ممدوح الولي
نتائج الاستفتاء تزيد الانقسام المجتمعي
وفسر ذلك ما كنا نشاهده في أيام مبارك من لقطات تلفزيونية حاشدة بالجمهور من المحافظات، تقوم بالتصويت في الاستفتاءات، بينما ندرك جميعا كمواطنين أن غالبية الجمهور كانوا عازفين عن المشاركة، لمعرفتهم أن عددا من الموظفين سيقوم بالتصويت بدلا منهم، من خلال عمليات التسويد للبطاقات، والتي ظهرت في فيديوهات عديدة بالمواقع الإلكترونية وبعض القنوات الفضائية وقتها.
وخلال الاستفتاء الأخير على دستور الانقلاب، قمت بجولة على عدد من اللجان الانتخابية بميدان الجيزة، وكان الإقبال محدودا للغاية، لكنني خلال اتجاهي إلى المعادي بطريق الكورنيش، وقبيل قسم شرطة مصر القديمة، وجدت طابورا طويلا أمام إحدى المدارس الشهيرة بطريقة ملفتة للنظر، ولمعرفتى بأن نائب تلك الدائرة من الحزب الوطني، أدركت مدى خبرة هؤلاء في حشد الجمهور من أجل التصوير الإعلامي.
وهو ما أكده لى زميل بالعمل من وجود طوابير بالفعل في لجنته الانتخابية خلال عملية التصوير للناخبين، وأنه في اليوم التالي ذهب إلى نفس اللجنة للتأكد من درجة الإقبال فلم يجد أحدا، ويستطيع أي إعلامي من خلال زملائه المصورين أن يعرف أسماء اللجان التي تم التركيز عليها والتي سبق تجهيزها لهم.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قرأت ما كتبته زميلات صحفيات مناهضات للتيار الإسلامي، عن عدم وجود إقبال بالمرة باللجان اللاتي أدلين بأصواتهن فيها، حتى قالت إحداهن إنها لم تكن تدرك أن لها قيمة كبيرة هكذا، لدرجة تخصيص الحكومة لجنة خاصة لها للإدلاء بصوتها، حيث لم تجد بجوارها أحدا باللجنة!
وسألت زملاء في أكثر من محافظة عن مدى الإقبال، وكانت الاجابة المشتركة أنه لم يكن هناك إقبال، وأنه كان يتم التركيز على بعض اللجان لإيجاد حشد بها، لصنع صورة مناسبة لكاميرات الصحف والفضائيات.
وفى السياق نفسه، وعندما صرح كثيرون من أنصار الانقلاب بأنه كان هناك عزوف من الشباب عن حضور الاستفتاء، وبرروه بخشية هؤلاء من عودة رموز مبارك، فإن الإعلام - الذى يصر على الكذب منذ بداية الانقلاب وخلال كل الأحداث التالية له بإنكار المذابح وإلصاق التهم بالإسلاميين دائما – أصر على أنه كان هناك حضور مكثف للشباب، ووثق كذبته بصورة لطابور من الشباب، وكانت تلك الصورة خير دليل على الكذب والتلفيق. حيث لوح كل الموجودين بالطابور برفع إصبعين بلا استثناء، إلى جانب حمل بعضهم أعلاما، بما يشير بجلاء إلى أن المشهد كان سابق التجهيز.
- ويصر الانقلابيون على أن عدد حضور استفتاء دستور الانقلاب بلغ أكثر من 20 مليون شخص، أى أكبر من عدد الحضور بالدستور الشرعي الذي حضره 17 مليون مواطن، رغم أنه مع دستور 2012 كان هناك حشد جماهيري من الجانبين بشكل قوى، وفى أجواء حرية وتطلع للمستقبل، وليس فى أجواء إطلاق الرصاص وزج بالرافضين للمعتقلات كما حدث مع دستور الانقلاب.
ويأتى ادعاء حضور 20 مليون مواطن، برغم اعترافهم بغياب الشباب، وتشهير قياداتهم بغياب أنصار حزب النور السلفى من الملتحين، وبالطبع غياب أنصار الإخوان، وقلة نسبة الحضور بالصعيد باعتراف الانقلابيين أنفسهم والذى يضم تسع محافظات.
حيث بلغت نسبة الحضور المحسنة 24% بكلا من الفيوم وأسيوط وسوهاج وقنا ، و26% بالمنيا ، و16% بمطروح ، إلى جانب غياب كثيرين من الأحزاب المدنية التي تعاطفت مع المعتقلين من جبهة 6 ابريل، أو طال أعضاءها شظايا من بطش الانقلاب.
- صحيح أنه من الطبيعى أن يكون هناك أنصار للانقلاب من الكارهين للإسلاميين، ووجود كثيرين تأثروا بالحشد الإعلامي الداعي للمشاركة، وآخرين يؤثرون السلامة في ضوء البطش العنيف من قبل الانقلاب تجاه المعارضين، وآخرين يرغبون في الاستقرار على أي وضع، كذلك أنصار الحزب الوطني، والراغبين في الترشيح في البرلمان المقبل، ورجال الأعمال الذين يهادنون أي نظام حرصا على مصالحهم، فما بالك بنظام دموي يغض الطرف عن تكسير البلطجية لمحلات ومنازل من يشتبه فقط في عدم تعاونهم مع الانقلاب، وكذلك الكثيرين من الفاسدين الذين لا يرغبون في وجود نظام عادل يمكن أن يحاسبهم على أفعالهم ، فلا شك في أن المرتشين في المصالح الحكومية، وتجار المخدرات والبلطجية والقوادين ونحو ذلك من المخالفين للقوانين لا يريدون نظاما يسعى إلى مطاردتهم.
- وبرغم الإقرار بوجود كل تلك الفئات التي يمكن أن توافق على الدستور، فإنه من خلال خبرة المصريين مع الاستفتاءات لا يتم خروج الغالبية لها، لعدم وجود مصلحة مباشرة بها، بعكس الانتخابات البرلمانية التي تتصل بمصالح محلية وروابط عائلية وعصبية مع المرشحين.
ومن هنا فإن الأرقام التي تم ذكرها عن أعداد الحضور لا تجد تصديقا لدى الكثيرين، خاصة وأن عدد القضاة المشرفين على اللجان بلغ عددهم نصف عدد اللجان، وعدد المراقبين من جمعيات حقوق الانسان لا يغطى حتى خمس عدد اللجان، ولا يستطيع أحد أن يدعى أن الجيش كان محايدا، وكذلك الشرطة التي فتكت بالمعترضين على الاستفتاء، الأمر الذي يزيد من فرص تسهيل مهمة عمليات التسويد للبطاقات الانتخابية لتحسين الصورة.
ولم تخجل اللجنة المشرفة على الاستفتاء، وهي تعلن نسبة الموافقة أكثر من 98 %، لتجعلنا أضحوكة العالم المتحضر الذى لم يعد يعرف تلك النسب منذ سنوات طويلة، وإن كانت النتيجة قد لقيت رضاء خصوم الديموقراطية.
- وأتوقع أن كثيرين من أنصار الانقلاب من التيارات المدنية الذين دفعتهم كراهيتهم للإسلاميين للسير فى ركاب الانقلاب، سيراجعون مواقفهم بعد قليل من الوقت، وهم يرون المشهد السياسي تحكم القبضة الأمنية عليه بشكل متزايد، وكذلك عندما يرون استبدالا للهيمنة الإسلامية التي رفضوها، بهيمنة أمنية وعسكرية أشد قسوة وبطشا وإقصاء.
وهكذا فقد حملت الظروف الأمنية والإعلامية التي صاحبت إجراءات الاستفتاء والاتجاه الإجباري للموافقة، ومقتل 9 من الرافضين للاستفتاء واعتقال المئات خلاله، والنتائج التي لا تلقى قبولا شعبيا، وعزوف الشباب، إلى زيادة الانقسام المجتمعي بسبب هذا الدستور وظروف ونتائج التصويت عليه، وكل تلك العوامل تشير الى أن عمر هذا الدستور لن يطول وسيتم استبداله بآخر خلال فترة زمنية قصيرة.
فلن يقبل الشباب والطلاب دستورا اختاره لهم كبار السن، بينما دفع زملاؤهم أرواحهم وحرياتهم ثمنا للاعتراض عليه، ولن يقبل أهالي الصعيد والمعروف عنهم الرجولة أن يتم فرض دستور عليهم بغير رضاهم، ولن يقبل به المصريون بالخارج الذين تظاهروا منادين بمقاطعته، ولن تقبل به أجيال ذاقت طعم العزة والكرامة ووجدوا أنفسهم مضطرين للقبول به عنوة، ولن تقبل به أسر آلاف الشهداء وآلاف المصابين وآلاف المعتقلين والمطاردين، ولن تقبل به الملايين التي خرجت تندد بالانقلاب فى مظاهرات واحتجاجات استمرت أكثر من ستة أشهر، رغم البطش والقمع وتلفيق التهم.
Elwali.mamdouh@gmail.com
المصدر: الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق