بين جرائم "بينوشيه" في تشيلي و"السيسي" بمصر
وفي الواقع، فإن التشابه بين بينوشيه في تشيلي والسيسي في مصر ملحوظ للغاية.
فلا يتطلب تحليل الوضع في مصر الكثير من المعرفة والخبرة بمصر ذاتها لمعرفة التوقعات، بل بالأحرى سيكون من الأكثر إفادة معرفة ما حدث في الماضي في الدول الأخرى، عندما بدأت النيوليبرالية في فرض سيطرتها.
عند التعامل مع مجرم نمطي، فليس عليك معرفة ضحاياه المحتملين لمعرفة ما سيقوم به تجاههم. فكل ما عليك فعله هو دراسة ما قام به من قبل، وما يقوم به دائماً، وستعرف جيداً ما هو المتوقع أن يقوم به في ضحيته التالية، إذا أتيحت له الفرصة.
وفى أواخر القرن العشرين السبعينيات، الثمانينيات، والتسعينيات؛ تم غزو أمريكا اللاتينية من قبل الشركات المتعددة الجنسيات – شركات مثل بيتشيل ، يونيليفر، فيليب موريس، دانون إلى آخره – سيطرت على بلدان مثل الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والبرازيل؛ ليس فقط اقتصاديا، بل سياسيا أيضا.
حققت هذه الشركات هذا المستوى من القوة ليس فقط من خلال إصلاحات التكيف الهيكلي للليبرالية الجديدة، ولكن أيضا من خلال الانقلابات العسكرية، وعنف الدولة، وفرق الموت شبه العسكرية. وكانت النتيجة لذلك القمع الشديد، والصراع، ومئات الآلاف من القتلى، وعدم المساواة في الدخل الهائلة، والفقر، والأمية، والمرض، والدمار الاجتماعي والاقتصادي العام.
ويمكن للثوار تطوير ردود على هذا النموذج، من خلال دراسة الردود التي اتبعت من آخرين عانوا من نفس الصراعات من قبل.
فإذا كنت تتخيل أن السيناريو في مصر هو فريد من نوعه، فأنت بالتأكيد ستكرر استراتيجيات الآخرين الفاشلة.
في الحقيقة إنّ الكفاح ضد إنقلاب بينوشيه مع تقدير واقعي للموقف الحالي في مصر – هي علي وجه التحديد – الأسباب التي تجعلني لا أتبني نظرية إتّباع “المسارات المتعدد” للتحرير.
إنّ فكرة تعطيل نظام عمليات الشركات وأرباحها مع تكتيكات و إستراتيجيات أخري كثيرة من ضمنها مواجهة العسكر وتشجيع أي و كل نوع من جهود المعارضة – من وجهة نظري – خاطئة .
في رأيي الخاص .. ما نحتاجه هو التركيز المطلق و المثابر على أهداف محددة لسلطة الشركات .
لابد وأن يكون من الواضح أن استراتيجيات استهداف قوات الأمن بالانتقام، وحملات حرب العصابات المسلحة، واستراتيجية الحرب الأهلية، ليست أفكار جديدة بشكل خاص، وكانت لها دائما رد فعل منعكس من مجموعات المعارضة في كل مكان.
إنه من المفيد معرفة مدى نجاح أياً منها من قبل. وإذا نجحت أياً منها، سيكون من المفيد دراسة العوامل الرئيسية التي مكنتها من النجاح.
ومع ذلك، فالواقع التاريخي هو أن هذه النماذج كان لها جوانب فشل أكبر بكثير من جوانب نجاحها؛ وفي كثير من الأحيان، حتى ولو قاوم السكان النزاع المسلح مع الجيش، فالحكومة ذاتها ستحرض المُعارضة العنيفة، وذلك على وجه الدقة بسبب أن الدولة تستفيد من هذه الحركات دائماً.
إنّ عصابات مونتونيرو في الأرجنتين قامت بعدة عمليات ناجحة ضد مصالح الشركات، في المقام الأول ضد صناعة السيارات، غير أنهم لم يركزوا على ذلك، بل عوضا عن هذا، جمعوا هذه الاستراتيجية مع هجمات ضد القوات الأمنية. و في خلال فترة امتدت تقريبا إلى 10 سنوات، نفذوا 40 عملية فقط ضد أهداف الشركات. لقد نوّعوا من استراتيجياتهم – كما ينادي بفعله الكثير من قادة الثوار في مصر الآن– وهذا التنوع قوّض من فاعلية جهودهم.
إنهم لم يكونوا متناسقين و لا ثابتين علي طريقة و لم يوجهوا كل إمكانياتهم و جهودهم نحو استراتيجية مركزة .
و الأكثر من ذلك، أنّ هجماتهم ضد أهداف الشركات – بينما كانت مُعَطِّلة جدا – لم تكن مُصاحَبَة برسالة تطلب منهم أن يسحبوا دعمهم لانقلاب بينوشيه في مقابل إنهاء هذه الأعمال التعطيلية.
في رأيي الخاص، تجربة أمريكا اللاتينية تعارض إقتراح تنويع الأهداف. يمكن تنويع التكتيكات بشكل كبير و واسع جدا و لكن لابد من تركيز الاستراتيجية نفسها على تعطيل مصالح الشركات .
و يصبح هذا حقيقيا – بصورة خاصة – عندما تكون مصادر الثوار محدودة.
دراسة تجربة أمريكا اللاتينية، من المهم للغاية بالنسبة للوضع في التعامل مع الانقلاب في مصر، لأن هذه التجربة تعدّ المختبر الأصلي لل“نيو–ليبرالية“.
في الواقع، هناك تشابه ملحوظ للغاية بين جرائم “بينوشيه” في تشيلي، وانقلاب وجرائم “السيسي” في مصر.
فتحليل الأوضاع في مصر، لا يتطلب الكثير من المعرفة والخبرة، لمعرفة التوقعات، بل سيكون من الأكثر الإفادة من معرفة ما حدث في ماضي الدول الأخرى، عندما بدأت الليبرالية الجديدة في فرض سيطرتها.
الشركات متعددة الجنسيات
فعند التعامل مع “مجرم نمطي“، ليس عليك معرفة ضحاياه المحتملين، لمعرفة ما سيقوم به تجاههم، ولكن كل ما عليك فعله هو دراسة ما قام به هذا المجرم من قبل، وما يقوم به دائماً، ومن ثم ستعرف جيداً ما هو المتوقع أن يقوم به في التعامل مع ضحاياه اللاحقين، إذا أتيحت له فرصة التمكن منهم.
وفى ثلاثة عقود الأخيرة من القرن الميلادي المنصرم، قامت الشركات متعددة الجنسيات بغزو أمريكا اللاتينية، من أبرزها شركات “بيتشيل“، “يونيليفر“، “فيليب موريس“، “دانون” وغيرهم من هذه الشركات العابرة للقارات، التي سيطرت على بلدان مثل الأرجنتين، وبوليفيا، وتشيلي، والبرازيل، ليس فقط اقتصاديا، بل سياسيا أيضا.
تشكيل “فرق الموت“
واستطاعت الشركات متعددة الجنسيات في هذه البلدان اللاتينية، تحقيق مستوى من القوة، ليس فقط من خلال إصلاحات “التكيف الهيكلي” للليبرالية الجديدة، ولكن –أيضا– من خلال الانقلابات العسكرية، وممارسة عنف الدولة، و تشكيل “فرق الموت” شبه العسكرية.
وذهب ضحية هذا القمع الشديد، والصراع، مئات الآلاف من القتلى، وتفاوت كبير بين طبقات المجتمع، وعدم مساواة هائلة في الدخول، إضافة إلى انتشار الفقر، والأمية، والمرض، والدمار الاجتماعي والاقتصادي العام.
استراتيجيات الآخرين الفاشلة
وبدراسة نموذج في أمريكا اللاتينية ونتائجه، يمكن تطوير الردود المناسبة على حالات مشابهة لهذا النموذج، وقد كانت هناك محاولات من الآخرين لدراسته من قبل.
وإذا كنت التخيل أن السيناريو في مصر، نموذج فريد من نوعه، فإن هذا التخيل سيكرر استراتيجيات الآخرين الفاشلة، ولن يؤدي إلى عمل مقاوم.
فالكفاح ضد انقلاب بينوشيه، مع تقدير واقعي للموقف الحالي في مصر –هي علي وجه التحديد– فإن الأسباب التي تجعلني لا أتبني نظرية اتّباع “المسارات المتعددة” للتحرير.
استهداف الكيانات الاقتصادية
ومن ثم فإن إنّ فكرة الجمع بين تعطيل نظام عمليات الشركات الكبرى، وخفض أرباحها، مع تكتيكات، استراتيجيات أخري كثيرة من ضمنها مواجهة العسكر، وتشجيع “بعض” أو “كل” جهود المعارضة –من وجهة نظري– خاطئة.
وفي رأيي الخاص، ما نحتاجه الآن هو “التركيز المطلق“، والمكثف على أهداف محددة لسلطة الشركات الداعمة للانقلاب.
ولابد أن يكون من الواضح أن استراتيجيات استهداف قوات الأمن بالانتقام، وفرق حرب العصابات المسلحة، واستراتيجية الحرب الأهلية، ليست أفكارا جديدة بشكل خاص، وكان لها دائما رد فعل معاكس من مجموعات المعارضة في كل مكان.
فمن المفيد معرفة مدى نجاح أيٍ منها من قبل، ومدى نجاح كل منها، سيكون من المفيد دراسة العوامل الرئيسية التي مكنتها من النجاح.
الحكومات تشجع المُعارضة العنيفة
ومع ذلك، فالواقع التاريخي هو أن هذه النماذج كان لها جوانب فشل أكبر بكثير من جوانب نجاحها، في كثير من الأحيان، حتى ولو قاوم السكان النزاع المسلح مع الجيش، فالحكومة ذاتها ستحرض المُعارضة العنيفة، لأن الدولة تستفيد من هذه الحركات دائماً.
إنّ “عصابات مونتونيرو” في الأرجنتين قامت بعدة عمليات ناجحة ضد مصالح الشركات متعددة الجنسيات، وتوجهت في المقام الأول ضد صناعة السيارات، غير أنهم لم يركزوا على ذلك، بل عوضا عن هذا، جمعوا هذه الاستراتيجية مع هجمات ضد القوات الأمنية، و في خلال فترة امتدت تقريبا إلى 10 سنوات، نفذوا 40 عملية فقط ضد أهداف الشركات.
لقد قاموا بتنويع استراتيجياتهم –كما ينادي بفعله الكثير من قادة الثوار في مصر الآن– و هذا التنوع قوّض من فاعلية جهودهم.
استراتيجية مركزة
وذلك لأنهم لم يكن لديهم تنسيق، وليسوا ثابتين على طريقة معينة، و لم يوجهوا كل إمكانياتهم، وجهودهم نحو استراتيجية مركزة. الأكثر من ذلك، أنّ هجماتهم ضد أهداف الشركات –بينما كانت مُعَطِّلة جدا– لم تكن مُصاحَبَة برسالة تطلب منهم، أن يسحبوا دعمهم لانقلاب بينوشيه، في مقابل إنهاء هذه الأعمال التعطيلية التي تستهدف شركاتهم.
في رأيي الخاص، فإن تجربة أمريكا اللاتينية، تناقش ضد اقتراح تنويع الأهداف، ولكن يمكن تنويع التكتيكات بشكل كبير، وبطرق واسعة جدا، ولكن لابد من تركيز الاستراتيجية ذاتها على تعطيل مصالح الشركات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق