ذبائح السيسي وبديله
بقلم: وائل قنديل
وأنت تتأهب لنحر أضحية العيد، من المهم أن تتذكّر أن بضعة آلاف من المصريين تم نحرهم على يد سلطةٍ وعدتك باستمطار السحب رخاءً وتقدماً ورفاهيةً، من أجلك، شريطة أن تمنحها تفويضا بقتل كل البشر الذين يقفون في طريقها إلى رخائك.
لن أقول لك إنك وافقت على القتل والنحر، وبالتالي أنت مساهمٌ في المقتلة، فقط سأسأل ضميرك: هل ما زلت تصدّق رخاء القتلة المزعوم؟ هل ما زلت تنتظر الرخاء ملفوفاً في بقايا أكفان "الأشرار" الذين أفهمتك السلطة أنهم الحائل الوحيد بينك وبين الرخاء والاستقرار والتقدم؟.
وفقا لإفادة نائب عام نظام عبد الفتاح السيسي عن مقتل الباحث الإيطالي الشاب، جوليو ريجيني، فإن كل السلطات المعنية بهذه الجريمة كاذبة، وبالإجمال تعدّ الشهادة، أو الإفادة، أو التصريحات، دليلا إضافيا على أن العالم يتعامل مع سلطةٍ مصريةٍ كذوب، ونظام خارج على القانون.
من المفترض أن النائب العام هو أعلى سلطة تحقيقٍ في أي دولة، وبالتالي ما يصدر عنه من بياناتٍ أو تصريحات يرقى إلى اعتباره وثائق وأدلة.. وحين يقول نائب عام السيسي ما يفيد بأن عصابة المصريين الخمسة التي ادعت السلطات تورطها في قتل ريجيني بعيدة تماما عن هذا الأمر، فهذا يعني مباشرًة أن مصر الرسمية لا تكتفي بالقتل، وإنما تمارس الكذب لتغطية القتل، كما فعلت في تأليف حكاية عصابة الخمسة وتلفيقها، ثم تمارس القتل لتغطية الكذب، كما فعلت في تصفية أفراد العصابة الوهمية.. وفي المحصلة، يمكنك القول إن المجتمع الدولي الذي لا يتوقف عن الكلام عن القيم الإنسانية والأخلاقية يتعاطى مع نظامٍ يعلم أنه كاذب وقاتل، بالسليقة، ويعيش في مساحةٍ جرداء، تخلو من أية ملامح لدولة القانون والعدالة.
بناءً على هذه المعطيات، تصبح حياة رئيس نقابة الباعة الجائلين في خطر، وأخشى أن نصحو على خبر تصفيته، بعد أن تجاسر ونفى الرواية الجديدة التي أبلغتها السلطات المصرية لنظيرتها الإيطالية عن مقتل ريجيني، وفيها أن نقيب الباعة الجائلين هو الذي أبلغ أجهزة الأمن عن تحركاتٍ غريبةٍ وأسئلةٍ أغرب للباحث الإيطالي الشاب، وذلك ما دفع الأجهزة لتعقّبه والقبض عليه واستجوابه.
هذه الرواية المصنوعة حديثا، كذبها بطلها الرئيس، نقيب الباعة الجائلين، وتحدّى أن يظهروا بلاغه المزعوم عن الشاب الإيطالي، ومن ثم على المنظمات الحقوقية أن تعمل من الآن على حماية البائع المتجول من بطش سلطةٍ، تسكن حافة الجنون، وتقتل الناس، ثم تؤلف رواياتٍ كاذبةً عن عصابات قتل متخصصة، ومن ثم لا نبالغ حين نقول إن حياة البائع في خطر، فما الذي يضمن أن يروج خبراء النظام الاستراتيجيون حواديت عن عصابة متخصصةٍ في قتل الباعة الجائلين، مثل حكاية "عصابة خطف وقتل الأجانب" في واقعة ريجيني؟.
أزهقت 5 أرواح مصرية غدرا لتقديم دماء أصحابها وجبةً شهيةً على مائدة ترضية السلطات الإيطالية، إلا أن روما قالت: لا نأكل هذا الصنف من الأكاذيب الرخيصة، ومع ذلك لا تتورع الحكومة المصرية عن البدء في إعداد وجبة أكاذيب أرخص وأردأ من سابقاتها. جريمة نحر المصريين الخمسة، فداءً لسلطة السيسي من الانكشاف أمام العالم تكفي لصناعة ثورة على نظامٍ لا يكتفي بقتل مواطنيه، وإنما يذبح سمعة الوطن نفسه في المحافل الدولية، من خلال ممارسات نظامٍ اختار أن يعيش بقيم ومبادئ التنظيم، أو التشكيل العصابي، غير أنه، ومن أسف، أن هذا التنظيم يجد من يسعى إلى ملاطفته وملاعبته، حتى وإن كان يدّعي أنه المعارضة، وأنه "البديل" القادم من بلاد العلم، كي ينافس نظاماً يستثمر في مناخ الجهل. يصر عصام حجي، والذين من ورائه، على منح العصابة الحاكمة في مصر مزيداً من قبلات الحياة، بإصرارهم على نكتة مقارعتها انتخابياً، بعد عامين، بينما تنطق كل الوقائع بأن هذا نظام لن يسمح بعملية سياسية حقيقية، في ظل توغله في مفاصل الدولة المصرية، وكل ما يسمح به هو فقرة أقرب إلى عالم السيرك، سبق لحسني مبارك أن جرّبها ونجح في انتخابات كوميدية، خرج بعدها ليقول للعالم: عندنا ديمقراطية.
كل الطغاة في هذا العالم يستطيعون، بل تستهويهم، ألعاب السيرك، فيأتون بمن يلعب دور "البديل الأردأ" كي يرضى الناس بالرديء. اللعب مع الرداءة، بشروطها وعلى ملعبها، هو بحد ذاته رداءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق