الأحد، 26 يناير 2014

قطب العربي : على أعتاب 25 يناير..ماذا حقق حراك 6 أشهر؟

على أعتاب 25 يناير..ماذا حقق حراك 6 أشهر؟
قطب العربي : 

قطب العربي - كاتب صحفي
على مدار ما يزيد عن ستة أشهر بعد وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو قدم الشعب المصري الثائر في
الميادين والشوارع والجامعات والمدارس تجربة مبهرة في النضال السلمي الذي لم ينجرالى العنف الذي حاول الانقلابيون دفعه إليه حتى يتسنى لهم القضاء على هذا الحراك الشعبي بدعم محلي وعالمي ( طبعا وقعت بعض الحوادث المتفرقة  مثل حرق بعض سيارات الشرطة التي كانت تلاحق المتظاهرين لدهسهم أو القبض عليهم، وكذا حرق بعض النقاط الشرطية، وهي تجاوزات لا تؤثر على المشهد السلمي العام الذي التزمه الثوار حتى الآن( الثوار ليس لهم علاقة ببعض الأعمال  الارهابية التي تعلن مسئوليتها عنها جماعة بيت المقدس وغيرها).
هذا الصمود بحد ذاته هو عمل اسطوري في مواجهة آلة القتل والبطش والملاحقات المستمرة من قوات الجيش
والشرطة للثوار، لكن خلال هذه الفترة من الصمود تمكن الثوار من تحقيق بعض المكاسب الجزئية على طريق اسقاط الانقلاب ليس أقلها كسر حظر التجوال في الشهور الأولى للانقلاب او كسر قانون التظاهر أو حتى اعتبار جماعة الاخوان جماعة إرهابية.
بسبب هذا الصمود الأسطوري ظلت أغلبية دول العالم تحجم عن إعلان أي تأييد للانقلابيين الذين أوفدوا الوفود تلو الوفد لاستجداء الاعتراف الدولي، وظل الاتحاد الافريقي محافظا على قراره بتجميد عضوية مصر رغم كل محاولات سلطة الانقلاب ووساطاتها، ربما يدعي البعض أن دولا كثيرة تتعامل فعليا مع النظام، لكن الحقيقة ان هذا التعامل يتم في اضيق نطاق بهدف تسيير الحد الأدنى من العلاقات الثنائية دون الدخول في اتفاقيات كبرى مع
سلطة الانقلاب انتظارا لما ستسفر عنه هذه التحركات الشعبية، فالدول والشركات العالمية ليست جمعيات خيرية حتى تضخ استثمارات بالمليارات في بلد متوتر لا يحظى بأي درجة من الاستقرار، سيقول البعض هنا إن دولا خليجية قدمت بالفعل دعما ماليا كبير لسلطة الانقلاب بهدف تعويمه، والصحيح ان هذه الدول لم تعد قادرة على ضخ
المزيد  خاصة ان رهاناتها بقدرة الانقلاب على حسم الأمور لصالحه تماما خلال شهرن او ثلاثة قد سقطت، وقد بدأت علامات التبرم تظهر على قيادات تلك الدول سواء في السعودية التي رغم أنها قدمت دعما ماليا إلا
أنها توقفت لاحقا وطالبت مصر بالبحث عن بدائل أخرى لانعاش اقتصادها، كما أن السلطات السعودية لم تتعامل بغلظة - كما كان متوقعا - مع احتجاجات الجالية المصرية في السفارة المصرية في الرياض وافسادهم لندوة للترويج للدستور حيث كان العرف المتبع مع مثل هذه الحالات هو ترحيل المشاركين في الاحتجاجات الى بلدهم وهو مالم يتم، ناهيك عن وجود اصوات عالية داخل المملكة لسياسيين وكتاب وأساتذة جامعات وعلماء دين ودعاة سعوديين ضد الانقلاب دون أن يتعرضوا  لملاحقات واسعة (هناك بعض الردود المحدودة على بعض العلماء او المواقف لكنها ليست ظاهرة عامة)، كما توقفت الكويت عن ضخ المزيد من الأموال نتيجة تدخل نواب البرلمان، وحتى الإمارات الداعم الأكبر للانقلاب والمخطط له أرسلت اشارات سلبية للانقلابيين مؤخرا على لسان نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد الذي أعرب عن رغبته في عدم ترشح السيسي للرئاسة لأن ترشحه سيكون أمرا مكلفا للغاية للإماراتيين  بينما جهزوا هم بديلا أقل كلفة واكثر طواعية لهم وهو الفريق أحمد شفيق، في مقابل البديل السعودي ايضا الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق الذي تستضيفه وأسرته المملكة
العربية السعودية منذ عدة اسابيع.
على المستوى الأوربي تظهر مسئولة العلاقات الخارجية بالاتحاد أكثر انحيازا لسلطة الانقلاب وقد استخدمت موقعها ومهاراتها الدبلوماسية خلال الفترة الماضية لتمرير الانقلاب لكنها فشلت، وحين زارت الرئيس محمد مرسي في مكان اختطافه حاولت أن تصدر له بيانات وهمية لدفعه للتنازل من قبيل ادعائها بأن أنصاره الذين يعتصمون في رابعة والنهضة ويتحركون في الشوارع لايزيدون عن 50 الف متظاهر، لكن الرئيس ألجمها برده "لو كان الأمر
كذلك ما حضرت أنت إلى هذا  المكان".
يمكننا في هذا الاطار ان نقول ان موقف أشتون ليس معبرا بشكل كامل عن الدول الأوربية بل هو اقرب ليكون موقفا شخصيا تستغل خلاله صفتها كمنسق للعلاقات الخارجية للاتحاد لتظهر ميلها لسلطة الانقلاب بأشكال متعددة منها زيارتها السياحية الرمزية لقضاء عطلة راس السنة في الاقصر كنوع من الدعم المعنوي لسلطة الانقلاب، أما الدول الاوربية فلا تزال مترددة في إظهار اي تقارب حقيقي مع سلطة الانقلاب، وحين اصدرت هذه السلطة قرارا
باعتبار جماعة الاخوان جماعة ارهابية جاءها الرد من لندن بأن هذا شان مصري داخلي وهو الموقف الذي اعتمدته بقية الدول الأوربية بل بقية دول العالم دون الاعلان مباشرة.
كما أن الموقف الأمريكي لا يزال يراوح مكانه يتقدم خطوة ويتأخر خطوة على وقع تحركات الثوار في الشوارع والميادين، ومع استمرار الصمود  رفضت ادارة أوباما أن توجه دعوة لسلطة الانقلاب لحضور اجتماع الشراكة
الأمريكي الأفريقي في أغسطس المقبل، كما  صدرت تصريحات سلبية من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عقب نتيجة الاستفتاء الدستوري مستندا غلى ملاحظات مركز كارتر الذي رفض المشاركة في الاشراف على تلك المهزلة.
على مدار الشهور السبعة الماضية من النضال الثوري لم تستطع سلطة الانقلاب ان تحقق اي تقدم اقتصادي رغم مليارات دول الخليج التي لم تكف لسد بعض العجوزات  والاحتياجات العاجلة، بل شهد الاقتصاد المصري المزيد ن االانهيار وقد كشف احدث تقرير للبنك المركزي ارتفاع الديون الخارجية خلال الفترة من يونيو إلى سبتمبر أي الشهور الثلاثة الأولى من عمر الانقلاب إلى  3.8 مليار دولار بمعدل زيارة 8.8% ليبلغ اجمالي الدين الخارجي فقط 47 مليار ما يعادل  329 مليار جنيه  مقارنة بـ 43.2 مليار  في يونيو 2013( في عهد الرئيس مرسي)، وبذلك سجل إجمالي الدين العام المحلى 1593.4 مليار جنيه في نهاية شهر سبتمبر 2013، وليبلغ
إجمالي الديون المستحقة على مصر داخليًا وخارجيًا 1922.4 مليار جنيه، أي 1.9 تريليون جنيه، ويمكننا ببساطة أن نتوقع معدل ارتفاع الدين الخارجي في الفترة من سبتمبر حتى ديسمبر لتكون أعلى من الفترة السابقة لها  أي اكثر من 4 مليارات دولار أخرى ليصبح إجمالي ارتفاع الدين الخارجي خلال الشهور الستة الأولى للانقلاب 8 مليار دولار أي أكثر من 56 مليار جنيه مصر وهلم جرا في بقية الشهور، وازاء هذه الانتكاسات الاقتصادية
المتتابعة لم تتمكن سلطة الانقلاب من تنفيذ وعدها ببدء تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور في يناير الجاري، وتم صرف الرواتب للموظفين وفقا لجداول الرواتب القديمة، ناهيك عن استمرار ارتفاع اسعار السلع بشكل كبير، وعودة اختفاء اسطوانات الغاز والبنزين ، وانقطاع الكهرباء عن محافظات بأكملها الخ.
ومع استمرار ثورة الشعب ضد الانقلاب سيشهد الاقتصاد المزيد من الانتكاسات التي لا تجدي معها اي منشطات خليجية أو غير خليجية، فالاستثمارات الاجنبية وحتى المحلية الجديدة متوقفة وهي التي يعول عليها لخلق فرص عمل وانعاش الاقتصاد بشكل حقيقي، وستمتع أية مؤسسات مالية عالمية عن تقديم أي دعم مالي، ولا يغرنك تلك التقارير والتصنيفات الائتمانية التي تصدرها بعض المؤسسات الاستشارية الدولية بطريقة مشكوك فيها تماما أو بالاتفاق مع شركات علاقات عامة استأجرتها سلطة الانقلاب نظير مبالغ مالية كبيرة لتحسين صورتها، والدليل على عدم مصداقية تلك التقارير أننا لم نسمع عن أي شركة استثمارية عالمية قررت ضخ أموال جديدة في السوق المصري بناء على تلك التصنيفات الائتمانية الوهمية.
على مدى الشهور الماضية من عمر مقاومة الانقلاب شهد الشارع المصري تغييرات مهمة بعد أن لمس الكثيرون فشل سلطة الانقلاب في تحقيق اي اهداف اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية باستثناء استمرار  القتل والحرق والملاحقة لجزء من الشعب المصري، وقد ترجم الشعب غضبه في مقاطعة الاستفتاء الأخير، حيث  تجاوزت نسبة المقاطعة الـ90% ليؤكد الشعب ان هذه الوثيقة تلزم فقط من صوتوا عليها ولا تلزم أغلبية الشعب، وقد تسببت هذه
المقاطعة الواسعة التي ينكرونها اعلاميا لكنهم يستيقنونها في قرارة انفسهم في ارباك حسابات سلطة الانقلاب التي كانت تعول على حضور كثيف يمثل مبايعة للفريق السيسي يعلن عقبها ترشحه للرئاسة ويقوم الرئيس المؤقت بإعلان موعد هذه الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية وهو ما كان ينتظره الكثيرون لكنه لم يتم بسبب انكشاف
هؤلاء الانقلابيين امام شعبهم وأمام انفسهم، ولذلك فانهم يراهنون الآن على أخر ورقة وهي نزول مؤيديهم في الخامس والعشرين من يناير، وقد جندوا كل امكانياتهم المالية والسياسية والاعلامية للحشد لهذا اليوم حتى يكون يوم تفويض جديد للسيسي لكن مساعيهم ستفشل كما فشلت في الاستفتاء ، والفضل في ذلك بعد الله تعالى لهذه
الثورة الهادرة في الشوارع والميادين.
إلى جانب المظاهرات والوقفات طورت الثورة أدواتها بمحاصرة قيادات الانقلاب بمحاكمات دولية، حيث هناك
دعاوى في سويسرا والنمسا وبروكسل وجنوب أفريقيا، ناهيك عن التحضير لدعوى أمام محكمة الجنايات الدولية بعد أن اكتشف المحامون الدوليون طريقة للوصول الى المحكمة التي لم تصدق مصر على اتفاقيتها، وما يساعد في هذه القضايا توالي صدور تقارير منظمات حقوق انسان غربية بحق القتلى والمعتقلين وما كان لهذه التقارير ايضا أن تصدر إلا بفضل صمود الثوار في الشوارع طيلة هذه المدة، وقد بدا انفلات اعصاب قادة الانقلاب من هذه التحركات القانونية الدولية فاضطروا للجوء الى مكتب استشارات قانونية دولي كبير في الولايات المتحدة قدم لهم تصورا متكاملا لمواجهة هذه المحاكمات من خلال الضغط على جماعة الاخوان بوصفها جماعة ارهابية ومحاولة تأسيس تحالف دولي لمواجهة الارهاب في المنطقة حتى يظهر السيسي وزملاؤه حال المحاكمة باعتبارهم يقاومون ارهابا ،لكن كشف هذه الخطة على لسان المستشار وليد شرابي في حواره مع قناة الجزيرة فضح الأمر وأفسد تلك الخطة ووأدها في مهدها باستثناء اعتبار الاخوان جماعة ارهابية وهو القرار الذي لم تتجاوب معه أية دولة كما ذكرنا من قبل.
من مكاسب صمود الثوار في الشوارع على مدار الفترة الماضية حدوث تقارب تدريجي بين القوى الثورية الحقيقية، وقد شهدنا قبل أيام من الذكرى الثالثة للثورة جملة اعتذارات عن أخطاء وقعت بحق شركاء الميدان من حركة 6 ابريل وجماعة الاخوان وشبابها وحزب الوسط، وشهدت  الايام الماضية حوارات معمقة بين شركاء الميدان الذين فرقتهم دروب الانتخابات، وسيكون لذلك نتائج ايجابية على فعاليات مشتركة أو على الأقل منسقة بين تلك الأطراف
وهو ما ظهرت بوادره في  طلعت حرب ليلة الأربعاء.
تتويجا لهذا النضال المتواصل على مدار الشهور الماضية وتقارب بعض القوى الثورية من المتوقع ان يكون يوم 25 يناير وما بعده  أياما حاسمة في مواجهة هذا الانقلاب نأمل أن تتوج بإنهائه سريعا، وما ذلك على الله بعزيز.
 بقلم قطب العربي
kotb1@hotmail.com

الى الأعلى
 المصدر: الجزيرة مباشر مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق