الأحد، 26 يناير 2014

الذكرى الأربعون للهيمنة الأمريكية على مصر بقلم: محمد سيف الدولة


الذكرى الأربعون للهيمنة الأمريكية على مصر




بقلم: محمد سيف الدولة
((هذا ليس حديثا عن الماضى وذكرياته، وانما عن نظام مبارك الذى طالبنا باسقاطه، ولم يسقط لأننا لم ندرك أو نحدد أو نتفق على ماهيته وطبيعته وخباياه وقوته وقواه وحلفائه، فبقى النظام وتراجعت الثورة))
***
اذا كان عام 1882 هو عام الاحتلال البريطانى لمصر، فان عام 1974 هو عام بداية الهيمنة الامريكية عليها، ففى 18 يناير من ذلك العام، دُشِنَ رسميا النظام الامريكى فى مصر، والذى لا يزال يحكمنا حتى الآن .
ففى هذا اليوم وقعت مصر اتفاقية فض الاشتباك الأول مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والتى بموجبها انسحبت القوات المصرية التى عبرت فى حرب أكتوبر، من المواقع التى حررتها فى سيناء، لتعود مرة أخرى الى الضفة الغربية لقناة السويس؛ ليتبقى لنا هناك 7000 جندى فقط من واقع 80 ألف كانوا على ارض سيناء لحظة وقف إطلاق النار، بالإضافة الى 30 دبابة فقط من واقع ما يزيد عن 1000 دبابة، كنا قد عبرنا بهم تحت القصف الاسرائيلى فى الأيام الأولى من حرب أكتوبر. وكان ذلك مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية من غرب القناة التى كانت قد اخترقت الجبهة المصرية فى معركة الثغرة الشهيرة. وهى الثغرة التى حدثت بسبب القرارات الخاطئة للرئيس السادات بما فيها رفضه طلب القادة العسكريين بتصفيتها بالقوة، خوفا من تهديدات هنرى كيسنجر له كما صرح هو بنفسه لاحقا.
***
بدءا من هذه التاريخ قامت الولايات المتحدة بإنشاء وتأسيس نظاما جديدا فى مصر، يهدف الى تفكيك مصر التى انتصرت فى حرب 1973 صامولة صامولة ومسمار مسمار، نظاما يعمل على حماية امن إسرائيل ودعم مصالح الأمريكان، نظاما لا يرغب فى قتال اسرائيل، ولا يستطيع قتالها ان هو رغب فى ذلك.
ولقد حكمنا هذا النظام الجديد بموجب ما أسميه "بالكتالوج الامريكى لمصر"، الذى يمثل الدستور الفعلى لها، والمصدر الرئيسى للتشريع فيها ، فهو قرآن مصر وإنجيلها، ممنوع الاقتراب منه أو لمسه.
 وحتى بعد ثورة يناير فان غالبية القوى السياسية، على اختلافاتها الايديولوجية والسياسية، لم تجرؤ على الاقتراب من هذا الكتالوج اما خوفا أو تواطؤً، رغم ان الزخم الشعبى الثورى كان قادرا لو أجُيد قيادته وتوجيهه وتوظيفه على تحقيق تغييرات جوهرية ونقلات نوعية فى ملف الاستقلال الوطنى، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد، و كان ذلك مؤشرا مبكرا عن اختلال البوصلة وعلى احتمالات انكسار الثورة وهزيمتها .
والكتالوج الامريكى، او النظام الحاكم الذى هتفنا بسقوطه، يتكون من خمسة ابواب، سنتناولها باباً باباً على امتداد سلسلة من المقالات  وسنبدأ فى هذا المقال بالباب الاول :
يتناول هذا الباب "الطبنجة" التى وضعوها على رأس مصر، من خلال التهديد الدائم بإعادة احتلال سيناء مرة اخرى، فيما لو خرج النظام عن طوع الولايات المتحدة وحلفاءها، ولقد تم ذلك من خلال المادة الرابعة من اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية وملحقها الامنى الذي تم بموجبهما تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح وهما المنطقتين (ب) و(ج)؛ فسمح لمصر فى المنطقة (ب) فى وسط سيناء والبالغ عرضها حوالى 109 كيلومتر بنشر 4000 جندى حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة، واما المنطقة (ج) وعرضها حوالي 33 كم بجوار فلسطين التى يسمونها اليوم "اسرائيل"، فلم يسمح لمصر فيها الا بقوات شرطة فقط (بوليس)، مع منع اى تواجد للقوات المسلحة، فيما عدا 750 جندى على الحدود المصرية الغزاوية، وافقت عليهم اسرائيل فى عام 2005، كبديل للقوات الاسرائيلية التى انسحبت من غزة. أما المنطقة الوحيدة التى يجوز لمصر أن تنشر فيها قوات حقيقية، فهى المنطقة( أ ) بجوار قناة السويس والتى يبلغ عرضها حوالى 58 كم، والتى سمح لنا فيها بنشر ما لا يتعدى 22 الف جندى و230 دبابة، اى ما يوازى ربع عدد القوات التى عبرنا بها فى 6 أكتوبر بارادتنا الحرة ودمائنا الزكية ، بدون معاهدات ولا موافقات اسرائيلية أو امريكية.
 وفى المقابل، تم تقييد عدد القوات والتسليح داخل اسرائيل فى شريط حدودى ضيق لا يتعدى عرضه ثلاثة كيلومترات، لا يسمح لإسرائيل داخله باكثر من 4000 عسكرى حرس حدود ، كما يحظر وجود اى دبابات لها هناك.
 لتكون موازين القوى الحقيقية على الارض هى ان اقرب دبابة إسرائيلية تبعد عن الحدود المصرية 3 كيلو فى حين ان اقرب دبابة مصرية تبعد عن ذات النقطة 150 كيلو .
والخلاصة ان الترتيبات الامنية فى المعاهدة انحازت انحيازا فجا وصريحا ومأساويا الى الأمن القومي الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى.
وما زاد الطين بلة، هو طبيعة قوات حفظ السلام فى سيناء، فبدلا من الامم المتحدة، تم تفويض الولايات المتحدة لتشكيل قوات متعددة الجنسية اطلق عليها "قوات حفظ السلام والمراقبين" MFO  ، تتكون من 11 دولة باجمالى لا يزيد عن 2000 فرد، 40 % منها قوات امريكية، والباقى دول حليفة وصديقة لامريكا واسرائيل، تتمركز فى قاعدتين عسكريتين، فى شرم الشيخ و الجورة، و هى لا تخضع للامم المتحدة، ولا يجوز سحبها الا بموافقة الطرفين بالإضافة الى التصويت الايجابى للخمس الكبار بمجلس الامن، ومديرها يجب ان يكون امريكيا على الدوام، وكان آخر مدير لها فى عام 2013 هو السفير دافيد ساترفيلد الذى يشغل الآن منصب القائم بأعمال السفير الامريكى فى مصر بعد آن باترسون !
وخلاصة هذا الباب ان أصبحت سيناء المجردة والمقيدة من السلاح والقوات فى خطر دائم ، يضع اى ادارة مصرية فى وضع بالغ الحرج والضعف، فيما لو "هدد أو لوح" الأمريكان و الاسرائيليون بتكرار عدوانى 1956 و1967، وهم يدركون ذلك جيدا ويستخدمونه للضغط على الإدارات المصرية المختلفة من اجل إخضاع قرارها وكسر إرادتها وفقا للحاجة والظروف، وهو ما حدث بالفعل بعد ثورة يناير فى عدة مرات، ربما نتحدث عنها بالتفصيل فى كتابات قادمة.
واليوم بعد مرور 3 سنوات على ثورة يناير، لا تزال سيناء مقيدة باتفاقيات كامب ديفيد، لم يتغير فيها شيئا، فلا نزال نستأذن إسرائيل كلما أردنا ان ندفع بقوات إضافية الى هناك؛ نستأذنها فى عددها وتسليحها وطبيعة مهامها وفى مدة تواجدها قبل انسحابها مرة أخرى من حيث أتت .
ولقد لاحت ثلاث فرص بعد الثورة لمحاولة التحرر من هذه القيود، الأولى فى عهد المجلس العسكري حين قتلت إسرائيل خمسة جنود مصريين فى أغسطس 2011، والثانية فى عهد محمد مرسى حين قُتل 16 جندي مصري فى أغسطس 2012، والثالثة فى عهد السيسى/منصور حين قُتل 25 جندي امن مركزي فى أغسطس 2013
وفى الحالات الثلاث، لم يرغب او يجرؤ صناع القرار على الاقتراب من المعاهدة او حتى المطالبة بتعديلها، كما أن المعارضة هي الأخرى، وياللعجب، لم تعترض او تطالب أو تضغط  فى هذا الاتجاه أبدا، رغم اشتباكها المستمر مع كل صغيرة أو كبيرة .
***
كان هذا هو الباب الأول فقط من الكتالوج الأمريكي لمصر، والى لقاء قادم مع باب جديد باذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق