الاثنين، 8 يونيو 2015

يبدو قزمًا كلما بدا بقلم : وليد أبو النجا

يبدو قزمًا كلما بدا
بقلم: وليد أبو النجا
حين أطل قائد الانقلاب بوجهه في أول زيارة رسمية له خارج البلاد إلى روسيا، وكان لا يزال وزيرا للدفاع، كتبت مقالا حينها بعنوان (بدا قزما في روسيا)، وكلما سافر الرجل كلما تأكد لي ولكل من يتابعه هذا الوصف (بدا قزما)، وتستطيع أن تُلحق بها ما يزور من البلاد وما يشارك فيه من محافل، فتقول: بدا قزما في السعودية والإمارات والكويت وأمريكا وأثيوبيا وإسبانيا واليونان والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
والأمر يتعلق بقيمة الرجل لا بقامته، كما سيتصور بعض الذين يلبسون دروع الأخلاق عند الدفاع، ويتخلون عن أي ذرة منها عند الهجوم، وسيأخذوننا إلى مناقشات وآيات وأحاديث، (لا يسخر قوم من قوم)، و"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"، ودقة ساقي ابن أم عبد و"لهما أثقل في الميزان من جبل أحد"، و(أتعيب الصنعة أم تعيب الصانع؟)، وحرمة السخرية والغيبة والنميمة وبقية آفات اللسان!
كثير من الرؤساء المعاصرين لم يكونوا فارعي الطول، فنيكولا ساركوزي وإنجيلا ميركل أقصر من عبد الفتاح بسنتيمتر واحد، ودميتري ميدفيديف بثلاثة سنتيميرات، ومن رؤساء وزراء إسرائيل عدونا اللدود، ديفيد بن جورين أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي أذل رؤساء وملوك العرب الطوال العراض كان طوله 1.52 سم، وكذلك طول إسحاق شامير.
والشاعر العربي يقول:
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر * * جسم البغال وأحلام العصافير
إذن أنا لا أتكلم إطلاقا عن قامته وطُوله وارتفاعه وضخامته، وإنما أتكلم عن قيمته وطَوْله ومكانته وقدرته.
كان محمد مرسي الرئيس المظلوم في طول السيسي تقريبا، لكن شتان بين الرجلين، رجل اعتقل من أجل الثورة وشارك فيها، ورجل دبر المكائد للثورة وحاربها، رجل يمثل الإرادة الحرة النزيهة للشعب عقب الثورة في أول انتخابات حرة نزيهة تنافس فيها ثلاثة عشر مرشحا في معركة حامية الوطيس، ورجل زور الانتخابات تحت تهديد السلاح في منافسة كومبارس أتي به لتزيين المشهد، رجل يعتبر نفسه ممثلا للمصريين جميعا الذين انتخبوه والذين لم ينتخبوه، ورجل يعتبر نفسه ممثلا لأموال أصحاب الرز الذين مولوا الانقلاب ثم مولوا حملة قائده بعد ذلك، رجل يعمل من أجل إعادة إرادة الأمة ممثلة في مجلس الشعب المحلول ظلما وعدوانا، ورجل يخشى إجراء انتخابات مجلس الشعب بعد أن أقصى منافسيه بالقتل والسجن والتشريد، شتان بين رجل الثورة ورجل الثورة المضادة، وإن استوى طولهما.
لا يجد السيسي عنتا حين يبدي من نفسه مظاهر المسكنة، فهي بابه السحري إلى الترقي، درجة فدرجة حتى وصل إلى رتبة رئيس المخابرات الحربية، حتى ولو كان كفؤا في وظيفته، لا بد من تقديم فروض الولاء والطاعة، وآيات التزلف والنفاق لمن هم فوقه، والقسوة والعسف والظلم والجبروت لمن هم تحته، هذه تقاليد العسكرية المصرية، ومن يشذ عنها فباب الإحالة إلى التقاعد مفتوح على مصراعيه.
خبِر الرجل هذه المشاعر زمنا طويلا، حتى أصبحت صفة ملازمة له أينما ارتحل، قد تشعر فيه ببعض التكلف حين يريد أن يظهر قويا حازما حاسما، لكنه على سجيته حين يظهر ذليلا متمسكنا متملقا.
يشعر السيسي بالذلة والقلة والمهانة كلما ذهب إلى الخارج، لأنه لن يقابل إلا رؤساء أفرزتهم انتخابات حرة نزيهة، أو ملوكا تعترف بهم شعوبهم، قادة غير مشكوك في شرعيتهم، حتى من وصل للحكم بالقوة منهم، لم يُرِق دماء الآلاف من أبناء شعبه ليجلس على كرسي الرئاسة كما فعل هو.
رجل واحد ربما لو قابله السيسي ذات يوم، سيشعر أنه أفضل قليلا منه، وإن كان على دربه سائر، وهو سفاح سوريا بشار الأسد.
ولا تُنسيه مظاهر الأبهة والعظمة التي يستقبل بها في عواصم العالم كما يستقبل الرؤساء الحقيقيون الممثلون لشعوبهم، بل لا تزيده هذه المظاهر إلا ذلة، وانظروا إلى صوره تنبئكم.
ومن محاسن الصدف أن يكون اسم قائد الانقلاب (السيسي)، أو كما ترجموه في حديقة حيوان الجيزة مؤخرا (شيتلند)، الحصان القزم، وأن يكون عبد الفتاح قائد الانقلاب القزم.
ورب صدفة خير من ألف ميعاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق