Unlike عمرو خالد
وليد أبو النجا :
كثيرة هي المشاهد الصادمة في الاستفتاء على دستور الانقلاب، وأحسب أن صورة عمرو خالد مثلت الصورة الأكثر صدمة لقطاع كبير من الشباب، صورته وهو رافع استمارة التصويت ومنكس رأسه، ومظهر تصويته بـ(نعم) للدستور. هكذا صريحة بلا مواربة ولا خجل!
وتمثلت هذه الصدمة في آلاف التعليقات على الصورة الأكثر مشاركة في ظني، ودعوات من الشباب لإلغاء الإعجاب بصفحة عمرو خالد على الفيس بوك، والتي لا يفتأ يذكِّر بالدخول عليها أكثر من مرة خلال كل حلقة من حلقاته، ويبلغ عدد معجبي صفحته أكثر من (8.450.000) ثمانية ملايين وأربعمائة وخمسين ألف شخص حول العالم، ومبادرة (Unlike) هذه نوع من التنبيه لمحبوب الشباب السابق: لقد خسرت محبيك، بل خسرت نفسك.
لقد ظل الشباب يدافعون عن أخطائه: الأخطاء العلمية في الحلقات، والخروج على ما يشبه إجماع العلماء عند زيارته للدنمارك، وعدم إفصاحه عن سبب إخراجه من مصر، وحضوره لندوة مرشح من مرشحي الحزب الوطني أثناء انتخابات 2010، وعدم مشاركته في الثورة، وتأسيسه لحزب بعد أن كان يتبرأ من السياسة، ووقوفه على الحياد بين الثورة والثورة المضادة في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، وتسجيله للشؤون المعنوية تحريضا للجنود على المتظاهرين. كل ما سبق في نظرهم قد يُعتذر عنه، أو تلتمس المعاذير، أو يغض الطرف، أو يُغتفر لجهوده السابقة في الدعوة، لكن صورته في الاستفتاء هي القشة التي ذهبت بما تبقى من محبته في قلوب الشباب.
أتذكر أول مرة رأيته فيها وأقارنها بآخر مرة، يا الله، لقد قطع الرجل بونا طويلا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كان شابا اصطحبه د. حلمي الجزار – المعتقل حاليا في سجون السيسي – في محاضرة له ليدربه على الحديث العام، كانت المحاضرة عن (الصفات العشرة للأخ المسلم) التي وضعها الشيخ البنا في رسالة التعاليم، والتي منها صفة (متين الخلق). يتكلم د. الجزار قليلا، ثم يتيح المجال للشاب المغمور حينها ليتحدث عن تعريف الصفة، وفضلها، والواجبات العملية التي تستخلص منها.
وتوقف عمرو عند وصف (متين الخلق)، وكيف فضَّل الإمام البنا وصف (متين) على وصف (حسن)، لأن المتانة تدل على القوة والثبات ... إلى آخر ما قال. استأذنت في الحديث، فقلت: إن كان ولا بد من تفضيل أحد الوصفين على الآخر، فـوصف (حسن الخلق) قطعا أفضل من (متين الخلق)، فهو الوصف الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرات الأحاديث، ومنها ما ذكرته أنت. وحاول الرجل أن يعيد فكرته بعبارات أخرى، حتى أوقفه د. الجزار، طالبا منه تجاوز هذه النقطة إلى ما بعدها.
استشار فضيلة الشيخ القرضاوي في زيارة الدنمارك بعد نشر الرسوم المسيئة، وتصور أن يمنحه الشيخ البركة، لكن الشيخ رفض، فما كان منه إلا أن ذهب مخالفا رأي من استشاره، فلما عاد توسط بخلق الله أن يصفح عنه الشيخ القرضاوي ويسلم عليه، ووافق الشيخ إكراما لهم لا له.
ولقيته مرة في وكان يستعد لمقابلة الشيخ القرضاوي، وكما يقال: من محاسن الصدف أن يكون يوم مجيئه هو يوم إعادة نشر صحف الدنمارك لرسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وسأله أحدهم: ما رأي حضرتك فيما قامت به الدنمارك اليوم من إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول؟ ابتسم الرجل كعادته، ثم قال متحرجا: المهم إن الدنمارك لا تعيد نشر الرسوم المسيئة إلا في اليوم الذي سأقابل فيه الشيخ القرضاوي!!
كان أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين، وجَّهه الإخوان للعمل مع مرتادي نوادي علية القوم، ثم لم يلبث أن قدم برنامج (إسلامنا) في التلفزيون المصري، ثم دروسا في المساجد، ولأن الناس تحب من يظهر في التلفزيون صارت دروسا حاشدة. وكأنه تم اتفاق ضمني بين الإخوان وعمرو خالد ألا يعلن الإخوان أنه واحد منهم، وألا يعلن هو انتماءه للإخوان، حتى لا تتوقف هذه الدروس.
لم أومن يوما بعمرو خالد، لكن عزَّ علي شعور الشباب بالغدر، والخيانة، وخيبة الظن في شخص بنوا مجده على أكتافهم، وها هو اليوم يرسل رسالة مزدوجة، رسالة لأصدقاء الأمس: لست منكم ولا معكم، لقد كانت مرحلة وانتهت. ورسالة لحلفاء اليوم: أنا منكم وأنتم مني، أنا معكم قلبا وقالبا.
لو كانت عليه ضغوط لا تحتمل، وهو أمر وارد جدا، لماذا لم يسافر للخارج، أو يدخل مستشفى للعلاج ولو تظاهرا، وعلى أسوا الفروض، لماذا لم يطوِ استمارة التصويت ويضعها في الصندوق، كما فعل كل الناس، ولا يعلم أحد إن كان قد صوَّت بـ(نعم) أم (لا)؟
وإلا ما معنى إظهار استمارة التصويت وتصويرها، بالمخالفة لقانون الانتخابات نفسه؟ وهل يظن أحد أن الكاميرات التي ذهبت للجنة عمرو خالد الانتخابية ذهبت مصادفة؟ لقد ذهبت خصيصا له، بتنسيق على مستوى عال، وكان الرجل كريما معها ومع أصدقائه الجدد، فمنحهم ما يريدون وزيادة.
الأخ، الأستاذ، الداعية، الإعلامي، المصلح الاجتماعي، الدكتور، السياسي، رئيس الحزب، تلك ألقاب عمرو خالد التي حملها بالترتيب الزمني، والتي يجيد التخلي عن القديم منها ويستبدله بالجديد، مع كل (نيو لوك New look) جديد يظهر به على الساحة، ولا أدري هل ننتظر لقب جديد للأستاذ، أو مكافأة بمنصب كوزير الشباب، أو نائب رئيس الوزراء لشؤون الشباب في قابل الأيام، ونعتبر لقطة الاستفتاء هي تقديم أوراق الاعتماد.
الله أعلم، إن بعض الظن إثم.
المصدر: الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق