سد عجز الموازنة على حساب المساكين.. الفلاح الضحية الأولى للانقلاب
أثار قرار الدكتور أحمد جلال وزير
المالية فى حكومة الانقلاب برفع تقدير ضريبة الأطيان الزراعية بواقع 10
أضعاف اعتباراً من الشهر الجارى، لتصبح ضريبة الفدان 200 جنيه بدلا من 20
جنيها سنويا، حالة من الاستياء والسخط فى أوساط الفلاحين.
وقال: الفلاحون ان هذا القرار المُجحف لا
يراعِى ظروف الفلاح الذى يعانى معاناة كبيرة، ولا تتوافر لديه إمكانيات
تساعده على مباشرة زراعة أرضة، ولا يتوفر السماد، فضلا عن ارتفاع الأسعار
خاصة أسعار الوقود، بالإضافة إلى وعدم وجود سياسة تسويقية لدى لدولة ليحصل
على عائد مناسب من زراعة المحاصيل وانما يترك فريسة للسوق السوداء.
وأكدوا ان القرار يحمل فى طياته غياب
العدالة الاجتماعية التى نادى بها الشعب المصرى وقامت من أجلها ثورة 25
يناير، موضحين انه لا يجوز بأى حال من الأحوال أن تدعم حكومة الانقلاب
شريحة من المجتمع على حساب شريحة أخرى، خاصة شريحة الفلاحين الذين عانوا
سنوات طويلة من التجاهل وعدم الاهتمام .
يشار إلى أن المتوسط العام للقيمة الإيجارية
للفدان تتراوح بين 18 – 20 جنيها فى السنة، ومع زيادة التقدير العام حسب
قرار حكومة الانقلاب ترتفع ضريبة الفدان من 20 إلى 200 جنيه سنويا. ومع
حالة السخط والاستياء بين الفلاحين نفى أيمن أبوحديد وزير الزراعة واستصلاح
الأراضى فى حكومة الانقلاب وجود أى تعديل فى قيمة الضريبة على الأراضى
والأطيان الزراعية هذا العام.
وقال "ليس لدى الحكومة أى نية فى التفكير فى تعديل القيمة الإيجارية حاليا"، زاعما أن الحكومة تستهدف الارتقاء بمستوى معيشة الفلاح،
والتيسير عليه وتوفير كل مستلزمات الإنتاج
لقطاع الزراعة، وتهيئة الظروف للنهوض بقطاع الزراعة دون أية أعباء - وهو ما
يتنافى مع ما يحدث على أرض الواقع-.
ورغم ادعاء حكومة الانقلاب تراجعها عن هذا
القرار وفى الوقت الذى تتنصل فيه حكومة الانقلاب من دورها تجاه الفلاح
المصرى ولا تقدم له الدعم اللازم فانه قبل صدور قرار رفع الضريبة على
الأطيان الزراعية بأيام كلف الدكتور أيمن أبوحديد- الهيئة العامة لمشروعات
التعمير والتنمية الزراعية وقطاع استصلاح الأراضي، باتخاذ الإجراءات
اللازمة لتذليل الصعوبات، التي تواجه المستثمرين السعوديين الزراعيين في
مصر، وهو ما يؤكد التناقض الذى تعانى منه هذه الحكومة.
وتضمنت تكليفات الوزير للأجهزة الفنية
المعنية بالأراضي الجديدة ضرورة تيسير اجراءات تسجيل أراضي المستثمرين،
خاصة أنهم قاموا بزراعتها بالكامل طبقا للخطة المقدمة، بالإضافة إلى توصيل
التيار الكهربائي، ودخول المعدات وحفر الآبار وزيارة الخبراء الأجانب
بضوابط محددة في حجم المياه والكهرباء والدورة الزراعية، وذلك بعد موافقة
الوزارات الأخرى المعنية بالأمر.
يأتى هذا القرار ضمن مجموعة قرارات عشوائية
غير مدروسة لحكومة الانقلاب، دون مراعاة المواطن " الغلبان" وكل همها تدبير
الموارد من أى جهة لسد عجز الموازنة حتى لو كان على حساب الفئات الفقيرة
والمعدومة.
وتعد قرارات إلغاء الدعم عن بعض السلع
الأساسية التى تداولتها وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة خير دليل على هذا
التوجه، حيث صرح محمود دياب- المتحدث باسم وزارة التموين- أنه سيتم سحب
بطاقات التموين ممن تزيد مرتباتهم عن 1500 جنيه، و1200 جنيه لأصحاب
المعاشات، وكانت حكومة الانقلاب قد كشفت فى وقت سابق عن نيتها رفع الدعم
وإلغاؤه عن المواد البترولية فى يناير الحالى، كما دخل دعم الكهرباء فى هذه
الدائرة وأعلن المهندس أحمد إمام وزير الكهرباء والطاقة الانقلابى عن
دراسة رفع دعم الكهرباء عن القادرين وإبقاء الدعم للمستحقين. كل يغنى على
ليلاه.
وحول ردود الفعل على هذه القرارات يقول
الدكتور عبد الله خطاب -أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة-: إن حكومة الانقلاب
تحاول تدبير موارد من أي جهة لسد عجز الموازنة، مشيرا إلى أنها لم تجد سوى
الفلاحين "الغلابه"، وقال أن قرار وزير المالية الانقلابى ناجم عن غياب
رؤية استراتيجية لدى هذه الحكومة، لان كل وزارة تعمل دون التنسيق مع الآخرى
قائلا" كل يغنى على ليلاه".
ويوضح خطاب أن إجراء رفع ضريبة الأطيان
الزراعية من شأنه ان يرفع القيمة الإيجارية للأراضى الزراعية بصفة عامة،
وهو ما ينعكس بالطبع على أسعار كافة المنتجات الزراعية بالارتفاع، وبالتالى
تزيد نسبة الفقر فى الريف والذى تتركز فيه أعلى نسب الفقر فى مصر.
خطأ فادح
ويقول الدكتور يوسف إبراهيم -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر-: إن هذا القرار خطأ جسيم ارتكبته حكومة الانقلاب حيث لا يمكن تطبيقه فى
أى وقت على الإطلاق، موضحا أن الفلاح يحتاج إلى دعم من الحكومة خاصة أن
تكلفة الإنتاج الزراعى مرتفعة والانتاج غير مجد لارتفاع تكلفة السماد
والتقاوى والمبيدات والرى وغيرها. ويتابع قائلا" هذه الأسباب تجعل الفلاح
يعزف عن زراعة المحاصيل الهامة والاستراتيجية"، لافتا إلى أن تطبيق هذه
الضريبة لا يجوز من الناحية الاقتصادية، موضحا ان الأولى أن تعطي الدولة
الفلاح أسعارا أعلى للمحصول لتشجيعه على الزراعة وتعطيه السماد وغيره
بأسعار مخفضة. ويشير إبراهيم الى ان مطالبة وزير الزراعة هيئة التعمير
تذليل العقوبات أمام المستثمرين السعوديين الزراعيين فى الوقت الذى يصدر
قرار برفع الضريية على الأطيان يعبر عن تناقض حوكة الانقلاب، مطالبا بضرورة
دعم الحكومة للزراعيين المصريين مثلما تدعم المستثمرين العرب.
غير مناسب
ويرى الدكتور عادل حميد- أستاذ الاقتصاد
بجامعة الأزهر- أن توقيت صدور قرار زيادة الضريبة غير مناسب على الإطلاق فى
ظل الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد. ويشير إلى أنه من المفترض قبل
فرض الضريبة مراعاة المتحصلات المالية والآثر الاقتصادى من فرضها، مؤكدا أن
الأثر الاقتصادى من جراء تطبيق هذا القرار سلبى إذ أن الاقتصاد المصرى
يحتاج إلى معونات وتمويل وليس فرض ضرائب.
ويؤكد حميد أن العامل الأساسى قبل فرض
الضرائب هو النظر إلى القطاع الذى سيتم فرض الضريبة عليه هل من المناسب فرض
الضريبة عليه أم لا ، وأيضا ينبغى مراعاة دخول تلك الفئة والدخل العام،
وكذا ارتفاع الأسعار، معتبرا أن قرارات حكومة الانقلاب متضاربة ولا تصب فى
صالح الاقتصاد المصرى.
الضحية الأولى
ويؤكد الدكتور عبد الناصرعبد العال- الخبير
الاقتصادى- ان الإنقلابيين يتركون الاموال المنهوبة والمتهربين من الضرائب
وأموال الصناديق الخاصة ومخصصات مستشارى الدولة ومن يمدد لهم الوظيفة بعد
سن الستين ويتجهون لحل عجز الموازنة من قوت الفلاحين وأرزاق الباعة
الجائلين. ويقول" الأمر المستفز أنه فى الاسبوع ذاته الذى أعلن فيه وزير
المالية الانقلابى عن نيته مضاعفة ضريبة الأطيان الزراعية لــ 10 أضعاف
أعلن حسين سالم بأنه سحب عرضه بتسوية القضايا المرفوعة ضده مقابل التنازل
عن 50 % من ثروته، كما أعلنت مجموعة ساويريس التوقف عن سداد 14 مليار جنيه
فيما يعرف بقضية التهرب الضريبى الأكبر فى تاريخ مصر".
ويضيف عبد العال "الفلاح المصرى هو الضحية
الأولى للإنقلاب، والذى أجهض برنامج الرئيس مرسى للنهوض بالفلاح والتنمية
الريفية عموما، ومن مظاهر دعم الرئيس مرسى للفلاح إعفاء 41 ألف من
المتعثرين منهم من الديون، وأيضا أجهض برنامج العدالة الإجتماعية الذى
تبناه الرئيس مرسى والذى يقضى بإعطاء أولوية لأبناء الفلاحين والمناطق
النائية والفئات المهمشة فى الوظائف الحكومية".
ويتابع قائلا" المشكلة أن إرتفاع ضريبة
الأطيان الزراعية سوف يؤدى الى إرتفاع الإيجارات ومن ثم إرتفاع أسعار
المواد الغذائية، وغالباً يتحمل هذا النوع من الضرائب إما المؤجر أو
المستهلك النهائى وليس مالك الأرض، وهذا يضاعف معاناة المصريين من جراء
إرتفاع أسعار المواد الغذائية".
ويستطرد الخبير الاقتصادىا" حكومة الانقلاب
لا تسعى إلى فرض ضرائب تصاعدية على الدخل لأن هذا النوع من الضرائب يتحمله
ذوو الدخول العالية الذين أعفوا من تطبيق الحد الأعلى للاجور بسبب دعمهم
للإنقلاب". وينوه إلى أن خطة الرئيس مرسى للإكتفاء الذاتى من الغذاء
والدواء والسلاح كانت تقضى بتقديم قروض ميسرة للمزارعين ودعم الأسمدة
والمبيدات والأعلاف ومساعدة الفلاح فى تسويق محاصيله والحصول على أسعار
تشجيعية.
ويؤكد أن نفى وزير الزراعة الانقلابى لقرار
وزير المالية الانقلابى حول نيتهم فرض هذه الضريبة بعد موجة الغضب التى
سادت الاوساط المصرية ما هو إلا نفى تكتيكى لتجنب غضب الفلاحين عشية ذكرى
25 يناير، محذرا من ثورة هذه الفئات حيث أنهم كانوا عماد الثورات الكبرى
مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الإيرانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق