضات وتبادل
مصالح بين القوى المختلفة داخل اللجنة ضمنت الموافقة على مواد القوات
المسلحة وتمريرها كاملة بصياغاتها.
وأضافت المصادر أنه تم تعمد صياغة صلاحيات مؤسسات الدولة الأخرى مثل رئيس
مجلس النواب ورئيس الدولة ورئيس الوزراء بشكل يمنع امتلاك أى منها لزمام
المؤسسة ويمنع من أن تكون قوة أو تمتلك صلاحيات قوية كاملة وذلك لإضعافها
فتظل المؤسسة العسكرية وحدها ذات الثقل والحكم بالبلاد.
وكانت قد أقرت لجنة الخمسين الانقلابية مواد تحصين وزير الدفاع ومحاكمة
المدنيين عسكريا ومادة مستحدثة لمكافحة الإرهاب وفيما يلى نصها:
الفصل الرابع (الدفاع والأمن القومى والقضاء العسكرى)
الفرع الأول: القوات المسلحة
مادة (171)
وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها.
مادة انتقالية: لدورتين رئاسيتين كاملتين تبدأ من تاريخ العمل بالدستور
يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
الفرع الثالث: القضاء العسكرى
مادة (174) القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره، بالفصل فى
كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم،
والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة فى أثناء وبسبب الخدمة.
ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل
اعتداءً مباشرًا على منشآت القوات العسكرية أو معسكراتها أو ما فى حكمها،
أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو
أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو
المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التى تمثل
اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم ويحدد
القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى.
وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية".
مادة مكافحة الإرهاب
استحداث مادة جديدة بالدستور خاصة بمكافحة الإرهاب، ليكون أول دستور مصرى
به مادة خاصة بالإرهاب، تنص على "تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب بمعايير
تعريف الأمم المتحدة له بكافة صورة وأشكاله وبتجفيف منابعه الفكرية
والمجتمعية والمالية باعتباره تهديدا للوطن والمجتمع وذلك دون إهدار للحقوق
والحريات العامة"، وينظم القانون إجراء مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن
الأضرار الناجمة بسببه".
عصر اللادولة
فى البداية، أكد السفير إبراهيم يسرى -مساعد وزير الخارجية الأسبق ورئيس
جبهة الضمير- أن مواد القوات المسلحة التى تم إقرارها هدفها أن تكون
المؤسسة العسكرية أعلى من الدولة ومسيطرة عليها وإخضاعها لها، وهى غير
مناسبة لدولة فى القرن الواحد والعشرين، وغير موجودة بأى دولة بالعالم، فهى
تعلى المؤسسة العسكرية فوق الدولة بمعنى أنها تسمو عليها ولا تخضع
لسلطاتها.
وقال يسرى إن جعل اختيار وزير الدفاع من قبل المجلس العسكرى وليس الرئيس
فله معنى واحد أنه لا دولة بمصر، أى نعيش عصر اللادولة، ومادة الإرهاب هى
مستقاة من فلسفة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن، الذى صنع شيئا
اسمه الإرهاب والإسلاموفوبيا وللأسف استسلم المسلمون لهذا الوهم، وهذه
المادة هى لتشديد القبضة الأمنية على التيار الإسلامى بنص لا يسرى ولا يجوز
ولن يستطيعوا مواجهة التيار الإسلامى بهذه النصوص وهذا حلم لن يتحقق،
وتحصيناتهم بالدستور دليل ضعف وخوف.
وأضاف أنه لا يوافق على المواد المتعلقة بالقضاء العسكرى سواء بتعديلات
الخمسين أو دستور 2012 لأن القضاء العسكرى برأيه أحد تشكيلات الجيش ينظم فى
الدستور ولا يسمى هيئة قضائية، والتوسع فيها لا يجوز ولا يجوز محاكمة
المدنيين إلا أمام قاضيهم الطبيعى حتى لو ارتكب جرمًا يخص القوات المسلحة
فجزاؤه الرادع يناله من القاضى الطبيعى، وهى مواد فى جملتها تسفر عن رغبة
فى إخضاع الدولة للمؤسسة العسكرية بنص الدستور.
دولة فوق الدولة
وفيما يخص المادة المتعلقة بتحصين منصب وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين، قال
الدكتور أحمد مهران -أستاذ القانون العام- إن المؤسسة العسكرية أرادت
لنفسها أن تكون دولة فوق الدولة بأن جعلت اختيار وزير الدفاع وفق معايير
تختلف عن غيره من كل الوزراء، فلدينا من المناصب السيادية التنفيذية مناصب
وزير العدل ورئيس الوزراء والخارجية والدفاع كلهم يتم تعيينهم من قبل رأس
السلطة التنفيذية أى رئيس الجمهورية وكلهم يصدر تعيينهم بقرارات سيادية
سياسية لا يجوز الطعن عليها، وكان يمكن أن ينص على اختياره مثلا بنفس طريقة
اختيار النائب العام بحيث يرشح المجلس العسكرى ثلاثة ثم يختار الرئيس
أحدهم، ولكن المؤسسة العسكرية أرادت الانفراد باختيار ما تراه هى مناسبا.
وتوقف "مهران" عند كون وزير الدفاع الذى لا يعين إلا بعد موافقة المجلس
العسكرى، يستمر لفترتين رئاسيتين، الأمر الذى يخلق أزمة دستورية، فلو أن
رئيس الجمهورية طلب عزله لتعيين آخر فرفض المجلس العسكرى فإن ذلك يحدث
صدامًا بين الرئيس والقوات المسلحة، أيضا إذا انتهت دورة رئاسية وتغير رئيس
الجمهورية سيظل وزير الدفاع مدته أطول من أى رئيس، ولو أن الرئيس أراد
تغيير رئيس الحكومة مما يعنى تغيير الحكومة كلها فتتغير كلها إلا هو، أى
منصبه محصن لا يتأثر بتغيير رئيس الوزراء ولا رئيس الجمهورية ولا يعزل،
فإذا أراد الرئيس تغييره ورفض المجلس العسكرى فمن عليه الرحيل هو الرئيس
وليس وزيره، أى أن منصب وزير الدفاع أعلى من منصب رئيس الجمهورية مما يجعل
المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة.
وحول المادة المستحدثة عن الإرهاب كشف أستاذ القانون العام، أنه لا توجد
أى سوابق بكل النظم الديمقراطية والدستورية بالعالم وضعت "الإرهاب"
بالدستور بل إن مجلس الأمن نفسه لم يستقر على تعريف محدد للإرهاب، وكلما
وضعته انطبق على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، فجعل لكل دولة حرية تعريف
مفهوم الجريمة الإرهابية، والأمم المتحدة وضعت تعريفًا ووصفًا ببعض النظم
الديمقراطية على أنه غير محدد، لذا أراد المشرع المصرى الانفراد بوضع نص
محدد للمادة 86 من قانون العقوبات توضح مفهوم الجريمة الإرهابية.
وأشار إلى أن الانقلاب خلط بين النصوص الدستورية والنصوص القانونية،
فالدستورية الأصل فيها القواعد العامة التى تحدد شكل الدولة وهويتها واسمها
وتاريخها وقيمها، أما "الإرهاب" سلوك إجرامى مكانه قانون العقوبات ومن ثم
وضع نص الإرهاب داخل الدستور سابقة لم يعرفها العالم كله ولا فرنسا ولا
المشرع الدستورى الفرنسى بوصفه الأب الروحى للقانون المصرى.
استثناء غير جائز
وقال مهران حول محاكمة المدنيين عسكريا إنه لا بد أن نعرف أن حق الشخص فى
أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى حق دستورى من الحقوق الشخصية التى لا تسقط
بسقوط الدساتير ولا تعطل بتعطيلها، وكذلك القواعد الدستورية والقانونية
تشكل أصلا عاما مجردا ولكل قاعدة استثناء أو استثناءات، والاستثناء لا يجوز
التوسع فيه ولا القياس عليه، مشيرا إلى أن هذه التقدمة سيبنى عليها.
وأوضح أنه فيما يخص مادة محاكمة المدنين عسكريا أن الأصل أن الشخص يحاكم
وفقا للقواعد الدستورية أمام قاضيه الطبيعى واستثناء من الأصل أجاز القانون
العسكرى محاكمة الشخص أمام قضاء عسكرى شريطة أن الشخص هو عسكرى بحسب الأصل
يحمل الصفة العسكرية كونه ضابطا كان أو صف ضابط، كما أنه جرى العمل
القضائى على أن العسكريين إذا اتهموا فى جرائم فى أثناء إجازاتهم وهم وسط
المدنيين ثم ارتكب "العسكرى" جريمة وقدم للقضاء المدنى ليحاكم حينها لا تتم
محاكمته وإنما تأمر المحكمة بعد تبين أنه يحمل الصفة العسكرية بأن يتم
إحالته للقضاء العسكرى بوصفه قضاءً مختصًا، وحتى وإن ارتكب هذه الجريمة وهو
بزيه العسكرى ورغم أنه فى المدينة قد يرتكب جريمة منصوص عليها بقانون
العقوبات العام أو حتى بزى مدنى يقدم أمام القضاء العسكرى لأنه هنا صاحب
اختصاص أصيل، وهذا هو الاستثناء على قاعدة أن يحاكم الشخص أمام قاضيه
الطبيعى.
وتابع أستاذ القانون العام، أنه جرى العرف والمعروف كالمشروط شرطا إذا
ارتكب شخصا جريمة ضد القوات المسلحة وضبط متلبسا بهذه الجريمة أن يحاكم
أمام القضاء العسكرى وبناء عليه يحاكم الشخص أمام القضاء العسكرى بقوة
القانون إذا ضبط متلبسا بجريمة اعتداء على القوات المسلحة فى منشآتها أو
أسلحتها أو مناطقها الحدودية المكلفة بحمايتها، فالأصل أن الشخص لو ضبطناه
متلبسا بجريمة يقبض عليه والقبض هنا شرطه التلبس، والتلبس هنا هو جوهر
القضية، لكن لو أن القبض مبنى على تحقيقات ففى هذه الحالة لا تملك النيابة
العسكرية بناء على تحريات الشرطة المدنية بضبط وإحضار لشخص مدنى لم يكن
متلبسا، ومتلبس بالاعتداء إذا هى جريمة، لكن لا يمكن القول بأن هناك تحريات
مدنية ثم اتهام بجريمة بل تظل أمام القضاء المدنى، ولا يحق للنيابة
العسكرية ضبط وإحضار شخص مدنى لم يكن متلبسا، فما بالنا بالمحكمة العسكرية،
فالقاعدة لا يصدر أمر ضبط وإحضار بناء على تحريات مدنية إلا لعرضه أمام
القاضى الطبيعى، وبناء عليه فإن ما ورد بالنص الدستورى الجديد بتعديلات
لجنة الخمسين عن القضاء العسكرى ومحاكمة المدنيين هو تزيد وخروج عن الأصل
العام وتزيد فى الاستثناء فكيف يعمل القياس على الأفراد بالمنشآت.
وأكمل: "على سبيل المثال لو أن شخصًا يسير فى الشارع ثم تشاجر مع شخص ما
ثم تبين أنه ضابط جيش، فإن الشخص المدنى يظل مدنيا، والعسكرى عسكريا
بوحدته، أى أنه لو أن الشخص المدنى هو الجانى يعرض أمام القضاء المدنى، ولو
أن الجانى هو الشخص العسكرى يعرض أمام القضاء العسكرى، أما النص الجديد
فالمشرع الدستورى أراد فيه وضع حصانة دستورية خاصة فريدة من نوعها لم ينص
عليها من قبل لمواطن، لافتا إلى أنه بقانون السلطة القضائية نجد حصانة
للقضاة، فضرب قاضٍ رغم أهميته وضرورة حمايته تم النص عليها بقانون السلطة
القضائية وليس بالدستور، أما المادة الجديدة حصنت "العسكرى" دستوريا ووضعته
بمرتبة أعلى من القضاء والدولة وجعلته عضوا فى مؤسسة تشكل دولة فوق
الدولة.
عسكرة الدستور
بدوره، أكد مجدى حسين -رئيس حزب الاستقلال "العمل الجديد سابقا"- أن ما
تقوم به لجنة الخمسين المعينة من سلطة الانقلاب بتعديل الدستور الشرعى
للبلاد هو عملية غير شرعية من الأساس، ووصفها بعملية تزوير للدستور الذى
جاء عبر جمعية تأسيسية منتخبة وتم عليه استفتاء شعبى نزيه بالموافقة بنسبة
الثلثين، ومن ثم فأيا كانت المواد المعدلة وأيا كانت نتيجة الاستفتاء عليها
فإن العملية برمتها وما ينتج عنها تظل باطلة.
وشدد "حسين" على أن ما يجرى الآن من تعديلات استهدف "عسكرة الدستور" وهو
نهج غير مسبوق سواء بالدساتير المصرية السابقة أو بأى من دساتير العالم،
وقد تجاوزه الزمن ولم يعد له وجود بالعالم كله، فيما العسكر بمصر يحلمون
بالأتاتوركية، ونموذج الجيش بتركيا قديما هو مثلهم الأعلى بأن يحكم الجيش
بمواد الدستور بما يمنحه سلطة دستورية حتى يضمن عدم اعتراض أى طرف عليه،
ويتصورون أن هذا هو الحل والمخرج بالنسبة لهم أن يكونوا محصنين بنصوص
دستورية حاكمة تعلو كل القوانين، على الرغم من أن هذا النموذج التركى انتهى
وتعيش تركيا الآن نموذجا ديمقراطيا تتوازن فيه العلاقات المدنية العسكرية،
والسلطة الحقيقية فيها الآن للمؤسسات المنتخبة.
وتوقف "حسين" عند المادة المتعلقة بمن حق الجيش تعيين وزير الدفاع بأنه
أمر غير موجود بالعالم وهو نهج استبدادى يدمر الديمقراطية وغير قائم حتى
داخل النظم الأكثر استبدادية بالعالم والتى يعين فيها الرئيس وزير دفاعه،
أما تعيينه فقط بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدعة حصرية لمصر لا
مثيل لها بإفريقيا ولا بأسيا؛ فهى مادة تنفى المؤسسية والنيابية وتعنى أن
وزير الدفاع سيفرض فرضا على الرئيس وسيكون خاضعا له.
وفيما يخص مادة المحاكم العسكرية كشف رئيس حزب الاستقلال أن فيها توسعا
غير عادى، بينما كان إنهاؤها أحد أهداف ثورة 25 يناير، وما يجب هو أن تظل
فقط فى إطار ما يحدث داخل الثكنات والجيش، ولكن كل ما يتعلق بالمدنى يظل
أمام القضاء المدنى حتى لو أن المشكلة طرف فيها عسكرى، كما تكشف المادة
أيضا أن العسكر لا يثقون فى القضاء المدنى، مما يؤكد حكم العسكر والرغبة فى
إحكام قبضته على المدنيين بالتوسع فى المحاكم العسكرية خارج نطاقها،
فالقضاء العسكرى نوع من عمليات تأديبية داخلية لا علاقة لها بالمدنيين.
وأوضح أن المادة المستحدثة عن الإرهاب دائمة بالتعديلات يعنى تحويل
الدستور لبيان سياسى واصفا إياها بنوع من التهريج، فلا يوجد شىء اسمه
"إرهاب" بالدستور، وبلا تعريف واضح للإرهاب، وتعريف الأمم المتحدة ليس
بالضرورة الموافقة على تعريفاتها.
وحول النص بالمادة على "تجفيف المنابع" قال "حسين" إن التجفيف له مفهوم
خاص لدى السلطة المستبدة فهو يعنى تجفيف منابع الإسلام ومرجعية المعارضين
لها واستهداف أموالهم وشركاتهم بعد الزعم أنها ملك لإرهابيين أو داعمين
للإرهاب والسلطة هى من تحدد وتطبق معنى الإرهاب!!، مددللا بذلك على ما
يفعله وزير الأوقاف الانقلابى بالمساجد من تضييق وتقييد للخطباء ومنع
للكتاتيب والتضييق على تحفيظ القرآن، مشيرا إلى أن هذا هو مفهومهم وتفسيرهم
للمنابع.
وأوضح "حسين" أن العسكر يحاولون إعطاء أنفسهم تحصينًا لما يقومون به
بالفعل من ممارسات لعسكرة الدولة بالفعل قبل وبعد الثورة، وبهذا النص
يضمنوا الهجوم على ممتلكات الإخوان أو مدارس أو شركات لتجفيف المنابع
الفكرية والمادية على حد نص المادة وهذا هو التطبيق المتوقع، مشددا على أن
العنف له تعريف بالقانون الجنائى ويحاسب عليه، أما مفهوم الإرهاب غير مفهوم
تماما مثل قضية تحصين وزير الدفاع.
واعتبر رئيس حزب الاستقلال، أن مادة الإرهاب مطاطة ستنتهك فى ظلها كل
الحريات فقد يقتل شخص ثم يقال إنه "إخوانى إرهابى"، كذلك يغلق شركة أو
صحيفة ثم يزعم أنه تحت اسم تجفيف منابع فكر أو تمويل ما.
ولفت إلى أنه لا يجوز وضع مادة للارهاب بالدساتير أصلا، فدستور 2012
الشرعى لم يحرم العلمانية ولم يمس الحريات والتعدد الفكرى والسياسى، بينما
مواد العسكر تريد تحويل الدستور لقانون جنائى، وهذه منهجية نظم شمولية،
تقنن القمع بنصوص دستورية تفصيل.
ووصف "حسين" هذه التعديلات بأسوأ تعديلات دستورية شهدتها مصر وحتى إن صدرت
فلن يكون لها أى قيمة ولا توجد أى إمكانية لبقائها ولا لإقرارها لأنها
مرتبطة بانقلاب ليس له مستقبل، مبينا أنه فى ظل هذه المواد ستكون المؤسسة
العسكرية أعلى من السلطات المنتخبة بالطبع، فوزير الدفاع لا يستطيع أحد
الاقتراب منه وهو يملك الآلة القمعية والقوة المسلحة فيصبح الرئيس خاضعا
وتابعا له، ويصبح وزير الدفاع والمجلس العسكرى هو الحاكم الحقيقى للبلاد
مثل تجربة تركيا المنتهية والتى صارت من مخلفات الماضى، يستعيدها مشروع
انقلابى بلا مستقبل لأنه معادٍ لمسار التاريخ.
وأشار إلى أن ممارسات الانقلاب والمواد المعدلة تكشف أن الانتخابات ستكون
مزورة بمرحلة ديكتاتورية لن تسمح بإجراء انتخابات حرة قد تأتى بالإسلاميين
مرة أخرى، وهذه هى خطة الانقلاب، الذى يتحسس أى تحصين لأنه غير ضامن
لاستقراره بسبب الحراك اليومى الحاشد بالشارع والمتزايد والمتعافى والمزلزل
لنظام الانقلاب، ولن يستقر الوضع الانقلابى وإلى اندحار.
دسترة النفوذ
من جانبه، أكد أحمد خلف -الباحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية- أنه لا
شك أن المؤسسة العسكرية حظت بوضع شديد الخصوصية فى النظام المصرى، يسمح
لقادتها بممارسة نفوذ كبير خارج إطار المراقبة والمحاسبة المجتمعية ويكفل
حمايتهم من المحاسبة، ومن المعلوم أن هذا الوضع لم يكن مؤمنا دستوريا
بالقدر الكافى، قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وذلك لانتماء رئيس
الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة لهذه المؤسسة، وهو الذى كان يسمح
بهذا النفوذ، ومن ثم لم تكن الحاجة ملحة لدسترة هذا الوضع الفريد.
وأضاف "خلف": "لكن بعد الثورة، وذيوع أفكار الديمقراطية والحرية والمراقبة
والشفافية والقصاص والمحاسبة والمحاكمة ومحاربة الفساد، أدرك القائمون على
أمر هذه المؤسسة مدى الخطر -بالنسبة لهم- الذى سيؤثر على أوضاعهم ونفوذهم،
فعملوا على محاولة الاتفاق مع بعض القوى السياسية العلمانية المحدودة
شعبيا والنافذة إعلاميا وماديا، للوقوف بجانب المؤسسة العسكرية لللإبقاء
على استمرار وضعها المتميز مقابل بقاء هذه القوى ورموزها فى المشهد السياسى
عبر دعم المؤسسة العسكرية، خصوصا بعد وقوف الإسلاميين ضد هذه الرغبات
العسكرية، وهو ما تجلت أقوى بوادره فى مظاهرات 18 نوفمبر 2011 ضد وثيقة
السلمى والمبادئ فوق الدستورية والمطالبة بنقل السلطة".
وأوضح أن الجمعية التأسيسية المنتخبة رغم ما تعرضت له من ضغوط شديدة من
المؤسسة العسكرية تمسكت فى دستور 2012 بالحفاظ على أصل الحق وهو عدم محاكمة
المدنيين أمام محاكم عسكرية وشددت التأسيسية على أن هذا هو الأصل، أما غير
ذلك فهو الاستثناء وهذا الاستثناء ليس مطلقا بل يتم تحديده لاحقا بالقانون
لتفصيل هذا الاستثناء بحيث يتم تضييقه كذلك فى القانون فى حالة وجود ضرر،
بحيث يمكن تقليص نفوذ سلطة العسكريين على المدنيين بالقانون الذى يعده
البرلمان المنتخب.
وتابع الباحث السياسى، أنه يمكن القول إن المؤسسة العسكرية حاولت الحصول
على امتيازات وفرض رؤيتها على الجمعية التأسيسية التى دخل أعضاؤها من
الإسلاميين فى صراع ومفاوضات صعبة مع العسكريين حتى تم التوصل إلى هذه
الصيغ التى تم إقرارها والتى مثَّلَت الحد الأدنى الذى يمكن تمريره، وكانت
هناك محاولة لتأجيل الصراع عبر تضمين بعض المواد تأصيلا للحق وإحالة
التفاصيل إلى البرلمان الذى لم يكن يتصور أن يقر على أصل الحق بالبطلان ولن
يتراجع عنه.
وبين أن ذلك على عكس ما فعلت لجنة الخمسين المعينة من سلطة الانقلاب من
إهدار الحق الأصيل بتعديد الحالات التى تتم فيها محاكمة المدنيين أمام
المحاكم العسكرية، والتى تشتمل على توسع شديد إذا ما تم إقراره بصورة شرعية
فلن يمكن التراجع عنه بسهولة عن طريق أى برلمان منتخب؛ لتقويض سلطته فى
التخفيف من خطر محاكمة المدنيين عسكريا وصولا إلى إلغاء هذه المحاكمة
واقتصارها على القضاء الطبيعى، وهذه الحالات قد طلبتها قيادات المجلس
العسكرى نصا من الجمعية التأسيسية للدستور فى 2012، لكن أعضاءها رفضوا هذا
الطلب، وفقا لشهادة المهندس حاتم عزام -نائب رئيس حزب الوسط وعضو الجمعية
التأسيسية لدستور 2012- لتستجيب له لجنة الخمسين التى صنعها العسكر ولا
تملك مخالفتهم.
ونبه "خلف" إلى أن المشكلة الأساسية فى هذا الصراع بين المدنيين
والعسكريين، كانت تتمثل فى إدراك القوى الإسلامية أن هذا الصراع سيستغرق
سنوات للوصول إلى جيش مهنى يخضع لأوامر المدنيين المنتخبين، مقاوم للفساد
داخله، غير ساع لهيمنة على المجتمع ومؤسسات الدولة والاقتصاد والسياسة، هذا
الصراع الذى استغرق تحقيق نتائج مرضية فيه بعد 13 عاما فى الحالة
الإسبانية بعد "فرانكو " ونحو عشر سنوات فى الحالة التركية بعد وصول حزب
العدالة والتنمية إلى السلطة، لكن لا ننسى أيضًا أنه كان هناك تصورا ساذجا
بعض الشىء لهذا الصراع، وأمنا لجانب العسكر، سمح لهم فى النهاية وفى وقت
قصير جدا من الانقلاب على الشرعية، ومحاولة تكريس هذا النفوذ غير المبرر
والوصاية على الإرادة الشعبية دون وجه حق عبر نصوص دستورية، تجعل مهمة أى
سلطة منتخبة فى تقليص هذا النفوذ شبه مستحيلة على المدى المتوسط.
ولفت إلى أن العسكر يحاولون تكريس هذه الوصاية بشتى الطرق، عبر النص على
مكافحة الإرهاب، وفى ظل التحالف العلمانى العسكرى وصياغة مادة مكافحة
الإرهاب فى ظل مناخ من الشيطنة لكل فصائل التيار الإسلامى تقريبا واتهامها
بالإرهاب، يمكن أن ندرك المقصود بهذه المادة لشرعنة استمرار قمع
الإسلاميين، وفى الغالب فإن المقصود بالإرهاب سيكون هو التعريف الأمريكى
للإرهاب سعيا للسير فى فلكهم وزيادة الانبطاح لهم ومحاصرة مقاومة الكيان
الصهيونى والتضييق على أهل غزة، ويمكن التوسع فيها حسب الظروف.